الجمعة، نوفمبر 30، 2012

الربيع العربي في برلين 49


 
وتدخلت بسؤال طرحته على السيد جرلاند قلت فيه  :- " هل يتدخل الجيش في حالة ما إذا تعرضت البلاد لخطر داخلي فمثلا ماذا لوحدث هجوم إرهابي على البرلمان الألماني؟"

كنت أعتقد أن يأتى رد السيد جرلاند متضمنا كلمة نعم؛ إلا أنني فوجئت بقوله: لا، فليس للجيش أن يتدخل في هذا الأمر؛ لأن هذا من اختصاصات الشرطة المحلية فقط!

وكانت هناك أسئلة عدة دارت كلها حول الجيش الألماني؛ فكان سؤال أحدنا عن وضع الجيش في الدستور الألماني ، وهل له وضع خاص أم أنه مجرد مؤسسة شأنها في الدستور شأن بقية المؤسسات؟ وجاءت الإجابة بها كثير من التفصيل حيث قال:

" ينص البند الرابع من المادة 87 على أنه من أجل درء خطر يهدد كيان الاتحاد أو إحدى ولاياته أو نظامه الديمقراطي الحر تستطيع الحكومة إذا توافرت شروط المادة 91 الفقرة 2 الخاصة بحالة الطوارئ وإذا تبين أن قوات الشرطة وقوات حرس الحدود الاتحادية لا تكفي لذلك أن تسند للقوات المسلحة مهمة مساندة الشرطة وحرس الحدود لحماية المنشات المدنية ومواجهة الخارجين عن القانون والمتمردين المسلحين، لكنها منحت سلطة وقف تدخل القوات المسلحة لكل من المجلس الاتحادي أو مجلس النواب.

ورغم أن الدستور الألماني أفرد المواد من 109 إلى 115 للحديث عن الموازنة العامة للاتحاد والولايات بما فيها التدابير المؤقتة،إلا أن هذه المواد لم تتضمن نصا عن استثناء للقوات المسلحة أو غيرها ، وأردف  السد جرلاند بقوله:  أن الدستور الألماني في فصله العاشر ينص على أن المجلس النيابي الاتحادي هو من يقرر إعلان الحرب للدفاع عن الوطن وما يصحب ذلك من تدابير وذلك بموافقة ثلثي الأعضاء مع منح اللجنة المشتركة حق اتخاذ القرار في حال عدم انعقاد المجلس النيابي أو عدم اكتمال نصابه".

 وكان سؤال آخر عن القواعد الأمريكية والجنود الأمريكان الذي بلغ عددهم حوالى 70 ألف جندي متواجدون على أرض ألمانيا، وما إذا كان وجود هذه القواعد  والجنود ينتقص من السيادة الوطنية أم لا؟ وجاءت الإجابة بدبلوماسية كبيرة شرحت فيها الدكتورة "أندريا بيشوف" السبب الأساسي في وجود القواعد الأمريكية وأن هذا الأمر قديم قدم الحرب العالمية الثانية!

ثم كان سؤال رابع عن صفقة الغواصات التى قررت ألمانيا إرسالها إلى مصر وإسرائيل والتى تحاول إسرائيل عرقلة إتمامها! وكانت الإجابة مختصرة؛ بأنه لم يبت في الأمر بعد!

ولا حظت أن احد الموظفين كان يجلس خلف السادة المحاضرين مباشرة ويدون ما نطرحه من أسئلة؟! ترى هل كتب إسمى؟!

الخميس، نوفمبر 29، 2012

الربيع العربي في برلين 48




الأربعاء 12 سبتمبر
 
لم تكن منى حجازي راضية كذلك عما حدث بالأمس، هكذا أخبرتنى ونحن ذاهبون سويا صباح اليوم إلى البرلمان وقد اخترنا أن نذهب من طريق مختصر متجنبين كثرة الصعود والهبوط والدخول والخروج والتبديل؛ فقد كان سيرنا حوالى عشرة دقائق على الأقدام حتى أخذنا القطار من محطة أوستبانهوف حتى المحطة الرئيسية ومنها إلى مبنى" باول لوفا" المجاور للمبنى الرئيسي للبرلمان.

وبمجرد دخولنا القاعة التى سيلقي فيها السيد/ "هانس أولرش جرلاند" الأمين العام للجنة الدفاع والدكتورة "أندريا بيشوف" محاضرة تحت عنوان " الجيش في البرلمان الألماني"، أعطت السيدة كارين جوته لكل واحد منا ورقة وأوصتنا بقراءتها قبل بدأ المحاضرة.

