أولا: نبذة عن الكاتب
إبراهيم نصر الله، أردني
لأبوين فلسطينيين، من مواليد عمان سنة 1954، كاتب وشاعر وأديب، وهو واحد من أكثر
الكتاب العرب تأثيرا وانتشارا، له العديد من المؤلفات مثل براري الحمى، والأمواج
البرية، وعود، وحارس المدينة الضائعة، الشرفات وغيرها
ثانيا: ملخص الرواية
بفرح
شديد كانت منار تبتسم وتبكي وهي تراه يتقدم فوق كرسيه المتحرك صوب الغرفة الصغيرة,
وصل العتبة وأوقف الكرسي واتكأ على حلق الباب محاولاً الوقوف .. في ذلك اليوم رقص
أمامها كصبي صغير غير مصدق أي هبة تلك التي منحه إياها الله بعد هذا العمر الطويل,
وكلما أراد أن يتوقف عن الرقص استجابة لإلحاح زوجته أم الأمين وزوجة إبنه نبيلة
إندفع في الرقص أكثر . . بفستان عرس أبيض جلستْ على اللوج وأمها كانت تتطاير في
فضاء الغرفة الضيق كفراشة ولم يعد البيت سوى حقل نور, وبدأ والدها أبو الأمين يردد
كلمات الأغنية كأنه أول مرة يسمعها في حياته : ما لقيت فرحان في الدنيا زي الفرحان
بنجاحه .
أبو الأمين كان على حق حين رفض بتصميمٍ تزويجها لأول
طالب قُرب حتى كرهه إخوته الخمسة الذين كانوا يرون في منار الفتاة الأجمل والأكثر
أدباً اللائقة بأولادهم, ولكن أبو الأمين أصر على أن هذه البنت ستتعلم وستنجح
وسيرفع رأسه بها .
تقلب
أبو الأمين في فراشه وكانت امرأته تئن ألماً بعدما داهمها مرض حصى المرارة ..
المرارة ؟؟ هذه الكلمة التي تسكن في حلق أبو الأمين منذ مدة طويلة بعدما وجد إبنه
عاطلاً عن العمل ملقى في البيت مثل كيس طحين فارغ بعدما طرده رب العمل بسبب الغش
.. خرج أمين من العمل بعدما طرده المدير والتصق بالحائط وطرق على باب جارته التي
فتحت الباب بسرعة وكأنها تنتظره, جرّته من يده وأدخلته , كانت تمام المرأة المطلقة
الجميلة الجريئة إحدى أكبر مشكلات الحي. لم يكن أمين قد أنهى الصف الثالث الإعدادي
حين قرر أن يترك المدرسة وقام بأبشع الأعمال كي لا يفكر مدير المدرسة بالعدول عن
قرار فصله .
إلى
بوابة الجامعة كان يصر أبو الأمين على أن يوصِّلها وأن يراها تدخل البوابة الواسعة
الكبيرة, يتابعها وهي تبتعد وسط موجة الفتيات والشباب, وكانت منار تودعه بصمت
دون أن تفكر بنظرة زملائها وزميلاتها إليها وهم يحدقون كل صباح بإبنة سائق
التاكسي. وفي نهاية السنة الثالثة تغير كل شيء إذ لم يعد أبو الأمين قادراً على
إيصال منار إلى الجامعة بسبب آلامه التي تتزايد في ظهره, ولكن أبو الأمين كان قد
أعد العدة لذلك اليوم وطلب من أمين أن يبدأ بتلقي دروساً في قيادة السيارات ليحل
مكانه .
لا
ينكر أبو الأمين أن مولد منار كان أجمل يوم من أيام حياته, إذ كان يحس أن البيت
الذي لا توجد فيه فتاة هو بيت فارغ لا يمكن أن تنبت فيه شجرة ريحان أو شتلة نعناع,
فجاء قبل منار ولدان الأمين وعبد الرؤوف ثم جاءت منار وأخيراً جاء أنور .
كان
الحرم الجامعي جنتها وإن كانت لم تر شجرة تفاح واحدة فيه إلا أنها استطاعت أن ترى
آدمها, فلم تره مصادفة بل تقاطع تخصصاهما فكان يدرس علم النفس وكانت تدرس علم
الإجتماع, حين رأته للمرة الأولى ارتبكت, أحست أنها المرة الأولى التي ترى فيها شاباً
وسيماً ينظر إليها بخجل واضح, وحين وصَلها حياها وقال مرحباً وردت عليه
بخجل وابتعدت .. عصام أضخم طالب في الجامعة كلها, للوهلة الأولى يبدو كحارس
شخصي, متجهم على الدوام, إبن عائلة متوسطة لم تبذل الكثير من الجهد لدخوله
الجامعة, حين تمشي منار إلى جانبه تدرك أن كثيراً من الناس يستغربون ذلك الفرق
الكبير في حجميهما سواء اعتقدوا أنهما إخوان أو زوجان أو عاشقان .
