الأحد، أكتوبر 23، 2016

على شاهين يكتب: ملخص كتاب المحاورات الثلاثة لمؤلفه الفيلسوف باركلي



قبل الدخول مباشرة فى متن الكتاب علي أن اُشير وبشكل مقتضب الى خلفية صاحبه، الفيلسوف باركلي ولد عام 1685 فى دبلن بإيرلندا وتوفي فى إنجلترا 1753. يعتبر واحدا من كبار المُساهمين فى المدرسة المثالية الفلسفية وهى المدرسة التى يتشيع لها شوبنهاور وكانط والبعض يضم معهم هيوم وسنعرف بالتفصيل مبادئ هذه المدرسة عبر هذا الكتاب.

الكتاب يضم 3 محاورات بين هيلاس ( وهو الشخص الذي يؤمن بأن هناك مادة وأنها موجودة باستقلال عن العقل وأن على الإنسان بعقله أن يكتشف هذه المادة والطبيعة) وبين فيلونوس (الذي يمثل المدرسة المثالية ورأي باركلي والتي تقول لا توجد مادة على الإطلاق وإنما هى أشياء نحن من نصبغ عليها صفة الحرارة والبرودة والألوان والطعوم، فالنار على سبيل المثال نعطيها صفة الحرارة لكن هى فى حد ذاتها قد لاتكون كذلك (

 1. المحاورة الأولى يحاور فيلونوس هيلاس بخصوص الجواهر الخارجية وهنا يقصد باركلي بالجواهر الخارجية الأشياء أو المادة الخارجية فيقول له أن الوردة تراها أنت حمراء بينما لو رأها شخص مصاب باليرقان (مرض مثل الصفرا يصيب العين بصفار ويجعل الشخص يري الأشياء صفراء جدا) سيقول إنها صفراء وربما شاهدها شخص يرتدي نضارة ملونة سيراها ملونة أما الوردة فى حد ذاتها فالله اعلم ! لانه لايوجد شئ قائم بذاته فى الطبيعة وإنما هى اشياء نضيف عليها معاني، ومثاله الأخر أنه حينما ينظر إلى النخلة من بعيد يراها صغيرة جدا ويحنما يقترب منها يراها ضخمة جدا فالمادة وهم وشئ موجود فى عقلك تُضفي على الأشياء معنى ولون ورائحة وطول وعرض لكى تستطيع ان تعيش بها ولكن لايعنى هذا بالضرورة أن الصفات التى وضعتها فى الأشياء صحيحة ويستدل باركلي من هذا على أن العقل هو أشرف واهم من المادة ( والتى يسميها الجواهر الخارجية)

2. فى المحاورة الثانية يثبت فيلونوس ( الذى يُمثل رأي باركلي) لصديقة هيلاس كيف أن النفس موجودة وأنها لاتموت كما يفنى الجسد فيقول له أن العقل الذي يدرك الأشياء يمر عبر الأحاسيس والتى تشعرها النفس فتنقلها للعقل ومثال ذلك : حينما اقتربت من النار فشعرت بالحرارة. هنا باركلي يقول أن النفس قد (شعرت بحرارة) النار ونقلت هذا الشعور( الحرارة) الى العقل فالعقل ربط بين الحرارة والنار ومن ثم أستنتج باركلي أن النفس موجودة وهى من تنقل الإستشعارات الخارجية إلى العقل كالإحساس بالجوع والعطش والنار والألم إلخ، ويُخبر صديقه أنه توصل لوجودها عبر ((اللمحة العقلية)) ففكرة النفس ليست فكرة من خياله. ثم يُخبرنا باركلي أنه رفض المذهب المادي لأنه سيؤدى الى الشك كما فعل مع ديكارت (يقصد أن إيمانك بأن فى الطبيعة مادة سيؤدى بك الى الشك فتسأل: هل الماء بخار أم ثلج أم سائل؟ لماذا أرى الملعقة مكسورة فى كوب الماء ثم لا أراها كذلك بعد إخراجها من الكوب؟ إلخ إلخ) ومن ثم يريد باركلي إزالة أى إلتباس ونفي المادة من أساسها حتى يجعل العقل وحده هو من يخلق التصورات والأشكال عبر النفس. فالأيمان بالجوهر الخارجي ( المادة) سيؤدي الى الشك ومن ثم ـ فى رأى باركلي ـ سيؤدى للإلحاد.
3. المحاورة الأخيرة تنقسم لقسمين: أولا يُثبت باركلي وجود الله عن طريق القول بأن الإنسان حين يُدرك مثلا الوردة فهى موجودة لأن الإنسان يُضفي عليها لون ورائحة وشوك إلخ وحين يحول الإنسان بصره عن الوردة فالوردة تصبح غير موجودة وتظل شئ ما، وهنا يقول باركلي إن الله لم يخلق تلك الوردة وإنما هو حولها من فكرة مجردة فى ذهنه الى شئ تستطيع أن تدركه أنت (مثال :  كما أقول أن المهندس الذي بنى البيت كان عنده تصميم لهذا البيت على الورق او على الأوتوكاد وصممه على الجهاز لو شخص نظر لهذا التصميم لن هيفهم شئ لكن المهندس حين يذهب مثلا للمقاول سيُفهم المهندس الأخير كيف يضع وأين يضع العمال الحديد والخرسانة والأعمدة إلخ إلخ ومن ثم سيحول النموذج المجرد الموجود فى الأوتو كاد الى حديد وخسرانة وطوب وأسمنت وظهر البيت الذي ينتظره الناس والذي حين تراه تعلم أنه بيت) ومن ثم فالله حين يفكر فى تفاحة مثلا فهو يخلق نموذج عام ويُظهره في عقلك فتقول أنت عليه  تفاحه ويظل موجود طالما تنظر اليه وتفكر فيه وحين تنسى وتدير وجهك عن التفاحة تظل هى موجودة لأن تصميم فكرة التفاح  موجودة فى ذهن الله وكما قلنا كل ما هو موجود فى الذهن فهو موجود على أرض الواقع. والقسم الأخير مجرد تحصيل حاصل يعيد ويزيد فيه باركلي شرح مذهبه بتبسيط أكثر ويأتى بأدلة من التوراة والأنجيل ليؤكد كلامه وهدفه هو ان ينقذ الناس من ((وهم الجواهر الخارجية)) يعنى المادة ومن ثم حين يتأكد الناس انه لايوجد شئ اسمه مادة وان العقل هو مايُضفي الطابع الخاص للأشياء عليها وان مانراه هى ((أشياء)) تسميها أنت تفاحة وتسميها بيت وتسميها قلم ـ يقول لك باركلي ـ لابئس لكن هى فى حد ذاتها قد لاتكون ذلك فما تقول عليه رائحة ياسمين قد يأتى شخص مصاب بالزكام لا يجد اى رائحة زكية وقد يأتى شخص مصاب بحساسية فيأنف من شمها ويؤمن بأنها فيروس سيصيبه بمرض لو أقترب منها أكثر وهكذا وهكذا وهكذا.
أخيرا الكتاب موجود فى المركز القومي للترجمة ب 11 جنيه وترجمته ترجمة رائعة. أنصح بقراءته


الأربعاء، أكتوبر 12، 2016

الأستاذ/ حاجيب النحيلي يكتب: ملخص كتاب (موسم الهجرة إلى الشمال) لمؤلفه: الطيب صالح

  

المحاور

1)    الطيب صالح.
2)    تلخيص لرواية موسم الهجرة إلى الشمال.
3)    شخصيات الرواية.
1.3 شخصيات "الأنا"
2.3 شخصيات "الآخر"
1)    الطيب صالح:
ولد الطيب صالح أحمد في مركز مروى، المديرية الشمالية السودان عام 1929، و تلقى تعليمه في وادي سيدنا و في كلية العلوم في الخرطوم، مارس التدريس ثم عمل في الإذاعة البريطانية في لندن، و نال شهادة في الشؤون الدولية في انجلترا، و شغل منصب ممثل اليونسكو في الفترة 1984/1989.
صدر حوله مؤلف بعنوان " الطيب صالح عبقري الرواية العربية" لمجموعة من الباحثيـــــــــــن في بيروت عام 1976، و كان صدور روايته الثانية " موسم الهجرة إلى الشمال" و النجاح الذي حققته سببا مباشرا في التعريف، و جعله في متناول القارئ العربي في كل مكان.
يمتاز الفن الروائي للطيب صالح بالالتصاق بالأجواء و المشاهد المحلية و رفعها إلى مستوى العالمية من خلال لغة تلامس الواقع خالية من الرتوش و الاستعارات، منجزا في هذا مساهمة جدية في تطور بناء الرواية العربية و دفعها إلى آفاق جديدة.
من مؤلفاته: عرس الزين،و  موسم الهجرة إلى الشمال، و مريود، ونخلة على الجدول، ودومة ود حامد.

