السبت، ديسمبر 30، 2017

على شاهين يكتب: ملخص رواية (انقطاعات الموت) لـ ساراماجوا، ترجمة: صالح علمانى.


الناشر : صادرة ومترجمة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومتاحة بنسخة PDF.

من أجل تلخيص عمل فذ كهذه الرواية، عمدت إلى تقسيمها إلى ثلاثة أبواب. محاولاً قدر استطاعتى تحفيز القارئ لقراءتها، مع الاحتفاظ بعناصر التشويق وعدم حرق الأحداث، وليغفر لى القارئ إذا ما تجاوزت ما وضعته لنفسى من خطوط حمراء بخصوص العنصريين اللذين ذكرتهما؛ فالحياد عند وصف الزهرة لن يكون كالحياد تجاه وصف العسل.
الباب الأول وفيه نجد أنفسنا فى مملكة نظام حكمها ملكي برلماني يهجرها الموت! البيوت تنهار ، والحرائق تشتعل فى المنازل ، والمرض يُصيب الناس لكن لا أحد يموت! بعض الناس ابتهجت لاعتزال الموت وظيفته، وفرحوا لإنهم سيكونوا مُخلدين، ومن نحبه سيظل مدى العمر بجوارنا، فلا ألم للفراق ولا حنين إلى الأسلاف. لكن الأمور لم تسير على هذا النحو، فقد بدأت المشاكل بل ـ كما سنرى ـ الكوارث فى التفاقم
الأزمة الأولى كانت من نصيب المرضى فى المستشفيات ، فهم يتألمون ويصرخون ولكن لا يموتون. والمستشفيات تُعاني من نقص فى الأسِرّة نتيجة زيادة أعداد المرضى. نفس الأزمة واجهت بيوت المسنين حيث العدد يتزايد، ولا أحد منهم يموت ليُخلى مكانه للوافدين الجُدد. مما دفع المسؤلين عن هذه المستشفيات وبيوت المسنين لطلب النجدة والحل من رئيس الوزراء.
الأزمة الثانية كانت من نصيب صانعي التوابيت والحانوتَّية. إذ بعد اختفاء الموت، لم يعد لوجودهم أى معنى! مما تسبب فى اجتماع عاجل لحل هذه المشكلة العويصة، فاقترح رئيس الوزراء عليهم أن يكتفوا بدفن الحيوانات (عصفور، كلب، قطط) باعتبار أنها الكائنات الوحيدة التى تموت فى المملكة. ولكن هذا الأقتراح لم يكن مُجدىّ بل وشعروا بالأهانة. ولم يكن لهم بُد من "طلب النجدة والحل من رئيس الوزراء ".
الكارثة الثالثة كانت من نصيب شركات التأمين. فما معنى طلب التأمين على نفسي وعائلتي وأنا أصلاً مُخلد ولن أموت؟! فقرر من شملهم التأمين، سحب بوليصة التأمين والمطالبة باسترداد أموالهم. مما تسبب فى إفلاس سريع وفورى لتلك الشركات. ولم يكن لهم مفر من "طلب النجدة والحل من رئيس الوزراء"
المصيبة الرابعة كانت من نصيب نظام المعاشات. فكبار السن بما أنهم لن يموتوا، فإلى متى سيأخذون معاشهم الذى يُستقطع جزء منه من راتب الشباب والعاملين؟ وكالعادة " طلب العاملين النجدة والحل من رئيس الوزراء". 
الضربة الخامسة كانت قاضية لأنها جائت فى القضاء! فما جدوى التشريعات بخصوص الميراث والجميع مُخَلد؟ ثم ما قيمة أحكام وتشريعات القتل؟  إن فرضنا أن مريض يتألم حاول الإنتحار ليرتاح من ألمه، أو حتى شخص مكتئب يمر بأزمة عاطفية، فعلى أي أساس سيحاكم؟ أليس الموت أمر طبيعى للإنسان؟ وحين أسعى لهذا الأمر بكل الطرق، فما المبرر الذى ستمنعنى بمقتضاه؟ فلم تجد تلك المنظومة بُد من "طلب النجدة والحل من رئيس الوزراء ".
الزلزال الأكبر على الإطلاق كان واضحاً فى الجيش. فما معنى الوقوف المُملل على الثغور والحدود وأمام العدو وأنا أصلاً لن أموت لا برصاص العدو ولا برصاص المحاكم العسكرية؟ ثم إن ما فعله الموت باعتزاله قد أطاح بمعنى (التضحية، الشجاعة، الفداء، إلخ إلخ). فما الذي يُجبرنى على الألتحاق بالجيش؟ ويلوح فى الأفق إنقلاب عسكرى ! ولنا أن نتصور كيف أصبحت حالة رئيس الوزراء الأن !.