قال
أبو الأمين : منار ليست صغيرة وسأشتري لها هاتفاً نقالاً !, حينها شهق الجميع فكان
الهاتف النقال بذخاً أكبر من أن تفكر فيه أسرة مثل أسرة أبو الأمين, وفي حسابات
أمين كان يرى أن كل أمر يمكن أن يُحتمل باستثناء انفراد شابة بعمر إخته بهاتف نقال
!!.
ركبت
منار لأول مرة الحافلة لترجع إلى البيت, وسار أمامها عصام واشترى تذكرتين,
ودون أن يلاحظ أحد ناولها واحدة ومضى نحو أول مقعد وجلس بينما جلست منار بجانب
النافذة. كانت تحدق في الصباح, نظرت في الإتجاه الآخر حيث يجلس عصام ومن فوق كتفه
رأته هناك واقفاً يحدق في الحافلة .. شقيقها أمين فارتجفت. كان أمين يتبعها
محاذراً أن تراه, لم يكن يعرف إن كان يريد أن يطمئن عليها أو كان يريد شيئاً آخراً
هو لا يعرفه أو لا يجرؤ على التفكير به ..
بعد
أيام .. توقفتْ قليلاً ثم نظرت حولها ثم عادت تسير من جديد دون أن تغادر البسطة
الواسعة لبوابة المكتبة لكنه تأخر, لم يحدث أن يتأخر عصام هكذا فقد قال لها في
الأمس إنه سيأتي ويصطحبها معه إلى ذلك المول الكبير وسيذهبان للسينما, وأخيراً جاء
وذهبوا إلى المول. رن هاتفها مرتين برقم غريب لم تعهده ولكنها لم تجب, ثم دخلا إلى
قاعة السينما التي كانت تعرض فيلم (There will be blood سيكون
هنالك دم ). بدأت منار تبكي بصمت حينها امتدت يده واعتصرت يداها لكنها لم تكن هناك
.
بجانب
الحائط قرب بيت صديقته تمام كان أمين يسير بحذر حينما رأى ذلك الفراغ الرهيب الذي
احتل مكان سيارتهم السوبارو, فجأة غادر مثل المجنون إلى بيته وسأل زوجته نبيلة :
أين السيارة ؟ فقالت : أبوك سلم السيارة لرجل ليعمل عليها, وقال إنه شاب محترم
ومكتب التاكسي أوصى به, حينها أخذ أمين يصرخ فقالت نبيلة : لعلها لم تنم بعد إذهب
إليها !!, فقال أمين : ماذا تقصدين فقالت : لا شيء ولكن إياك أن تعتقد أن ستائر
الشبابيك تستطيع أن تحجب النظر ! ...
قدم
يونس في اليوم التالي ليعطي نصيب أبو الأمين من أجرة السيارة اليومي, حينها أحس
أبو الأمين أنه يستلطفه, والشيء الذي خطر بباله هو أن يقوم هذا الشاب الطيب بتوصيل
منار إلى الجامعة ويعود بها .. وما حدث بعد ذلك أشرع باب النهاية على مصراعيه .
قبل
وصول يونس واستلامه السيارة كانت فكرة أن يترك أنور المدرسة محتلة البيت ليساعد
الأسرة في مصاريفها ولكن منار قالت لأنور : إياك أن تفعل هذا, لقد حاولوا معي هذا
ورفضت حين كنت في عمرك, حتى لو رأيتنا نموت لا تترك المدرسة وأنا أعدك أن كل شيء
سيتغير, بعد عام سأتخرج وأعمل ولن أتركك تحتاج شيئاً وسأعلمك .. إذا قالت
منار أنها لن تتخلى عنك فهي تعني ذلك تماماً, المهم ألا تتخلى عن نفسك .
كان
يونس يراقب صمت منار مخلفاً غيمة حزن على وجهها, وفي يوم تجرأ وقال : كنت مستعداً
لأن أدفع نصف عمري ثمناً كي أكون طالباً جامعياً لإسبوع واحد هنا فقالت منار: إلى
هذا الحد ؟. ومنذ تلك اللحظة انفرطت مسبحة الكلام بينهما وبدا لها أنه الكائن
الوحيد الذي يمكن أن يقول كل ما في قلبه دون خجل .
من
طرف الشارع وعلى بعد أربعة بيوت لا غير أشرع باب تمام وخرجت بثوبها الأبيض بينما
أوقف أمين السوبارو أمام الباب بعد أن حصل على الرخصة العمومية وزينها بالزهور
البلاستيكية وأشرع باب السيارة لتدخل تمام إلى جانبه, وطاف بها أمين في شوارع
المدينة طويلاً في ذلك الموكب المكون من سيارة واحدة ثم عادوا إلى البيت حيث كان
العرس باهتاً كالأغاني المجروحة التي تتردد فيه, حيث أغلق أبو الأمين الباب على
نفسه في حين لم تستطع نبيلة إلا أن ترقص أمام العروسين مثل أي طائر ذبيح, أما أم
الأمين فقد انسحبت بعد دخولهما بعشر دقائق في الوقت الذي كانت وشوشات الجارات تفوق
كثيراً بحجمها عدد كلمات الأغاني, وفي اللحظة التي كان يمسك فيها أمين بيد العروس
التقى بمنار وجهاً لوجه ولم يكن يلزمه الكثير من الفطنة ليفهم أنها كانت تبكي, لكن
ما لم يفهمه هو ذلك الشق الكبير في فستانها عند الرقبة !!.