2)    تلخيص لرواية موسم الهجرة إلى الشمال.
"عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، سبعة أعوام على وجه التحديد و كنت خلالها أتعلم في أوربا. تعلمت الكثير لكن تلك قصة أخرى"[1]
هكذا تبدأ الرواية بعودة الراوي، و هو طالب سوداني كان يدرس بلندن لمدة سبع سنوات. استقبله أهالي القرية و طالعه وجه غريب عنه اسمه مصطفى سعيد. و هو رجل من الخرطوم جاء إلى القرية منذ خمس سنوات حيث اشترى أرضا و تزوج بإحدى بنات القرية.
في جلسة حضرها الراوي،  ردد مصطفى سعيد شعرا بالانجليزية تحت تأثير الخمر، مما أثار فضول الراوي، و في اليوم التالي كشف مصطفى سعيد للراوي السر و أخبره بكل شيء: قصته، حياته، رحلته باتجاه الشمال، مغامراته العاطفية، و تسببه بانتحار ثلاث نساء انجليزيات و قتله لزوجته الأنجليزية أيضا: عاش مصطفى سعيد يتيما، منعزلا عن العالم، دخل المدرسة و تفوق فيها خاصة في الا"نجليزية، حتى أن ناظر المدرسة قال له: " هذه البلاد لا تتسع لذهنك، فسافر، اذهب إلى مصر أو لبنان أو انجلترا، ليس عندنا شيء نعطيك إياه بعد الآن"[2].
سافر مصطفى سعيد إلى القاهرة، دخل مدرسة مجانية، ثم غادر القاهرة إلى لندن، حيث تفوق و أصبح محاضرا في الاقتصاد بجامعات لندن.
أقام علاقات مع بريطانيات، حيث أذهلت بحكاياته عن الشرق، وتعلقت به النساء الانجليزيات إلى درجة الانتحار ( انتحار آن، شيلا، ايزابيلا) و قتله لزوجته جين.
حوكم مصطفى سعيد بتهمة القتل وقضى سبع سنوات في السجن، عاد بعدها ليستقر في قرية الراوي بالسودان.
رحل مصطفى سعيد غرقا في فياضانات النيل و ترك رسالة للراوي يوصيه بأهله و حاله، كما ترك مفتاح غرفته الخاصة للراوي. أما الراوي فهو يشتغل بالخرطوم، يزور بين الحين و الآخر القرية للسؤال عن أهلـــــه و عن شؤون زوجة مصطفى سعيد و ولديه.
زوجة مصطفى سعيد رفضت الزواج لأنها كانت متعلقة بزوجها السابق، لكنها تنهزم أمام إصــــــــــــرار (ولد الريس) في الزواج منها، لكن هذا الأمر يستقر عن مأساة قتلها لزوجها و لنفسها.
عند عودة الراوي من الخرطوم يعلم بالمأساة و يحمل نفسه مسؤولية الحادث، خاصة أن المرأة جاءت فطلبت منه في غيابه عقد القران لينقدها، و اكتشف أنه أحب (حسنه). و يذهب الراوي إلى غرفة مصطفى سعيد الخاصة، يجدها مليئة بالكتب المتنوعة، كما وجد صورا لنساء و مذكرات.
و تنتهي الرواية بمقاومة الراوي الغرق، حيث اختار أن يكمل الحياة، يقول:
" فكرت أنني أقرر الآن أني إذا مت في تلك اللحظة فإنني أكون قد مت كما ولدت، دون إرادتي طول حياتي لن أختبر و لم أقرر، أني أقرر الآن أنني اختار الحياة"[3].
تظهر ملامح مصطفى سعيد بطل الرواية، متفرقة عبر فقرات الرواية، حيث يمكن لنا استجماعها، إذ يلتقي الراوي بزملاء سابقين فيخبرونه أنهم كانوا يلقبون مصطفى سعيد بالإنجليزي الأسود، كما يعلم أنه كان له دور في مؤامرات الإنجليز في السودان، و يخبره محجوب بأن مصطفى سعيد يستحق أن يكون وزيرا.

3)    شخصيات الرواية.
تتخذ الثنائية " الآنا – الآخر" حسب فهمي المتواضع عدة تمثلات، و لفهم هذه التمثلات و ما ترمز إليـــــــه في الرواية، يجب على القارئ وضعها في سياقها المجتمعي و التاريخي. فثنائية " الآنا – الآخر" ترمز إلى شخصيات أو أماكن تكون لها رمزيتها و دلالاتها تستوجب فهمها من طرف القارئ.
هناك اعتقاد سائد مفاده أن "الآنا" دائما الذات و "الآخر" هو نقيض الذات و الغريب و اللامنتمي.     لكن الطيب صالح في روايته " موسم الهجرة إلى الشمال" أعطى للآنا و الآخر تمظهرات أخرى: فالآنا هنــــا لا يمثل الطيب صالح أو بطل الرواية (مصطفى سعيد) فقط، و إنما أتى بصيغة الجمع كذلك و يرمز إلى السودانيين و الشرق و العالم الثالث. أما الآخر فلا يمثل الغرب فقط إنما يشمل الذات كذلك حين تعيد اكتشاف نفسها." لما جئتهم، كانت لحظة عجيبة أن وجدتني قاتما بينهم...حتى أحسست كأن تلجــــــا يذوب في داخلي"[4]

1.3 شخصيات "الأنا"
تتوزع شخصيات "الآنا" و "الآخر" في الرواية بين الشرق و الغرب، فشخصيات "الآنا" تنتمي إلى الشـــــــرق و هي: مصطفى سعيد، الراوي، حسنه. و لقد نسج الطيب صالح علاقة تجمع بين هذه الشخصــــــــــيات، ورسم لكل واحدة منها دور محدد:
فمصطفى سعيد أتى في مواجهة الغرب المستعمر، و الراوي في مواجهة مصطفى سعيد و مجتمعه، و حسنه أرملة مصطفى سعيد في مواجهة مجتمعها و رفضها الزواج.
انطلاقا مما سبق الإشارة إليه يمكن القول أن شخصية مصطفى سعيد تمثل "الآنا" أو الذات، و ترمز كذلك إلى ذلك المثقف العربي في مواجهته مع الغرب و حضارته.
أما شخصية حسنه فهي تمثل الوجه المتمرد للمرأة ضد الظلم و التأثر على الأعراف السائدة. 
2.3 شخصيات "الآخر"
إن تمثلات "الآخر" في الرواية لا تقتصر فقط على الشخصيات الغربية التي ورد ذكرها و هي: روبنس، مسز، آن همند، شيلا، إيزابيلا، سيمور و جين مورس، فحسب و إنما يأتي الشرق أيضا كأحد تمثلات "الآخر".
فالفترة التي قضاها في الغرب مكنته من فهم الثقافة الغربية و إتقان علوم الاقتصاد، و لكن عند العودة إلى الوطن يحصل الصدام مع الشرق و مع المجتمع الذي ينتمي إليه مصطفى سعيد، يتمثل هذا الصراع في تعارض قيم المجتمع الدينية و الاجتماعية مع الفكر الذي أتى به من الغرب.
    




[1]   موسم الهجرة إلى الشمال، الرواية، الطيب صالح، صفحة5.
[2]   نفسه صفحة 31.
[3]   نفسه صفحة 200.
[4]   نفسه صفحة5.

