الثلاثاء، أغسطس 21، 2018

علي شاهين يكتب: ملخص رواية البصيرة لمؤلفها جوزيه ساراماجوا




المترجم : أحمد عبد اللطيف.
الناشر :  الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومتاحة بنسخة PDF.
قبل الدخول مباشرة فى تلخيص الرواية، لابد أن يعلم القارئ أن الرواية فى بعض أحداثها امتداداً لرواية (العمى) لنفس الكاتب، ولمن لم يقرأ رواية العمى؛ عمدت إلى تقديم مُلخص لها بشكل أزعم أنه يُسهم فى فهم الإطار العام لرواية البصيرة، ولا يحرق أهم أجزاء رواية العمى.
نحن فى نفس المدينة التى أُصيبت منذ فترة طويلة بعمى مفاجئ، انتشر كالوباء فى جميع أنحاء البلاد ولم ينج منه سوى زوجة طبيب عيون الذى أصابه العمى أيضاً، وتم أخذه هو ومن على شاكلته إلى الحجر الصحى، فتظاهرت زوجته بالعمى ودخلت إلى الحجر الذى وجدت فيه أهمالاً شديداً، واكتشفت أن هناك عنبر مليئ بالأغذية، قرر حراسه مقايضة الغذاء بنساء الحجر لممارسة الجنس معهم. إلا أن السيدة المذكورة استطاعت هى وزوجها ومجموعة من 5 أفراد مخلصين أن يهربوا من الحجر بعد أن قتلت السيدة أحد حراس العنابر الذي أراد أن يغتصبها، وسأسميهم مجازاً بـ(الفرقة الناجية). بعد الهروب بفترة وجيزة؛ انتهى العمى وعادت الأبصار إلى العيون، وانتهت الفوضى التى كانت مستشرية فى البلاد، وبعد أربع سنوات من تلك الحادثة وقعت أحداث تلك الرواية.
نحن الأن فى وقت الإنتخابات المحلية، حيث يتنافس ثلاثة أحزاب على المقاعد (اليمين، والوسط، واليسار). بعد أن قام المواطنون بالإدلاء بأصواتهم، ظهرت النتائج مُثيرة لكافة أشكال الحيرة والالتباس، فالأصوات الصالحة لم تصل حتى إلى (25%) موزعة بين حزب اليمين (13%) وحزب الوسط (9%) وحزب اليسار (2.5%) والأصوات الملغية قليلة جداً، وأكثر من 70% من أجماليها لم تنتخب أحد! فقد وضع المصوتون أوراق بيضاء، والتى تعنى ( عدم إعطاء الفرد صوته لأي مرشح انتخابي)
يسود الغضب والحيرة جميع الأحزاب، فاليمين يعتبر نفسه فائز، بينما الوسط واليسار يصممون على إعادة الإنتخابات، وهو ما تم فى النهاية بعد جدال حار وساخن. ومن أجل فهم أعمق للأزمة ولفهم هذا النمط الجديد من التصرفات، قرر رئيس الحكومة وضع جواسيس مزروعين للحديث مع العوام، واجهزة تنصت وكاميرات فديو لرصد تعبيرات الوجوه، وإلتقاط الكلمات التى لعلها تفيد فى تفسير تلك الظاهرة الشاذة، وأمر بإرسال كل هذا الكم من المُعطيات والمعلومات إلى مركز المعلومات أُنشئ خصيصاً لهذا الغرض.
تتلقى الحكومة الضربة الثانية بعد فرز الأصوات المُعادة، لنعرف أن نسبة الأصوات البيضاء (83 %). فتثور الحكومة، ويحتار الوزراء، وتقرر الحكومة إعلان حالة الطوارئ ! وعقد جلسة طارئة فى البرلمان. وكأغلب السياسيون، كان ممثلوا الأحزاب يفكرون فى أنفسهم. فهذا هو حزب اليمين يخشى أن تؤدى حالة الطوارئ لعقد حكومة إتلافية يتشارك معه فيها حزبيّ الوسط واليسار، والأخير ينتظر تلك الفرصة بفارغ الصبر حيث كانت نسبة الأصوات التى حصل عليها فى الدورتين لا تُذكر. فى النهاية يُقرر حزب اليمين ـ وهو الحزب الحاكم ـ إجراء تحقيق شامل وموسع لمعرفة المسؤول عن أزمة التصويت بالورق الأبيض، وذلك بعد الاتفاق على إقرار حالة الطوارئ.
على الجانب الآخر قررت الحكومة أن تقبض على 500 شخص ممن يُشتبه فيهم التصويت باللون الأبيض، مارست شئ من التضيق وانتهاك الخصوصيات فى الاستجوابات، لكن كانت المُحصلة صفر، حيث كان يرد من يُسئل عن سبب تصويته بالأبيض: هذا ليس شأنك، ثم إن الدستور يخول لي التصويت بورقة بيضاء، فأنا لم أفعل سوى حقي القانوني !