الباب الثانى :
بالصدفة البحتة يكتشف أحد سكان المملكة دولة مجاورة يموت الناس فيها بشكل عادى، وبعد التجربة على حماه العجوز، يتأكد أن الموت فعّال فى تلك الدولة. فيذهب ليُخبر أبناء مملكته عن هذا الأمر! وللقارئ حق التصور والتخيُّل في ما سيُحدثه هذا الخبر. وكيف انقلب الوضع رأساً على عقب بشكل مهول! وهو الانقلاب الذى ساُطيخ به إن حاولت سرده بالتفصيل.
الباب الثالث: فى إحدى مرات قبض الأرواح، تجد المنيّة (الموت) صعوبة فى قبض روح شخص عادى، فقد كانت ترسل خطابا بنفسجيا لكل من ستقبض أرواحهم ، لتُعلمهُم أنه تبقى من أعمارهم أسبوع. وعقب انتهاء المدة ستقوم بقبض أرواحهم. إلا أن هذا الشخص كلما أرسلت له المنية الخطاب تجد الأخير يُعاد رده إليها! فتتحير وتتعجب من هذا الأمر ! فتُقرر الذهاب إليه متنكرة فى هيئة سيدة جميلة لحل هذا اللغز. فتجده عازف ( تشيلو) بسيط فى كل شئ بدءاً من ملابسه وانتهاءاً بيومه. فى كل محاولة جادة منها لإعطاءه الخطاب يداً بيد تقع الموت أسيرة فى عزف الموسيقار! تطلب منه أن يعزف لها باخ، بيتهوفن وغيرهم. وفى كل مرة تجد نفسها عاجزة عن ممارسة سطوتها وقوتها أمام عزفه! لقد انتصرت الموسيقى على الموت! فلإن كانت الأخيرة قَدرْ ، فالموسيقى مصدر عزاء . ولإن كانت المنيّة قادرة على دفننا فى التراب، فالموسيقى هى البعث لأرواحنا. الموت هو نهايتنا، لكن أمام الفن تنتهى حدود الموت.
أسلوب الكاتب :
يعتمد سارماجوا على الإكثار من المجازات والكنايات فى الوصف والسرد، وبذلك يمنح القارئ زوايا جديدة تُمكنه من مشاهدة الحدث كما لم يراه فى فلسفة أو تنظيّر فكري. يحتاج الكاتب لكثير من التركيز حيث أن جُمَله طويلة وأحياناً تأخذ صفحات بأكلمها. كذلك يعتمد على الجمل الإعتراضية فى كثير من سرده. ما يُميزه أيضاً هو قدرته على الانتقال السريع والمُبهر من دور ناقل الحدث بموضوعية، إلى دور الفاعل فى مجريات الأحداث، ثم إلى دور القَاص، ثم إلى دور المُحلل لواقعة، ثم العودة لدور الناقل الأمين لما يجرى للبطل، ثم تركيز البؤرة على شخص بعينه.
كذلك يتعمد الكاتب فى الحوارات بين الأبطال أن يكتبها فى سطر واحد مُتصل. ومن ثم التركيز مفيد ومهم.  بشكل عام؛ هو خلّاب فى أى دور يتخذه فى الرواية. فقبضته قوية فى لم شعث الأحداث، ولايفلت من يده خيط واحد من فاتحة الرواية حتى الخاتمة. وأقوى مافى رواياته بشكل عام، هو القدرة المدهشة على عرض تفاصيل الوقائع وتتبُعها لنهايتها، كما يقول ( تين) فى كتابه فلسفة الفن: إن القدرة الفنية ليست فى الإغراب وتلف المحال، بل فى حسن أختيار التفاصيل المميزة