السبت، أكتوبر 01، 2016

على شاهين يكتب: ملخص رواية الكهف للأديب البرتغالي جوزيه ساراماجو


أحد أكثر الروايات إثارة لأكبر قدر من المشاعر والقادرة على استثارة مراكز التأويل داخل عصبونات العقل النقدي، أتحدث عن رواية (الكهف) التى ولِدت من أنامل البرتغالي جوزيه ساراماجو ( 1922 – 2010 )، الذى اقتنص بقلمه نوبل للأدب عام 1998، وبأسلوبه عقول القُراء، فلم يكن فقط شيوعي فى رؤيته السياسية، ولكن كان هناك (فائض) من العبقرية في رواياته عبر تغذية فن الأُمثولات (بمواد خام) صافية من (مصنع) قريحته، جعل كل قارئ ينهل من (إنتاجه) وعلى عكس قانون العرض والطلب تُرجمت مُنتجاته إلى 25 لغة دون أن يحدث خسارة فى سهم واحد من أسهم الحب المبثوث فى سوق بورصة القراء فهل ثمة حاجة بعد ذلك إلى حساب (مُعدل الإهلاك) والرباح قد فاق الحدود؟
دون حرق أحداث الرواية ودون الوقوف موقف المدح والتهليل للرواية فقط ومن خلال هذه الرؤية أقول أن الرواية تستلهم من فكرة (الكهف الأفلاطونى) الفلك الذى تدور حوله أحداث الرواية ولمن لا يعرف كهف ابن آثينا هو فى الحقيقة مثال ضربه لأشياعه لتوضيح فكرة المُثُل ومُفاده أن أفلاطون أفترض أن ثمة كهف بداخله أشخاص مقيدون من إيديهم وأرجلهم وحول أعناقهم أغلال تحول دون إستدارة رأسهم ولايملكون ترف النظر لجميع الزوايا اللهم الحائط المواجه لهم ، ولنفترض أن ثمة نار موقدة وخلف النار يمر الأشخاص والناس والحيوانات ومن ثم فسيرى الأشخاص المُقيدون فى الكهف ظلال هؤلاء المارون ويحسبون أنهم يرون الحقيقة فى حين أنهم يرون ظلالها أما المارون والأشخاص فهم لايعلمون شيئا عنهم باستثناء الظلال ولو خرج واحد من المُقيدين مثلا من الكهف ونظر للعالم الخارجي ثم عاد ليُقنع الأخرين بتشوش رؤيتهم للمارين فلن يقتنعوا ومن ثم يستخلص أفلاطون رؤيته عبر هذا المثال أننا فى عالمنا هذا لا نعرف حقائق الأشياء كما هي وإنما مايلوح لنا منها فمعرفتنا قاصرة عاجزة ومن ثم على الإنسان أن لايعول كثيرا على المادة وما تُظهره لنا من حالاتها المختلفة ومن هنا أستطيع أن أدخل إلى لحم وسُدى الرواية.
رجل يصنع الفخار خرج من الدنيا بابنة زوجها يقوم بمساعدته فى حمل الأواني الفخارية والذهاب بها للسوق، تدور الدوائر وتضيق الأرزاق وتستأسد التكنولوجيا والمصانع الحديثة فى صناعة صِنعة عامل الفخار فتضيق به الدنيا حتى تمنحه الأخيرة فرصة أخيرة تظهر فى شكل شُحنة تطلبها إحدى المحلات المهتمة بالفلكلور والأعمال الفخارية والخزفية فيناضل عامل الفخار فى تلبية الدُفعة المطلوبة لأن الرقم كبير يصمد أمامه مصنع فخار وليس رجل بسيط ترتعش يداه حين يُداعب الطين الواهن فكيف بشُحنة حتى وإن أتمها سيحتاج إلي سيارات نقل، فهل حقا تلك الشُحنة هى ما ستجعل الرجل يُدرك أهمية عمله أم يا تُري ستجعله يكتشف عبثية عمله؟ وهل الحقيقة تكمن فى السعي للبحث عن محلات ومصانع تحتاج الخزف أم أن هذا وهم والأجدى أن يخرج الإنسان من كهف هذه الفكرة ليبحث عن حقيقته وحقيقة قدراته؟ وهل ستكتمل الشُحنة أم ستكون أكثر من مجرد شحنة عادية؟ ولأنه من الحماقة حرق الرواية بإشعال نار الوصف فى ختام أحداثها فسأتناول عدسة نقد أدبية مقعرة الجوانب عسى أن نُكثف شعاع الجمال الفني على سطح رواية مصقولة الحواف محبوكة الصنعة.
أسلوب كتابة ساراماجوا أكثر من مجرد شئ يمكن وصفه بكلمة (رائع) الهزيلة و أقوى من أن تصمد أمامه عبارة (غريب) وإن كان أقل شئ درءا للعجز من جهتنا هو أن نقول (خارق) حيث أن الرجل لايكتب مثلا حوار بين الأب وإبنته تخترقه الفواصل والسطور بل هو سطر واحد يضم سؤال ورد الأب وابنته تتقاطع أساليب الحوار مع السرد وكأن سارماجوا هاهنا يريد القول بأنه من المستحيل أن نفصل الحوار بين الشخصيات عن حوار الأحداث لنفسها الأمر الذي سبب شئ من الحيرة لبعض القراء حيث وجد البعض محاولته تلك كمحاولة دمج الزيت بالماء فى حين إن كان سارماجوا هاهنا لم يحاول أصلا دمجهم وإنما قام بتعريف خصائصهم ومن التنافر يولد التضافر!
سارامجوا يُتقن بشكل مذهل فن الإحالات ويُجيد اللعب بأوتار الإسقاط ويمكن القول أن فن الأمثولات قد إنشق عن قبر التاريخ وأعاده سارماجوا لعرش الرواية، وفن الأمثولات لمن لايعلمه هو تجسيد الرمزيات والمُثُل الفلسفية فى الرواية وتحويل الأفكار المجرد إلى شخصيات مجسده فمثلا يقوم الكاتب بتصوير الشيطان شئ يمشي على الأرض ويقابل الضحية ليعقد معاه عقد يلبي رغباته مقابل أن يسلب روحة وهاهنا يجسد الشيطان فكرة شهوة الإنسان التى تطمع فى كل شئ وعواقب هذا الشره والشهوة المستعرة ، وكأن يقوم ساراماجوا فى أحدى رواياته بتصوير قرية ذهب عنها ملك الموت وأصبح أهلها مخلدين لا يموتون فما النتائج المترتبة على ذلك؟ ساراماجوا يُتقن فن تجسيد الأفكار المجردة والفلسفية وداهية فى توظيفها فى رواياته.
يعتمد ساراماجوا على أسلوب التكثيف فى سرده والإيجاز فى بعض مواطن القصة فاتحاً المجال للتأويل، وهناك الكثير من الحِكَم القوية المتناثرة فى حبر الرواية مثل قوله (فالشباب لايعرف مايمكنه تحقيقه والشيخوخة لا تتمكن من تحقيق ماتعرفه) والحوار القصير الذى قال فيه أبطاله (لا تحزن فالزمن يشفي كل شئ/ عفوا أنا لن أعيش بما فيه الكفاية لكي أتأكد من هذا) يعتمد ساراماجوا على أسلوب (التبئير) فى روايته أى أن يركز بؤرة الوصف الداخلي للشخصية وملامحها ومزاجها وماتراه حتى تشعر بأنه لاشئ فى الرواية غير هذا الشخص، ثم يخرج بسرعة إلى التبئير الخارجي ليصف الجو العام المحيط للشخصية و الأحداث المؤثرة فيه، ومابين الداخل والخارج نجد وصف سارماجوا يحتاج لتركيز شديد فبعض الأوصاف المقتضبة والحوارات المحددة نقطة الوقف فيها قبل إستهلال الكلام تحتاج لشخص متفرغ لقراءتها، وليس قارئ السرير الباحث عن أى رواية تبعث النوم فى عينيه عند الدخول للنوم!
من أجمل المقاطع المذهلة فى الراوية الإسقاط الذى يلقي بشباكه على فكرة (الخلق) فيُسقط هذا البرتغالي صناعة عامل الفخار للأطباق الفخارية على فكرة الخلق من حيث إشتراكهم فى الطين و(النفخ) المتواصل لصانع الفخار لفخاره ونفخ الله من روحه للبشر والصلصال الذى يغدو تحت وطئة الفرن (خلق جديد) وكالأنسان يواجه هذا الفخار أخطار المطر والأهمال والإنكسار وكالإنسان يواجه خطر الفناء والانقراض أمام التكنولوجيا الحديثة وارتفاع زئير الآلة أمام ابتهلات بنى آدم.
على القارئ فى حضرة ساراماجوا أن ينسى جميع أشكال الكتابة وأغلب عمليات السرد التى قرأها من قبل وهذا ضروري وصحي لأن الذهاب إلى المتنزهات شئ مفيد للصحة لكن لايعنى هذا الضجّر من هدير أمواج البحر فالأول ليست فقط لشم الورود كما الثاني ليس للسباحة فقط، ولهذا فسارماجوا ضروري كضرورة البستان للبحر حتى وإن لم نستطع التجاوب معه فالرجل يمنح القارئ زاوية جديدة للتأمل و لحن جديد لعزف سيمفونية عبر أدوات اللغة والتعبير، أحد أكثر الأشياء التى فتنتني فى الرواية كانت النهاية وهذا شئ طبيعى فرجل يبدء روايته عبر وصف جرح فى يد سائق محطما كل الأعراف التى تبدأ بها أغلب الروايات فتأمل !
 فهذا روائي يحتال على النقد لينقد النقد نفسه، وهذا طبيعى إن عرفنا أن الرجل بعد أن كتب روايته الأولى ظل 20 عاما يعكف على القراءة بكل مستوياتها وفروعها وعمل فى أكثر من وظيفة من عامل بريد إلى ناقد أدبي ثم حمّال فى محطة سكة حديد ثم ميكانيكي ثم صانع أقفال ثم مترجم وغيرها من الوظائف والمهن حتى آمن أنه قد (حطم) الطوق وأهل لإن يكتب شئ يستحق القراءة ومن ثم فمن أجتمعت له خبرات الحياة على مستوى الاحتكاك بالبشر والتغذية برحيق المعرفة عبر أزهار لابد أن يُنتج (عسل) فريد فى وفرته و فعّال فى فترته!
إقرأو الكهف.