الورقة كانت عبارة عن خبر من الإنترنت كتب في أعلاها عنوان الخبر وتحته ذكر الكثير من التفاصيل. اندهشت كثيرا لقراءته، وتعحبت فمتى حدث ذلك ولماذا وكيف؟!

كان عنوان الخبر يقول: "مظاهرات غاضبة تجتاح العالمين العربي والإسلامي بسبب الفيلم المسيئ للنبى محمد" واحتوى شرح الخبر على أن هناك مظاهرات عدة اجتاجت الكثير من العواصم العربية والإسلامية احتجاجا على الفيلم الأمريكي المسيئ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن هناك حرق للعلم الأمريكي مع محاولات لاقتحام السفارة الأمريكية في معظم تلك البلدان!

وخيم الوجوم والحزن والترقب على الجميع، إلا أنه لم يدم طويلا حيث دخل السيد جرلاند في الموضوع سريعا وتحدث عن الجيش الألماني فقال:- " يتكون الجيش الألماني من جزء عسكري وآخر مدني ويتكون الجزء العسكري من جيش الدفاع، والقوات البحرية، والقوات الجوية ، وخدمات الدعم المشترك، و الخدمات الطبية. ثم ذكر كذلك أن الجيش الألماني يتكون من حوالى نصف مليون  من المجندين  الذي يتراوح أعمارهم بين18 و25 و يخدمون لتسعة أشهر على الأقل حسب القواعد الحالية. ويبلغ عدد الموظفين المدنيين حوالي 75000.

وتدخلت بسؤال طرحته على السيد جرلاند قلت فيه  :- " هل يتدخل الجيش في حالة ما إذا تعرضت البلاد لخطر داخلي فمثلا ماذا لو حدث هجوم  عدواني على البرلمان الألماني ؟".

الأربعاء، نوفمبر 28، 2012

الربيع العربي في برلين 47

 
 
عاودنا تكرار المشهد، ورويدا رويدا تكررت معه  نفس الأصوات العالية الممزوجة بالضحكات والصيحات، وجاء رامز فشرحنا له ما اتفقنا عليه فرفض الاشتراك معنا، وفي وسط انشغالنا بأداء المشهد إذا بقنفذ أسود كبير يمر من أمامنا فانتبهت له إحدى الفتيات فصرخت صرخة كبيرة ظننت معها أن البوليس قد جاء!
والتفت حولي فلم أجد سوى رامز وأحمد، وهرولت الفتيات في الممر وقد أصابهن الزعر والهلع؛ فتعلقت كل واحدة منهن بزميلتها وتشبثت...  وصرنا ننادي " لا تقلقن إنه قنفذ لا يضر"!
ترى من الذي بعث به إلينا، هل تلك المرأة التى كانت تصرخ فينا منذ قليل؟! أم أنه جاء من تلقاء نفسه؟! وما الذي جاء به إذا؟! هل جاء ليحذرنا من علو الصوت أم أنه جاء لرؤيتنا؟! ليتني كنت أعرف لغة القنافذ كي أسأله عن ذلك السبب! وعلى كل فحسنا قد فعل!
 جلس الفتيات على مقعد خشبي بالقرب من منتصف الممر، فلحقنا بهن وحاولنا تهدأتهن، وقلت لهن منتهزا فرصة ما حدث:- " ألا يكفي ما قد حدث لنا، ولنذهب جميعا لنتدرب فى شقة أحدنا"، فرد رامز " أيوه صحيح تعالوا عندي في الشقة"! وتكرر الرفض!

 وسرعان ما انتسى الأمر فقررنا أن نواصل التدريب على المشهد الأول، وما أن بدأنا نصطف لنحاكي الوقفة الفرعونية حتى سمعنا صوتا رجاليا يصرخ من مكان لم نستطع تحديده كذلك، وصار الصوت يتوعدنا ويهددنا، وفي حركة لا إرادية نكسنا رؤسنا ووضعنا أيدينا على أفواهنا ونظر كل منا للآخر.... واتفقنا على أن نكمل في الغد إن أتيحت لنا الفرصة!
 وعاد كل منا إلى شقته... ولم أكن راضيا عما تم... ياليتنى جلست في شقتي أتابع التلفاز أو أقرأ أو أكتب أو حتى لأنام، فلم يأتيني من هذا الاجتماع سوى صراخ وعويل وإزعاج للناس.... لم ننجز شيئا... ما الذي سنفعله في الغد، لا بد وأن نعتذر..وإلا سنكون حتما مضحكة للجميع!
وجاء عبد الرحيم وبدا منزعجا كذلك، فلما سألته أجاب بقوله: " لقد اتفق العرب على ألا يتفقوا" فقلت له: "باختصار،  نحن العرب لا نعرف ثقافة العمل الجماعي".