يُصدر وزير الداخلية بياناً، يُعلن فيه بأنه تمت معرفة سبب الأصوات البيضاء عبر أخذ عينة من الشعب (يقصد الـ500 شخص) ويشكرهم على حُسن تعاونهم، والقرار الثانى هو استمرار حبس الـ(500 شخص) لأسباب أمنية ! ويستمر الضغط، ويستمر إرسال الجواسيس تدُسهم الحكومة بين الشعب لسؤالهم بشكل غير مباشر وعفوى، فكان رد فعل الشعب مزيد من الحيرة واشعال غضب الوزراء. فالناس بدأوا يقللون من استخدام كلمة (أبيض) فى حديثهم ويقولون على الأشياء البيضاء أن لونها كلون اللبن! العجائز كانوا يتظاهرون بأنهم لم يسمعوا السؤال بحجة ضعف الصحة وكِبر السن !
يُقرر وزير الدفاع بعد مشاورة مع رئيس الوزراء فرض حالة حصار خانق على المدينة. وأن ينزل الجيش والشرطة إلى الشوارع، ووضع طوق أمنى على البيوت والمؤسسات والهيئات. ثم قامت الحكومة ببناء مخازن تُخزن فيها الأدوية و المأكولات والمشروبات حتى تُصبح الحركة داخل المدينة تحت اشراف تام وكامل وزارة الداخلية والجيش، إلا أن المشاكل تفاقمت! فهناك سين وجيم، وتضيق على كل الداخلين والخارجين من المؤسسات، والهيئات، وأسلاك شائكة، ناهيك عن أن الحركة الاقتصادية والتجارية فى المدينة اصابها الشلل (تخيل أوراق وسين وجيم وأذونات قبل وبعد الدخول او الخروج أو الحركة) ونتيجة للتدهور السريع فى الحركة الاقتصادية للبلاد تُقرر الحكومة أن تُلقى بمزيد من الحطب فى اللهب، وذلك بفرضها ضرائب لسد العجز الاقتصادى! لكنها تصدم بنقابة العمال، الذين قرروا عمل إضراب تجاه تلك السياسة، وبدأت تنتشر فى المدينة بسرعة النكات والسخريات من الحكومة ”التى بدلاً من أن تحاصر الشعب، حاصرت نفسها ! ”
انفجر الناس، فخرجوا بثورة فى الشوارع حاملين لافتات بيضاء، ولاصقين على صدورهم عبارة واحدة : أنا أدليت بصوت أبيض ! فيجن جنون الحكومة ويقرر رئيس الوزراء نقل الحكومة إلى عاصمة جديدة فى مدينة أخرى، وسحب كل الوزرارات والشرطة والجيش معهم، تاركين البلد بلا حكومة، بلا مؤسسات مما سينتج عنهم ـ طبقاً لتصورهم ـ فراغ كبير سيستغله اللصوص للنهب والسلب، وتقع البلد فى فوضى. حينها سيأتى الشعب راكعاً على قدميه، يطلب الصفح والعفو، وأن تعود الوزارة والحكومة إلى البلاد مرة أخرى. من المثير للسخرية أن الحكومة قررت الهرب بعد منتصف الليل، حتى لا يعلم الشعب، فضلاً عن أنها جعلت أمر الهروب سرى تماماً حتى تُفاجئ الشعب فى الصباح. إلا انه فى اثناء الخروج قرر الشعب إضاءة المصابيح وأعمدة الإنارة على طول الطريق الذى تستير فيه الحكومة إلى خارج البلد وكأنهم يقولون لهم ” يلا فى ستين داهية ! الجيش ظل على حدود البلدة حتى يمنع أى شخص من الخروج أو الدخول. وقعت المدينة المُحاصرة بالفعل فى أزمة فراغ، يضطر على إثرها عمدة المجلس المحلي أن يتولى أمورها، وما إن يستلم العمل حتى تقوم الحكومة ـ بمساعدة بعض أعوانها فى الداخل ـ بإشعال النيران ووضع الأزمات فى وجه العمدة. فهاهي تدفع عمال النظافة إلى الاضراب، وتغذى مظاهراتهم، فيخرج فى اليوم التالى سيدات المنازل ويقومون بالنكس أمام منازلهم، وتنظيف الشوارع فى صمت. فتستشيط الحكومة غضباً لفشل خطتها. فتقرر زرع قنبلة فى المترو، يلقى على إثرها 34 شخص مصرعهم، بالإضافة لعشرات الجرحى لزرع الفتنة بين الناس، يقرر العمدة تقديم استقالته آسفاءاً على فشله فى ضبط النظام، رغم أن الأمور ـ بشكل عام ـ تسير بخير عقب رحيل الحكومة، والشعب ينظم نفسه بنفسه ومُتماسك.
يخرج الشعب فى اليوم التالى بمظاهرة صامتة، رافعين أعلام بيضاء وأشرطة بيضاء على أذرعهم، وقرروا جعل الحديقة القريبة من المترو مقبرة، ونصباً تذكارياً للضحايا، ولاتزال المدينة صامدة! هنا لم تستطع عائلات أعضاء الأحزاب الثالثة، والذين يصوتون دوماً لهم، أن يصبروا أكثر من هذا، فما ذنبهم أن جماعة اختارت طريق الورق الأبيض ليتحملوا هم وزر قرارات هذه الجماعة؟
بدأت تلك العائلات التواصل مع الحكومة، ووجدوا قبول من الطرف الأخر، وبعد منتصف الليل جهزوا أغراضهم وتوجهوا إلى الحدود، لكنهم سرعان ما عادوا، بسبب الخلاف الذى وقع بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع، فالأخير كان يسأل : على أى أساس نعلم أن هؤلاء الناس كلهم بالفعل لم يصوتوا إلا للأحزاب الثالثة؟ ألا يُمكن ان يكون من بينهم شخص ينتمى إلى ” ثورة الأبيَضيّين” مندس؟
لحل الأزمة؛ أصدرت الحكومة بياناً تدعو فيه تلك العائلات، والأشخاص إلى العودة إلى بيوتهم، حتى لايتركوا البلد فى يد ” الأبيَضيين التخربيين” وأن هناك 17 بيت تم تخريبهم واقتحاهم من قبل الأبيضيّن الذين انتهزوا فرصة رحيل الناس إلى الحدود. وفى حركة أشعلت غضب الحكومة ودفعت رئيس الوزراء لضرب المائدة بقبضة يده من الغضب، خرج الأهالى القاطنين بالقرب من منازل النازحين فى استقبال العائدين وساعدوهم فى استخراج حقائبهم وترتيبها !
تجتمع الحكومة هذه المرة وهى مرتبكة، غاضبة، حائرة. بعضهم مُصمم على أنها مؤامرة كُبرى! بعضهم رأى أنه لابد من إيقاف الحقوق المدنية للسكان، واجراء انتخابات استثنائية، يُعتبر فيها الصوت الأبيض صوت لاغي. لكن ما يُثير ذهول وغضب رئيس الوزراء؛ هو رد وزير العدل الذى دافع عن حق الشعب فى التصويت الأبيض وهو حق دستورى، فهم لم يرتكبوا جُرم، هم فقط ” أبصروا ” الحقيقة، فيُقرر رئيس الوزراء رفد وزير العدل ووزير الثقافة الذى شاطره رأيه.
فى النهاية يتم الموافقة على اقتراح رئيس الوزراء الذى قال بأنه من الأفضل أن تلتزم الحكومة الصمت تجاه أى فعل سيحدث فى المدينة المُحاصرة، وسيتم كتابة منشور موّقع من رئيس الدولة يقول فيه أن المدينة كانت أيضاً فى حالة عمى ولكنه هذه المرة عمى أبيض، وان ما يجري فيها الأن هو بمثابة حالة البصيرة، وعليه؛ فليبق الوضع كما هو عليه، إن كان يحلو لهم أن يكون الوضع كما هو عليه.
بعد 3 أيام من نشر هذا المنشور، يأتي خطاب إلى رئيس الجمهورية من شخص يقول أنه يظن أنه يعرف مَنْ وراء أزمة الأصوات البيضاء. الخطاب أرسله واحد من الـ7 من “الفرقة الناجية”. حكى فيه باختصار ما جرى فى العنبر وما قامت به زوجة الطبيب من قتل حارس عنبر الغذاء، وانهى خطابه بأنه يُشك بأن زوجة الطبيب هى سبب أزمة الأصوات البيضاء، وذيل الخطاب بأسمه ورقم هاتفه وعنوانه.
رغم أن رئيس الوزراء رفض فكرة أن تكون سيدة هى سبب أزمة أُمّه لا لشئ إلا لكونها كانت مُبصرة وقت كان فيه الكل أعمى، إلا أن وزير الدخليه يُصر على أن السيدة هى السبب، ولمزيد من التأكُد؛ يُرسل وزير الداخلية معاون مباحث ومفتش و مأمور إلى المدينة، من أجل التحرى حول المرأة، وثانياً معرفة مدى علاقة المرأة بحركة الأبيضيّين.
بعد أسئلة واستفسارات واستجوابات مع رجل الخطاب من قبل رُسل وزير الداخلية الثلاثة، نعلم أنه كان أول من أصيب بالعمى، وكان متزوجاً، وبعد انتهاء الوباء طلّق زوجته. وكان معه ـ فى العنبر ـ الطبيب وزوجته وفتى صغير أحول ورجل عجوز بصحبة عاهرة، هؤلاء كانوا (الفرقة الناجية) التى استطاعت الهروب من الحجر الصحى، وبعد أن هروبوا واستردوا رؤيتهم، قرروا أن يلتقطوا صورة تذكارية قبل أن يذهب كل لشأنه. تلك الصورة، وعناوين منازل (الفرقة الناجية) هما كُل ما كان يملك رجل الخطاب، وقد سلّم هذه الأشياء إلى المأمور.
تبدأ رحلة مراقبة ولقاءات بين فريق التحقيق الثلاثي، وبين أعضاء الفرق الناجية، وبالفعل؛ تعترف السيدة بأنها قتلت حارس العنبر الفاسد، وأنها ليس لها اى علاقة بحركة الأبيضيين. أما باقى التحريات حول باقى الفرقة فلا جديد ولاشئ يُذكر.
يطلب وزير الداخلية من المأمور تلك الصورة التى تجمع الفرقة الناجية، لينشرها فى الجرائد وسط منشيت كبيرة يُعلن فيه أن السيدة زوجة الطبيب هى سبب أزمة الأصوات البيضاء! فجريمتها الكُبرى أنها لم تصب بالعمى عندما كان الجميع أعمى!
يرفض المأمور أن يُصدق هذا الكلام، ويؤمن بأن الوزير يبحث عن كبش فداء، ولهذا يكون رد فعل المأمور غير متوقع، وكمن قلب الطاولة، بل قل كمن وجه كقذاف من الملح نحو جسد أسد مثخن بالجراح، ارتكب فعلاً خطيراً نتائجه سيتحملها هو بثمن فادح. بالطبع سيكون حرق مهم وكبير للأحداث إن ذكرت ما جرى بعد ذلك، فما جرى بعد ذلك يُفضل قراءته. وبخاصة أخر 3 سطور فى الرواية. فالرواية كلها فى كفة، وآخر 3 سطور فى كفة أخرى. فقط 3 سطور أختصروا رسالة الرواية وخلاصتها.


هناك بعض المقولات وبعض العبارات البلاغية التى راقتني:
1 -  القلب البشرى لاينقصه شئ لكى يغفر كل الأخطاء شريطة أن تكون التوبة نصوحة وأن يكون الندم قد بلغ مداه.
2 -  الأمل كالملح، لايغذى لكنه يعطى الخبز طعم.
3 -  لقد تم تصوير الكلمة، لكن أيضاً تصميم الإنفعال.
4 -  إن الكذب ـ أحياناً ـ يكون هو الطريقة الوحيدة التى تستطيع من خلالها الدفاع عن الحقيقة.
5 -  لا يسع المجال هنا لذكرها ولا الوقت لاختبارها.
6 - المهم أن تكون القوة المستخدمة فى تنفيذ الخطة على مستوى رسوخ الأهداف
7 -  إننا فى أزمة ليس لها سابقة، وخاتمة مشكوك فيها بنسبة كبيرة.
8 -  من يحب الهدف، سيحب الوسيلة.
9 -  ليس هناك من حُب أكبر من البكاء على شخص لم تعرفه.
 10 - الوقت لا علاقة له بما تقوله الساعات.
11 - تبديل مكان الكلمات يعنى ـ فى أغلب الأحيان ـ تبديل معناها وإن ظلت الكلمة موجودة فى النص بجسدها.
12 -  مسكينة تلك السلطة التى تحتاج للشدة فى كل الأوقات لتحصل على الطاعة.
13 - كلما زادت الألفة زاد الاشمئزاز.
14 - لا يأتى المستحيل مفرداً.
15 - الوقت مثل الأشخاص تأتى عليهم لحظات لايستطيعون جرّ سيقانهم، لكن فى لحظات يهرولون ويتقافزون كما الجدى.
16 - اللغات دائماً محافظة، تسير دائماً بالأرشيف على عاتقها وتبغض التجديد
17 - أنصاف الكلمات قد وجدت لتقوم ما لايمكن أن تقوله الكلمات كاملة.
18 - مع الأفكار قليلاً ما تفيد الحيطة، فبعض الأفكار تأتينا محاطة بجو من البراءة والنفاق، وبعدها تظهر لنا وجهها الحقيقي الملعون.
19 - نولد، وفى لحظة ميلادنا كما لو كنا نوقع ميثاقاً للحياة للأبد، لكن فى يوم ما نسأل أنفسنا من وقّع هذا الميثاق بالنيابة عنا.
20 - الصدفة أحياناً تنظم الأمور جيداً
21 - الحاجة تصنع القانون.
(انتهى التلخيص)