الخميس، سبتمبر 22، 2016

عبده جمعة يكتب: ملخص كتاب إسلام بلا أسوار


في الشهر الماضي كنت في منحة دراسية في ألمانيا، وبعد أن انتهى الكورس اللغوي كان أمامي خمسة أيام متبقية من مدة إقامتي في أوروبا، ولأنني أحمل تأشيرة الإتحاد الأوروبي فقد عزمت بفضل الله على السفر إلى النمسا حيث العاصمة فيينا لألتقي بأحبابي هناك وزيارة المدينة الجميلة وجامعتها العريقة. وفي اليوم الثاني ذهبت مباشرة لزيارة مسجد الشورى بفيينا،لعلني أجد أحد أحبابي هناك سواء الدكتور عدنان ابراهيم أو الأستاذ طرفة بغجاتي جزاهما الله خير الجزاء على جهدهما في الدعوة في النمسا عامة وفيينا خاصة. وبعد أن صليت العشاء قامت إدارة المسجد بإهدائي كتابا بعنوان (إسلام بلا أسوار) والكتاب في شكل حوار بين الأستاذ طرفة بغجاتي وبين الدكتور علاء الدين آل رشي وهما من علماء النمسا وكلاهما من أصول سورية. وكنت قد وعدتُ الأستاذ طرفة بقراءة هذا الكتاب، وطلب مني أن أعطيه رأيي فيه، فأجبته على الفور: سأفعل بإذن الله.
يدور الكتاب في صورة حوار بين مفكرين من كبار المفكرين، وهذه طريقة تقريبا لأول مرة أجدها في كتاب، وإن كان الزمخشري (ت538) هـــ رحمه الله قد استخدم في تفسيره أسلوبا شبيها وهي طريقة الحوار بينه وبين شخص مجهول بطريقة فإن قلت كذا، قلنا كذا، بل وقد مارسها الدكتور مصطفى محمود (ت2009) م في كتابه الماتع حوار مع صديقي الملحد، إلا أن أغلب المحللين قالوا بأن الدكتور مصطفي محمود كان هو هذا الصديق الملحد في الكتاب، وهو من يخاطب نفسه. وحقيقة هي طريقة أحبها جدا لتفادي الملل الذي قد يعتري الإنسان حينما يقرأ كتابا أو رواية أو بحثا.
 يناقش الكتاب قضايا شائكة جدا خاصة في هذه الأيام في ظل تفشي حوادث الإرهاب في أوروبا وبعد كل حادث تُنسب للإسلام وللمسلمين. فيعالج الكتاب ظاهرة مثل ظاهرة الإسلاموفوبيا وظواهر الإرهاب وقضية قتل المرتد، وهل هي قضية دينية أم سياسية؟! وما هي ضوابط التكفير؟! وذكر الأستاذ طرفة بغجاتي أمثلة لأناس قد اعتبرتهم بلادهم مرتدين ونفذت فيهم حد الردة مثل الأستاذ محمود طه من السودان، والأستاذ فرج فودة الذي حُكم عليه بالردة من أشخاص كثيرين، بل ومن جهات رسمية كالأزهر الشريف، وقد قامت الجماعة الإسلامية باغتيال المفكر فرج فودة، وهنا يقول الأستاذ طرفة أن فودة وطه كانت آراءوهم السياسية هي التي ضيعتهم وكانت سببا في هلاكهم، وخصوصا محمود طه. ثم بعد ذلك ينتقل الكاتبان في مناقشة قضايا أخرى مثل الديموقراطية وأنها لا تتعارض مع الإسلام في شئ، واستدل برأي المفكر السوري الكبير جودت سعيد في أن الديموقراطية لا خوف منها في بلادنا، لأننا لن نخالف بها شرع الله من إباحة الزنا أو الخمور باسم الديموقراطية، فنحن شعوب مسلمة ولن نسيئ استخدام الديموقراطية، ولذا لا خوف منها.
وثمة موضوعات أخرى قد نوقشت في الكتاب مثل قضية الهجرة إلى بلاد الغرب وأوروبا وأنه لا غضاضة منها، وقد ناقشا رأي الشيخين الجليلين راتب النابلسي وأسامة الرفاعي في حرمة الهجرة إلى أوروبا. ثم دعا المؤلفان إلى توحيد الأمة بين السنة والشيعة، وأننا يجمعنا أشياء كثيرة أكثر من التي تفرقنا، فجميعنا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وصلاتنا واحدة وقرآننا واحد، والإختلافات ليست بالكبيرة جدا، وإن كنا مختلفين فهذه سنة كونية وهي الخلاف بين الناس. كما ناقشا أيضا قضية تهنئة المسيحيين بعيدهم، وهل هي حرام أم أنها ربما تكون مندوبة في بعض الأوقات، وقد ناقشا الموضوع بطريقة رائعة.
وفي الختام أعجبني أيضا حديثهما عن قضية التعامل مع السنة في هذه الأيام والإشكاليات التي نجدها في أحاديث ليست متواترة أو صحيحة ولكنها تلعب دورا كبيرا في إزهاق الأرواح وبث الحقد والضغينة بين الناس وبيننا، بل وبين المسلمين بعضهم البعض.

الكتاب ماتع ومليئ بالمعرفة والفكر، وأنصح بقرائته.

الأحد، سبتمبر 18، 2016

عمرو أشرف يكتب: ملخص كتاب "الإعلامية" للكاتبة نوران سلام


نوران سلام إعلامية في مجال الصحافة التلفزيونية الإخبارية، عملت في عدد من الفضائيات الهامة كبي بي سي التي تبث من لندن ثم الجزيرة ثم الحياة، لنوران مدونة تنشر بها قصصا قصيرة وأشعارا بالعربية، والانجليزية، ورواية دي إن إيه هي أولى أعمالها المطبوعة.

أهداف الكتاب
للكتاب أهداف عدة ممكن إجمالها في: عدم مساندة الفساد، لكل ظالم و فاسد نهاية محتومة، وربط العلاقات الإسرية مهما كانت الخلافات.
الملخص
"فكرة علم الدين"، إعلامية على درجة عالية جدًا من الشهرة و الكفاءة، وتلك الصفات كانت جعلت برنامجها "والله فكرة " مستمرًا لمدة ربع قرن كامل، بل و ظل يتصدر المشهد الإعلامي لسنوات طويلة.
الرواية تدور أحداثها في العام 2035 حول هذه الإعلامية التي تساند دائمًا الحكومة بفسادها و تقف بجانبها، مستغلة بذلك مركزها كأكبر إعلامية في مصر بالتستر على فضائح الحكومة بوزاراتها، وفي الوقت الذي كانت فيه فكرة تقوم بتجهيز نفسها للدخول إلى الإستوديو بعد دقائق لعمل حوار مع رئيس الحكومة و حدث أن مساعد "فكرة" دخل عليها غرفتها و أبلغها أن مكتب رئيس الحكومة اعتذر، وأنه وجد البديل فثارت في وجهه، ووجدت خلفها في المرآة فتاة فسألتها "فكرة" باستنكار: من أنت؟ حينها ردت الفتاة بأنها بديلتها في البرنامج بداية من الشهر المقبل، وهنا اتجهت "فكرة" إلى رئيس القناة في إجتماعه مع أعضاء القناة و اعترضت على هذه المهزلة، عندها أبلغوها أنها سيتم استبدالها بمذيعة أخرى وعللوا ذلك بتراجع أسهمها إلى درجة كبيرة عند الرُعاه، وزادوا بأن الإعلانات والإيرادات انخفضت بنسبة كبيرة، وهنا انقلب الإجتماع رأسًا على عقب.
تركت "فكرة" الإجتماع ثائرة ثم اتجهت إلى الشاليه التي تمكله في العين السخنة، و بعد تفكير قررت أن تنتحر لظروق قهرية – ستتعرف على أحداثها في الرواية -  فاتصلت بشيكو مساعدها و أبلغته بأن يستسمح رئيس القناة بأن تعود و تقضي آخر إسبوعين لها و ستقوم بنفسها بتقديم بديلتها (لمياء)، وذلك حفاظًا على ماء وجهها، و فور عودة فكرة في أول حلقة حتى أقدمت على الانتحار على الهواء مباشرة، و لولا أن المسدس قديم لكانت في عداد الموتى، بعد هذه الحلقه إنهالت الإعلانات مرة أخرى على البرنامج و طلبوا عودة فكرة مرة أخرى للبرنامج فوافقت بشروطها و أهمها أنها ستكون رئيسة تحرير نفسها و لن تُجرى تعديلات على السكريبت (و قررت "فكرة" في داخلها أنها ستنقلب على كل من ساندتهم من قبل و تخلوا عنها في محنتها)، وفور عودتها قامت بحوارات مع اثنين من أثقل الوزراء وزنًا في الحكومة و كانت نتائج هذه الحوارات إقاله الوزيرين، و قررت أيضًا أن تقوم بعمل حلقة موضوعها تزوير إنتخابات 2030 بمعنى أن الرئيس ليس له صلاحيات، ومعها دليل فيديو على ذلك، و يوم الحلقه قامت بإعطاء مساعدها الشريط و طالبته بإذاعته، و بالفعل تمت إذاعة الشريط لكنها لم تظهر في الحلقة، و اختفت و لم يُعرف لها طريق بعد.
تقييمي للكتاب:
الكتاب جيد جدا ويستحق أربعة من خمسة.