أخفى
أمين عن يونس أمر حصوله على رخصة عمومية فقد كان يحس ولسبب ما أن يونس
قد استغلهم كثيراً وسرقهم وأنه لم يدفع ما كان عليه أن يدفعه لقاء عمله على
السيارة, لذلك تقرَّب منه وطلب منه مبلغاً من المال لإجراء عملية جراحية لزوجته,
حينها أعطاه يونس ما طلب بل كان مستعداً ليعطيه أكثر من ذلك أيضاً ولكن أمين كان
يتقن اللعبة, ثم بعد عشرة أيام إتصل يونس ليطلب المال فلم يجد جواباً, وبعدها اتصل
من رقم آخر فرد أمين الذي قال : نقود ؟ أي نقود أنا لم آخذ منك شيئاً !!, حينها
قال يونس : بسيطة ولكن إن كنت تتخيل أنني سآتي لأطرق باب بيتكم
وأطلب المال كشحاذ فأنت واهم, ولكن تأكد أنك حين تنسى
تماماً أنك أخذتها سأذكرك بشيء لا يمكن أن تنساه أبداً ! ...
الشيء
الوحيد الذي يبدو مستحيلاً في مدينة كهذه هو أن يلاحظ سائق تاكسي أن هناك سيارة من
نوع نيسان أو تويوتا تتابعه, لأن هذه السيارات لا تكف عن الدوران كأسراب النحل في
شوارع المدينة .. توقف أمين بعدما أوصل منار إلى المدرسة التي تعمل بها بينما توقف
خلفهم تماماً يونس مراقباً لهم . بعد أيام توقف أمين عن توصيل منار إلى المدرسة
واستطاع يونس أن يستغل الفرصة ويصل في الوقت المناسب ويوصلها إلى البيت . كان يونس
فرحاً لأن منار لم تشك فيه بكل تلك المصادفات المدبرة التي تجمعه بها, وذات يوم
سألها ببراءة متقنة : ما أخبار زميلك الجامعي الذي يهتم بك ؟ فقالت : عصام ؟ إنه
بخير, ففاجأها بطيبة لم تكن تتوقعها : الله يهنيكم !.
عملت
منار في إحدى المدارس كمشرفة إجتماعية, وفي يوم طرق عليها الباب إحدى المدرسات
لتعرِّفها على إحدى الطالبات, كانت الطالبة طويلة وجميلة وتبدو أكبر بكثير من
طالبة في الصف التاسع وإسمها تغريد, قالت تغريد : لا أستطيع أن أقول لك أو لأي أحد
في العالم ما يحدث لي !, أرجوك اتركيني أذهب أرجوك ! وخرجت, تابعتها منار دون أن
تتوقف من طرح ذلك السؤال على نفسها : أي مشكلة تلك التي يمكن أن تكسر غصناً أخضراً
إلى هذا الحد ؟. وفي صباح اليوم التالي جاءت تغريد وشرحت كل شيء دفعة واحدة كما لو
أنها تخشى أن تتراجع, كما لو أنها تريد أن تتخلص من كل ذلك السم الذي تجرعته على
مدى زمن طويل , حينها قالت منار : ألم يلاحظ أحد من أهلك ما يحدث ؟, فقالت تغريد :
أبي متوفي وأمي موجودة ولي أخوان آخران ,حينها قالت منار : هل يمكنك أن تشرحي لأمك
ما يحدث معك ؟ ولكن إياك أن تهددي أخاك الكبير فواحد مثله يمكن أن يفعل أي شيء !,
ولكن تغريد فوجئت بأخيها يلقي بأمه أرضاً وعندها لم تجد في فمها غير تلك الكلمة :
سأفضحك !!.
إلتقت
منار بعصام وذهبا لزيارة معرضاً للفنون اليابانية, فلم تكن منار قادرة على الرجوع
إلى المنزل فاليوم هو عرس أخوها, وبعدما انتهيا من زيارة المعرض فكر عصام جدياً
بالزواج منها ولكنه لهذه اللحظة لم يعمل. كانا ينحدران نحو قاع المدينة والقاعة
الفنية خلفهما حين تحركت سيارة نيسان كانت متوقفة على بعد مئة متر باتجاههما وأطل
منها يونس وأشار لمنار بالصعود, حينها صعدت منار ولم يركب عصام لأن طريقه مختلف,
ولم يمهل يونس منار فترة لتقنع عصام بأن يصعد وقال يونس : خليه عراحته !. راقب
عصام السيارة تبتعد وقد أحس بأنه أكبر غبي في العالم فقد تركها ترحل مع ذلك الشخص
وحيدة, وبعد ساعة اتصل بها عصام ولم تجب, وأعاد الكرّة ثلاث مرات لكنها لم تجب,
وبعد مرور ساعة أخرى إتصل وكان هاتفها مغلقاً, عند ذلك بدأ إحساس غريب ما يداهمه
كان أكبر من الندم .
