السبت، أغسطس 30، 2014

الأخلاق في القرآن 14


 تابع أخلاق الفرد في القرآن


غض البصر والواقع!

في البيت.. كيف يمكنني مشاهدة أخبار، أومتابعة برامج، أو حتى رؤية أفلام من دون النظر لإمرأة  تقرأ الأخبار، أو تظهر في برنامج، وما أكثرهن ؟!
في العمل.. كيف يمكننى أن أتجنب رؤية زميلاتي، أو التحدث إليهن، أو قضاء حوائج العملاء من النساء دون أن أنظر في وجوههن؟
في الشارع.. كيف لى أن أغض بصرى عن مئات بل ألوف من الفتيات الائى يمررن أمامي، ويصعدن داخل الحافلات، فيجلسن بجواري ثم يقفن فينزلن؟
كيف لى وأنا أعمل في السياحة أن أتجنب النظر إلى من أرشدهن؟ كل هذه الأمور تبدو بديهية، ولكن عندما تصطدم بواقع تفاسير هذه الآية "غض البصر" لن تجد الأمر مريحا.. على الأقل ستشعر بتأنيب الضمير!
فما الحل وما السبيل؟!
والحال كذلك بالنسبة للنساء... فهن مأمورات بغض البصر أيضا.
وتبقى الشعرة التى بين الشهوة وعدمها هي الفيصل بين الحلال والحرام!

واقعنا وعدم غض البصر...!

في واحدة من عشرات الدراسات التى ظهرت مؤخرا وقامت بها منظمة تدعى (خريطة التحرش)[1] بالتعاون مع المؤسسة الاستشارية للشباب والتنمية (اتجاه) وبدعم من المركز الدولى لبحوث التنمية IDRC، أكدت المظمة أن 95% من الإناث اللائي أجريت عليهن الدراسة وعددهن 500 امرأة، تعرضن للتحرش الجنسي! 
وفي الجرائد اليومية، والأسبوعية، والمجلات بأنواعها، تقرأ عشرات بل مئات من الأخبار عن التحرش، وتقارير تتبعها تقارير، كلها تتحدث عن التحرش، وتحليلات تتبعها تحليلات، جميعها عن التحرش، والجميع مجمعون على أن البداية تكون بنظرة!
ورحم الله شوقي حينما قال:
نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فموعد، فلقاء!
ومات شوقي وتغير الزمان وأصبحنا نقول:
نظرة، فتحرش، فاحتكاك، فاغتصاب!
إنه بحق، واقع مرير...!


[1] http://harassmap.org/ar/wp-content/uploads/2013/03/Towards-A-Safer-City-Executive-Summary-Arabic.pdf

السبت، أغسطس 23، 2014

الأخلاق في القرآن 13



تابع: أخلاق الفرد في القرآن
2- خلق غض البصر والاحتشام
كان هذا فيما يتعلق بالأمر القرآني بغض البصر، وما ذكره المفسرون، معتدلهم ومتشددهم، وما اهتديت إليه من فهم لمراد الله. ولقد عودنا القرآن الكريم في معظم أوامره ونواهيه، أن يذكر تعليلا لما يأمر به أو لما ينهى عنه؛ ففي الأمر بطهارة النفس ذكر العلة وهي الفلاح (قد أفلح من زكاها)[1]، وفي الأمر بإقامة الصلاة ذكر العلة وهي النهي عن الفحشاء والمنكر (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)[2]، وفي الأمر بالصيام ذكر العلة وهي التقوى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)[3]، وفي الأمر بالزكاة ذكر العلة وهي طهارة الأموال وإنماؤها (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)[4]، وعندما حرم الله سبحانه وتعالى الطيبات على اليهود علل ذلك بسبب ظلمهم (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا)[5]، وهكذا في معظم ما أمر الله به وما نهى عنه[6].
 وها هو القرآن الكريم يذكر لنا العلة من غض البصر وحفظ الفرج، فيقول عز من قائل: (ذلك أزكى لهم)، فما معنى أزكى، وما المقصود من ورائها؟ ولماذا ذكر الله هذا التعليل مع الرجال (ذلك أزكى لهم) ولم يذكره مع النساء، فلم يقل: (ذلك أزكى لهن)؟
ولم أجد في ما وقعت عليه يدي من تفاسير جوابا على السؤال الثاني، فزاد فضولى، وازدادت حيرتي، وتذكرت الدراسة الحديثة التى قام بها علماء ألمان على رجال ذكروا أنهم يشاهدون الإباحيات، تلك الدراسة التى أثبتت أن من يشاهد الإباحيات من الرجال تتضائل ذاكرتهم يوما بعد يوم، فهل تتضائل هذه الذاكرة عند الرجال دون النساء؟! هكذا تساءلت!
ووجدتنى أعود إلى التفاسير قديمها وحديثها، أبحث عن معنى "أزكي"، علّنى أجد جوابا يقضى على فضولى، وينهي على حيرتي، فبدأت كعادتى بأقدم كتب التفاسير؛ تفسير الطبري، فوجدته وقد فسر قوله تعالى (ذلك أزكى لهم) بأنه أطهر لهم عند الله وأفضل[7] . وقريب منه قال البغوي في معالم التنزيل "خير لهم وأطهر"[8]. وبمثله قال ابن الجوزي " خير وأفضل"[9]،  ورأى القرطبي أن غض البصر وحفظ الفرج أطهر في الدين، وأبعد من دنس الآثام[10]، وبمثله قال بن كثير في تفسيره[11]، وسيد قطب في الظلال[12]، والدكتور أسعد محمود حومد في أيسر التفاسير[13] ، إلا أن تفسير أزكي بأطهر وأفضل وخير، لم يوقف فضولى ولم ينهى على حيرتي؛ لأنه لم يوضح إلى أي مدى هو أطهر، وإلى أي مدى هو أفضل، وكيف يكون خير، ولماذا؟! وواصلت البحث، فانتهى بي الأمر إلى تفسير السدي الكبير، فوجدته وقد أضاف معنى جديدا إلى المعاني السابقة،  أضاف معنى "أنمى" وتبعه بشرح توضيحي فيه بعض إشارات إلى ما توصلت إليه نتيجة الدراسة الألمانية سالفة الذكر: " قوله: (أزكي لهم) أي أطهر وأطيب وأنمى لأعمالهم، فإن من حفظ فرجه وبصره طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه، فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن غض بصره أنار الله بصيرته..." [14]
 .... من غض بصرة أنار الله بصيرته!!!
  وسرعان ما هرعت إلى معاجم اللغة العربية وقواميسها، أتحقق من المعنى الجديد الذي أضافة السعدي إلى ما سبقه من تفاسير، فوجدته وقد أصاب المعنى؛  ففي معجم المعاني الجامع: أزكى الزرع بمعنى نما، وأزكى المال أي نمّاه ووفره، وفي قاموس المعاني: أزكى الشئ بمعنى نما وزاد، وفي معجم اللغة العربية المعاصر: أزكي طعاما بمعنى أحل، أو أجود طعاما، وفي معجم كلمات القرآن: أزكى لكم (سورة البقرة الآية 232) أي أنمى وأنفع لكم، وأزكى لكم (سورة النور الآية 28) أي أطهر لكم من دنس الريبة والدناءة[15]. وهنا ازددت حيرة إلى حيرتي، وفضولا إلى فضولي، وأضيف إلى تساؤلاتي تساؤلا جديدا: لماذا اختار المفسرون أطهر وأفضل وخير، ولم يختاروا أنمى وأوفر وأزيد؟!


[1] سورة الشمس: الآية 9
[2] سورة العنكبوت: الآية 45
[3] سورة البقرة: الأية183
[4] سورة التوبة: الآية 103
[5] سورة النساء: الأية 160
[6] http://www.nabulsi.com/blue/ar/print.php?art=10846
[7]  الطبرى، ابن جرير، الجزء 17، ص 254
[8] البغوي، معالم التنزيل، الجزء 6، ص 32
[9] ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ص 994
[10] القرطبي، الجزء 15، ص 202
[11] ابن كثير، تفسير القرآن العطيم، الجزء 6، ص 39، 40
[12] سيد قطب، في ظلال القرآن، تفسير سورة النور، الآية 30
[13] د. أسعد محمود حومد، أيسر التفاسير864
[14]  عبد الرحمن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 615
[15] http://www.almaany.com/home.php?language=arabic&lang_name=%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A&word=%D8%A3%D8%B2%D9%83%D9%89

الخميس، أغسطس 21، 2014

الأخلاق في القرآن 12



تابع أخلاق الفرد في القرآن
2 خلق غض البصر والاحتشام



 وفي القرن الثامن الهجري جاء بن كثير[1] بأقوال بها مزيد من التشدد ليحرم النظر إلى الشاب الأمرد ( وهو الشاب الذي لم تنبت له لحية)[2] فقال ما نصه: "وقد قال كثير من السلف: إنهم كانوا ينهون أن يحد الرجل بصره إلى الأمرد، وقد شدد كثير من أئمة الصوفية في ذلك، وحرمه طائفة من أهل العلم لما فيه من الافتتان، وشدد آخرون في ذلك كثيرا جدا." [3]
أما شيخ الإسلام  بن تيمية[4] فقد ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، ويبدو أن فساد الأخلاق قد أخذ منحى خطيرا في تلك الفترة (القرن الثامن الهجرى) لتتحول الفتوى من التحريم إلى التكفير، ومن ثم إلى إهدار الدم، وفي هذا يقول بن تيمية: "وأما من نظر إلى المردان ظانا أنه ينظر إلى مظاهر الجمال الإلهى، وجعل هذا طريقا له إلى اللّه، كما يفعله طوائف من المدعين للمعرفة، فقوله هذا أعظم كفراً من قول عُبَّاد الأصنام، ومن كُفْرِ قوم لوط. فهؤلاء من شر الزنادقة المرتدين، الذين يجب قتلهم بإجماع كل أمة، فإن عباد الأصنام قالوا‏:‏‏(‏‏مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) سورة الزمر: 3[5]
وجاء العصر الحديث ليزاد منحنى فساد الأخلاق خطورة، فتنتج عنه تحولات خطيرة في السلوك البشرى، يذكره صاحب الظلال (سيد قطب) قبل أن يصدر حكمه بتجنب الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام، فيقول: "ولقد شاع في وقت من الأوقات أن النظرة المباحة، والحديث الطليق، والاختلاط الميسور، والدعابة المرحة بين الجنسين، والاطلاع على مواضع الفتنة المخبوءة .. شاع أن كل هذا تنفيس وترويح، وإطلاق للرغبات الحبيسة، ووقاية من الكبت، ومن العقد النفسية، وتخفيف من حدة الضغط الجنسي، وما وراءه من اندفاع غير مأمون . . . الخ .
شاع هذا على إثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه من الحيوان، والرجوع به إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين! - وبخاصة نظرية فرويد - ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية، رأيت بعيني في أشد البلاد إباحية وتفلتا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والدينية والإنسانية، ما يكذبها وينقضها من الأساس.
نعم . شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي، والاختلاط الجنسي، بكل صوره وأشكاله، أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها. إنما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع ! وشاهدت الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهوما أنها لا تنشأ إلا من الحرمان، وإلا من التلهف على الجنس الآخر المحجوب، شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه . . ثمرة مباشرة للاختلاط الكامل الذي لا يقيده قيد ولا يقف عند حد؛ وللصداقات بين الجنسين تلك التي يباح معها كل شيء ! وللأجسام العارية في الطريق، وللحركات المثيرة والنظرات الجاهرة، واللفتات الموقظة. وليس هنا مجال التفصيل وعرض الحوادث والشواهد . مما يدل بوضوح على ضرورة إعادة النظر في تلك النظريات التي كذبها الواقع المشهود."
هكذا شاهد سيد قطب، وهكذا يقرر، فيقول: "وفي الآيتين المعروضتين هنا نماذج من تقليل فرص الاستثارة والغواية والفتنة من الجانبين: (قل للمؤمنين:يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم . ذلك أزكى لهم . إن الله خبير بما يصنعون) وغض البصر من جانب الرجال أدب نفسي، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام . كما أن فيه إغلاقا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية. ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم!"[6]
وأيما كان الأمر من غلو في التفسير أو اعتدال فيه، فالمتدبر للأمر الإلهي يجد أن الله عز وجل قد أمر المؤمنين والمؤمنات بغض أبصارهم وأبصارهن، من دون أن يحدد الأشياء التى يجب عليهم أن يغضوا أبصارهم عنها، تركها سبحانه وتعالى عامة، وقد يكون في هذا دليل على أن هذا الأمر متروك لكل زمان ولكل بيئة ولكل ثقافة! قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم كلٌ حسب زمانه، وحسب مكانه، وحسب ثقافته، وحسب بيئته، شريطة أن يكون النظر خال من الشهوة التى قد ينتج عنها خلل اجتماعي!


[1] توفي سنة 747 هـ
[2] قال ابن منظور في لسان العرب في تعريف الأمرد تحت مادة (مرد):-  والأمرد : الشاب الذي بلغ خروج لحيته، وطر شاربه ، ولم تبد لحيته.
[3] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، الجزء6، ص 40
[4] توفي 728 هـ
[5] مجموع فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية،الجزء 15، ص
[6]  سيد قطب، في ظلال القرآن الكريم، تفسير سورة النور الآية 30

الثلاثاء، أغسطس 19، 2014

الأخلاق في القرآن 11



تابع 2- خلق غض البصر والاحتشام
 
يقول المولى عز وجل في سورة النور الآيتين 30-31 (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وبالبحث في التفاسير من حيث الترتيب الزمني لها، وجدت أنه كلما اقترب المفسر من العهد الأول لنزول الوحي كلما جاء تفسيره لهاتين الآيتين تفسيرا بسيطا ليس به غلو، وكلما ابتعد الزمن بالمفسر وكانت أخلاق مجتمعه سيئة، كلما ازدادت القيود في تفسيره وكثر معها الغلو، فها هو الطبري[1] الذي عاش في القرن الثالث الهجرى، في عصر اتسم بالمحافظة على الأخلاق والبعد عن الرذائل يفسر قوله تعالى (يغضوا من أبصارهم ) تفسيرا عاما لا تكليف فيه فيقول:  يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاههم الله عن النظر إليه[2] ، وأفهم من تفسيره هذا أن النظر إلى الوجه والكفين مباح  شريطة أن يكون بغير شهوة، وقد أكد الطبري هذا المعنى بما أورده من آراء متعددة لكثير من الصحابة والتابعين عند تفسيره لقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) عندما ذكر أن المراد بما ظهر منها  هو الوجه والكفين[3]. ومثل ما ذكره الطبري ذكره أيضا الماوردي[4] الذي عاش في القرن الخامس الهجري[5] والواحدي[6] الذي عاش معه في نفس القرن[7]،   ولما كان زمان القرطبي (القرن السابع الهجري)[8] غير زمان الطبري وغير زمان الماوردي والواحدي؛ زمان انتشر فيه الفساد، وكثرت فيه رذائل الأخلاق، انعكست تلك الأخلاق على ما أورده القرطبي من آراء في تفسيره لهذه الأية، فقد أورد رأيا (غريبا)  يحرم على الرجل أن يديم النظر إلى أقرب الأقربين إليه؛ إلى ابنته وأمه وأخته، وفيما يلى نص كلامه:
 "ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمانه خير من زماننا هذا، وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرم نظر شهوة يرددها"[9] بل وقد ذهب القرطبي إلى أبعد من هذا فحرم على الرجال دخول الحمامات العامة لما فيها من كشف للعورة، وانعدام الغيرة، وفيما يلى نص كلامه: "أما دخول الحمام في هذه الأزمان، فحرام على أهل الفضل والدين؛ لغلبة الجهل على الناس واستسهالهم إذا توسطوا الحمام رمىّ مآزرهم، حتى يرى الرجل البهي ذو الشيبة قائما منتصبا وسط الحمام وخارجه باديا عن عورته، ضاما بين فخديه، ولا أحد يغير عليه. هذا أمر بين الرجال، فكيف بالنساء، لا سيما بالديار المصرية، إذ حماماتهم خالية من المظاهر التى هي عن أعين الناس سواتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"[10]


[1]  توفي سنة 310هـ
[2]  الطبرى، ابن جرير، الجزء 17، ص 254
[3] المصدر السابق، ص 257
[4] الماوردي، النكت والعيون، الجزء 4، ص89
[5] توفي سنة 450 هـ
[6] الواحدي،  الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ص 762
[7] توفي سنة 468 هـ
[8] توفي سنة 671هـ
[9] القرطبي، الجزء 15، ص 202
[10]  المصدر السابق، ص 206

السبت، أغسطس 16، 2014

الأخلاق في القرآن 10


2- خلق غض البصر والاحتشام

تراودنى أسئلة كثيرة عند البحث في موضوع غض البصر والاحتشام، كثيرون قبلى تحدثوا في هذا الموضوع، قتلوه بحثا، وأنهكوه دراسة،  أريد أن أعالجه من زاوية لم يتطرق إليها أحد، أود أن أستفيد من عشر سنوات قضيتها في السياحة مع عوالم مختلفة، تفكيرا وثقافة، تعليما وأخلاقا، أريد أن أعرف هل الأمر القرآنى بغض البصر والاحتشام ملزم للمسلم الذي يتعامل مع الأجنبيات أو الذي يعيش في بلد غربي (ألمانيا على سبيل المثال)، والذي يرى أهله أن من آداب اللياقة (الإتيكيت) أن ينظر المتكلم إلى من يشاركه الحديث! أريد أن أصل إلى مفهوم عام للاحتشام، وقاعدة توضح حدود غض البصر.

وسأبدأ الحديث من حيث انتهت إليه دراسة ألمانية حديثة جدا (مايو 2014)، هذه الدراسة نشرت في دورية أمريكية مشهورة تسمى (جاما للطب النفسي)، وقام بها أساتذة متخصصون تابعين لمركز ماكس بلانك الألماني تحت قيادة الدكتورة  سيمونة كون والدكتور يورجن جاليانت[1]، وما أن صدرت هذه الدراسة حتى تلقفتها صحف ومجلات ألمانية، فأعادت نشرها تحت عناوين صادمة[2] من قبيل " من يشاهد الإباحيات كثيرا فإن ذاكرته تتضائل" صحيفة بيلد [3]، و لوسي نيوز[4] الألمانيتين مثالا، في حين أن العنوان الموجود على الموقع الرسمي لمركز ماكس بلانك يشير إلى أن مشاهدة الإباحيات بكثرة يقلل من قدرات جهاز المكافأة الدماغي. وقد أجريت هذه الدراسة على نحو 64 رجلا تتراوح أعمارهم بين 21- 45 سنة، تبين أن جهاز المكافأة الدماغي لديهم به قصور وظيفية، نتيجة مشاهدتهم الأفلام الإباحية، فقد كان من بين الأسئلة التى وجهت إليهم: كم عدد الساعات التى تقضيها في مشاهدة الإباحيات؟ وكانت أربع ساعات أسبوعيا هي متوسط الإجابات التى حصل عليها الباحثين[5]! ترى كيف عالج القرآن الكريم هذه المشكلة؟
يقول المولى عز وجل في سورة النور الآيتين 30-31 (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وفي شرح وتفسير هاتين الآيتين وردت آراء كثيرة سأحاول جمعها في المرة القادمة، أسأل الله العون والتوفيق!


[1] https://www.mpib-berlin.mpg.de/de/presse/2014/06/wer-viele-pornos-schaut-hat-ein-kleineres-belohnungssystem
[2] https://www.youtube.com/watch?v=8_gK0xh557k#
[3] http://www.bild.de/news/ausland/pornografie/studie-wer-pornos-guckt-hat-kleineres-gehirn-36192790.bild.html
[4] http://de.locinews.com/Wer_Pornos_guckt,_hat_kleineres_Gehirn-8837217.html
[5] https://www.mpib-berlin.mpg.de/de/presse/2014/06/wer-viele-pornos-schaut-hat-ein-kleineres-belohnungssystem

الأربعاء، أغسطس 13، 2014

الأخلاق في القرآن 9



تابع 1- خلق طهارة النفس



أما ما خلصت إليه من نتائج فجاءت على النحو التالي:-

%80يرون أن سبب طهارة النفس يعود إلى الفطرة والأسرة والدين معا، في حين يرى 10% أن الدين وحده هو السبب في طهارة النفس، وأرجع 10% السبب في طهارة النفس إلى الأسرة وحدها!
واتفق الجميع بنسبة 100% على أن طاهر النفس هو الشخص الذي لا يحمل الضغينة لأحد، في حين تباين اختلافهم في توصيف طاهر النفس في الوقت الحاضر، فوصفه 30% بالمتزن، ونعته 50% بالأحمق، واختار 15% صفة الساذج، ورأى 5% أنه طبيعى. وفي الإجابة على سؤال: هل أنت طاهر النفس؟ أجاب 70% إلى حد كبير، و20% إلى حد ما، واختار 10% الإجابة بنعم. واتفق 65% على أن طهارة النفس لها مردود إيجابي على الفرد، في حين رأى 30% أن هذا المردود قد يكون إلى حد كبير، ورأى 15% أن المردود ضعيف (إلى حد ما). في حين رأت الغالبية العظمى 70% أن لطهارة النفس مردود إيجابي على المجتمع (إلى حد كبير)، بينما رأى 30% أن المردود يكون ضعيفا!

من هذه النتيجة يتبين لنا أن الفطرة والأسرة والدين كلها عوامل تغذى خلق طهارة النفس في الفرد، وأن طاهر النفس هو الشخص الذي لا يحمل الضغينة لأحد، وعلى الرغم من ذلك فإن النسبة الكبيرة تراه إما أحمق أو ساذج، وهي ذات النسبة التى رأت أن نفسها طاهرة، ورأت كذلك أن لطهارة النفس مردود إيجابي على الفرد وعلى المجتمع!
وعلى كلٍ فإن هذه النتيجة ليست بالقاطعة؛ فهي نتاج مجهود فردي بأدوات بدائية، كما أن الفكرة المبنى عليها أسئلة الاستطلاع جديدة، فلم أعلم أن أحدا أجرى استطلاعا للرأي ليسأل عن طهارة النفس، وهو الشئ الذي قد يغفر لى إن حدث ذلل أو تقصير!
وبهذا الاستطلاع ينتهي الحديث عن خلق طهارة النفس ليبدأ حديث آخر عن خلق فردي جديد ركز عليه القرآن الكريم في بعض آياته؛ خلق غض البصر. نسأل الله العون والتوفيق!

الأحد، أغسطس 10، 2014

الأخلاق في القرآن 8



 تابع 1- خلق طهارة النفس


ولطهارة النفس أثر كبير على المجتمع بأكمله، فإنها إن وجدت في المجتمع المسلم؛ فإنّها وحدها من أعظم وسائل الدعوة إلى دين الله، فإنّ الناس إذا رأوا جمال خلق المسلم وحسن معاملته وأدبه وطيب كلامه؛ ينجذبون إليه ويميلون إلى دينه الذي تربى عليه، وأوصله إلى هذا الجمال والرُّقيّ، فالإسلام دخل كثيراً من البلاد - كشرق آسيا وبعض إفريقيا - بأخلاق تجار المسلمين وحسن معاملتهم وصدقهم. ولا يمكن أن تقوم حضارة راقية إلا على معاملة طيبة وأخلاق راقية، وكل حضارة تنقصها الأخلاق والمعاملات الصالحة فهي مهددة بالزوال. وأذاها لشعوب الأرض وإفسادها وتهديدها بالدمار، سيكون أكبر من الخيرالذي تقدمه أو تسعد به البشرية.[1]
ولطهارة النفس كذلك أثر كبيرعلى المجتمع من حيث التراحم والتكافل والمؤازرة على الخير والتعاطف، فعندما تسكن القلوب وتطمئن ينتج فيما بينها تراحم، فتتكافل وتتآذر، ومن ثم تتعاطف، قال صلى الله عليه وسلم ـ من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما:- "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"[2]. وقد وصف الله عباده بالتواصي بالرحمة، فقال: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)[3]
وعندما تستقيم النفوس على طاعة الله سبحانه وتعالى، ويعرف كل إنسان حقه وواجبه، وتعمر قلوب المؤمنين المحبة الخالصة لله ورسوله والرحمة والشفقة على العباد، ويسود التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع، فسيهنأ المجتمع بحياة كريمة. أما إذا انتشرت المعاصي في المجتمع ببعد أفراده عن طهارة النفس فسيكون هذا سببا لعقاب الله بالجوع والخوف والبغض والكراهية، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [4]، وقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَت أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [5] نسأل الله المنان أن يرزقنا تزكية النفس، واستقامتها على طاعة الله عزّ وجل، وأن يبعد عنَّا زلل النفس وسقوطها، إنَّه على كل شيء قدير.

كان هذا فيما يتعلق بطهارة النفس من جانب ما جاء في القران الكريم، وما تناوله المفسرون في تفاسيرهم، والكتاب في كتبهم، وأثر طهارة النفس على الفرد وعلى المجتمع. أما ما يتعلق بواقعنا الحالى من طهارة النفس فأرى أننا وللأسف الشديد بعيدون كل البعد عن طهارة النفس وتزكيتها، وليس هذا مستغربا؛ فدراستى في الأزهروهو المعنى بتعليم الدين الإسلامى- قد ركزت أشد التركيزعلى طهارة الجسد، متجاهلة تماما طهارة النفس، ففي كتب الفقه التي يدرسها طلاب الأزهر حتى هذه اللحظة يوجد فصل كامل عن الطهارة (طهارة الجسد) دون أي كلام أو إشارة عن طهارة النفس، على الرغم من قلة عدد الآيات التى تحدثت عن طهارة الجسد وكيفيتها، مقارنة بطهارة النفس وفضلها. وقد أجريت استطلاعا للرأي بعثت به لأربع فئات من أصدقائي ومعارفي على موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك، الفئة الأولى: تضم مسلمين مقيمين في مصر، والفئة الثانية: تضم مسيحيين مقيمين في مصر، والفئة الثالثة: تضم مسلمين مقيمين في ألمانيا، والفئة الرابعة: تضم مسيحيين مقيمين في ألمانيا، وكان الهدف من هذا الاستطلاع هو معرفة الأسباب التى تؤدي إلى طهارة النفس، ومردودها على الفرد وعلى المجتمع، وقد جاءت أسئلة الاستطلاع على هذا النحو:
برأيك:
1- ما سبب طهارة النفس؟
 أ- الفطرة        ب- الأسرة             جـ- الدين                 د- جميع ما سبق

2- من هو طاهر النفس؟
أ- الصادق        ب- المتعاون            جـ- من لا يحمل الضغينة لأحد    د- جميع ما سبق

3- طاهر النفس في الوقت الحاضر هو:-
أ- أحمق           ب- ساذج         جـ- متزن                د- طبيعي

4- هل أنت طاهر النفس؟
أ- نعم                     ب- لا                     جـ- إلى حد كبير        د- إلى حد ما

5- هل لطهارة النفس مردود إيجابي على الفرد؟
أ- نعم                     ب- لا                     جـ- إلى حد كبير        د- إلى حد ما

6- هل لطهارة النفس مردود إيجابي على المجتمع؟
أ- نعم                     ب- لا                     ج- إلى حد كبير        د- إلى حد ما

أما ما توصلت إليه من نتائج، فسأعرضه بمشيئة الله في المرة القادمة، نسأل الله العون والتوفيق!


[1] http://www.imamhussain.org/family/3vie.html
[2] رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
[3] البلد:17
[4] النحل:112
[5] الروم:41