عمرو أشرف

الجمعة، سبتمبر 16، 2016

ندى إبراهيم تكتب: ملخص كتاب"طب النانو تكنولوچيا النانو وتطبيقاتها في الطب" لدكتور أحمد عوف محمد عبدالرحمن


 دكتور أحمد عوف أخصائي طب وجراحة العين بالمعهد التذكاري للأبحاث الرمدية، حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة كلية طب قصر العيني جامعة القاهرة، و حاصل على ماجستير طب وجراحة العين بكلية الطب جامعة الأزهر بالقاهرة  يتحدث الكتاب عن مجالات تكنولوچيا النانو وتطبيقاتها في الطب، ويتكون الكتاب من ثلاثة فصول، عدد صفحاته 138، يتناول الفصل الأول تعريف لتقنية النانو، وجذورها التاريخية، فهي ليست مرتبطة بعصر أول حقبة تاريخية خاصة، بل لها جذر عميق على امتداد العصور والأجيال. كلمة النانو Nano في أصلها كلمة إغريقية مشتقة من أصل Nanos وتعني القزم، وهي واحد على مليار من المتر أي جزء من المليار على وحدة القياس. في القرن الرابع الميلادي تم تصنيع أول كأس ملكي للملك الروماني "لايكورجوس" مطرز بمادتي الذهب والفضة، تم الكشف عنه مؤخرًا في إحدى المتاحف البيزنطية فوجد بأنه مصنوعًا من جسيمات نانوية من الذهب والفضة، ويتميَّز بظاهرة تتمثل في تغير لونه وفقًا لزاوية سقوط الضوء عليه، فعندما ينفذ الضوء من هذا الإناء يأخذ اللون الوردي،وعندما ينعكس الضوء من الإناء يأخذ اللو الأخضر، وقد تم تفسير هذه الظاهرة بعد أن تم اكتشاف جسيمات نانو ذهبية، التي كانت مسئولة عن هذا التفاعل مع الضوء. (ص:16)
ومن الشعوب الأولى التي استخدمت هذه التقنية دون إدراك ماهيتها هم العرب، حيث كانت السيوف الدمشقية التي استخدمت ما بين 900-1750م ، وعرف عنها حدتها ومتانتها، وكانت تقطع السيوف الأوربية، وامتازت بالنقش على نصلها، وتم الكشف عن هذا السر للسيف الدمشقي من قبل إحدى البعثات الألمانية، فقد تبين أثناء تحليل لقطعة منه وجود لأثار أنابيب الكربون. جاء منشأ مصطلح تقنية النانو إلى العالم الياباني نوريو تانيجوشي في جامعة طوكيو، وأطلق هذه التسمية عام 1974م. تحدث أيضًا في هذا الفصل في المبحث الرابع عن خصائص المواد النانوية وتطبيقاتها، ويعتمد أساس عمل تقنية النانو على إعادة ترتيب الذوات لتصنيع جزيئات جديدة ذات مواصفات جديدة محددة ومخطط لها، ومثال على ذلك أن حجر الألماس والفحم كلاهما مصنوع من الكربون، غير أن ترتيب الذرات في جزئ الألماس يختلف عن ترتيب الذرات في جزئ الفحم.
يتناول الفصل الثاني تطبيقات تقنية في الطب؛ فيعتبر طب النانو أحد أهم المجالات التطبيقية لتقنية النانو، وفي خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة لتقدم مجال بحوث تقنية النانو تم تحقيق طفرات مثيرة تمثلت في ابتكار أنواع متقدمة من أجهزة التوصيف تم توظيفها من أجل فهم وتحليل بنية، وتركيب الحمض النووي DNA للإنسان والفيروسات، وأدى هذا إلى معرفة سلوك الأمراض والفيروسات وميكانيكية حركتها، وتنقلاتها داخل الجسم، ومعرفة الطرق التي تسلكها لمهاجمة خاتياه وذلك على مستوى النانو متر. (ص:43)

 وتوصيل الدواء إلى أنسجة الجسم يعد أحد أولويات البحث في مجال طب النانو، ويعتمد ذلك على تصنيع مواد نانوية دقيقة تعمل على تحسين التوافر الحيوي للدواء، ويعني ذلك تواجد جزيئات الدواء في المكان المستهدف من الجسم، وتؤثر طرق إيصال الدواء بشكل كبير في علاج المرض بطريقة فعالة وبتأثيرات جانبية قدر الإمكان على جسم المريض؛ فلهذه الطرق المختلفة سلبياتها ومشكلاتها التي تعيق معالجة المرض وتقلل من فرص نجاح العلاج، وتؤدي إلى تأثيرات جانبية. وتساهم تقنية النانو أيضًا في اكتشاف الأدوية، والعقاقير العلاجية المختلفة، خاصة في مجال المضادات الحيوية، ومضادات السرطان، وغيرها. ومن أهم الاكتشافات النانوية في مجال تشييد الأدوية هو: "النانوبيوتيك Nanobiotics"ويعتبر البديل الجديد للمضادات الحيوية "Antibiotics"وسوف تقضي هذه التقنية على سلالات البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية التي أحدثت طفرات تحول دون تأثيره عليها مثل Ps. Aeruginosa . وتساهم أيضًا تطبيقات تقنية النانو في التشخيص الطبي في الاكتشاف المبكر للمرض،مما يجعل عملية العلاج أكثر نجاحًا وأقل تكلفة، ومن أمثلة أجهزة التشخيص: تقنيات التصوير "imaging techniques" وتشمل تقنيات التصوير أجهزة مختلفة مختلفة لها أسسها الفيزيائية، والهندسية،واستخداماتها الخاصة بها في التشخيص ومن تلك الأجهزة:التصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير بالأشعة السينية، والتصوير بالموجات فوق الصوتية ولتطبيقات النانو دور في تشخيص وعلاج السرطان، مثل التشخيص المبكر للسرطان وعلاجه، وأمراض أخرى مثل السكر، وأمراض الكلى، وقد نشرت حديثًا عدة أبحاث تبين مساهمة تقنية النانو في دفع عجلة التطور في التشخيص الطبي خاصة في مرض السرطان، إلا أنه ينبغي التأكيد أن هذه الأبحاث في مراحلها الأولى من أجراء التجارب على الحيوانات، ومن هذه الأبحاث: قيام باحثون بمركز أبحاث السرطان بجامعة ميتشجن بإجراء تجارب على فئران مصابة لسرطان الدماغ، وذلك بحقنها بدواء، ومادة متباينة داخل جسيمات متناهية الصغر، بحيث يتم التحكم في وصول الدواء، وتتبع حركته عن طريق جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي MRI، والتأكد أن الدواء يؤثر على الخلايا السرطانية دون السليمة،وبهذه الطريقة جمع الباحثون بين التشخيص والعلاج، وقد أظهرت النتائج الأولية أن حيوانات التجارب استجابت للعلاج بشكل أكبر عند استخدام الجسيمات النانوية، وكما أمكن تتبع مسارها، وتشخيص حالة الورم السرطاني بشكل أدق. تحدث الباب الثالث عن شبهات حول تقنية النانو، مخاطرها، وتتمثل التأثيرات الصحية لتقنية النانو في تلك الآثار المُحتملة للمواد والأجهزة النانوية على صحة الإنسان. وبما أن تقنية النانو مجال مستحدث، فقد أسفر ذلك عن قيام جدل واسع حول المدى الذي يمكن عنده الإستفاده أو التعرض للمخاطر الخاصة بتقنية النانو على صحة الإنسان، وتعد الآثار السلبية مازالت مجهولة إلى حد كبير. ويتفق العلماء على أن جسيمات النانو بسبب صغر حجمها لها القدرة عبى الدخول في جسم الإنسان، فجسيمًا بحجم 70 نانو متر يمكنه الدخول في نواة الخلية، مما يعني أن هذه الجسيمات قادرة على الدخول بسهولة لجسم الإنسان، مما يعني ذلك احتمال كبير لحدوث التفاعل بينها وبين خلايا الجسم، مما قد يؤدي إلى تغير خصائصها. ومن الآثار الإجتماعية لتقنية النانو هو وجود مشاكل الظلم الإجتماعي، والإقتصادي، والتوزيع غير العادل للسلطة من خلال زيادة الفوارق بين عالمي الأغنياء، والفقراء. أرى أن هذا الكتاب يعد مدخلاً جيدًا لمن أراد القراءة في مجال طب النانو، وطريقته مبسطة، وقام الكاتب بذكر أبحاث أجريت في هذا المجال، والتطورات الحادثة به،وتحدث أيضًا عن الجانب السلبي لها فبرغم فوائدها العديدة، إلا أنها سلاح ذو حدين لها سلبيات أيضًا، ووضع الكاتب بنهاية الكتاب ملحق أشكال به صور توضيحية لبعض الأشياء التي ذكرها للتوضيح للقارئ

الأربعاء، سبتمبر 14، 2016

عبد الوكيل أبو رحاب يكتب: ملخص رواية "مالك" لمحمود بكري


رواية "مالك" هي من أكثر الروايات التي زاع صيتها في وقت قليل وقد حققت نسبة كبيره من المبيعات، وهي الآن في طبعتها الثالثة. محمود بكري هو مؤلف الرواية وهو من مواليد محافظة الشرقية، ويبلغ من العمر ثلاثة وعشرون عاما. والمفاجأة أنه حاصل على دبلوم صناعي، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن إحساس الإنسان بما حوله ليس له علاقة بالتعليم، وقد اكتسب الكاتب محمود بكري شهرة واسعة من خلال هذه الرواية الممتعة.
تحكي الرواية عن تجربة أغلب الشباب مع الحياه، والظروف الإحتماعية التي يعاصرونها، وأكثر المشاكل التي تقف عقبه في طريقهم. تبدأ الرواية بشاب في الثامنة والعشرين من عمره وضعته الحياة في ظروف صعبة، وكأنه في أرذل العمر، مالك الذي أجبرته الظروف بعد وفاة والده إلى ترك فكرة الثانوية العامة، والإلتحاق بإحدى الكليات والإكتفاء بدبلوم تجارة حتي يستطيع الإنفاق على أسرته المكونة من هاجر أخته في كلية الهندسة، ووالدته. استطاع مالك أن يحصل على وظيفة حكومية فتح بجانبها محل للعطور كي يستطيع تحمل مسؤلية نفقات عائلته، مرت حياة مالك بظروف لا يتحملها سوى الرجال ولكن علاقته بربه ولدت بداخله إيمان بأن الله لن يترك عبدا تركه مهما حدث.
وقع مالك في حب فتاه مثله في ذلك مثل أي شاب، الأمر الذي زاد من مسؤلياته لكي يستطيع توفير عش زوجية مناسب لهما، كانت مريم تهون على مالك كل متاعب الدنيا كان يري في ابتسامتها كل شيئ جميل، كان يسمع في صوتها أصوات الأمل، كانت هي وحدها من تملك مفتاح قلب هذا الشاب، ودائما وكما يقول المثل "ليس كل ما يتمناه المرء يدركه" فقد خانت مريم العهد الذي كان بينهما وتركته في أول الطريق وحيدا بلا أي ذنب، بحجة أنه أجريت لها عملية تمنعها من الإنجاب، وتحتاج إلى أموال كثيرة، وهو لن يستطيع تحمل كل هذه النفقات. ورغم أن مالك كان يعرف ذلك إلا إنه كان لديه إقتناع تام بأنها ستغنيه عن كل شئ حتى الولد.
تركته مريم وأحبت شابا لديه من الأموال ما يمكنه أن يلبي رغباتها، ولم تبالي بجراحه، ولأن أكبر مكسب للإنسان في الحياه أن يكون له صديق حقيقي بمعني الكلمة فقد كان مصطفى لمالك ذلك الصديق الوفي، الذي لا يتركه، بل وقف معه في حزنه قبل فرحه، ولم يتخلى عن مالك رغم تدني مستواه التعليمي.
بدأ مالك يمارس حياته الصعبة بدون مريم وبالصدفة تقابل مع فتاة في القطار تسمى حور أخذا يتحدثان سويا وهو الأمر الذي لم تفعله مريم في حياتها قط، فلم تتحدث مع أحد لا تعرفه، لم يبديها مالك أي اهتمام في المرة الأولى فلا تزال مريم بداخله، و هذه الفتاه حتى وإن أحبها فستذهب أيضا. ولكن عندما يريد الله شيئا لا بد أن يتم، فقد جمعتهما الصدفة مره أخرى، ولكن هذه المرة في إحدى المكتبات وتواصلا سويا، كان مالك يعمل كثيرا من أجل خبر سعيد تتمناه كل أم ولأجل اخته التي حصلت على تقدير امتياز وهو رحله عمرة إلى الأراضي المقدسة، وعندما ذهب مالك إلي البيت تحول هذا المنزل الصغير إلي قصر لا يوجد إلا في الخيال. كان الجميع في سعادة لا توصف فهم ذاهبون لزيارة أفضل البشر، ولكن الحياة دائما لا تعطي الإنسان كل ما يريد، فقد توفت أم مالك أثناء الزيارة، وهنا شعر الشاب بأن الحياه قد توقفت وأنها نهاية العالم، ففقدان الأم ليس يدانيه شيء. ولأنه رجل بمعني الكلمه فقد كان مثل البركان قوي المظهر من الخارج ولكنه ملييء بالإضطرابات التي تكاد تفجره من الداخل، وذلك حتى لا يفقد أخته التي لم يتبقى له سواها. دفن مالك أمه في الاراضي المقدسه بمساعدة إحدى السيدات وابنتها وعاد إلى منزله بدون والدته، وشيئا فشيئا تزداد حياته صعوبة ومراره، وحتي تلك الحادثة لم تكن علاقته بحور قد توطدت، وهنا بدأ الحديث بينهما بتحفظ من ناحيته، وتعرفت حور على هاجر التى سهلت مهمتها للوصول إلى قلبه. اهتمت حور بمالك اكثر وأكثر وهو لم يبدي لها أي اهتمام ولكنه كان يحس بما تحاول فعله، فقد انتقلت من جامعتها إلى جامعة قريبة من بيته، وأصبحت تتردد عل بيتهم كثيرا حتى وصلت لأدق تفاصيل حياته.
في أحد الأيام تعرض مالك لحادث سيارة وظل على إثره في المستشفى لبضعة أيام، وهنا يظهر المعدن الأصلي لهذه الفتاه التي تثبت كل يوم ان مشاعرها تجاهه ليست حب فقط، بل شيئ أكبر وأسمى من معني الحب، رغم معاملته لها فلا يريد ان يقربها إليه، ولا اجد وصفا لما تفعله هذه الفتاه سوى انها ذات قلب جميل لم يصل إليه قسوة البشر. في أثناء مرضه قص عليها ما حدث له مع مريم وبدأ شيئا فشيئا يفتح أبواب قلبه لها. تعلقت حور بمالك اكثر وزاد حبها له وحاولت بكل ما أوتيت من قوه ان تساعده وتخرج قلبه من تلك الأحزان، وتمر الاوقات والمواقف ويتأكد مالك من حبها له حتى كان لها ذلك، ولأن فرج الله كبير جدا فقد تقدم مصطفي لزواج هاجر وتم زواج هاجر ومصطفى وحور ومالك.

الحقيقة أن هذه القصة تعرض نموذجا جميلا وواقعيا للظروف التي يتعرض لها الشباب، والروايه ذات أسلوب يجعل القارئ يعيش معها وكأنه يشاهدها على شاشة تلفاز رغم العبارات الكثيرة العامية، كما يحاول كاتب الروايه وبطلها أن يثبت أنه لا يوجد مستحيل في الحياه، فقط التوكل على الله هو مفتاح النجاح.

السبت، سبتمبر 10، 2016

علي شاهين يكتب: مخلص كتاب هكذا تكلم زرادشت لمؤلفه فريدريك نيتشة


أولا معلومات عن الكتاب:
اسم الكتاب : هكذا تكلم زرادشت
 اسم المؤلف: فريدريك نيتشة (1844-1900)
 اسم المترجم : علي مصباح
الصعوبة التى تواجه أي شخص ينتهي من قراءة هذا الكتاب تحديدا هو تصنيف الكتاب؛ فالكتاب فيه من الفلسفة نخاعها الشوكي، ومن الأدب كل فنونه وأحابيله، ومن النقد جميع طوربيداته وباروده، ومن علم النفس أعماقه السحيقة وذهولنا أمامه، ومن اللغويات الأسُس التشريحية لها، فكيف يمكن ضبط وتنظيم وتلخيص كتاب كهذا وهو يستعصي على اللغة نفسها؟ إذا المجازفة هى المصير المحتوم لمن قرر تلخيص هذا الكتاب ورغم ذلك لايسعنا إلا الوثوق بالأمل بأن نستنبط معالم الكتاب؛ فالكتاب عبارة عن رواية مُقسمة إلى أربعة أجزاء وضع فيها نيتشه خُلاصة أفكاره وفلسفته على لسان النبي الفارسي زرادشت بطل الرواية بأسلوب لايمكن القول بأنه أدبي وإنما هو أقرب لنصوص الوحي والكتب المُقدسة وتلك نقطة سأتناولها فى سياقها، لكن بشكل عام نستطيع أن نقول أن فلسفة نيتشه ترتكز على أربعة أعمدة يمكن لم شملها فى الآتي:
أولا: نقد وهدم جميع أفكار عصره: من العبارات التى يُمكن أن تلخص نيتشه بشكل مذهل عبارة الدكتور فؤاد زكريا حين قال عنه ـ فى كتابه الذي يحمل إسم نيتشه ـ "إن نيتشه هو أول ناقد للحضارة فى التاريخ". يبدأ نيتشه روايته بالنبي الفارسي زرادشت الذي مكث طويلا فى مغارته فى الجبل يرى أنه قد أكتسب من الحكمة مايجعله يرغب فى أن يفيض بها لغيره من الناس فينزل حاملا مطرقة النقد والتحطيم أو كما يحب نيتشه (التفلسف عبر المطرقة) لكل ماهو سائد من أفكار وتيارات عصره ومُبشرا بدعوة الإنسان الأعلى، فيحطم مبادئ القانون وفلسفة العادلة السائدة فى عصره ويفتك بالديانات وخاصة المسيحية التى رأى فيها انحطاطا وخذلانا، وأنها هي سبب شرور العالم، وينتقد السياسيين ويعصف بكل ماتشتمل عليه كلمة ((سياسة)) من برلمان وساسة وأحزاب وقوانين وثورات، ويحطم عبر مطرقة البلاغة وسندان الرؤية النقدية عادات عصره وتقاليده ويأتى بحملة شعواء من السخرية والتنكيل بأساتذته الجامعيين ومناهج التربية السائدة فى عصره، ويسخر من أفكار كانط وهيجل وأرسطو وسقراط والمدرسة المثالية الألمانية والنخبة المثقفة، بل وتيارات الفن التى كانت آنذاك موجودة بعصره مؤمنا إيمان عميق بأن جميع ماسبق كان هلاكا على إرادة الإنسان وكان سببا فى إنحطاط الفكر الألماني وتعطيل طاقات الإنسان الإبداعية.
ثانيا: الإنسان الأعلى: يؤمن نيتشه بنظرية داروين التطورية ويري أن الجنس البشري حاليا ماهو إلا حلقة تطور نحو ظهور جنس بشري آخر راقي، ونظرا لأن نيتشه كان مُتكمن بشكل رهيب من اللغة ـ فالرجل قد درس فقه اللغة وعلم الفيولوجي فى جامعة بازل وحصل على دكتوراه ثم ترقي إلى دكتور جامعي ـ فقد نحت لنفسه مصطلح جديد فى اللغة الألمانية أختلف الكثير فى ترجمته، تارة (بالإنسان الأعلى) وتارة (السوبرمان) وتارة (بالأنسان الأرقى) وتارة (مافوق انسان) وأيا كانت الترجمة فقد آمن نيتشه بضرورة ظهور جنس بشري آخر خال من جميع سوءآت الجنس البشري الحاضر، متحررا من جميع الأيدولوجيات والأديان وليس له إمام سوي إرادته ومن خلال الأخيرة سيصنع مجده بل ويكتشف (خيره وشره)، فقد كان نيتشه يكره فكرة الخير والشر معتبرا إياها (وهم قديم) حيث الإنسان هو من يُحدد خيره وشره معتمدا على ما يسميه ( إرادة القوة) فى خلق المفاهيم والقيم والمُثُل وكما كانت تلك القيم تُلائم حاجة الإنسان فى وقت أو عصر ما فعلى الإنسان أن يُبدع قيم ومُثل تلائم وضعه الجديد فلا حدود لإرادة القوة، ومن سمات هذا الإنسان أنه مُخلص كأشد ما يكون الإخلاص للمعرفة والفن والإقبال على الحياة وأن لا يكتفي بصناعه أمجاده وإرادته، بل يتجاوزها إلى ما هو أرقى منها باعتبار أن إرادة القوة هى من تخلق تلك الأمجاد مؤمنا بأن الإرادة و الألم ـ والذى كان يُبجله نيتشه كثيرا ويرى أنه بمثابة وقود أحفوري من خلاله تستطيع أن تُنجز وتُسَخّر وتصنع مايتجاوز جميع خيال الشعراء ــ هما الحق اللذان لا يجب أن  تُقيدهم  نصوص أو عقائد أو طوطم أو أى مُنتج من مُنتجات الحضارة والفلسفات الوضعية التى رأى فيها نيتشه إنحطاط وتعطيل لما فى الإنسان من الأشياء السامية وتحديدا (( الإرادة))
ثالثا: العود الأبدي: يؤمن نيتشه إيمانا عميقا بمقولة الفيلسوف اليوناني هيراقليطس (إنك لا تضع قدمك فى النهر مرتين) أى الإيمان بالصيرورة وأنه لا شئ ثابت ولا شئ يبقى على حاله، فالتغيّر هو الشئ الوحيد الثابت وتوسع نيتشه فى مفهومه إلى درجة أقر فيها البعض  ـ حتى من شيعته ـ بالتناقض، ففي الجزء الرابع من الكتاب يتحدث زرادشت مع الظل  الذى كان يصاحبه بأن كل ماكان سيكون وكل ماحدث فى الماضي سيتكرر بنفس أحداثه فى المستقبل، بل وحتى وقوفه وحديثه مع الناس ومع الظل سيتكرر مرة أخرى فى المستقبل وأن جميع الأحداث الماضية ستُعاد بنفس أحداثها دون أدني تغيير ومن مات سيُبعث مرة أخرى ليُكرر نفس ما قد فعله حين كان حي، فلا ماضي أو مستقبل أو (( الآن)) بل صيرورة دائمة وتكرار أبدي مُلازم للإنسان، الأمر الذى أوقع الجميع فى حيرة تجاه هذا المبدأ والذي رأى البعض أنه ينسف مفهوم الإرادة من جذوره، إلا أن نيتشه ـ والمتابع لأعماله بشكل عام ـ لم يكن يهتم كثيرا بتفسير أفكاره ودحض أى فكرة مضادة قد تلوح في أفق الأفكار الجديدة، فإخلاصه لتلك الفكرة جعله يؤمن بها، ويهتم بشرحها وتوضيح جنباتها أكثر من الإهتمام بالنظر لمثالبها
رابعا: اللغة: من يقرأ هذا الكتاب يُدرك أن هذا الرجل قد أدرك (الشفرة الجينية) لكتب ونصوص الوحي وقام (بإستنساخ ) جيني  بطفرة وراثية هائلة لهذا يؤمن المُتلقي أنه أمام نص يكاد يكون وحي، وحتى نيتشه نفسه كان يُدرك هذا الأمر ففي الرسالة التى أرسلها للناشر يقول له نيتشه بكل ثقة ( لقد تحديت كُل الأديان ووضعت كتاب ديني جديد) فالكتاب غارق فى جميع أشكال الإستعارات وحيل المجاز والتشبيهات التى تجعل حاجب القارئ يقف زهاء يوم مذهولا دون العودة لموضعه والطباق والجِناس الذى ينشر الربيع فى أغصان القارئ وجميع الميكانيزمات التى تقوم عليها الكتب المُقدسة (القرآن، الإنجيل، التوراة، الفيدا، الإبستاق، إلخ إلخ) والمُذهل فى الأمر أنه برغم جهل نيتشه بالقرآن إلا أن أسلوب ( الآيات المُقطعة) ذات نهايات السجع هو تقريبا البنية الداخلية لكتاب (هكذا تكلم زرادشت) بل وصل إعجاز نيتشه اللغوي إلى أنه نحت مصطلحات خاصة به لم تكن موجودة أصلا فى اللغة الألمانية مما دفع المختصين بنصوصه إلى وضع قاموس خاص به من مجلدين يبلغ الأول 600 صفحة ذكرها  الأستاذ على مصباح فى مقدمة ترجمته بالمصادر فأى عقلية هذه؟ وإلي أى درجة من درجات التمكن من اللغة وصل نيتشه؟ فهذا رجل فاض عن اللغة ولم تستطيع الأخيرة أن تُجاريه أو تلاحقه، وبعقل أقل مايوصف به هو عقل إعجازي أصاب اللغة الألمانية بحمى شوكية فأضحت الأخيرة مشلولة عاجزة عن تلبية حيله اللغوية وهو مادفع الألماني صاحب نوبل للأدب (توماس مان) لأن يقول أن اللغة الألمانية بلغت قمة نضجها مع نيتشه والمشكلة هاهنا أن هذا التغلغل فى رئة اللغة الألمانية أصاب الكثير من القُراء بالربو فزهدوا فى قراءته وآمنوا بعقم تنسم هواء جبال نيتشه  بما فيهم الألمان أنفسهم ولا عجب أن يتم تجاهل الكتاب فى عصر نيتشه قبل أن تظهر العاصفة النيتشوية بعد وفاته وتظهر الحرب العالمية الثانية كأحد أسباب فهم هذا الكتاب ـ وبالمناسبة هو ماتوقعه نيتشه بالأضافة لسلسلة من التنبؤات تحققت بالحرف الواحد بعد وفاته ـ ولهذا أقول لمن لم يقرأ نيتشه عليك أن تذهب للأخير بعد سياحة وتجوال فى الفلسفة وكتب علم النفس والأجتماع وعلوم اللغويات والأدب وشئ من العلوم الطبيعية ثم تبدأ بقراءة هكذا تكلم زرادشت وليس العكس فهو وإن كان كما قال نيتشه ( كتاب للجميع) فهو أيضا قال ( وليس لأحد) والمعنى أن الكتاب ظاهره نص أدبي رشيق مُعتق بالحيل البلاغية فهو يصلح للجميع كأى رواية يُقبل عليها من يُحب قراءة الأدب ولكنه فى نفس الوقت ( ليس لأحد) إذا أن فئة معينة فقط هم من سيستطيعون الثبات فوق المعنى الباطني للنص بعد أن قام نيتشه بهز الصفائح التكتونية للنص فغدا هناك نص للجميع ظاهري وطبقة جيولوجية باطنية مُعتقة بأحافير معاني نيتشه  والتى لن يفهمها من أعتاد النوم والركض فوق أراضي البساتين.

وفي النهاية أقول: من سيفهم نيتشه حق فهمه سُيصيبُه ما آصاب الشخص الذى تجرع كوب عسل شديد الحلاوة حُرقة شديدة فى الابتلاع لكنها من شدة الحلاوة، وقطعا لن يستطيع تذوق أى شئ آخر وهل بعد أكل العسل يُستساغ أكل الخُبز؟

الثلاثاء، سبتمبر 06، 2016

محمد يسري يكتب: ملخص كتاب "فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء" للشيخ محمد الغزالي



إن لكتب الإمام الغزالي سحرها الخاص، ولغتها السهلة العميقة تجعل من الكتاب حكاية رائعة، مليئة بالعلم النافع المفيد، وأنا لا أرى عالما في عصرنا الحالي يضاهي الغزالي في سعة صدره وهدوءه وغزارة علمه، ناهيك عن حلاوة منطقه وجمال أسلوبه، ولعل هذا هو ما جعلني ألخص الكتاب الثالث له وعنوانه (فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء)، ولعل هذا الكتاب صغير الحجيم قليل في صفحاته إلا إنه يحمل بداخله كلاما أغلى من ماء الذهب، فما أروع عاطفة الغزالي وهو يتحدث عن محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم، وجميعنا يعلم الغزالي الأديب، الفلسفي، إلا إنك عندما تقرأ هذا الكتاب  تحديدا تشعر بتأثر الغزالي بالصوفية، ولا عجب فإنه الغزالي الذي وصف في عصره (بالفلسفي المتصوف)، هو الذي قال عن نفسه في خاتمة هذا الكتاب أنه عندما يشرع في الكلام عن الرسول محمد يتحدث على غير عادته، فيعتمد على العاطفة، عاطفة الحب التي تتحرك في قلبه نحو النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
يعتبر هذا الكتاب من أواخر ما كتب الشيخ الغزالي رحمه الله حتى إنَّهُ يقول فيه أيضا أنه بعدما كتب فقه السيرة في شبابه ظن أنه أتى بشيء طائل في الإبانة عن عظمة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلا أنه في آخر حياته قد كلفته (إدارة الشؤون الدينية القطرية) أن يسطر هذه الصحف فاستجاب، ولقد سمعته في تسجيل صوتي يقول متحدثا عن هذا الكتاب أنه قد شرع في كتابة أول أسطر منه وهو في طريقه إلي مدينة رسول الله (صلي الله عليه وسلم).
ملخص الكتاب:
إن (فن الذكر والدعاء عن خاتم الأنبياء) هو كتاب لا يخطر ببال أحدكم أنه مجرد نصائح عن الذكر وفضل الذكر والإستغفار مما اعتدنا سماعه وقراءته في عصرنا كلا! بل ما يحتويه أعمق بكثير من هذا، نعم أعمق لدرجة أنني شعرت بقشعريرة في جسدي حبا وخضوعا وخشية. القلب الغافل سيصحو من سباته مسبحا خاشعا لله الخالق سبحانه مصليا مسلما على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وأنا فقط سأذكر بعض التعبيرات التي عبر بها الشيخ في هذا الكتاب حتى أشوق قارئ الملخص لقراءة الكتاب كاملا، وسيجد بإذن الله فيه الكثير والكثير أكثر مما ذكرت، وسيثني عليه بأفضل مما فعلت. يذكر الشيخ في مقدمة الكتاب أن الخلائق أجمعين لابد وأن يكونوا على معرفة صحيحة بخالقهم جل وعلا، وأن يعترفوا بحقوق الخالق سبحانه اعترافا كاملا، وهذا الوعي بحقوق الله لا يرتبط بالعلم أكثر ما يرتبط بتدريس هذا العلم ونشره وتصحيحه للبشرية، وهذا ما كان عليه الأنبياء ومن سار على نهجهم. ثم يذكر الشيخ أنه قد شغف بسير الأنبياء كثيرا وحاول أن يقتبس منهم في حياته شعاعا يستضئ به، فموسى عليه السلام بعدما عرف الله حقا وهو في أشد حاجته إليه يناجي خالقه بقوله (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير )، وعيسي عليه السلام وهو يدافع عن نفسه في مسائلة دقيقة ومواجهة بينه وبين الله يقول (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم)، وإبراهيم عليه السلام وهو بمكة يسلم ابنه للقدر المرهوب ويسأل الله جل علا (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم)، غير أنك تنبهر وتتوه منك نفسك وأنت بيدي النبي الخاتم محمد بن عبد الله وهو يدعو ويدعو وتكاد تشعر بأنك أمام فن من فنون الدعاء والمناجاة ذاهب في الطول والعرض لم يؤثر مثله عن المصطفين الأخيار على امتداد الأدهار، ثم ينقلنا الكاتب إلى عنوان آخر ويسأل كيف عرفنا محمد بالله؟! وأنا أضع بجانب هذا السؤال تساؤلا آخر وهو كيف عرف محمد ربه؟!
  كان من الناس من لا يعرف الله، فأنار محمد بصيرته وأرشده إلي خالقه وبارئه، وكان منهم من يعرف ربه مع تشوهات في معرفته وعقيدته فهداه محمد إلى التوحيد الخالص الخالي من أي شرك، أنظر إلي كلماته وتعبيراته التي علمها لأصحابه ولأمته من بعده في كيفية الإعتراف بالخالق جل وعلا والخضوع له، عندما تردد بكلمات عاطفة الاعجاب عندك بالخالق ترى أن الكلمات المعبرة تتقاصر ثم تحتبس ثم تنظر إلى محمد بن عبدالله وهو يقول عندما يركع لله (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي لك) ثم يسجد ويقول (اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق فيه سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين)، في هذه المناجاة ترى الألوهية الكاملة والعبودية الكاملة ثم تعجز عن أن تقول شيئا أفضل من هذا الكلام.
 إن المسلم الأول – وهو ترتيب النبي محمد بين النبيين والصدقين – له فن في الذكر والشكر والإنابة والدعاء والمناجاة لم يحفظ مثله لبشر – عليه الصلاة والسلام. ثم ينتقل الشيخ إلى علاقة محمد بربه – ولذالك وضع عنوانا في هذا الباب أسماه "كيف عرف محمد ربه؟!" ويصفها أنها علاقة كلها محبة وشوق فكانت مناجاته -صلي الله عليه وسلم- مناجاة الحبيب المشتاق لحبيبه، لقد كان عامر القلب بربه عميق الإحساس بعظمته، استمع إليه وهو يناجيه ويقول (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك علي الخلق أحييني ما علمت الحياة خير لي وتوفني ما علمت الوفاة شر لي). العالم من أزله إلى أبده لا يعرف إنسانا استغرق في حبه لخالقه عن طريق التأمل العالي في مخلوقاته وفي عظمته كمحمد، لقد كان يمشي على الأرض وقلبه في السماء مع حبيبه سبحانه وتعالى. أنظر إلى قوة العاطفة ودفقها في هذه المناجاة الحارة، كان يقول دبر كل صلاة (اللهم ربنا ورب كل شئ أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شئ أنا شهيد أن محمد عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة، اللهم ربنا ورب كل شئ اجعلني مخلصا لك وأهلي في كل ساعة من الدنيا والآخرة ، ياذا الجلال والإكرام، أسمع واستجب، الله أكبر نور السموات والأرض، الله أكبر وحسبي الله ونعم الوكيل، الله أكبر الله أكبر).
 إن ألفاظ اللغة حين تعجز عن ملاحقة هذا الجيشان المناسب في كل دعوة، تجعل الرسول المنيب المتعبد يلجأ إلي التكرار في العبارة الواحدة لينفس عن ما استكن في صدره من روعة ومحبة وإجلال. ثم يستعرض الشيخ عنوانا جانبيا رائعا يبين فيه كيف كان يوم الخاتم صلي الله عليه وسلم) – أربع وعشرون ساعة من حياة عريضة.  تأمل يوم واحد من حياة نبي الإسلام، عندما يستيقظ من نومه قبل الفجر بقليل وظلمة الليل لاتزال مخيمة على كل شئ يردد مناجيا قائلا ( الحمد لله الذي رد إلي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره). وفي الصباح يبدأ العبد الشكور بذكر حبيبه ويقول (اللهم عالم االغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شئ ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه ...)، ثم على مدار الأربع والعشرين ساعة يقف فيهم خمس مرات للصلاة أمام الخالق سبحانه ويحث أمته على ذلك ويقول (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة)، وكان عند خروجه إلى الصلاة يقول: (اللهم أجعل في قبري نورا وفي لساني نورا وفي سمعي نورا وأجعل في بصري نورا وأجعل من خلفي نورا ومن أمامي نورا، اللهم أعطني نورا) وعندما يدخل المسجد يقول ( أعوذ بالله العظيم ووجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم أفتح لي أبواب رحمتك)، أي حياة هذه! كان يومه كله، وحياته كلها، وأحوالها كلها مناجاة لله الخالق جل وعلا. إن محمدا بن عبد الله ليس كاهنا يقول للمذنبين تعالوا إلي معترفين أغفر لكم، وأخفف عنكم ! كلا! كلا ! إنه يقول أدعوا الله معي، أدعوا الله لأنفسكم، استغفروا لما اقترفتم، أنا وأنتم ومن في السموات أصفارا إن لم يشأ  هو أن يجعلنا شيئا. إنه يجير ولا يجار عليه ويحكم لا معقب لحكمه.
وفي هذا المجال جملة ليست بالقليل من الأدعية التي كان يدعوا بها، ويرغب المؤمنين أن يتقربوا إلي ربهم بها.
وختاما أقول: قرأت هذا الكتاب من مدة طويلة، قرأته ليلا في هدوء الظلام، وكنت حقا أشعر بنفسي تعيش مع أدعية ومناجاة الرسول صلي الله عليه وسلم، سأظل أوصي دائما بقرائة هذا الكتاب؛ فعلى الرغم من صغر حجمة إلا إنه يحتاج وقتا طويلا لتدبره.