قبل
انتصاف النهار تقدم سالم (أخ أبو أمين) من بعيد عيناه ممتلئتان بالدم وفي يده راية
سوداء, راية العار التي لا يتمنى أحد أن يراها تخفق في أي مكان, ظل يسير هائجاً
إلى أن وصل إلى البيت وقال : أرجو الله أن يكون في هذا البيت رجال يقومون بحماية
شرفهم, سأنتظر للمساء وإن لم تتحركوا فبيتي مليء بأبناء عمها الرجال !, ثم ألقى
نظرة احتقار على أمين وبصق على الأرض, فخرج أمين من البيت إلى سيارته وانطلق
كالمجنون !.
حين
انعطفت السيارة في شارع جانبي قالت منار : ليس هذا طريقنا ؟, حينها نزل يونس إلى
باب خلفي محاذي لباب السيارة وأحضر خنجراً وقال : سأذبحك
إذا تنفست !. شلّتها المفاجأة فنزلت فكانت هناك غرفة صغيرة بضوء أحمر وبدأ يعريها
من فستانها ثم خلع ملابسه. صرخت لكن حلقها الجاف أغلق طريق صرختها فبدت مثل فتاة
خرساء لا تستطيع الوصول إلى شفتيها. تلوت تحت جسده محاولة إيجاد منفذ لتخرج منه
وبعد أن فرغ رمى عليها ثيابها وقال : قولي لأخيك أن ما فعلته هو هديتي له بمناسبة
زواجه, وإن كان رجلاً فليحاول الوصول إليّ !, حينها عادت إلى بيتها تحاول أن لا
يراها أحد بفستانها المشقوق !.
في
الصباح جاءت أمها ونبيلة ليطمئنوا عليها ولكنها لم تفتح الباب وسط تساؤلات أبو
الأمين, وبعد ساعتين فتحت منار الباب لتدخل إلى الحمام, وكانت
بحاجة إلى بحر كي تغسل ما علق بها من ألم وانكسار وهذا ما أحسته, بعدها ألقت
بالفستان الثقيل نحو منتصف الحائط فتطاير منه الدم غامراً جسدها والجدران , كممت
فمها بيدها كي تكتم صرختها وأغمضت عينيها, إلتصقت بالحائط ثم سقطت فوق الفستان ,
كل محاولات أمها لمعرفة ما تعانيه ذهبت هباءاً. وبعد ثلاثة أيام خرجت من بيتها إلى
المدرسة بكل انكسار, وبهدوء شقت طريقها نحو المبنى وألقت تحية الصباح فقالت
المديرة : كلنا تأثرنا بما حدث ! فانتفضت منار : أي خبر؟, فقالت : خبر مقتل تغريد
!! حيث جاء في الخبر : تغريد الصغيرة تلقت تسع طعنات على عتبة الباب وهي تستغيث,
حيث أقدم شقيقها على قتلها وبعد ذلك سلم نفسه للشرطة حيث أفاد أنه قام بقتلها بسبب
تفريطها في شرفها حين تبين له أنها أسلمت نفسها لأحد الشباب !. وجرى تحويل المجني
عليها إلى الطبيب الشرعي حيث تبين أنها حامل في شهرها الثاني, وبعد إجراء الفحوصات
اللازمة تبين أن القاتل هو والد الجنين, وبمواجهته بالحقائق إعترف بأنه قتلها
لأنها هددته بإخبار أمها وأخويها إذا ما واصل الإعتداء عليها, وتم تحويل المتهم
للقضاء ليأخذ العدل مجراه . كانت منار تعتصر رأسها بكل ما تستطيع من قوة حينها
أبصرت المديرة بقع دم على جبين منار, وكانت جبهتها خالية من الجروح ولكن رؤوس
أصابعها كانت ممزقة !. وذات صباح وصل أحد المحضرين وسأل عن منار وقال إنها مطلوبة
في المحكمة لتشهد في قضية تغريد. كانت منار تخشى المحاكم
والشرطة وتخشى الهواء الذي يهب في الشارع ويرفع طرف فستانها رغم
ذلك كانت تلبسه لأنه يستر ذلك التكور الصغير الذي بدأت تحس به في داخلها قبل أن
ترى أثره بطناً منتفخاً .
ذهبت
المديرة مع منار إلى المحكمة ووقفت أمام ذلك الشخص الغاضب الذي ينظر إليها بكراهية
كما لو أنه اختارها ضحية ثانية, وبمجرد أن سمعت السؤال من القاضي قالت له كل شيء
دفعة واحدة وكأنها شريط تسجيل إحتفظ بكل كلمة وتنهيدة قالتها تغريد, وبعد أسئلة
أخرى أذن لها القاضي بالمغادرة ودون أن تدري وجدت نفسها تنظر إلى القاتل بصورة
لاإرادية, وكم أفزعها أن ترى وجه أمين يعود ويحتل وجهه , محطمة نهضت وعندما وصلت
إلى الباب عادت وتوقفت فسألها القاضي : هل تذكرت شيئاً آخراً ؟ لا تخافي فأنت
ستكونين في حماية القانون ! ردت : إنني حامل !!!!.