بعض العبارات الجميلة فى الرواية:
1 -  الأرض وادى للدموع.
2 -  أى حذر مع الكلمات يظل قليلاً لأنها تبدل رأيها كما الأشخاص
3 - الموت لايرُد ، ليس لإنه لايريد الرد ، وإنما لإنه لايعرف ما الذى يقوله فى مواجهة أشد ألم إنسانى.
4 -  التسرع ناصح سيىء.
رسالة الرواية:
1 - يُريد ساراماجو  ـ فى المقام الأول ـ إيصال رسالة مُفادها: أن الموت هو جزء من الحياة وليس أمر شاذ أو غريب لابد أن نفزع منه، أو كما يقول أحد كبار مُعلمى الزِن (إيكهارت تول) : الموت ليس ضد الحياة، ضد الموت هو الولادة. فلو بكينا على وفاة من نحبهم، فسننزعج بنفس القدر من الحزن على توقف الموت. وبشكل مُبهر وحقيقي؛ كشف ساراماجوا عن تداعيات غياب الموت. يكفى- فقط- النظر إلى المرضى الذين لاشفاء لهم، حتى نؤمن بأن الموت ضرورى.
2 -  فى المقام الثاني، يؤمن ساراماجو بأن ثمة نوعان من الموت: موت و الموت. موت يقصد به وفاة شخص حىي أو كائن حي. وفى نظر سارماجوا ليس هذا موت حقيقى بل هو انتقال الكائن الحى من هيئة معينة وتحوله لهيئة أخرى داخل اطار الطبيعة. فمثلاً وفاة الإنسان وتحلله، يعود بعناصر تكوينه إلى الطبيعة (كاسيوم، حديد، زنك، إلخ إلخ). كما دودة القز، نقول انها ماتت لكنها فى الواقع وُلدت من جديد لكن بشكل فراشة. وكما يقول لافوازيه: لاشئ يفنى ولا شئ يبقى وإنما هى تحولات. وفى هذا المعنى يؤمن سارامجوا برؤيته للحياة قائلاً بكل وضوح: كل واحد منا هو الحياة فى اللحظة الراهنة. أما (الموت) : فنستطيع أن نقول أنه انتقال الشئ من وجوده إلى العدم ! والأخير هو مايؤمن به سارامجوا بأنه سيلتهم الحياة كلها يوم ما بما فى ذلك (موت).
3 - فى إحدى الفصول، حتى تُقرر المنية أن تعود، ترغب فى التوصل لحل وسط بدلاً من الانقطاع المفاجئ أو العودة المفزعة. فتُقرر أن تُرسل خطاب بنفسجى اللون تقول فيه للمُسلتم، إن أمامه سبعة أيام للعيش قبل أن يموت. ولكن حتى تلك الآلية أصابت البشرية باضطراب وهلع، وأنشطر الناس بين فريق ماجن شهوانى يرغب فى التمتع بكل أشكال اللذة قبل انقضاء المُهلة، وفريق آخر اعتزل العالم وعكف على أعمال الخير والبر ليغفر الله له! وخرجت المظاهرات، وانتقدت الصحف المَنيّة، ولم يختلف رد فعلهم كثيراً عن الأنقطاع الأول.
 درس أخر يُريد ساراماجوا كتابته على سبورة قارئ الرواية، وهو أنه من الحكمة ألا تحزن على جهلك بما ينتظرك من الغد، ولا على موت شخص ما بشكل مُفاجئ، وأن الرضا بما قضت به المنية هو خير رد فعل.

4 - الفن ، والمسيقى تحديداً هو مايجعلنا ننتصر على الموت! لأن الموسيقى ليس لديها مدة صلاحية فهى كالموت، مُطلقة ولاتعرف حدود. الفصل الأخير كشف لنا ساراماجوا عن المصل الوحيد ضد الموت، والذى أجبر حتى الموت أن تتواضع وتتجسد على شكل. ولهذا ليس غريباً أن نرى المنية تمسح دمعتها بكفيها وهى تسمع من انتصر عليها بـ(تشيلو) للإنسانية، وفشلت هى بكل جبروتها أن تُخضِع الأخيرة. وكيف لا، ألم يقل نيتشه: أنا لا أستطيع أن أُفرق بين الموسيقى والدموع !



الاثنين، ديسمبر 18، 2017

على شاهين يكتب: رواية لا تُنسى أم كتاب للنسيان؟


سأتناول الكتاب فى ثلاثة بنود رئيسية :
1 - الغلاف وملحقات الكتاب :
أ – ( نسيان دوت كوم). ما الذي يعنيه هذا؟ لانجد كلمة “رواية” على غلاف الكتاب. ومن خلال العنوان يُمكن أن نقول أنه عنوان لموقع. وبالفعل، فالصفحات الأولى من الكتاب، تُشير الكاتبة لموقعها على الانترنت المخصص للنساء المجروحات، ومن تحمل ذكريات ترغب فى نسيانها.
ب – ” يحظر بيعه للرجال ” هى عبارة لا معنى لها ! هل كانت أحلام تظن أنها بتلك الكلمات الثلاث ستجعل من الكتاب أكثر جذباً للنساء؟ إن أحلام لاتحتاج لهذا الأغواء أو تلك اللفتة، فيكفى اسمها على أي غلاف لتضمن اكتساح كتابها فى السوق للجنسين. فالعنوان فيه شئ من التكلّف، لم يكن له داعى.
ج – لم أرَ في حياتي روائية ترفق مع روايتها ( أقول مؤقتاً روايتها) (سي دي) فيه أغاني من تأليفها؛ وبصوت جاهدة وهبة. وتُبرر الكاتبة هذا الأمر، برغبتها فى مساعدة النساء اللاتي شَقينْ من تذكر الحبيب، عبر أغانى للنسيان. ونجد في ظهر الكتاب موقع إلكتروني لنفس الغرض، وصفحة الروائية فى الموقع الأزرق.

2 -
 تصنيف الكتاب : من الصعب الانحياز لوصف حاسم للكتاب. لكنه بشكل عام يتحدث في الحب الكائن بين المرأة والرجل، وتحديداً الحب الوفى للمرأة ومُقَابلهُ من خيانة الرجل فقط. وفى هذا الحب يتفرع الموضوع إلى ثلاثة بنود :
البند الأول: يتناول الكتاب وصف الحُب بأنواعه ودرجاته. فهو دينمو هائل لكتابة رواية. وهو كالفصول الأربعة  يبدأ بلقاء ودهشة، ثم غيرة ولهفة، ثم لوعة الفراق، ثم روعة النسيان. وهي لاتذكره ـ أي الحُب ـ إلا وترفق معه توابع الفراق. لهذا لاتجد فى الكتاب أي وصف قائم للحب دون إلحاق النسيان به. على سبيل المثال لا الحصر:
 علينا أن نربي قلبنا مع كل حب على توقع احتمال الفراق والتأقلم مع فكرة الفراق قبل التأقلم مع واقعه، ذلك أن فى الفكرة يكمن شقاؤنا. ومثال أيضاًإذا كان الحب يملك شفيعاً وقديساً، فالنسيان يحتاج إلى آلهة. من أجل مصائب كهذه وُجدت العناية الإلهية..ووجد الأدب.
البند الثاني: يتضمن ـ أيضاً ـ الكتاب نصائح للنسيان : هناك فصل فى الكتاب يتحدث عن وصفات لنسيان رجل وبه ثمانية فصول يترواح الفصل بين صفحة إلى صفحتين. هى:
أن تَصريّ على النسيان، وتعيشي الحياة بقوة…الابتعاد عن الأغاني العاطفية… لاتَحلُمين بفارس الأحلام فهذا فى الروايات،فقط عيشي يومك.. لاتبحثى عن مكان الحبيب السابق، فغالباً ستجدينه قد ارتبط بواحدة من أصدقائك / قريباتك / مدينتك / إلخ إلخ… لاتنسى ما أستنزفه من صحتك وحبك، وتذكرى مافعله بك !.. دعيه يمضى في سلام، دون عتاب جارح او شتم ولعن.. لاتنسى أكل الشيكولاته والإكثار منها. والنصيحة الأخيرة، هي أن تجلس المرأة فى حمام مُعبّق برائحة البُخار وتترك لنفسها عنان التفكير الصافي والتأمل الهادىء وستخرج ب ” أم النصائح” لعلاج الذكريات المؤلمة، كما خرج أرخميدس بنظريته صائحاً : وجدتها.
إحدى مآخذي على الكاتبة، هى أن هذا الفصل لايتضمن كل نصائح النسيان ! فثمة نصائح مُبعثرة هنا وهناك. وفصل كامل يحتوى على ” منيو ” أدعية! حيث ثمة أدعية للانتقام ، وأدعية لطلب الهداية ، وأدعية للنسيان ، وأدعية على السيدة التى ستحل محل قلب حبيبها ! ونصائح للعفو، والمغفرة، ونصائح للانتقام ، ونصائح لتوريث الحسرة والفجيعة في قلب الرجل الغادر،أو الذى سبب أذى نفسي كبير. ونصائح للهروب من انتظار الأتصال، ونصائح لتوطيد النسيان بأى شكل تحت شعارلقد أعلمونا ـ أى الرجال ـ بأن النسيان ممكن جداً ، ولهذا نرغب فى إشعارهم بأن النسيان ليس حكراً عليهم)

وتختم الكاتبة كتابها بميثاق شرفي، به أربعة بنود تتعهد المرأة أن تلتزم بها عند الدخول فى أى حُب. وفحواه : أن تؤمن بانه لا وجود لما يسمى ” حب أبدى “.. وأن تتوقع أى شىء من الحبيب.. ان تكون جاهزة في اى لحظة للنسيان.. ليس ثمة رجل يستحق في الحياة أن تبكي عليه، لو أحبك حقاً ما أباكي.
البند الثالث: ثمة فصل يتحدث عن عشر قصص حب تحت بند (من قصص النساء الغبيات)كل قصة لاتتجاوز ـ ايضاً ـ الصفحتين. العجيب في هذا الفصل ، هو أن الكاتبة لم تحصر فيه كل قصصها. لأن الكتاب كله ملئ بشكل مبعثر بقصص نساء مخدوعات! بعضها ـ أى تلك القصص المبعثرة ـ لاتخدم الفكرة العامة التى جائت تحت عنوانها. وبعضها ـ أي القصص المتناثرة ـ كان الأفضل أن تنضم تحت لواء (من قصص النساء الغبيات). أيضاً نلاحظ أن القصص الـ 10 خالية من تفاصيل واضحة. بل هي أقرب لوصف انطباع عن حادثة منها إلى سرد قصة سيدة غبية. القصة الوحيدة الواضحة المعالم هي آخر قصة فى الكتاب ،حيث التفاصيل واضحة وفي سير الأحداث عِظة وعِبرة.
أسلوب الكاتبة :
أ – أحلام مستغانمى هي سيدة بارعة، بل قل مُبهرة فى الاستعارات والمجازات والتشبيهات تحديداً. تلك الثلاث الأخيرات هُنْ : النخاع الشوكى والطرفين ” لإسلوب أحلام. خد على سبيل المثال :
لاتبحرى بذريعة النسيان نحو الماضي، بحثاً في جثث البواخر الغارقة عن ذكرياتك الجميلة. في ذلك العالم السفلي المعتم للمشاعر قد تفاجئك كائنات بحرية مفترسة تتربص بنزولك دون زوادة الأكسجين نحو الأسفل. إن أردت الوصول لبر الأمان لا تغادرى البر أصلاّ. ابقى على سطح الأشياء. لأنك كلما ذهبت عمقاً، أعطيت المشاعر فرصة للفتك بك، وفتحت منافذ تطل على الذكرى.
ما حاجتك إلى (صدقة) هاتفية من رجل.. إن كانت المآذن ترفع أذانها من أجلك وتقول لك خمس مرّات في اليوم إن ربّ هذا الكون ينتظرك ويحبك؟. إن كان الحب من ذهب فالنسيان من ألماس، ثمة رجال يَثرونكْ بخسارتهم.. تعلّمي أن تميّزي بين صمت الكبار والصمت الكبير. فصمت الكبار يُقاس بوقعه، والصمت الكبير بمدّته… لاتستنزفي طاقتك بالأسئلة. لاتطاردي نجماً هارباً، فالسماء لاتخلو من النجوم. ثم ما أدراك، ربما في الحب القادم كان من نصيبك القمر.(انتهى)

ب – فى كل فصل فى الكتاب تكتب أحلام مقولة شهيرة، أو أقتباس ، وتُولّد منها استعاراتها وحيالها اللغوية.. فمثلاً تحت عبارة أوباما التي أفتتحت بها الفصل (بلى أنت تستطيع). تستلهم الكاتبة من معجزة وصول رجل أسود إلى البيت الأبيض، أمل جديد لكل سيدة تريد التحرر من ذكرى رجل، والثورة على تلك الذكرى التي تُحيل المرأة كعبد زنجى. في فصل (اصنعى من الذكريات تبولة) تستعير من الخضروات والأكل خصالها وصفتها ( الحارة ، الحامضة ، الحلوة ، إلخ إلخ) للمستعار له ( النسيان ، الذكريات المؤلمة ، الحزن إلخ إلخ). لكن خانها التوفيق فى تشبيه الحب القديم والجديد بالأحذية. حيث الحذاء الجديد يؤلم فى بدايته عند أرتداؤه. كذلك الحُب الجديد لن يكون مريح كالحُب القديم الذى أهترأ بثقوبه
.
ج – أفرطت الكاتبة فى استخدام كل آليات وأداوت البلاغة. ففي أكثر من فصل ـ من المفترض أن يقدم  نصيحة فعّالة أو توضيح ـ تجد نفسك فى خضم بحر من التشبيهات، والاستعارات، والجمال الفاتن فقط لا غير !. هو جمال يستنفر المرأة لتبني النسيان، لكن لايُقدم لها آليات وآدوات فعالة حقيقية لتنفيذه ! لاتوجد سوى بضع نصائح جيدة تصلح لتطبيق غرض الكتاب. كالصلاة، والدعاء، والانغماس فى الحياة، وضبط النفس ورباطة الجأش تجاه الهجر. والباقى أدب محض، ولغة كحلاوة العسل ؛ جميل جداً لكن ليس وجبة أساسية. آحلام كانت كمن يدق طبول الحرب، الصوت قوي، والايقاع يحبس الأنفاس ، والرهبة تستولى عليك، بيد انه بعد الانتهاء لاتجد حرب أصلاًتلك نقطة أولى.
النقطة الثانية : أغاني السي دي تنادى النسيان وتطلبه، لكن بهذه الأغاني تستدعي الكاتبة، الذكرى وتُهيجين الأشواق. الموسيقى بالفعل تُهَون كثيراً وبخاصة ـ كما قالت الكاتبة ـ الموسيقى الكلاسيكية، أما الأغاني العاطفية فهى ـ بالطبع ـ تستدعى ـ ولو بمقدار ضئيل ـ ذكريات نحاول تفاديها.
النقطة الثالثة : هل كان على أحلام أن تكون ” أخصائية نفسية ” لجرحى الحُب وضحاياه؟
لا.. هي مُخلصة فى مساعدة الجرحى والضحايا، حتى وإن فشلت فى وضع منهج للنسيان. ضف على ذلك، طُغيان الجانب الأدبي عليها. صحيح إن الإنسان من خلال لغة قوية، يستطيع أن يجعل كلامه للطرف الأخر مُقنع وقوى، لكن ليس بالبلاغة وحدها يُشفى الإنسان ! هي فى النهاية تعرض وجهة نظرها وبعض النصائح التى ربما تكون قد تحصلت عليها بالقراءة ، وبالاحتكاك بخبرات جرحى وضحايا سابقين. ومن ثم كتابها ” توليفة ” من نصائح وقصص قصيرة وأوصاف وتفنيد. لكن يصعُب توصيفه، ليس فقط لجماله وإنما لتنافره في بعض المواضع .
النقطة الرابعة والأخيرة : هل نستطيع أن نقول أننا فى حضرة ” دوستويفسكي الحُب”؟ من الإنصاف أن نقول أن أحلام قوية جداً فى التشبيه، والدخول إلى عمق نفسية قطبى الحُب ( الرجل والمرأة). أحلام أخلصت بحق لقضية ” ما الحب؟ ” .. لكن دوستويفسكى كان سباح عبقرى استطاع أن يكشف لنا عن عُمق وتعقيد وحقيقة النفس البشرية بكل وضوح وجاذبية، أما أحلام فيطغى على اسلوبها البلاغة القوية والديباجة والاستعارات المحفوظة. أعنى أنها أقتصرت على ” الحب بين الرجل والمرأة “. في حين كان دوستويفسكى ” استاذ ورئيس قسم ” النفس بكل صراعتها وأطوارها. أحلام كشفت لنا عن الزبد واللؤلؤ المكنون فى بحر النفس البشرية. دوستويفسكي كشف لنا حجم البحر بما فيه، فأي كلام يقال ـ بعد ذلك ـ فيه؟

وبعد ،
أهي رواية لاتُنسى أم كتاب للنسيان؟ تلك النقطة الخامسة أتركها لمن سيقرأ الكتاب
.
أما بالنسبة لي ؛ فهو كتاب صعب أن يُنسى لكنه ليس للنسيان !