الثلاثاء، نوفمبر 27، 2012

الربيع العربي في برلين 46


 
كانت لدينا أفكارا عدة، تداخلت مع آراء كثيرة ، تشعبت عنها حوارات وجدالات تخللها شد وجذب وقهقهات بصوت عال. وكنت غير راض عن هذا التواجد في الشارع في هذه الساعة المتأخرة من الليل، وكذلك كنت خائفا لا سيما وأنني طالما سمعت كثيرا عن أن الألمان لا يطيقون سماع الصوت المرتفع وخصوصا إذا جن عليهم الليل، وأن القوانين في معظم المدن الألمانية تحظر الاستحمام أو سحب سيفون الحمام بعد الساعة العاشرة ليلاً خشية إزعاج الجيران، فما بالنا وقد تخطينا كل الحدود! وانتظرت قدوم البوليس في أي وقت!

وفي وسط ذلك الضوضاء الملفت للنظر والمزعج للسمع، حتى أن كل من مر علينا لا يمكنه أن يمر من دون أن يلقي بنظراته علينا مستفهما أو مستغربا أو منزعجا، في وسط ذلك الضوضاء والشد والجذب والضحك والقهقة جاءت منى، فاكتملت بها المجموعة ولم يتبقى سوى رامز..

قال أحدنا:- ياجماعة تذكروا أننا سنمثل مصر غدا، وينبغي علينا أن نكون على قدر المسئولية وأن نقدم شيئا جادا يعكس حضارتنا.

فانخفض الصوت رويدا رويدا سوى من بعض إجابات ترد عليه: "صحيح والله عندك حق".

كانت هناك اقتراحات عدة مابين أن نكتفي بأداء أغنية لأم كلثوم نشترك فيها جميعا، أو بتقديم مسرحية قصيرة عن تاريخ مصر عبر العصور، أو بعرض فيلم تسجيلي قصير عن مصر، أو بعرض مجموعة من الصور عن أشهر الأثار والمعالم السياحية في مصر ومن ثم نقوم بالتعقيب عليها بالشرح والتوضيح، أو أو .

 واقترحت "هبة" اقتراحا قالته بصوتها الهادئ أجبر الجميع على الانصات:- " لدي فكرة لا تحتاج منا مجهودا كبيرا ولا تحتاج كثيرا من كلام، فقط تحتاج إلى التركييز"

 فرد الجميع في صوت واحد: ( وماهي؟)

قالت هبة: "الفكرة ببساطة هي أن نقوم بتقديم خمسة مشاهد صامتة عن أكثر الأشياء شهرة في مصر؛ فمثلا نقدم مشهدا عن مصر الفرعونية ، ومشهدا آخر عن المقاهي المصرية، وهكذا"

واستغرب بعضا منا الفكرة في البداية، وكنت من المتحمسين لها لسببين: أولهما أنني أريد أن أنتهي من هذا الموقف الليلي الشارعي في أسرع وقت وأقرب فرصة؛ فمازلت أخشى قدوم البوليس. وثانيهما أن الفكرة بسيطة جدا (فهي مثال للسهل الممتنع) ويستطيع الجميع أدائها بسهولة ويسر، فقط  كما قالت هبة نحتاج إلى التركيز..

ولما رأت هبة أن معظمنا قد قبل بالفكرة، وأن البعض قد بدأ يتحمس لها قامت بدور المخرج، فبدأت في ترتيبنا في صف واحد، وتوزيع الأدوار علينا؛ فهذا يقوم بتقليد وقفة الفراعنه من تقديم القدم اليسرى قليلا ووضع اليدين متقاطعتين على الصدر، والآخر يقوم بتقليد مشيتهم والثالث يقوم بتقلد هيئتهم وهكذا..

وجلست سارة أمامنا تراقبنا وتصوب لنا...وبدأنا في تنفيذ المشهد الأول فتعالت الصيحات وامتزجت بالضحكات والقهقهات، وتخللتها تعليقات وتصويبات. وانتبهنا فجأة على صوت حريمي صارخ لا ندري من أي الجهات يأتينا. كان الصوت يتوعدنا ويتهددنا ولا أدري إن كان قد خلى من السب والقذف أم أنه احتواهما كذلك، وساد الصمت المكان، وزاغت بنا الأبصار وبدأنا نتكلم في همس.

وعاودنا تكرار المشهد، ورويدا رويدا تكررت معه  نفس الأصوات العالية الممزوجة بالضحكات والصيحات، وجاء رامز فشرحنا له ما اتفقنا عليه فرفض الاشتراك معنا، وفي وسط انشغالنا بأداء المشهد إذا بقنفذ أسود كبير يمر من أمامنا، فانتبهت له إحدى الفتيات؛ فصرخت صرخة كبيرة ظننت معها أن البوليس قد جاء!

الاثنين، نوفمبر 26، 2012

الربيع العربي في برلين 45


 
واصل الأتوبيس سيره وواصل المرشد شرحة مشيرا ناحية برج التليفزيون قائلا: "ومن المعالم المهمة في برلين هذا البرج الشامخ، برج التلفزيون الذي يقع  في مركز المدينة على الجانب الغربي من ميدان الإكساندر. وهو أعلى مبني في ألمانيا حيث يبلغ ارتفاعه ۳٦۸ متر. وعلى ارتفاع ۲۰۳ متر توجد منصة للزوار مزودة بمناظير مكبرة لمشاهدة معالم برلين كاملة. ومن أهم معالم البرج أيضا ذلك المطعم الفريد  الذي يقع على ارتفاع ۲۰٧ متر حيث تدور أرضيته دوره كاملة حول المحور.

ومع ذكر البرج والوصول إليه أعلن المرشد انتهاء الجولة، فشكرناه وقدمت إليه و كذلك للسائق بردية لكل منهما، شكرا بسطيا على ما قدمه لنا من معلومات استفدت منها كثيرا!

وقبل أن نودع بعضنا بعضا وننصرف عائدين إلى مآوينا اتفقنا -المجموعة المصرية- أن نلتقى في العاشرة ليلا كي نتمرن على ما سنقدمه غدا أمام رئيس البرلمان.

عدت إلى البيت مع عبد الرحيم فتعاقبنا دخول الحمام ثم قمنا بإعداد عشاء خفيف بعده ذهبت إلى الإنترنت مع رامز، ولم أمكث فيه كثيرا حتى اتصلت بي "منة" تخبرني بأنهم في انتظارنا أمام الممر، وتعلل رامز بمكالمة مهمة وأصر أن يعطيني قصيدة من تأليفه وإلقاءه كي أعرضها على المجموعة فإن حازت على إعجابهم فيمكننا أن نعرضها غدا في الحفل! وأقسم أنه سيلحق بي..

وأسرعت الخطى في جو خريفي بارد، ووجدت منة ولمياء وأريج وأحمد في انتظاري فقلت لهم: لنصعد عندى في الشقة؛ فعبد الرحيم قد ذهب للقاء مجموعته المغربية في شقة سفيان؛ وحتى نتدرب جيدا من دون تشويش أو إزعاج، فأبت الفتيات!

وجاءت هبة ثم سارة ورفضتا  العرض كذلك، ووقفنا في الممر.....

كانت لدينا أفكارا عدة، تداخلت مع آراء كثيرة ، تشعبت عنها حوارات وجدالات تخللها شد وجذب وقهقهات بصوت عال. وكنت غير راض عن هذا التواجد في الشارع في هذه الساعة المتأخرة من الليل، وكذلك كنت خائفا لا سيما وأنني طالما سمعت كثيرا عن أن الألمان لا يطيقون سماع الصوت المرتفع وخصوصا إذا جن عليهم الليل، وأن القوانين في معظم المدن الألمانية تحظر الاستحمام أو سحب سيفون الحمام بعد الساعة العاشرة ليلاً خشية إزعاج الجيران، فما بالنا وقد تخطينا كل الحدود! وانتظرت قدوم البوليس في أي وقت!

الأحد، نوفمبر 25، 2012

الربيع العربي في برلين 44


مها الأردنية
 
أشار المرشد بيده اليمنى على مبنى كبير اكتسى باللون الأبيض وتقبع أمامه حديقة بها بعض الأشجار الوارقة والواقفة بشموخ في وسط العشب الأخضر ومحاطة بسور حديدي كبير، يقف أمامه تمثالين أبيضين كبيريين لرجلين جالسين على كرسيهما ثم قال: هذه هي جامعة"هومبولت" أقدم جامعات برلين(بنيت سنة 1815)، وثانيها من حيث المساحة.وقد أسسها عالم اللغويات" فلهيلم فون همبولت" المولود سنة 1767، وأشار بيده ناحية أحد التمثالين، ثم واصل حديثه بقوله: إن هذا العالم كان صديقا لكل من جوته وشيلر، وهو صاحب نظريات في التعليم أخذتها منه كل من أمريكا واليابان والتى على أثرها قد نهضتا.

 تذكرت ساعتها مقولة لأحد أساتذتي قال فيها:- " إن أساس أي نهضة هو التعليم"

 وعبرنا نهر اشبريه ثم توقفنا مباشرة بعد الكوبري وعن شمالنا وقفت كاتدرائية كبيرة عملاقة ذات تصميم جذاب ينبض منه عبق التاريخ، وذكر لنا المرشد أن هذه هي كاتدرائية برلين ، وهي كنيسة إنجيلية تم بناؤها ما بين سنة 1894وسنة 1905 ، ثم تغيرت نبرة صوته وامتزج بها الشجن والحزن عندما قال: " ولقد مرت هذه الكاتدرائية بالكثير من المراحل التى تطلبت إعادة بناؤها وتحديثها من الداخل والخارج، مما أدي إلى تغيير كبير في تصميمها المعماري ؛ فقد تضررت هذه الكاتدرائية بشدة خلال الحرب العالمية الثانية من خلال حريق ناجم عن انفجار قنبلة ألقيت من الجو فتحولت في ساعتها إلى خراب، وظلت خربة لمدة زادت عن ثلاثين عاما حتى أعيد بناؤها في العام 1983 وقد انتهت الأعمال الداخلية فيها فقط منذ عشرة أعوام !

 لا أدري لماذا اكتئبت فجأة، ولا ما السبب في هذا الانقباض الذي أصابني في قلبي؟ هل بسبب فيديوهات الدمار والخراب التى عرضها علينا مرشد الرحلة منذ بداية هذه الجولة وحتى هذه اللحظة، أم أن لغياب الشمس وحلول الظلام رويدا رويدا سببا في هذا؟

 وتساءلت....

 هل حقا أساس أي نهضة يبدأ من التعليم؟! أم أن أساس أي خراب يبدأ بالتعليم!!

 وأصيبت بحيرة شديدة عندما تذكرت "ألفريد نوبل" ذلك العالم الشهير الذي اخترع الديناميت، والذي كان اختراعه سببا رئيسيا في دمار أوروبا في الحرب العالمية الأولى والثانية، وهو السبب كذلك في دمار فيتنام والعراق وأفغانستان وفلسطين و وو.. وما خفي لا يعلمه إلا الله، ثم ضحكت فجأة فقد تذكرت قصة طريفة قرأتها ذات مرة تؤكد على هذا المعنى وتركز على ذات المغزى (ومن العلم ما قتل):-

 "يُحكي أن ثلاثة من العلماء ( عالم دين، عالم قانون، عالم فيزياء) حكم عليهم بالإعدام. وعندما حانت لحظة تنفيذ الحكم قُدم عالم الدين لتقطع رأسه أولا ، ولما وضعت رأسه تحت المقصلة سأله القاضي: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فأجاب عالم الدين بقوله: الله، الله هو من سينقذني! فنزلت المقصلة على رأسه من دون أن تقطعها؛ فأطلقوا سراحه. ثم قدم عالم القانون لينفذ عليه الحكم وسئل نفس السؤال: هل تود أن تقول شيئا؟ فأجاب عالم القانون بقوله: العدالة، العدالة هي من ستنقذني! فنزلت المقصلة على رأسه من دون أن تقطعها؛ فأطلقوا سراحه. ثم قُدم عالم الفيزياء لينفذ عليه حكم الإعدام وسئل نفس السؤال: هل تود أن تقول كلمة أخيرة؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولا أعرف العدالة كالمحامي ولكني أعرف أن هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع المقصلة من النزول فنظر القائم على تنفيذ حكم الإعدام فوجد العقدة ففكها، ثم نزلت المقصلة على رأس الفيزيائي فقطعتها!!"

السبت، نوفمبر 24، 2012

الربيع العربي في برلين 43



وأسرع عبد الرحيم يبحث عن حمام يقضي فيه حاجته، وذهب البعض منا ليشتري طعاما وشرابا، بينما ذهب آخرون كي يلتقطوا صورا لنقطة التفتيش "شارلي" حيث الرجال الذين يرتدون زي الجيش الأمريكي وزي الجيش الأحمر في محاولة منهم لمحاكات الأجواء التاريخية التى مرت بها هذه المنطقة، فعندها قد تواجهت الدبابات السوفيتية مع الدبابات الأمريكية وأمامها تم بناء جدار برلين.

ووقفت التقط صورا لى ولزملائي أمام بقايا من سور برلين التى رسمت عليه صورا معبرة تصور بعضا من الأحداث المؤلمة التى مرت بها برلين أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، وبينما نحن واقفون فإذا بليلى أرمانيوس تنادي هيا أسرعوا فقد انتهت الربع ساعة وسننطلق الآن وذهبت مع ليلى كي ننادي عمن شرد عن المجموعة!

وصعدنا الأتوبيس كي نتمم على المجموعة ونرى هل تخلف أحد! ووجدنا أن واحدا فقط هو الذي تخلف، فظننته عبد الرحيم، فناديت عليه فأجابني أنا موجود.  ثم تذكرت مها التونسية ابن بلدتها غسان فصرخت " غسان مو موجود" فنزلت أبحث عنه!

وقفت بجوار الأتوبيس لا أدري إلى أين ولا في أي اتجاه أبحث عنه، وأدرت بصري يمنا وشمالا، وخطوت بضعة خطوات في اتجاة الجموع التى تقف عند نقطة "شارلي"، واشرأبت عنقي، ولم أجد بدا من أن أنادي عليه بأعلى صوتي "غسسسساااااااااااااااااااان".

نزل المرشد من الأتوبيس واقترب منى فسألني: " أمازلت لا تجده؟!" فحركت رأسي من دون أن أنطق بكلمة، ففهم إجابتي ثم عاد إلى الأتوبيس. وعاودت الكرة مرات ومرات ولم أزل لا أراه، وعبرت الشارع  لعلى أجده فلم يحدث، ثم عدت إلى الأتوبيس فلعله دخله من الناحية الأخرى ولم يحدث ذلك أيضا. أين أنت يا غسان؟!

وأخيرا رأيته، فقد جاء حاملا حقيبتين ممتلئتين بالكتب وقال وهو يلهث: " آسف فلقد تقابلت مع رجل سألنى عن جنسيتي فلما عرف أنني من تونس أصر أن يهديني هذه الكتب!"

وانطلق الأتوبيس وأمسك المرشد بميكرفونه وقال: " ومن الشوارع الراقية والجميلة والتي يوجد فيها الكثير من المحلات التجارية ووكالات الشركات والسفارات الأجنبية  هذا الشارع التاريخي الرائع " أُنتر دين لندن ( Unter den Linden) ومعناه شارع أشجار الزيزفون ) بطول 2 كيلو متر وبدايته من بوابة براندنبرج ونهايته شاطئ نهر شبريه، ثم قام بعرض أغنية قديمة عمرها أكثر من مائة عام وتسمى " أونتر دين ليندن"

الجمعة، نوفمبر 23، 2012

الربيع العربي في برلين 42



دخل بنا الأتوبيس في  شارع طويل على جوانبه أشجار كثيفة أخبرنا المرشد بأن هذا الشارع هو شارع  17 يونيو الذي يتجمع فيه آلاف البشر في كل عام يحتفلون فيه بالمناسبات المختلفة مثل الاحتفال بوحدة ألمانيا أو بالاحتفال بأعياد رأس السنة. وقد سمي هذا الشارع بذلك الإسم إحياء لذكرى الثورة التي قامت في شرق برلين في 17 يونيو من سنة 1953 ضد الشيوعية، ولما اقتربنا من عمود النصر( بالألمانية Siegessaeule) استدار الأتوبيس حوله ثم قال لنا المرشد إن هذا العمود هو الأشهر في برلين، وقد قام بتصميمه المهندس " هاينريش ستراك" في سنة 1864 تخليدا لذكرى الانتصار البروسي في الحرب البروسية الدنماركية. وبعد عشر سنوات من البدء في بنائه تم افتتاحه في الثاني من يونية سنة 1873، ويعلو هذا العمود تمثالا برونزيا كبيرا وجميلا للملكة فيكتوريا ، وارتفاعه حوالي 8.3 مترا ويزن حوالي 35 طنا.

بعده مررنا بحديقة كبيرة مليئة بالأشجار تسمى (تير جارتن)  والتى تعد أكبر منتزه في برلين ، ويتحول هذا المنتزة في الصيف إلى مكان لإقامة حفلات الشواء العائلية كما يعد أيضاً مقصداً من مقاصد احتفال الحب السنوي في ألمانيا.

ثم مررنا بالهولوكوست الذي قام بتصميمة المعاري الأمريكي بيتر ايزنمان، وكذلك مررنا بساحة بوتسدام وهي ساحة ونقطة تقاطع مهمة تقع في وسط برلين على بعد كيلومتر واحد من بوابة براندنبورج. وسميت الساحة بهذا الاسم نسبة لمدينة بوتسدام التي تبعد عن الساحة بحوالي 25 كيلومتر في جنوب الغرب. والساحة تمثل النقطة التي كان يمر من خلالها الطريق القديم عبر جدار برلين في بوابة بوتسدام. وقد خربت الساحة أثناء الحرب العالمية الثانية، وتركت مهجورة أثناء الحرب الباردة إلا أنها مع سقوط الجدار نهضت المنطقة وأصبحت القلب النابض للمدينة .

بعد ذلك دخلنا شارع فردريش والذي يعتبرأيضا أحد أشهر وأهم الشوارع في مدينة برلين التجارية والتاريخية ففيه توجد أرقى الماركات العالمية في عالم الأزياء والموضة، وسلاسل المحلات العالمية، ويشكل هذا الشارع رابطاً مهماً جداً بين المناطق الغربية والشرقية، وقد شهد أحداثا تاريخية عدة ؛ حيث قسم إلى جزءين بعد اقامة جدار برلين الفاصل عليه، كما أن نقطة التفتيش "شارلي" الشهيرة تقع في هذا الشارع، وعندها توقف الأتوبيس فأعطانا المرشد خمسة عشر دقيقة كي نتجول فيها ومن أراد أن يدخل الحمام في أحد الكافتيريات والمطاعم المتراصة علي جانبية فليفعل.

الخميس، نوفمبر 22، 2012

الربيع العربي في برلين 41


 
والتفت فإذا بي أرى عبد الرحيم يتشاجر مع مرشد الرحلة وقد على صوته وارتفع، ثم عاد إلى كرسيه وجلس عليه موجها وجهه شطر النافذه  التى تطل على مبنى البوندستاج وما هي سوى لحظات حتى أتاه المرشد فانحنى إليه يكلمه!

لم أتمكن من معرفة الحديث الذي دار بين كليهما؛ إلا أننى عرفت بعد ذلك أن عبد الرحيم أراد أن يدخل حمام الأتوبيس فاعتذر له المرشد، الأمر الذي أغضب عبد الرحيم وأخرجه عن شعوره، ويبدو أيضا أن عبد الرحيم كان في حاجة شديدة إلى دخول الحمام، وهذا أمر لم أجد له تفسيرا؛ حيث أننا كنا في مبنا به حمام وكان باستطاعته استعماله.

 

وواصل مرشد الجولة حديثه بقوله: ( وعلى اليمين ترون قصر المستشارة الألمانية وهو مقر أعلى سلطه ألمانية، تم تجهيزه والانتهاء منه في الثاني من مايو عام 2001  حيث استغرق بناؤة أربعة أعوام، وتبلغ مساحة  هذا المبنى الذي يقع وسط الحي الحكومي وقبالة مبنى البرلمان الألماني حوالي 12 ألف متر ويبلغ طوله 36 ألف متر ويعتبر من أكثر المباني التى تجذب السياح؛  فالمبنى مكون من ثمانية طوابق: في الطابق الأرضي يوجد مكان كبير معد لاستقبال الضيوف ووسائل الإعلام، وفي الطابق الأول توجد قاعات لتنظيم المؤتمرات واللقاءات، أما الطابقين الثاني والثالث فقد تم تخصيصهما للإدارة والتقنية والخدمات والمطابخ ، والطابق الرابع والذي يطلق عليه "الطابق السرى" فهو مخصص لعقد جلسات الأزمات والتخطيط والأرشيف، وفي الطابق الخامس يتم تنظيم مآدب الطعام، وفي الطابق السادس تعقد الحكومة فيه اجتماعاتها، وخصص الطابق السابع وقبل الأخير لمكتب المستشارة الذي يطل مباشرة على مبنى البرلمان و على بوابة براندبورج، وفي الطابق الثامن والأخير يوجد مكتب وزير الدولة للشئون الثقافية.

 وما أن وصل الأتوبيس قبالة مبنى البوندستاج حتى توقف السائق، وقام المرشد بتشغيل الفيديو على مقطع قديم يعرض فيه صورا قديمة للبرلمان الألماني ذو الطبع المميز والتاريخ العريق (تم تشييده في سنة ۱۸۹٤ واضيفت له القبة الزجاجية حديثاً)، ويعتبر هذا المبنى من أكثر الأماكن جاذبية للزوار.

وانطلق بنا الأتوبيس مرة أخرى حتى توقف بنا أمام بوابة براندنبورج وهناك قال المرشد: " هذه هي  آخر البوابات التاريخية الـ 14 التي كانت تحمي المدينة سابقا، وهي أشهر مكان وأهم معلم من معالم برلين، شيدت قبل أكثر من 200 سنه. و أغلقت هذه البوابة إثر الاحتلال الشيوعي وأصبحت برهانا حيا على الصراع بين الشرق والغرب، بين الشيوعية والرأسمالية. أما الآن فقد أصبحت دليلا على الوحدة والعزيمة" ثم أشار إلى خط أسود في منتصف الطريق وقال هذا هو مكان سور برلين الذي تم تحطيمه!"

الأربعاء، نوفمبر 21، 2012

الربيع العربي في برلين 40



 
جاء جلوسي بجوار مها التونسية والتى بدا عليها التوتر والانزعاج، وسمعتها تتمتم بكلمات لم أفهمها، فلما سألتها أجابتنى بلهجتها التونيسة التى تحتاج إلى مجهود كبيروتركيز اكبرحتى أستوعبها : ( يا أخي وقتاش ما مسك حزب النهضة الحكم عندنا  في تونس وأنا متضايقة برشا منهم، إشكون الست دي إللى من حزب النهضة تيجي للبرلمان الألماني وأما أسألها عملتم إيش لتونس غير ارتفاع الأسعار والشعب مو لاقي ياكل؟! وتعرف شو قالت؟ قلت لها: وماذا قالت؟ فردت أيضا بلهجتها التونسية (شو يعنى مو الشعب هو اللي خرج يهتف بـ "خبز وماء بن علي لا"!    
ولا أدعي أنني أستطيع بعد هذه الفترة القصيرة من تعرفي على إخواني التونسيين أن أقول بأنني أفهم كل ما يقولونه ؛ إلا أنني والحمد لله قد قطعت شوطا كبيرا في التقاط بعض من كلماتهم ثم قمت بترتيبها في ذاكرتي مع مقارنتها بنظيرتها في لهجتنا المصرية وقد جمعت منها ألفاظا كـ:-
(عسلامة = مرحبا ، أشنيا أحوالك = كيف حالك، تَوَحَشْتكْ = إشتقتلك ، برشا = كثير، صاوي الباب = رجع الباب ، اش بيك = ماذا بك، صباط= حذاء، ياسر= كثيرا، يزي = يكفي، باهي = حسن وطيب ، ما يسالش = لا مشكلة أو انسى، آش خص= من يستطيع على ذلك ، شنوا = ماذا، ربي يعيشك = الله يحييك / الله يخليك، فلان قليل = فقير، مشحاح = بخيل، بسلامة = مع السلامة، آش رأيك = ما هو رأيك، شكون وشكونك = من يكون ومن تكون على التوالي، عبد باهي= إنسان طيب، ياخي / زعمة = هل، كيفاش = كيف ، وقتاش / امتين / امت = متي، لاباس = لا توجد مشكلة، وين ماشي = إلى أين، ماشي نقرا = ذاهب للدرس، توا = حالا، زادا = كمان، يعيشك = تسلم، فيسع = أوام، طاحت = وقعت، علاش = لماذا، كيفاش = كيف، هز = شيل / احمل ، إيجا =  تعالى، غدوا = غدا، يشطح =  يرقص، زبله=  صندوق زبالة، نايض =  صاحي، يعرس= يتزوج، الخ...)
 
وللعلم فإن اللغة الدارجة أو اللهجة العامية التونسية هي خليط من العربية والبربرية والفرنسية والايطالية ولغات أخرى قديمة وحديثة ، ومازالت بعض الأوساط المثقفة في المدن تكثر من استعمال المفردات العربية الفصحى، ولكن غالبية الأوساط الشعبية أثرت اللهجة التونسية بالمفردات اللاتنية حتى باتت لغة مختلفة عن العربية من حيث ثرائها بمصطلحات فرنسية وإيطالية.
 وأعتقد أنه ما يمييز اللهجة التونسية عن سواها من بقية اللهجات العربية هو نطقها الصحيح و السليم لكل الحروف العربية الثمانية و العشرون!

والتفت فإذا بي أرى عبد الرحيم يتشاجر مع مرشد الرحلة وقد على صوته، ثم عاد إلى كرسية فجلس عليه وتبعه المرشد فأخذ يحدثه!