لم
يتوقف عصام عن الإتصال بها ودائماً كان ينتظرها أمام بيتها وأمام المدرسة, أكثر من
شهر مر على لقاؤهما الأخير وأخيراً ظهرت ولكنها لم تتكلم معه أبداً, حينها قرر أن
يعمل مع أبيه في محل الأقمشة ويذهب لخطبتها, وبالفعل ذهبت عائلة عصام إلى بيت
منار, وعندما ذهب أبوها ليسألها قالت : لا أريد أن أتزوج فقال أبو الأمين : ولكن
ألا تريدين أن تعرفي من الذي تقدم لخطبتك, يقول إنه واحد من زملائك في الجامعة
إسمه عصام حينها صرخت منار : لا أريد أن أتزوج !!. أعدت منار نفسها جيداً لرفض كل
من يتقدم لخطبتها وكانت على ثقة من أنها ستكون قادرة بذلك على دفن سرها في داخلها
إلى الأبد, أما أن يبدأ بطنها بالإنتفاخ فهذا ما لن تستطيع إخفاؤه .
تلبدت
السماء بالغيوم فجأة وهطل المطر, وقفت منار أمام غرفتها تنظر إلى المطر الذي حمل
لها هبة حياة غامضة, للحظات أحست أنها خارج نفسها وأنها تمشي إلى مالانهاية تحت
ذلك السيل الساقط من السماء بغزارة لم تر مثلها, وبالفعل تركت البيت ومشيت إلى بيت
نبيلة, عانقتها ثم قالت: عليك أن تستبدلي ثيابك وإلا ستمرضين وأمرض معك, لكن منار
التصقت بنبيلة قبل أن تبوح منار بسرها وتقول بصوت مجروح : أنا حامل يا نبيلة. هوى
قلب نبيلة, كانت نبيلة تحب منار فلم تكن تكبرها سوى بأربع سنوات, وكانتا صديقتين
رغم فارق السن الذي يبدو شاسعاً في عمر الصبا فقالت نبيلة : منذ متى ؟ ردت : منذ
ثلاثة شهور, فقالت : سيذبحونك ألا تقرأين الجرائد ثم التفتت إليها وقالت : سأذهب
لإحضار أمك وانطلقت صوب بيت حماتها. وقفت النساء الثلاث وجهاً لوجه مبتلات بماء
فضيحة لا يجف وصامتات كأنهن متن واقفات, ثم تمتمت أمها هاذية وهي تنظر إلى نبيلة :
سيذبحونها !!.
ذهبت
كل من منار ونبيلة وأم الأمين إلى الطبيب الأول ولكنه قال وبكل صرامة إنه لا
يستطيع مساعدتهما في إسقاط الجنين, حينها نزلا من البناية حيث كان أنور ينتظرهما,
خطا باتجاههما, كان يحس بجسده يبتعد, إنتابه حس غريب تحول بعد لحظات إلى يقين وقد
استقر نظره على جسد أخته, ثم نظر إلى بطنها وقال : لقد فعلتها ! حينها قالت أم
الأمين : طلبت منك أن تأتي لأنك الوحيد الذي يمكن أن يكون له عقل في هذه العائلة,
لقد فهمت ما حدث والآن أريدك أن تمضي معنا وإياك أن تقول شيئاً لأحد, إنها أختك
وقد آن الأوان لتقف إلى جانبها أم تريد أن يذبحوها مثل شاة وأنت تتفرج عليهم ؟,
حينها طفر الدمع من عينيه. بعدها ذهبن إلى الطبيب الثاني الذي ما أن قال المبلغ
المطلوب لإجراء تلك العملية حتى كادت نبيلة تتهاوى على الأرض, وبعد مده باعت نبيلة
إسورة ذهبية وقرطين وباعت أم الأمين إسورة أخرى وعادتا للطبيب الذي قال : قلت لكم
إنني أستطيع أن اقوم بالعملية قبل ثلاثة أسابيع والآن أصبح الوضع خطيراً ومن الصعب
إجرائها !. خرجن ومعهن أنور وكانت الفضيحة تكبر مثل كومة ناشفة من قش ولم يكن
ينقصها أكثر من عود ثقاب , وإذا بعودين يشتعلان !.
إختفت
الغيوم وسطعت الشمس الحارة وخرجت تمام للحوش, ولكن الشيء الذي لم يغب عن بالها
صورة منار وهي تعبر أمامها وخوفها الذي أطل من عينيها ويداها المرتبكتان اللتان كانتا
تشيران إلى الفضيحة, فكرت طويلاً غير قادرة أن تعرف إلى أي مدى يمكن أن تكون
مجنونة لتخبر زوجها بذلك السر القاتل !, حينها تأخر أمين على غير عادته فاستشاطت
غضباً وعندما أتى قالت: أي عاهرة تلك التي أمضيت الليل معها ؟, فقال: ليس هناك
عاهرة في الدنيا ما دمت أنت موجودة فقالت : إذهب إلى بيتك لتعرف من هي العاهرة,
إذهب إلى أختك الحامل التي فرّطت بشرفها دون أن ترى ذلك أيها الأعمى !!!. حينها
ذهب أمين إلى بيت أبيه وأدركت تمام أنها ستكون السبب في قتل تلك المسكينة التي لم
تسئ إليها يوماً . ذهب أمين إلى غرفة منار وانتزع سكيناً من المطبخ, حينها أفاق كل
من في البيت وقالت أم الأمين : تريد أن تقتلها وأنت السبب في كل ما حصل لها, ثم
سردت كل القصة وكيف أخذها يونس واعتدى عليها, فعاد الأمين إلى البيت واتصل بيونس
الذي قال : هذا الرقم الذي طلبته لم أتخل عنه حتى الآن لسبب واحد وهو الرد على
مكالمتك, أعرف أنك ستقتلني ولكنك لن تستطيع العثور عليَّ أبداً, والآن انتهت
المكالمة !.
حدثت
نبيلة أمين عن كل محاولاتهم لإخفاء الأمر فنظر إليها وأحس بالفارق الكبير بينها
وبين تمام وقال : أخطأت بحقك يا نبيلة سامحيني !, ثم أراد أن يرى منار وحين رأى أمين
منار امتدت يديه نحوها واحتضنها ثم وضع يده على كتفها وسار معها للداخل وأغلق
الباب خلفهما وبعد ساعتين خرج من غرفة منار. كلهم كانوا ينتظرون أمسك بيد
أمه وسار بها إلى زاوية بعيدة ووشوشها : سأحضر بقية المبلغ ثم خرج. صعدوا أربعتهم
إلى الطبيب فقال : آسف لا أستطيع أن أفعل أي شيء لا أستطيع أن أجري عملية خطرة
كهذه, حينها صرخ أمين : أكان لا بد أن تصعدي في سيارته أيتها .... ؟ وأكمل :
أمامكن ثلاثة أيام لإيجاد الحل وإلا ؟؟؟ دون أن يعرف أنه كان يمهد لإشعال عود
الثقاب الثاني وهو يلقي بهذا العبء على أكتافهن .
سرن
ثلاثتهن إلى بيت القابلة في الحارة المجاورة وهن يتلفتن حولهن خائفات, وقفن طويلاً
طرقن باب القابلة , ولعل طرقها الطويل هو ما أتى بكل النسوة وتجمعن ليحدقن في بطن
منار غير مصدقات أعينهن, وكانت من بين تلك النسوة واحدة من حارتهن التي أسقطت
عينيها على بطن منار وقالت : رحمتك يا إلهي اللهم نجنا !. تحسست القابلة بطن منار
وقالت : مستحيل لا أستطيع فعل شيء لا يرضي الله كما أن أي محاولة لإجهاضها ستقتلها
!. تركن القابلة وعدن إلى البيت من جديد, وحين بلغن أول الشارع كانت كل الشبابيك
مشرعة ومئات العيون تحدق بهن, وفجأة صاحت النسوة من خلف الشبابيك : إرحمنا يا ربي
واستر علينا ! كما لو أن الفضيحة لم تزل سراً .
إمتدت
يد منار إلى حقيبتها وأخرجت ورقة وأعطتها لذلك الرجل السبعيني الذي أمضت عشرة أيام
في حمايته وقالت : إنها رسالة لأهلي لا أستطيع أن أودعهم أرجوك أن تسلمهم إياها,
وفي اللحظة التي انطلق فيها الرجل أقبل موكب عرس فالتفت عبدالرؤوف إلى منار وقال :
عقبالك !. لم تكن منار جميلة كما كانت في ذلك اليوم فقد أصرت إبنة الكفيل على أن
تأخذها إلى الصالون, إذ لا يمكن أن تسافر إلى دبي من دون أن تكون في أجمل مظهر, ثم
انطلق من الموكب عدة رصاصات مما جعل منار تلتصق بالمقعد وتخفي رأسها بين يديها !.
محدقاً
بباب غرفة منار جلس أبو الأمين, أم الأمين تبكي في الداخل
ونبيلة تشاركها البكاء, رآها أبوها تدخل المطبخ
وتخرج والسكين في يدها تلمع ودخلت إلى الغرفة, رفعت السكين حاولت أن تسددها لبطنها
ولكنها لم تقدر. من بعيد جاء أنور إلى البيت حاملاً سكين من بيت نبيلة وأسرع نحو
غرفة منار وألصق ظهره بالباب وصاح كوحش : سأقتل كل من يحاول الإقتراب منها !. في
الساعة الخامسة بعد الظهر توقفت سيارة أمين أمام بيت تمام ودخل إلى البيت بعد أن
جمع كل النقود واشترى بها مسدساً, تماسكت تمام في اللحظة الأخيرة وبهدوء خرجت
وركضت خارج البيت وبيدين مرتجفتين أخرجت هاتفها النقال وطلبت الشرطة بينما اندفع
أمين إلى غرفة منار, وشاهد أنور على الباب وبيده السكين فحسب أنه أخاه سبقه وقتلها
ولكن أنور استمر بالقول : سأقتل كل من يقترب منها, حينها صوب أمين المسدس نحو أنور
لكن أصوات أبواق سيارات الشرطة كانت تتعالى أكثر فأكثر, حينها هرب أمين وبدأت
الشرطة بالعمل على القضية الأساسية وهي الإغتصاب. وبقيت منار تحت حماية الشرطة
ورجعوا إلى بيتهم بينما كان سالم عم منار أمام الباب وقال : كان يمكن أن تضعوا
حداً لهذا العار لو أنكم تصرفتم كرجال, ولكن فلتعلموا أنني لن أشرب ماءكم أو آكل
طعامكم أو أدعوكم أهلي قبل أن تغسلوا عاركم بأيديكم وابتعد !.
أوقف
عصام سيارته أمام باب أبو الأمين ونظر إلى أبيه ووجده يحدق فيه بملامح عابسة وجبين
مقطب, طرق عصام الباب مرتين وثلاثاً ثم فتحت أم الأمين بعينين ذابلتين, فقد اعتادت
على بابها مغلقاً على الدوام منذ تلك اللحظة التي وصلت فيها الشرطة وأخذت منار,
كان أبو عصام قد أخبرهما أنهما قادمان لرؤية أبو الأمين, ودخلا وألقى عصام نظرة
خجولة على أمل أن يرى منار ولكنه لم يرها ثم ظهر أبو الأمين, ومرت فترة صمت طويلة
وقلب أبو الأمين يتمزق وروحه ترف على وشك المغادرة فقال أبو عصام : نحن لم نيأس
ولذا عدنا آملين أن نسمع منكم كلاماً غير ذلك الذي سمعناه في المرة الماضية, فقال
أبو الأمين : تأخرتم كثيراً لقد ماتت منار !!. دقائق طويلة مرت قبل أن يستوعب أبو
عصام وإبنه ما حدث قبل أن يجدا كلمات العزاء الفقيرة تلك : البقية في حياتك .
بعينيها
الجميلتين المنهكتين تابعت منار حركة شامة التي بدت كوحش طليق, وعندما هدأت علمت
منار أن شامة كانت تقضي فترة سجن إنفرادي لأنها قامت بتهشيم رأس سجينة تطاولت
عليها في الساحة الخارجية, فقد بدت منار أكثر قوة وحياة بجانب تلك العملاقة التي
اعتادت أن تناديها كلما حدثتها : يا ابنتي !.
في
أيام الزيارة كان جنون عاصفة منار يشتد حين ترى السجينات يغادرن واحدة بعد الأخرى
بعد سماع أسمائهن, ولكن لا أحد حتى أنور الذي كانت تتوقع أن يحضر لم يحضر, فقالت
لها شامة : سواء كلهم سواء, تُضحي بعمرك من أجلهم ولكنهم لا يأتون, ويتعاملون معك
كما لو أنك الدنس الوحيد في حياتهم الطاهرة .
كان
مرور أي فرد من أفراد العائلة في الشارع بمثابة حفلة تعذيب جهنمية له, ومساحة
الفتيات في الحارة تقلصت فلم يعد من السهل عليهن التحرك أو الغياب طويلاً عن
منازلهن, وغدا هبوط الليل قبل عودتهن جرساً ينذر بفضيحة أخرى .
الشيء
الوحيد الذي لن يستوعبه البشر أبداً تلك السرعة التي يمر فيها الوقت, صحيح أن هناك
لحظات يحس المرء بأنها أطول من عمرٍ لكنها ومع ما يجاورها من لحظات
تتحول في النهاية إلى نهر من زمن يجري جارفاً كل ما حولهم من أحبة وجارفاً أعمارهم
أيضاً .. تأملت شامة الزمن وكأنه الأمس وكم حيرها هذا وهي تحدق إلى منار التي باتت
محط أنظار كل السجينات في شهر حملها الأخير . وفي آخر تلك الليلة من شهر أيار
أطلقت منار صرختها التي ضاعت في فضاء المهجع, وبعد أقل من دقيقة صرخة أعلى تجمعت
حولها كل من شامة وصديقتها لبنى والسجينات ثم زغردن بعد أن ولّدتها شامة : إنه ولد
!, ثم اختفى صوته بعد ثاني يوم. كلُّ من في السجن يعرفن أن وصولها لإبنها من
جديد يحتاج إلى معجزة وليس أقل من ذلك, فقلة هن اللواتي ابتسم الحظ لهن
فاجتمعن بأبنائهن بعد أن تم أخذهم لمراكز الرعاية الخاصة .
في
التاسعة وأربعين دقيقة من صباح السبت وصلت طائرة عبد الرؤوف القادمة من دبي ومعه
امرأته وولدان في الثالثة والثانية من عمريهما, وبعد عبارات التهنئة بالسلامة
وأسئلة عابرة عن حياته وحياة أسرته في دبي انتشر الصمت من جديد ثقيلاً, فعاد
عبدالرؤوف يقول : أين منار ؟ فقال أمين : إنها في البيت, وبعد وصولهم إلى البيت
سأل عبدالرؤوف مرة أخرى عن منار وازدادت حيرته عندما رأى أنور يدخل غرفة منار
ويغلق الباب على نفسه, ثم انتقلوا إلى بيت العم سالم وفوجيء عبدالرؤوف حين وصل إلى
العتبة ورأى كل تلك الأحذية التي خلعها أصحابها أمام الباب, وحين ألقى
السلام فوجيء بذلك العدد الكبير من أفراد العائلة مجتمعين, وتحدث سالم طويلاً في
الوقت الذي راح فيه عبدالرؤوف يغوص في الأرض غير قادر على احتمال أن أمراً كهذا
يمكن أن يحدث لإخته .
ثم
قال العم سالم : لقد فكرنا طويلاً ووجدنا أن الحل الذي يريح الجميع في يدك, فكل ما
نريده هو أن تذهب إلى السلطات وتتعهد بأنك ستأخذ منار إلى دبي, وربما تعمل هناك
ويرزقها الله بابن الحلال فنحن يا عم لم نعد قادرين على احتمال كلام الناس
ونظراتهم, ولا نريد أن يقول الناس إنها فوق ذلك نزيلة سجون, وبعد عدة إجراءات
سيطلبون إسم شخص من خارج العائلة يكفلها فلا تقلق من هذا فنحن نعرف شخصاً سيكفلها
وبعد أيام سيسلمها لك ! ووافق عبدالرؤوف على ذلك .. وبعد لحظات الوداع الأخيرة في
المهجع إنطلقت منار إلى أخيها وعمها الأصغر راشد الذي كان ينظر في الحائط خلف
طاولة الضابط بينما كانت منار تصافحه وتبكي, ثم انطلقوا مع الكفيل الذي قال لها :
ستكونين في حمايتي ولن يستطيع أحد أن يمسك بسوء, كانت تريد أن تقول شكراً ولكنها
لم تستطع, فنظرت إلى عمها وكم فرحت أنه كان ينظر إلى الخارج في تلك اللحظة .
في
الطريق اتصل أمين على عبدالرؤوف يقول له : إن أمك تبكي وتريد أن ترى منار ولو
للحظة, نظرة واحدة ولو كانت من خلال نافذة السيارة ستكفيها ! حينها أخذت منار
الهاتف, ولم يصل إلى أذن منار إلا عويل أشبه بالنواح, وعبثاً حاولت منار إستدراج
أمها لكي تقول كلمة واحدة ثم قالت منار لعبدالرؤوف : خذني إلى البيت لن أسامح نفسي
إن لم أودعها !. وبعد أقل من عشر دقائق دخلوا الحي باتجاه بيتهم, وقبل أن يصلوا
سمعوا سيارة تطلق بوقها ثم انضمت إليها سيارة أخرى ولا تريد تجاوز سيارتهم, حينها
قالت منار بحزن : عرس في لحظة كهذه ؟, وعندما دخلوا إلى شارعهم الضيق دخلت
السيارات خلفهم, السيارات التي لم تتوقف عن إطلاق أبواق الفرح, ثم نزل عبدالرؤوف
إلى البيت وكان متعجلاً غير مدرك لما يدور, وقبل أن يطرق الباب وجده يشرع ووجد
نفسه وجهاً لوجه مع عمه سالم وأبناء عمومته الذين أمسكوا به وجروه للداخل وهو
يحاول الإفلات دون جدوى, ثم انطلق سالم إلى السيارة وجر منار من خلفه والقى بمبلغ
من المال للسائق, وبدل أن يجر سالم منار إلى البيت دفعها بيده إلى منتصف الشارع,
حينها أدركت أن حكم الإعدام عليها قد صدر بينما كان عبدالرؤوف وأنور في الداخل
يصرخان ويطرقان الباب دون جدوى, بعدها صاح سالم : هي لك ! في اللحظة التي خرج فيها
أمين وبيده مسدسه, نظرت إليه ولكنها لم تتحرك بقيت صامتة ولم تهرب وهذا ما أربك
أمين. كانت عيناها تحدقان في الداخل حيث عويل أمها يأتيها مجبولاً برائحة الموت
وأبوها فوق كرسيه المتحرك غير قادر على أن يرفع عينيه لينظر إليها . تقدم أمين
نحوها وقال : إصرخي !! فلم تصرخ.
إمتلأت
الشبابيك بالعيون المحدقة بأمين بالذات, حينها تراجع خطوتين
وأطلق النار, وأحس للحظة أنه لم يصبها فهي لم تسقط, وأطلق
النار ثانية وثالثة فسمع صوت ارتطام جسدها بالأرض . أما أبو الأمين
فنظر إلى الأعلى يلاحق طيران ابنته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق