الاثنين، ديسمبر 24، 2012

الربيع العربي في برلين 71




كانت الساعة قد تجاوزت السادسة مساءا بقليل، وكانت الشمس تستعد للرحيل فألقت بشفقها البرونزي فوق برج برلين، وكذلك فوق  منارات الكنائس التى برزت صلبانها من بين عمائر العاصمة، وكان المشهد رائعا، فدفعنى لأن أتقدم بالشكر للنائب وبدأنا نتعرف على بعضنا البعض.

أخبرني بأنه زار القاهرة ضمن وفد برلماني في شهر يوليو الماضي وأنه مهتم كثيرا بمصر وبما يحدث فيها لا سيما وأن أخته متزوجة من مصرى، ثم سالني عن انطباعي عن البرلمان الألماني، فقلت له : إن الدكتاتورية أسهل بكثير.
 
وحكيت له ما حدث وقمنا به اليوم من محاكاة للبرلمان، وكيف أن الديمقراطية تستهلك وتستنفذ الكثير من الوقت والجهد والمال، ثم أنها في الحقيقة لا ينتج عنها سوى قرارات دكتاتورية، وما على الأقلية سوى أن ترضخ لها قائلة سمعنا وأطعنا. ورأيته قد ابتسم لي بعد أن ظل يستمع لكلامي بإنصات شديد ثم قال: 

هذه هي الديمقراطية، وهي تعنى ببساطة حكم الأغلبية للأقلية، بغض النظر عما إذا كانت أرآء هذه الأغلبية على صواب أو على خطأ، وأنا أعلم جيدا أن الديمقراطية ليست هي أفضل نظم الحكم ولكنها أفضلها حتى الآن، وعلى الجميع أن يعرف قواعدها ثم يتقبلها حتى يمكنه أن يحقق بها أفضل النتائج.

وقطع حديثنا سؤال الجرسون الذي ما إن اقترب منا حتى انحنى انحناءة خفيفة بعثت إلينا بكثير من الاحترام وقال: ماذا يمكننى أن أقدم لكما من مشروبات ومأكولات؟  فطلب كلانا كوبا من عصير المانجو، ثم اخترت من قائمة الطعام رقم 25 بعد أن طلبت تعديلا بسيطا عليه، فقد احتوى الطلب في البداية على لحم بقري مع بطاطس بالفوتكا، فاستئذنته أن تكون البطاطس بالزيت العادي وليست بالفوتكا؟!!

وانتقلنا إلى الحديث عن مصر وما حدث وما يحدث فيها، وكان لديه فضول كبير في معرفة كيف وصل الإخوان للحكم، وما مدى قوتهم وقدرتهم على اجتياز المرحلة المقبلة خصوصا بعدما أصبح منهم الرئيس الذي أطاح بالعسكر، وجاءت إجابتي صادمة له بعض الشئ- هكذا قال لي-  فقد أخبرته بأنه بعد الثورة لم يبقى من المؤسسات سوى مؤسستين قويتيين منظمتيين هما " الجيش والإخوان" وكلاهما أراد بسط سيطرته الكاملة على المشهد فإن لم يستطع فعلى الأقل أن يستفيد منه، وقد بدى هذا الأمر واضحا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة حينما وقف الجيش وبشدة خلف الفريق أحمد شفيق، وحشد الإخوان كذلك كل ما يملكوه للوقوف خلف الدكتور محمد مرسى، ولأن الإخوان لديهم الخبرة الميدانية وكثير من المصداقية التى استطاعو كسبها على مدار سنوات ليست بالقليلة على أرض الواقع فقد نجحوا على الرغم من الكثير من المعوقات التى وضعت في طريق مرشحهم!

وصدمه رأيي مرة أخرى عندما سمع إجابتي على السؤال الذي قام بطرحه: هل تعتقد أن الإخوان سيحصلون على نفس النسبة في البرلمان القادم؟ فقلت له نعم أرى أن الإخوان سيحصلون على نفس النسبة إن لم يكن أكبر من التى حصلو عليها في البرلمان الذي تم حله، وأخذت أدلل له على صحة رأيي فقلت: إن الإخوان لديهم خبرة كبيرة في الانتخابات وقد حصلو على نسبة 40 في المائة من المقاعد في البرلمان السابق على الرغم من أنهم لم يترشحو سوى على 50% فقط من المقاعد، فماذا لو وزعوا مرشحيهم على 100% من المقاعد؟ وماذا أيضا لو تحالف معهم السلفيين إذا ما شعر كلاهما أو أحدهما بالخطر؟

وقاطعنى بقوله ولكن الإخوان لم يحصلوا في الانتخابات الرئاسية سوى على 52% من أصوات الناخبيين الأمر الذي يظهر انخفاضا كبيرا في شعبيتهم . فقلت له كلامك صحيح ولكن لا بد من التفريق بين الانتخابات الرئاسية والاستفتاءات وبين الانتخابات البرلمانية، فلكل منها عوامله المساعدة وظروفه، وقلت له بأن التكتلات الحزبية والدينية تلعب دورا كبيرا في الانتخابات الرئاسية، ولكنها لا تستطيع لعب هذا الدور في الانتخابات البرلمانية وضربت له مثالين أحدهما بالإخوة الأقباط والثاني بالأخوة الصوفيين، فإن بإمكانهما تغليب الكفة لصالح مرشح بعينه في الانتخابات الرئاسية بينما لا يمكنهم فعل ذلك مطلقا في الانتخابات البرلمانية لأنهم ببساطة لا يعيشون في دائرة انتخابية واحدة! واقتنع برأيي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق