السبت، يوليو 22، 2017

الصحافي عمرو أشرف يكتب: ملخص كتاب الوجه الأخر لأدولف هتلر تأليف : فريد الفالوجي و حسن حمدي


تلخيص بأبرز ما قيل عن هتلر و الموضوعات الشائكة عن حياته المبهمة

ثقة هتلر بنفسه
" أسير في طريقي بدقة و اطمئنان كالذي يمشي اثناء نومه "
تعبير اذهل الجميع عندما خرج من بين شفتي الزعيم الذي ارعب العالم (ادولف هتلر), كان يهدف وراء اطلاق هذا التعبير طمأنة أتباعه القلقين, حيث كان (هتلر) يثق في نفسه ثقة عمياء لدرجة انه عين نفسه خبيرا في كل المجالات و يصدر عليها القرارات سواء كانت في الاقتصاد او الفن او السينيما او الموسيقى او الازياء النسائية.
هتلر و التنجيم
كانت تحوم حول (هلتر) اسطورة اتصاله الدائم بالتنجيم و المنجمين الذين يشيرون عليه دائما بالخطوة المقبلة التي يجب عليه اتخاذها, اسطورة لازمته بسبب مواقف نشأت معه في الايام الاولي للحزب النازي لكنها فقط لا تتعدي كونها اسطورة لانه و بمنتهى البساطه قام قبل الحرب بقليل بتحريم ممارسة قراءة الطالع و النجوم في ألمانيا.
هل هي العناية الالهية ؟
" إن تدريب القدرات الذهنية يأتي في المرتبة الثانية من حيث الاهمية "
" لقد غدا الفكر مستبدا متعاليا و أصبح مرضا من أمراض الحياة "
كان رأي (هتلر) في الفكر عموما محقرا للغاية لأنه كان يشعر بالدونية لعدم تعلمه لذلك كان يحتقر اراء المفكرين و يفرض رايه عليهم, اذ صرح كثيرا بهذه التصريحات حيث انه قال في احدى المناسبات " إنما أنفذ الأوامر التي كلفتني العناية الإلهية بتنفيذها ", كان الاعتقاد الراسخ لدى (هتلر) انه بُعث برسالة خاصة بتوجيه و حماية من قبل العناية الالهية, روى (هتلر) من قبل وقائع حدثت له اثناء الحرب العالمية الاولى حيث قال " كنت اتناول عشائي مع زملائي في احد الخنادق و فجأة سمعت كأن صوتا يهتف بي قائلا: انهض و اذهب الى هناك, و كان من الصوت التكرار و الوضوح ما جعلني ألبي النداء و كأنه أمر وجب عليا تنفيذه و على الفور نهضت و سرت عشرين ياردة في الخندق حاملا عشائي و جلست لاكمل وجبتي و ما كدت افعل ذلك إلا و سمعت صوتا رهيبا يأتي من المكان الذي كنت به في الخندق, لقد انفجرت قذيفة ضالة فوق المجموعة التي كنت معها و قُتل كل فرد من افرادها " ... و قال ايضا رؤيا انه اثناء تواجده في المستشفى خطر في عقله انه سيحرر ألمانيا و انه سيجعل منها قوة عظمى.
هتلر في ثوب المسيح
مع مرور الزمن تبين ل(هتلر) اعتقاد في نفسه انه قٌدر له قيادة ألمانيا للمجد و تعددت مقارنته بالمسيح مع انه لم يعجب بالمسيح على الرغم من تنشئته تنشئة كاثوليكية, و اتضح انه لم يعارض إلا تعاليم المسيح و خاصة قاعدة ( حب لغيرك ما تحب لنفسك ), اتسمت ألمانيا بالعسكرية حتى اصبحت تسمع كلمه (HEIL HETLER)(عاش هتلر)في كل مكان ككلمة ترحيب,اصبح (هتلر) يرى انه (المختار) و (مسيحيا ثانيا) يؤسس العالم على النظام الجديد المبني على الوحشية و العنف و احاط نفسه ببورتريهات كثيرة له, و يقول عمدة هامبورج " لسنا في حاجة لكهنة أو قساوسة, أننا نتصل بالله مباشرة من خلال (أدولف هتلر) الذي يتمتع بالكثير من صفات و طبائع المسيح ".
ضريح المستقبل
يؤمن (هتلر) ان عليه ان يصير خالدا للشعب الألماني حتى بعد مماته, رسم بالفعل تصميم لضريحه حيث يجب ان يبلغ ارتفاعه سبعمائة قدم ليكون قبلة للألمان بعد موته ... ذهب (هتلر) في زيارة لضريح (نابليون) ليراه ووجد ان الناس ينحنون لأسفل للنظر إليه فقال انه لن يقع في غلطة كهذه, كان يعتقد ان الناس بعد ألف عام من التطور سوف ينبهرون بعظمةعصره و ليس بجحم الدمار الذي تحقق فيه.
أسلوبه في الخطابة
لم يكن (هتلر) يتمتع بالبلاغة ولا حسن اختياره للألفاظ في خطاباته خاصة في ايامه الاولى في معترك الحياة السياسية, و يقول (شتراسر) عن موهبته تلك " كان في خطبه يستجيب لاهتزازات القلب الانساني بحساسية تشبه حساسية جهاز استشعار الزلازل تجعله يتصرف و كأنه مكبر صوت يعلن اخفى رغبات شعب بأكمله, كانت تظهر عليه عادة في بداية خطاباته أمارات العصبية لم يكن يقدر على قول أي شئ مهم حتى يبدأ مستمعوه بالتجاوب معه فيجد في نفسه بعد ذلك القدرة على البدء في الحديث "
فرضه السرية حول حياته الشخصية
منذ أيامه الاولى في السياسه و هو يرفض البوح بأي شئ عن حياته الشخصية, و كلما زادت درجة السرية التي كان يحيط بها حياته كلما زاد الغموض حول كينونته حتى اصبحت مادة خصبه لبناء اسطورة أو خرافة عليه .
تواضعه و بساطته
في احدى المرات حاولت فتاة قروية جميلة الاقتراب من (هتلر) لكن حرسه الخاص منعوها و عندما انفجرت في البكاء سألها عن سبب بكائها فقالت ان خطيبها طُرد من النمسا بسبب مبادئه النازية و لذا فلا يستطيع العثور على عمل الأمر الذي يستحيل معه إتمام زواجهما, فعز عليه حال الفتاة فوعدها بتوفير عملا لخطيبها و شقة ليعشيا فيها و يؤثثها هو بالكامل بما في ذلك سرير الأطفال ... كان شديد الحب للأطفال حتى كان دائما يزوره الاطفال وقت العصاري حيث يقدم لهم الحلوي, و بالمثل كُتب عن حبه الشديد للحيوانات و بالأخص كلبته (بلوندي) لدرجة جعلت منه رجل نباتي.
الضمير و التعلم
كان ل(هتلر) قدرة كبيرة على كتم صوت ضميره و إقناع الأخرين بقتل ضمائرهم الشخصية و اعتباره هو ضمير كل واحد منهم ... و كانت له قدرة على التعلم من الأخرين حتى و إن كان يعارض لكل ما يقولونه أو يؤمنون به, فقد تعلم العنف من الشيوعيين, و الشعارات من الكنيسه  الكاثوليكية, و الدعاية من الديمقراطيين.
هل كان هتلر مصابا بامراض لا اخلاقية ؟
هناك من كان يعتقد انه يعيش حياه طبيعية و منهم من قال انه محصن ضد هذه الاغراءات و الطرف الثالث كان يعتقد انه شاذ, كان يتميز بصفة أخفاها عن الناس و هي ولعه بالصور الفاضحة, و كان يستمتع برسوم الكارتون الفاحشة بالإضافة انه ضم مجموعة ضخمة من صور النساء العاريات ... كان (هتلر) مسجلا لدى الشرطه باعتباره شاذا جنسيا و لكن لم يثبت ذلك بحقائق بل لمجرد الاشتباه, كان (هتلر) ايضا شخصية مازوكية تجعله يصل لذروة اثارته عندما يستعد – ظاهريا – لممارسة الحب ما احداهن.
النوم و الوسادة
كان يعاني من حالة قلق نفسي و نوم متقطع, فقد تعود كل يوم ان يبتلع اقراص منومه و كان يطلب من احد معاونيه البقاء معه و الثرثره حتى يغلبه النوم, كان علاجه لهذه الحاله ان يتم تهيئة فراشه بطريقة خاصه بحيث تطوى الوسادة طية معينة تساعده على النوم .
ميل هتلر للهروب و البكاء
كان يميل دائما للهروب من المواقف هروبا بالمعنى الحرفي, في إحدى المرات اعطى لأحدهم ميعاد لمناقشة أمر, ما كاد ان يحلس حتى استأذن للذهاب للحمام و لكنه لم يعد, فقد هرب من المواجهة, و احيانا اخرى عندما كان يجد نفسه متورطا بشكل واضح في مواقف عسيرة كان ينهار و يبكي.
هل كان هتلر يهودي الأصل ؟
تم اكتشاف وثيقة سريه تثبت بالتبعية لها ان (هتلر) ربع يهودي و تشير عوامل عديدة تبدو في ظاهرها دالة على مصداقيتها.
الحرب العالمية الاولي
تطوع كجندي و ألتحق بفوج بافاري ثم جنديا نظاميا و بعد ذلك عسكري مراسلة و أصيب مرتين, الأولى بجرح من شظية قنبلة و الثانية تعرض لغاز خردل و أصيب بعمى مؤقت.
بالطبع لم تنتهِ المواقف و الحقائق في حياة هتلر القائد الأشهر في تاريخ ألمانيا, لكن بين يدك الان ابرز المقتطفات الشائكه حول كينونة هتلر

عمرو أشرف

الخميس، يوليو 20، 2017

على شاهين يكتب: ملخص كتاب عقل غير هادئ للكاتبة الأمريكية كي رديلف جايمسون



تصنيف الكتاب : سيرة ذاتية.
مؤلف الكتاب: كي رديلف جايمسون. طبيبة امريكية فى علم النفس السريري وأحد الخبراء فى مرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب وكاتبة مرموقة. تبلغ من العمر 70 عام وتعيش في الولايات المتحدة الامريكية.
ترجم الكتاب إلى العربية: حمد العيسى

قبل سرد كتاب السيرة الذاتية لكاي جيمسون ، ينبغي على القارئ ان يعلم شئياً عن مرضها ، أي مرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب او الهوس الاكتئابي كما يسمونه احياناً. وهو بإختصار مرض ذُهاني سببه خلل فى توزيع كيمياء المخ عبر الوصلات العصبية مما يؤدى لتناوب أعراض الهوس والاكتئاب لفترات متقاربة،  ويعيق المريض عن القيام بأعباءه ونشاطاته اليومية. ففي فترات الهوس تُرافق المريض أعراض  كالبهجة الزائدة وتطاير الأفكار والبذخ الغير مبرر والعصبية عند الاستثارة وتطاير الافكار والمرح الزائد وقلة النوم وعدم التركيز . أما فى الاكتئاب فيصاحبه نوم كثير وخمول وكسل وعدم القدرة على التذكُر أو التفكير بسلاسة وانعدام معنى الحياة وافكار انتحارية. وهو مرض مزمن لكن يُمكن التعايش معه عبر الأدوية والعلاج السلوكي المعرفي واحياناً عبر الجلسات بالصدمات الكهربائية. ويُصنّف هذا المرض مع التوحد فى خانة (أمراض العباقرة والموهوبين) لكثرة ملازمته للمشاهير من أمثال: (بيتهوفن، فان جوخ، تشرشل، نيتشه، والقائمة تطول)
يُمكن أن نهضم الكتاب عبر تلخيصه فى 3 بنود. الجزء الأول يتناول وصف ـ به اطناب واضح ـ حول تاريخ عائلة الأب وشئ من عائلة الأم وكيف كانت طفولتها. حيث كانت بنت متحمسة، ذات طاقة موفورة وقد ورثت المرض عن أبيها الذي غالباً ما كان يواجه نوبات الاكتئاب بالكحوليات وكان لهذا الأمر تأثير سئ عليها. ويمكن أن نصف هذا الجزء بأنه سرد مُسهب لأخلاق كاي قبل أن تشب عن الطوق، حيث الرغبة المشتعلة للعلم والفهم وتحقيق الانجازات وبوادر الهوس الطفيفة والتي لم تجد فيه مايسترعى النظر. وتبدأ أعراض المرض في الظهور بوقاحة وبشدة فى الثانوية العامة، حيث يهاجمها الاكتئاب وتختلف معاملتها وينقلب سلوكها . تارة مرح وتارة تجنُب الناس، وتارة قلة نوم وتارة رد فعل زائد. ولكنها على كل حال كانت تجتاز تلك المحن عبر السفر للريف الانجليزي والتريض فى ربوع اوروبا حتى انتهت من الثانوية العامة بكل مراراتها وخيبات املها وبكثير من علامات الاستفهام حول هذه التقلبات فى سلوكها.
الجزء الثاني من حياتها تصف فيه رحلة الجامعة والدراسة الأكاديمية وكيف استفحل المرض وكيف كان رد فعلها تجاه تلك الاضطرابات واحدة.. كان تجاهل مستمر وتركيز بقدر المستطاع على الدراسة. خاصة أن مجموعها دفعها للإلتحاق بكلية الطب النفسي جامعة كاليفورنيا ومن ثم تحتاج لكل قوة ذهنها الكليل. المثير فى الموضوع أنها كانت تدرس أعراض الاكتئاب والأمراض النفسية والاضطرابات الوجدانية، ولم تلتفت لوضعها الذي كان يتدهور بين هوس واكتئاب. حتى قررت أن تذهب فى مرة لطبيب نفسي وقد كتب لها الأخير على أدوية اكتئاب (كان هذا فى أواخر الخمسينيات) لكنها لم تأخذ العلاج حتى وقعت الواقعة. ففي إحدى الأيام وقعت فى نوبة هوس فأخذت تصرف الأموال بدون حساب أو رقيب إلى درجة انها استدانت من أجل المزيد من الشراء. ومسألة الشراء الغير مبرر هي ((الوجه الكلاسيكي للهوس)) كما تقول. وتدخل أخوها لسد ما عليها من ديون، ثم ثارت عاصفة الهوس لدرجة أنها اخذت تُهذي وظهرت أعراض ذهانية خطيرة. وتحت ضغط الألم النفسي اضطرت لبلع الأقراص .
تصف الدكتورة الأعراض الجانبية للدواء (وخاصة الليثيوم الذي هو بمثابة الأنسولين لمريض السكر ) وكيف كانت الأدوية تُشوش على ذهنها فى أكثر الأيام احتياجاً للتركيز فتترك العلاج فتزدادا الأمور سوءاً. وصفت محاولة انتحارها الفاشلة فى المستشفى النفسي! وخوفها المستمر من أن ينكشف أمر مرضها فلا تمنحها الجامعة درجة الدكتوراه والماجستير. تصف بإسلوب أدبي رائع يُقطر دموعاً لا حبراً ليالي الاكتئاب السوداء وكيف كان مطلوب منها وهي في نوبة اكتئاب بث الامل فى المرضى المكتئبين ! تصف كاي بوجع ابتعاد الاقارب والاصدقاء عنها وهجرهم اياها بسبب سلوكها المتقلب. تصف ـ ايضاً ـ عواقب الاهمال فى اخذ الجرعة. وتروى بإيقاع سريع اللهجة وذو بلاغة واضحة رحلة كفاحها من اجل دخول نادي اعضاء التدريس والمشاكل التي واجهتها فى رفض العلاج بالتحليل النفسي ونقدها القاسي ـ الغير مقبول انذاك فى اواخر الستينيات وأوائل السبيعنيات ـ لمنهج فرويد فى العلاج النفسي والرفض العنيد الذي لاقته من الاطباء والمعيدين فى القسم تجاه نقدها لفرويد. تروي كاي بشكل مؤلم الأزمات والانتكاسات العاطفية وكيف كانت تتغلب عليها تارة بالانعزال او بالسفر لأوروبا ثم تذكر بكثير من الإجلال والحب اصدقائها الذين وقفوا بجوارها فى اشد نوباتها جموحاً وعنفاً.

تُسرد الدكتورة كاي الكثير من الكتب التى استطاعت التهامها فى نوبات الهوس أو أوقات المزاج المرتفع وكيف استغلت تلك المعلومات فى حضور البديهة وسرعة الرد والإفحام بل وأسر الآخرين لها وجذب اعجاب المحيطين بها، وكيف دمرت الاعراض الجانبية للدواء كل تلك الصداقات!
في الجزء الثالث من تقسيمنا تُركز الطبيبة على دور الاكتشافات الطبية بخصوص علاج الهوس الاكتئابي وعقد الآمال على العلاج بالخلايا الجذعية والاستفادة من اكتشاف وحدة بناء الخلية (دي ان آيه) والذي قد يؤدى لثورة فى استئصال جينات المُسببة للاضطراب ثنائي القطب وعدم توريثها للأجنّة خاصة أن المرض وراثي فى المقام الأول. كما يظهر من لغتها مدى تحمسها للمشاركة فى تلك المؤتمرات التي ترصد أحدث الابتكارات الدوائية والمناهج العلاجية وتقنيات النانوميتر في ضبط افرزات الوصلات العصبية ، وكيف أن رصيد الأمل لديها فى الشفاء التام من الهوس الاكتئابي كل يوم فى نمو وتصاعد مع تصاعد وتيرة التكنولوجيا وصوت العلم.
 وتنهي كاي جايمسون كتابها بخُلاصة سنوات من مصاحبة مرضها؛ بأن المرض وأدويته وأعراضه لم تكن لترفضها لو عُرض عليها أن تولد من جديد، وأن الحياة تستحق أن تُعاش بحب وبصرف النظر عن طبيعة مرضك. وكيف ان عدم مصادقتها للمرض جعلها تدفع الثمن غالي وفادح من صحتها وانها ستُكرس مابقى من عمرها للتعريف بالمرض ولمساعدة المرضى في تحمل العلاج واعراضه الجانبية القاسية. وان المرض النفسي ـ تحديداً ثنائي القطب ـ مهما كانت محنته ففيه منحة وهي ـ اي كاي جايمسون ـ استطاعت الاستفادة من منحته والتى تمثلت فى موهبة الكتابة الأدبية التى كتبت بها هذا الكتاب وبضع كُتب اخرى والشغف بالطب والعلاج وتشجيع المرض على الانتظام فى العلاج. وذكرت خبراً عن باقي مؤلفاتها التى كانت ترصد فيها العلاقة بين المرض النفسي والابداع عبر سرد سيّر الشعراء والعباقرة والفلاسفة الذين عآنوا الأمريين من المرض والأخرين وكانت محنتهم هي منحتهم التى ساهموا بها فى تغيير المسيرة البشرية عبر ابداعتهم فى مجالات مختلفة.
تخرج ـ اذن ـ كاي جيمسون بخُلاصات مُفادها أن الحياة ـ اياً كانت حياتنا ـ فهي تستحق ان تُعاش وأنها ـ أي الحياة ـ بقدر ما تُسخّر قوتها لضربنا فى مقتل فهي تمنحنا من يقف بجوارنا فى الاوقات التى نسقط فيها فى الحلبة. وان الهوس الاكتئابيـ وهذه كانت نصيحتها للمرضى ـ أيا كانت قسوته فلابد من البحث عن جانبه المُشع الذي يمنحه لمريضه وأيا كانت قسوته فالتخلي عن العلاج أقسى. وأن المجتمع يتحمل نصيب من اللوم تجاه جهله بالثقافة النفسية واحترام حقوق المريض النفسي وضمان رعايته. وتُنهي كتابها بالكثير من ارصدة التفاؤل تجاه المستقبل وتُعطي ـ بإفعالها ـ مثال ونموذج لشخص كافح ضد مرضه وضد سهام المجتمع ونظرته الدونية للمريض النفسي وبروح مُحارب عاد من المعركة مُنتصراً ناظراً بفخر لرايته وغاض الطرف عن اعضاء جسده المثخنة بالجراح بل وربما المبتورة .

يستحق الكتاب القراءة فحياتها قصة كفاح توجّت بجعلها قدوة لكل من استسلم لمرضه النفسي وآثر الانتحار او الموت البطيء عبر ترك العلاج اوإيثار للأول عبر الاخيرة.

الثلاثاء، يوليو 18، 2017

عبدالرحيم حسن يكتب: ملخص كتاب الطريق إلى الامتياز للدكتور إبراهيم الفقي


أولا المقدمة:- الفرق بين الهدف والرؤية:-
هناك فرق بين الهدف والرؤية، فالرؤية هى نهاية الطريق، ومعظم الناس ينظرون إلى نهاية الطريق على أنه هو الهدف، ولكن الهدف هو جزئيات الرؤية، والأهداف هى خطوات الوصول إلى الرؤية، فأول طريق إلى الإمتياز هو أن تعرف الرؤية، وتجزئ الرؤية إلى أهداف، بحيث أن يأخذك كل هدف إلى الهدف الذي يليه، وكل هدف يأخذك إلى الرؤية.
ثانيا الملخص:-
يرى الكاتب أن أول جذور الامتياز هو الارتباط بالله، ويشتمل الارتباط بالله على ركائز، والتسامح أولها، فيجب مسامحة الناس جميعاً، والتسامح يكون لله عز وجل وليس للناس، وهذا بينك وبين الله سبحانه وتعالى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم .. إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم .. لو بلغت ذنوبـــــك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم .. إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" فإن الله يغفر ويسامح، فهل من المعقول أن لا يسامح الإنسان؟
وجاء الحب في الله ولله ثاني هذه الركائز؛ لأن الله يحب المتحابين فيه، فقد روى الإمام مالك عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تبارك وتعالى ((وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ))، فماذا تريد بعد حب الله سبحانه وتعالى لك؟ وثالث ركيزة هى العطاء بغير شروط دون انتظار مقابل، ويجب أن نحمد الله عندما يختارنا لقضاء حوائج الناس ومساعدتهم.
ورابع ركيزة هى الإيمان بالله، فالمؤمن لا يسرق، ولا يكذب، ولا يخون، ولا يظلم، ويتقرب إلى الحق دائماً، وأخلاقه طيبة، وتأخذنا الأخلاق إلى ثلاثة عناصر مهمة، هما:
التعاطف: بالتعاطف تصبح متواصلاً مع الناس.
التبسم: يسترخى الجسم كله بالابتسامة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقة).
العفو: أعفُ عند المقدرة؛ فبمجرد أن تجد نفسك تقدر على إنسان إذن فالله عز وجل وضعك في اختبار.
وعند الوصول إلى الإيمان تصل إلى الطاعة دون أن تشعر، وتنقسم الطاعة إلى قسمين، هما:
فعل المأمور: أي فعل كل ما أمر الله عز وجل به، من صلاة وصيام وصدقة وحج ... إلخ تلك الطاعات.
ترك المحذور: أي الابتعاد تماماً عن كل ما نهى الله عز وجل عنه، فقد نهانا عن السرقة والزنا وشرب الخمر وكل مساوئ الحياة بما فيها التدخين، فابتعد عن التدخين، لأنه من أسوأ المساوئ التي اخترعها الإنسان لتدمير نفسه، فالتدخين فيه عذاب الدنيا، وعذاب القبر، وعذاب يوم الدين قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:  (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيمَ أفناه وعن علمه فيمَ فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه).
 ويرى الكاتب أن التوكل على الله من أهم هذه الركائز إذ يقول: لقد أمرك الله سبحانه وتعالى بالأخذ بالأسباب ثم التوكل عليه، قال سبحانه وتعالى:  (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
 وننتقل بعد ذلك إلى التفاؤل، لا يمكن للمؤمن أن يكون مؤمناً إلا إذا كان متفاءلاً بأن الله سبحانه وتعالى سيمنحه الخير، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
 الإخلاص والوفاء والصلاة والدعاء والذكر من هذه الركائز، فيجب علينا أن نخلص في عملنا ونوفي بعهودنا ونصلي فروضنا وندعي ونذكر ربنا، وكل هذه الأشياء طريق إلى الامتياز.


وقل اعملوا:-
إن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نكتشف قدراتنا اللامحدودة التي بداخلنا، ويريد منا أن نكتشف هذا العقل البشري الذي وهبنا إياه، وبعد وصف الجذور الأساسية في الطريق إلى الامتياز ينقص العمل، والجهاد، والكفاح، إن الارتباط بالله عز وجل يجب أن يكون ممزوجا بالعمل، وقد قال المولى       عز وجل: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
ولقد أعطانا الله نعمة العقل من أجل أربعة أسباب رئيسية وهامة هى:
الاستدلال: فالبعقل يستطيع الإنسان أن يستدل على الخالق عز وجل.
المعرفة: وبذلك يكون السبب الثاني من خلق العقل هو المعرفة، فمن الاستدلال إلى المعرفة، ونحصل عليها من المرسلين والأنبياء فنعرف أن الخالق عز وجل  خلق كل شيء في هذا الكون من أجل الإنسان.
ومن الاستدلال إلى المعرفة، ومن المعرفة يأتي السبب الثالث في خلق العقل وهو:
المهارة: وهنا يصبح الإنسان ماهراً في استخدام العقل البشري، فينمو ويتقدم ويعرف من الأسباب والاختراعات وكيفية الدفاع عن النفس ما يؤمن له البقاء والمعيشة؛ فيزداد حباً وتعلقا بالله عز وجل  فمن الاستدلال إلى المعرفة، ومن المعرفة إلى المهارة، ومن المهارة إلى الابتكار:
الابتكار: وهنا يصبح الإنسان قادراً على الابتكار الرائع فكانت نتيجة هذا الابتكار هو صناعة الطائرات والسفن، وهذا التقدم العلمي والطبي، وهنا نجد المؤمنين يزدادون إيماناً وحباً وارتباطاً وإخلاصاً للمولى عز وجل.

·       استخدام العقل في التعرف على(الرؤية والغاية والغرض والأهداف)
الرؤية الواضحة: هى شيء يريده الإنسان أكثر من أي شيء آخر في حياته.
الغاية: بدون الغاية تصبح الرؤية ضائعة، ولكي يكون هدفك مستمراً في الزمن، ولكي تكون الرؤية واضحة تماماً فلا بد أن تكون مرتبطة بغاية.
الغرض: بدون الغرض لا توجد رؤية، وبدون الرؤية لا يوجد مورد للغاية، وبدون الغاية لا يوجد الغرض، فيجب أن تكون الرؤية ثم الغاية ثم الغرض.
الأهداف: هى السلالم التي يصعدها الإنسان درجة درجة كي يصل إلى القمة.

الفعل الاستراتيجي: عندما تقرأ عن السباحة وتزيد من قراءتك عن السباحة تصبح ماهراً تماماً في معلوماتك عن السباحة، وهذا لايعطيك الفرصة إطلاقاً لكي تصبح فعلاً سباحاً، ولكن يجب أن تسبح وهو الفعل.

هناك عوائق أساسية من الممكن أن تعوقك وتبعدك عن الطريق إلى الامتياز، وأسمها لصوص الحياة ولصوص التميز والنجاح، وأول لص هو الذي حلف بعزة المولى عز وجل أن يبعدنا عن الطريق المستقيم وقال: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)، وهو الشيطان الرجيم.

الوعود الكاذبة هى اللص الثاني، فلا تعطي وعداً لأي إنسان إن لم تستطع أن توفي بوعدك، وتذكر ما قاله الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3))، وهذا مقت وكذب كبير عند الله سبحانه وتعالى.
ومن لصوص الطريق إلى الامتياز أيضاً الكذب، فلا تكذب على أي شخص في الحياة مهما كانت الظروف أو التحديات، فابعد الكذب عن  لسانك، ولا تكذب إطلاقاً.
ومن هذه اللصوص أيضاً عدم الصبر، فإن لم تصبر لن تنال أي شيء، وستصل إلى ما تريد في الوقت المناسب عندما يقرر الله سبحانه وتعالى أن هذا الوقت خير لك وأنه الوقت المناسب، لذلك يجب عليك أن تصبر، قال الله سبحانه وتعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
نحن نستمر في طريقنا إلى الامتياز لكي نصل إلى الإخوة الثلاثة وهم:
الالتزام: أن تكون ملتزما بهذا الفكر، وأن تكون قوياً في هذا الفكر، ولا تتركه إطلاقاً مهما كانت الظروف.
الإصرار: الإصرار يجعل الإنسان مصراًّ على الالتزام.
الانضباط: هو الاستمرارية؛ فالانضباط يزيد الإصرار قوة، والإصرار يزيد الالتزام قوة، ولذلك أسمهم الإخوة الثلاثة.

ثالثا الخاتمة:- عش كل لحظة كأنها آخر لحظة في حياتك، عش بالتطبع بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم والرسل والأنبياء والصالحين، ثم عش بالكفاح، عش بالفعل، عش بالالتزام، عش بالصبر، عش بالمرونة، عش بالاستمرارية، عش بالحب والأمل، وأخيراً قدر قيمة الحياة.


أشكر الله العظيم الذي قدرني على تلخيص هذا الكتاب، وندعوا للكاتب الخبير ورائد التنمية البشرية (د. إبراهيم الفقي) بالرحمة والمغفرة، وأتمنى من الجميع قراءة هذا الكتاب والاستفادة منه.


عبدالرحيم حسن محمد فرج

الأربعاء، يوليو 12، 2017

الدكتور طلعت فاروق يكتب:

قراءة في كتاب "الاستغراب العربي: صور أمريكا في الشرق الأوسط" للدكتور عيد محمد الأستاذ المساعد بقسم التاريخ بجامعة جويلف الكندية
اعداد:  دكتور طلعت فاروق كلية اللغات و الترجمة جامعة الأزهر


صدر الكتاب في طبعته الأولى سنة 2015 عن دار  النشر البريطانية المرموقة في مجال الدراسات الشرق أوسطية (أي بي تورس )، وسيتم إصدار النسخة ال paperback منه في شهر سبتمبر المقبل بمقدمة جديدة بقلم المؤلف.

كما هو الحال بالنسبة للمصطلحات الناشئة، لايزال مصطلح الاستغراب مثيرا للجدل في العالم العربي، نظرا لعمومية اللفظ الذي يجمع في ظلاله أفكارا متنوعة تبلغ حد التناقض. وبتتبع النقاشات المعاصرة حول المصطلح، يبدو تباين ردود الأفعال نتيجة للاختلاف في النظرة إليه أو في استقباله. فهناك من يتبنى المصطلح باعتباره وسما لخطاب مناهض للاستشراق الغربي الذي حصر العالم العربي في دائرة الاستلاب أو اللا فعل، ومن ثم باعتباره تأسيسا لنظرية جديدة يكون فيها الشرق فاعلا ومعبرا عن ذاته وناقضا للصورة النمطية المنسوبة إليه ظلما على يد المستعمر الغربي، وأيضا ناقدا للدراسات والنظريات المعرفية الغربية في كافة المجالات. وعلى الجانب الآخر يرفض بعض الكتاب العرب هذا المصطلح باعتبار معناه اللغوي "الناقص"، وهو الميل نحو الغرب انبهارا بثقافته ومعارفه والقبول بقيمه المختلفة مع القيم الشرقية، والمتعارضة معها أحيانا.
لذا يمثل كتاب الدكتور عيد محمد، الاستغراب العربي: صورة أمريكا في الشرق الأوسط دراسةنقدية متوازنةلمظاهر للاستغراب العربي، متمثلة في الحالة المصرية في الأغلب، تتضمن تعقيدات التصور والصورة في العالم العربي فيما يتعلق بالآخر الغربي. وهنا يتفق الكاتب جزئيا في المنظور مع المفكر حسن حنفي، في كتابه مقدمة في علم الاستغراب، الخاص بأهمية مبادرة الباحث العربي إلى فاعلية تقديم معرفة موضوعية عن الشرق تناقض المعرفة غير الموضوعية التي رسختها النظرية الاستشراقية والمبنية على منظور استعلائي، كان المفكر الكبير إدوارد سعيد أبرز ناقديه وناقضيه. ومن هذا المنطلق، يمثل تيار الاستغراب مقاربة معرفية تهدف إلى التغلب على شعور العرب بالنقص أو بالدونية أما الغرب (كما يشير إلى ذلك حسن حنفي في الكتاب سالف الذكر حيث يراها عقدة تاريخية بين الأنا والآخر) ومجابهة المركزية الغربية المهيمنة معرفيا، حتى على الفضاءات المعرفية العربية. وفي هذا الإطار يمثل الكتاب الحالي تحولا في النظرة إلى الغرب/الولايات المتحدة، لا كذات دارسة ولكن، كموضوع مدروس. ويتضمن ذلك استعادة الصوت العربي في التعبير عن الهوية العربية ذاتها ورؤيتها للآخر الغربي، في ظل عملية تفاوض ثقافي تعددي متوازن، يحوي نقدا موضوعيا واعيا لكل من الأنا والآخر على السواء، تجاوزا للصور النمطية المبنية على رؤى أحادية غارقة في الرفض/الإقصاء أو الاستلاب/الافتتان.
في هذا السياق، يستهدف الكتاب الحالي تصو(ي)ـر التغيرات السياسية والثقافية الغربية، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر والمواجهات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، في الأعمال الأدبية والثقافية والإعلامية العربية، وذلك يتضمن استقبال وتصوير القيم الغربية الأمريكية، المتمثلة في انتخاب الرئيس أوباما، في وسائل الإعلام، والسينما والرواية المصرية/العربية كمصدر ملهم للتغيير ولتموضع الدور العربي في النظام الدولي. إضافة إلى تسليط الضوء على تفاعلات الدين، والثقافة الشعبية، والسياسية في صياغة العلاقة المركبة بين أمريكا ودول وشعوب الشرق الأوسط. والهدف من ذلك وضع إطار نظري لتمثلات الرؤية العربية للغرب، وصور استقبال العرب للسياسة الأمريكية ومظاهر تشكيل الصورة الذهنية العربية، سياسيا واجتماعيا، للولايات المتحدة الأمريكية كدولة وللشعب الأمريكي كأمة. كما يشمل ذلك رصد للتحولات المفاهيمية التالية للحادي عشر من سبتمبر فيما يتعلق بتغير موقع العرب والمسلمين على الخريطة السياسية للقوة، وأيضا بتأكيد الذات الأمريكي في علاقتها بالسلطة والقوى السياسية.

ويتميز الكتاب بمنظوره المقارن، إلى جانب تسليط الضوء على الأعمال ذات النزعة السياسية الواضحة لاستخلاص أسئلة جوهرية بشأن إنتاج الصور النمطية الثقافية لأنواع جديدة من الرؤى السياسية وترسيخ ثنائية الأنا/الآخر. ولذا يحوي الكتاب فصلا عن استقصاء التمثيلات الثقافية العربية للولايات المتحدة وسياستها الخارجية، من خلال قراءة أعمال أدبية عربية تقدم سردية مقابلة للسردية الغربية عن الشرق، وفهما مركبا للعلاقات العربية الأمريكية، وبيانا لكون الاختلافات الظاهرية بين الشرق والغرب في الحياة اليومية العربية بين الأنا والآخر تتضمن أيضا تذكيرا بمستوى أعمق من التشابهات بينهما. وهنا يعمل المؤلف على تحليل السرديات الغربية/الأمريكية التي تصور تفاعل العرب مع الحداثة الغربية كحافز للعرب والمسلمين للمواءمة ولتبني القيم الثقافية الغربية، وعلى الجانب الآخر استخدام العرب والمسلمين التقنيات الإعلامية الحديثة كأداة لدعم التفاعل بين الثقافتين ولتعزيز الأداء الإعلامي الوطني.
ويعد أبرز إسهامات الكتاب هو التحليلات المنهجية المتكاملة لسياسات التمثيل في طائفة متنوعة من الأعمال الأدبية والإعلامية والسينمائية المصرية التي هي في طور النشوء في فضاءات عامة مشوبة بأزمات المراحل الانتقالية الحرجة بحثا عن إطار نظري جامع للوسائل التقليدية والحديثة معا، من منظور الدراسات الثقافية والاجتماعية/السياسية الأمريكية والشرق أوسطية؛ العربية والإسلامية. كما يمثل الكتاب إضافة مفاهيمية ونظرية في مجال العلوم السياسية والاجتماعية الحديثة من خلال نقد للنظريات الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالاستشراق والاستغراب، والمتعلقة أيضا بالدراسات الشرق أوسطية والإسلامية، وللسرديات المعاصرة حول العلاقات الأمريكية/الشرق أوسطية. أيضا يتفرد الكتاب بالمقاربة النقدية لأوجه التأثير والتأثر بين انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة وبين ظهور حركات التغيير الاجتماعي/السياسي في العالم العربي، والتي تكلل نشاطها بقيام ثورات الربيع العربي بصورة أحيت الأمل في أمة شاع بينها الإحباط، وذلك يتضمن تقصي أثر النصوص الثقافية، كالأفلام والروايات والإعلام الجديد في إحداث تغيير اجتماعي.
ويتألف الكتاب من مقدمة وأربعة فصول، حيث يستعرض المؤلف في مقدمته قراءته النقدية لمنظور إدوار سعيد عن الاستشراق وتسليطه الضوء على عملية ’إعادة التدوير‘ العربية للصور النمطية الغربية عن الشرق وتحويلها إلى مادة لنقد الغرب ذاته، وكيف أن الخطاب الاستغرابي العربي يعد أحد صور المقاومة الفاعلة للخطاب الاستشراقي الغربي، وتختتم المقدمة بطرح الأسئلة الرئيسة التي تعالجها الدراسة، وعلى رأسها أنماط تصوير/تقديم أمريكا والأمريكيين في الأدب والسينما في مصر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والموضوعات المركزية في أنماط التصوير هذه، وتأثرها بتمثيل العرب والمسلمين في الأدب والإعلام والسينما في الولايات المتحدة، وخاصة في ظل أحداث جسام، كأحداث الحادي عشر من سبتمبر، والحرب على الإرهاب، وغزو العراق وأفغانستان، وذلك كله في إطار نزعة الهيمنة الإمبريالية الأمريكية، ولكن أيضا في إطار نزعة عربية لاستيعاب تاريخ الاستشراق والاستغراب، وأيضا لبناء جسور التفاهم والتواصل البناء بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
أما الفصل الأول، وعنوانه "الولايات المتحدة في الأدب العربي ما بعد الحادي عشر من سبتمبر"، فيستعرض روايتي شيكاجولعلاء الأسواني، وطيور الجنوب لأماني أبو الفضل، وكيف تقدم الأولى صورة للعرب/المصريين في الولايات المتحدة ورؤيتهم لذواتهم ولوطنهم الأم وللولايات المتحدة التي وفدوا إليها، في إطار سردية مناهضة للسردية الأمريكية مركزية النزعة، من منظور العرب الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، تتجاوز الثنائية المتعارضة بين الهويتين العربية والأمريكية والتي رسخها المستشرقون. وهنا يسلط الباحث الضوء على تقديم الروايتين لأصوات معتدلة مقاومة لفرضية ’صراع الحضارات‘ وللتصوير الشمولي للأنا وللآخر.
وفي الفصل الثاني، "الولايات المتحدة في الإعلام والحياة الثقافية العربيين"، يناقش الباحث قضية التمثيل/التصوير ودورها في تكوين الاستغراب، من خلال دراسة حدثين معبرين، أولهما رمي جورج بوش بالحذاء على يد صحافي عراقي وثانيهما انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، وبيان أثر التنميط وإنتاج المعرفة بصورة تعرقل التفاعل البناء بين الولايات المتحدة والعالم العربي، في محاولة لردم الهوة في فهم ‘الآخر غير المُمَثَّل‘. وفي سبيل ذلك، يستعرض الباحث طائفة من الكتابات المختلفة في توجهاتها والمتشابهة رغم ذلك في رد فعلها إزاء الحدثين.
يتبع ذلك الفصل الثالث، وعنوانه "الولايات المتحدة في السينما العربية ما بعد الحادي عشر من سبتمبر"، والذي يناقش فيه الباحث الخطر الناشئ عن القهر والإقصاء والشيطنة على إمكانية الحوار البناء بين الولايات المتحدة والعالم العربي، كاشفا عن الثغرات وحالة السيولة في الصورة التي قدمتها الأعمال السينمائية المختارة للدراسة، وعن مركزية الصراع العربي/الإسرائيلي، والحرب على العراق، ومشاعر العداء للعرب، في هذه الأعمال، إلى جانب تسليط الضوء على التفسيرات الجديدة التي قدمها صناع هذه الأفلام من منظور ‘الآخر المقهور’، أملا في الدفع نحو عالم خال من الحروب والصراعات، من خلال عرض صورة صحيحة لهذا الآخر بعيدا عن المغالطات التنميطية وسوء الفهم. وقد تضمن هذه التحليل الجوانب الاستغرابية في تلك الأفلام من حيث تقديمها لصورة نمطية مختزلة عن ‘الآخر’ الأمريكي كمستعمر بالأساس.
وتحت عنوان "رد الفعل الثقافي للعرب الأمريكيين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها"، يناقش الباحث نصين أدبيين لكاتبتين عربيتين/أمريكيتين، هما ديوان ’رسائل الكترونية من شهرزاد‘ لمهجة كهف ورواية ذات مرة في أرض موعودة لليلى حلبي. ففي ديوانها، تنسج مهجة كهف فضاء تمثيليا من أسطورة ألف ليلة وليلة للتعبير عن معاناة الأقلية العربية/المسلمة في المجتمع الأمريكي، وعن صوت هذه الأقلية الغائب عن الخطاب القومي في كل من أمريكا والعالم العربي، من خلال استلهام التراث العربي، كمعالج موضوعي في مواجهة أزمة الحادي عشر من سبتمبر، وللموازنة بين الأصالة والمعاصرة أو الملائمة بين التراث والحداثة في عملية التعبير عن الذات. تلجأ مهجة كهف للربط بين عملية استعادة التراث من خلال أسطورة شهرزاد ذات الدور الرائد في تخليص جنس النساء من سلطوية ذكورية وفي تحرير المرأة ....
أما ليلى حلبي، فهي تنشئ لقطة استرجاعية طويلة لتسليط الضوء على أثر الماضي في إثراء الحاضر، وتأكيد الذات خلال المواجهة مع المستعمِر، وأيضا في تكوين ثقافة هجينة جديدة تشمل كلا من الثقافة القومية وثقافة المهجر (لأصحاب الهوية العربية/الأمريكية) وتتجاوز حاجزي التاريخ والزمن، كحل لأزمة الهوية في واقع ما بعد الاستعمار. وفي هذا الإطار تعتمد حلبي على تراث وطنها الأم لمواجهة حالة الإقصاء والاغتراب التي تعانيها بطلتها في مهجرها.

إن حالة التنوير المعرفي التي يقدمها هؤلاء الكتاب هي التي تبني جسرا في سبيل تقديم صورة متوازنة عن العرب في الولايات المتحدة والعكس، ومن ثم تمهيد الطريق لعملية تواصل بناءة، وهو ما يسعى الباحث عيد محمد جاهدا لتقديمه من خلال دراسة موضوعية للعلاقة الشائكة بين الشرق والغرب. وتتفرد الدراسة في النقد الذاتي للأعمال العربية في قصورها الاستغرابي بتقديم صورة أحادية مختزلة عن الولايات المتحدة إلى جانب نقد أوجه القصور في التمثيل الاستشراقي للعرب والمسلمين عموما، وفي تأكيد دينامية عملية التمثيل المتبادل ذاتها وأثرها في تكوين صورة ليست للآخر فقط، ولكن للذات أيضا، وهذا ما يجعل الكتاب جديرا بالقراءة، وخاصة في مجالي الدراسات الثقافية والأدبية، ودافعا لمزيد من البحث النظري والتطبيقي الخاص بمصطلح الاستغراب حديث الظهور.

داليا صلاح تكتب: ملخص رواية ابتسم فأنت ميت للكاتب المغربي حسن الجندي



أولا: نبذة عن المؤلف
محمد حسن الجندي من مواليد مدينة مراكش المغربية سنة 1938، عمل مؤلفا إذاعيا ومسرحيا وممثلا ومخرجا، وهو واحد من أهم أعمدة المسرح ورائد من رواد الحركة الفنية والثقافية في المغرب، له أعمال كثيرة من أهمها: مخطوطة بن اسحاق مدينة الموتى، مخطوطة بن اسحاق المرتد، مخطوطة بن اسحاق العائد، الجزار، نصف ميت، لقاء مع كاتب رعب، حكايات فرغلي المستكاوي، في حضرة الجان. وتوفي في فبراير من العام الجاري 2017.
ثانيا: هدف الرواية
للرواية أهداف كثيرة أبرزها مأخوذ من عنوان الرواية وهو أنه لا يمكنك أن تجبر أحدا على الابتسام إلا في حالة واحدة: وهو ميت.
ثالثا: ملخص الرواية
شقة قديمة في شارع عماد الدين، الشارع الأكثر شهرة في القاهرة ، تصبح مسرحا لجريمة مفجعة بعد أن سكن فيها ثلاثة من الشباب. الشقة ورثها رجل غني عاش في انجلترا وتركها لابنه. الشبان الثلاثة هم: صادق، أمجد، سيد يبحثون عن شقة مفروشة شريطة أن تكون قريبة من الجامعة. بعد وقت عثروا على شقة من ثلاث غرف بسعر مناسب. لم يكن بمخيلتهم أبدا أن تكون هذه الشقة هي نهاية مصيرهم. تقاسم الشباب الشقة واختار كل منهم غرفة لتبدأ أحداث الرواية في الإثارة.
يرى سيد في المرآة أن شابا يجلس على المقعد تنسال منه قطرات الدم الحمراء، ويفتح أمجد الباب في الثانية بعد منتصف الليل فيجد فتاة تسأل عن استوديو منصور، تلك الفتاة التي رأى صورتها في الصندوق القديم، ثم يتبين له أن ما رآه لم يكن سوى شبح وأن الهاتف الأسود الذي ما انفتئ يرن في منتصف الليل لم يكن به حرارة .
بعد محاولات قرر الشباب مغادرة الشقة، وخرج أمجد وصادق للبحث عن شقة أخرى ليفاجئ سيد بصادق يرتدي ملابس غريبة أزعجت سيد واعتقد من خلالها  أنه عفريت، فاستل سكينا من المطبخ وطعنه في ظهره، وعندما جاء أمجد ورأى ما حدث طعنه سيد بنفس السكين ثم صاح يردد: الشقة مسكونة.
وتتوالي الأحداث ويؤجر الشقة آخرون منهم سامح الذي يعمل موظفا وزوجته دعاء التي قامت بتنظيف الشقة فإذا بها تنظر في المرآة لترى امرأة تمشط شعرها ورجلين تتقاطر منهما الدماء، ولم يظهر منهما سوى خيالهما وهما يتخافتان: اذهبوا من هنا، وعندما أخبرت دعاء زوجها بذلك لم يصدقها، ليرن الهاتف فيخيل لسامح أن زوجته تخونه خاصة بعد أن خرج رجل يرتدي سروالا أسودا وعلى وجهه الجروح ولم يكن يرى غير ظهره فقتل زوجته في الحال ليذهب بعدها إلى مستشفى الأمراض العقلية وهو يردد: منصور
ويأت سكان آخرون منهم عماد الذي ترك وظيفته ليتفرغ لتصوير الجثث، ويجعل من هذه الشقة استوديو تصوير وكانت خطيبته سارة تساعده بإرسال الزبائن إليه. وحينما دخلت إحدى الفتيات للتصوير فوجئ عماد بأن الكاميرا لم تلتقط صورة للفتاة بل التقطت صورة لفتاة أخرى تلك الفتاة التي صورتها في الصندوق القديم التي رآها أمجد والتي تدعى ليلى عثمان.

قام عماد بتغيير مواضع الكاميرا ولكنها لم تصور سوى الموتى.  لم يستطع عماد كشف أسرار الشقة الغامضة ولقي حتفه من الطابق الثالث ليسقط على سيارة صديقته سارة لتصاب بحالة نفسية فتعرض نفسها على الدكتور عصام زوج صديقتها، ليقرر عصام البحث عن السر الكامن خلف كل هذه الأحداث فيتفق مع صديقته سلوى وهي طبيبة نفسية على أن يضعوا كاميرات دقيقة وأجهزة تصنت في جميع أركان الشقة.
ويعود بنا الكاتب إلى أصل القصة حيث الشقة رقم 9 في شارع عماد الدين والتي كانت تسكنها أسرة مكونة من أربعة أفراد هم: الحاج عبد الباقي وزوجته عزيزة والطفلين منصور وسعيد، وفي ويوم من الآيام ذهب الحاج عبد الباقي لمهمة عمل في مدينتي بورسعيد وطنطا ليمكث فيهما أسبوعا كاملا. كان الحاج عبد الباقي يرسل صالح الموظف عنده ويده اليمنى إلى بيته ليقضي لهم حاجاتهم، ولم يكن يعلم الحاج عبد الباقي أن صالح هذا عشيقا لزوجته ربة البيت وأم طفليه منصور وسعيد، ورآها الأخير وهي تخون أبوه ليخبر والده بالأمر بطريقة غير مقصودة ليهدد الأب زوجته بالقتل، ولولا دموع سعيد لقتلها، إلا أنه قرر اعتزالها وتركها وحيدة مع طفليها ليتردد عليها من حين لآخر.
كبر سعيد ومنصور وماتت أمهما مسمومة بالزرنيخ. وكان سعيد وأخوه يجيدان التحنيط،تلك المهنة التي تعلماها من خالهما، كما أن منصور امتلك استوديو صغير في الشقة وكانت تأتيه الفتيات للتصوير ولأن سعيد تعقد نفسيا مما فعلته أمه فقد كان يقتل جميع الفتيات بعد التصوير من دون اعتراض أخيه، ولم يكن سعيد يكتفي بقتل الفتيات بل كان يقوم بتحنيطهم ورسم الابتسامة على وجوههم ومن هنا جاءت تسمية الرواية (ابتسم فأنت ميت)

القصة مثيرة وأحداثها مشوقة وأنصح بقراءتها

داليا صلاح



الثلاثاء، يوليو 11، 2017

الأستاذ الدكتور عبد الراضي رضوان يكتب: ملخص كتاب مشكلة التأليه في فكر الهند الديني


صدر الكتاب  في طبعته الأولى سنة 2002 عن دار الفيصل الثقافية بالرياض، ويقع في حوالي 300 صفحة من القطع الكبير.
تمثل قضية الألوهية القاسم المشترك بين الدين والفلسفة والفكر الديني، فهي الأصل الأول من أصول الدين، والركن الأول من أركان الإيمان، وهي أول الأسئلة الثلاثة مدار البحث الفلسفي: (ما الله؟ ما العالم؟ ما الإنسان؟)، كما أنها جوهر الاستبصارات الفكرية التي أثمرتها التأملات العقلية للنص الديني وعمل العقل فيه؛ ولهذا كانت أغنى المجالات البحثية وأكثرها خصوبة ومركزية وأهمية للبحث والدرس القديم والمعاصر على حد سواء.
وتعد الهند بخصوصيتها الحضارية والفكرية مثالا جيدا يجسد ثراء العطاء وتنوعه في مجال الميتافيزيقيا بما توافر لها من ديانات موغلة في القدم، ودرس فلسفي عريق، وفكر ديني ثرٍّ بالمذاهب والاتجاهت.
مما يجعل من تناول مبحث الألوهية في فكر الهند الديني ضرورة علمية وفكرية استلزمتها –إلى جانب ذلك- بواعث عدة، منها:
1.   قلة البحوث الحديثة في هذا المجال.
2.   اضطراب الآراء والتصورات حول أكثر جوانب الموضوع.
3.   قصور المعرفة العميقة بالفكر الديني الهندي بسبب غياب مصاردة الأصيلة، والدراسات الجادة حوله التي لم يترجم أكثرها إلا مؤخرا.
4.   غموض الرؤية الميتافيزيقية الهندية حول الألوهية، ذلك الغموض الذي جعلها مشكلة خلفت فوضى تأليهية تباينت مساراتها، وتذبذبت نزعاتها بين الإلحاد والغلو في التجريد المفضي إلى العدم والمغالاة في التعددية الوثنية.
ولم تكن فاعلية تلك البواعث قاصرة على الحث والتوجيه إلى هذه الدراسة، بل إنها حددت –إلى حد كبير- طبيعة منهج البحث الملائم لها والأنسب لتبديد غموض مشكلة التأليه في الفكر الديني الهندي.

فجاء المنهج تحليليا نقديا مقارنا يستهدف فصل جزئيات مشكلة التأليه المتشابكة، واستخلاص العناصر المؤثرة في بنيتها، والأسباب الفاعلة في نشأتها، والنتائج التي ترتبت عليها من معوقات لحركة الفكر الهندي، أو انحرافات في مساراته، أو أنسنة كاملة لنسق التأليه في الفكر الديني الهندي باتت معها معالجة الموضوع حتمية من جهة الفاعلية الهندية (التأليه)، لا من جهة الذات الإلهية؛ لأن المشكلة في التأليه ونسقه وليست في الألوهية.
كذلك جاءت طريقة التناول تبعا لطبيعة المشكلة، فجاء  الكتاب في مقامات ثلاثة تضمنتها مباحث ثلاثة مرتبة وفق القدم التاريخي لموضوعها، فتناول الأول مشكلة التأليه في الهندوسية  في ثلاث مطالب مبينا في المطلب الأول صعوبات البحث فيها، وفي المطلب الثاني أسباب الاختلاف حول مذاهبها، وبين المطلب الثالث النزاعات الأربع التي سلكها نسق التأليه الهندوسي: التجريد، والتجسيد، وتعدد الآلهة، ووحدة الوجود.
وتصدى الثاني لإشكالية التأليه لدى المفكرين الأحرار، فعرض لتيار الإلحاد المنكر للألوهية، وبين موقف بوذا وماهافيرا من الألوهية ونسقهما الخاص في التأليه.
أما الثالث فكشف النقاب عن حقيقة التأليه في البوذية والجينية بعد بوذا وماهافيرا.
والله من وراء القصد،
دكتور عبد الراضي محمد عبد المحسن رضوان

..........................................

الأستاذ الدكتور عبد الراضي رضوان، وكيل كلية دار العلوم جامعة القاهرة ونائب رئيس مجلس إدارة مركز البحوث والدراسات الإسلامية بكلية دار العلوم ، صاحب أول دكتوراة في مجال علم مقارنة الأديان في جامعة القاهرة، وأول متخصص في ترجمة القرآن الكريم للغة الألمانية بين دارسي الفلسفة والعلوم الإسلامية بجامعة القاهرة، من أهم كتبه: الأخلاق بين النظرية والتطبيق، نزهة الحفاظ للحافظ أبي موسى المديني (تحقيق ودراسة)، نبي الإسلام بين الحقيقة والادعاء، الغارة على القرآن الكريم، المعتقدات الدينية لدى الغرب.



الاثنين، يوليو 10، 2017

محمد شحاتة يكتب: ملخص كتاب مفهوم الأسطورة في القرآن الكريم للدكتور محمد شامة


صدر الكتاب سنة 2014 عن مكتبة وهبة، ويقع في حوالي ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير، وقدم له الأستاذ الدكتور بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين السابق بالقاهرة وتلميذ المؤلف بمقدمة جاء فيها : "إن هذا الكتاب-مفهوم الأسطورة في القرآن الكريم- باعث للعقل، محرك للفكر، مقوِّ للحجة، خارج عن التقليد والاتباع، مؤدٍّ إلى التجديد والإبداع"
 ويركز الكتاب على أن القرآن الكريم يختلف عن أديان القدماء الوضعية والسماوية من حيث كونه ليس كتابا تاريخيا فيه تأريخ لحوادث ما سبق من الزمن ولا تسجيل لأخبار من سبق من الأنبياء والصالحين وإنما هو في المقام الأول كتاب هداية، يبين للناس فيه العقائد الصحيحة ومبادئ السلوك الطيب، والنظم الاجتماعية التي ينبغي على المجتمعات تطبيقها، كي يستقيم أمرها، وينصلح حالها وتعيش في أمن وأمان. ولهذا لا توجد قصة كاملة في القرآن الكريم بل يوجد فقط الجانب الذي يتطلبه المقام.
ويحاول الكتاب الإجابة على سؤال طالما شغل بال كثير من المفكريين والفلاسفة وهو إلى أي مدى تعبر الأمثال التي ضربها القرآن عن حقيقة لها وجود أم أنها تحمل في طياتها معان سامية ومبادئ عليا يجب على المؤمنين الالتزام بها؟ ولا تعدو الإجابة كونها أن معاني هذه الأمثال لا يدركها إلا المفكرون والفلاسفة ولذلك فقد جاءت صياغتها بأسلوب يفهم من ظاهره عامة الناس أنها صورة أشبه بالأسطورة منها بالحقيقة، وهذا أمر يراه الكاتب ضروري وأساسي في كل الأديان والسبب في ذلك حتى لا ينصرف معظم شرائح المجتمع عن الدين لأنهم لم يفهموا نصوصه المقدسة، فالعامة ينسجون الأساطير حول هذه النصوص، من أمثال وقصص، والمفكرون يستنبطون منها القيم العليا التي تقود المجتمع إلى الرقي والتقدم وهذا ما انفردت به قصص وأمثال القرآن الكريم عن الكتب المقدسة السابقة إذ أنها في الأديان الأخرى لا تحمل إلا الجانب الأسطوري.
ولكن لماذا جاءت القصص والأمثال في القرآن الكريم حاملة المعنيين الأسطوري والعقلي؟
يقول الكاتب ردا على هذا السؤال مايلي: "لأن المستوى الثقافي في أي مجتمع إنساني متدرج، من أبسطه إلى أعلاه، ومن المشاهد أن أغلبية أفراد المجتمع تميل إلى المحسوس، فلو جاء النص القرآني يخاطب العقل فقط، لانصرف عنه معظم الناس، فكان لابد أن يراعي هذا الجانب كي يجذب إليه هذه الجموع، ثم يضمنه المعاني السامية التي يستسيغها المفكرون والفلاسفة. فأسلوب القرآن يفهمه البدائي في كهفة وبيداءه ومغاراته، كما يدرك أسراره العالم في حلقاته العلمية ومدرجاته الدراسية".

هذا وقد قام الكاتب بعرض عدة نماذج من قصص القرآن الكريم وأمثاله التي نسج العامة ومتوسطو الثقافة حولها أساطير لا يقبلها العقل ولا يستسيغها العصر؛ فبين ما فيها من معان سامية وقيم عليا تقود المجتمعات الإنسانية إلى ما فيه صلاحها وفلاحها، ومن هذه القصص: قصة الخضر، وآدم وحواء، ودور حواء في ارتكاب الخطيئة، والشيطان، والسحر، وموقف الإسلام من السحر والسحرة، وهاروت وماروت، وذو القرنين، وأصحاب الأخدود، وبقرة بني إسرائيل، ونبأ الخصم، والنملة والهدهد، وتسخير الريح والجن، ومنسأة سليمان.
وعلى سبيل المثال في قصة منسأة سليمان يقول الكاتب: "إن قراءة هذا التصور-بقاء سليمان متكئا على عصاه لمدة سنة ميتاً- تثير عدة أسئلة منها: ألم يعلم أحد في قصرة- وهم يعدون بالعشرات إن لم يكن بالمئات- بموته؟ ألم يقدم أحد له طعامه، أم أنه صام سنة كاملة؟، ألم تفتقده زوجاته، وعددهن كما جاء في التوراة ثلاثمائة، علاوة على سبعمائة من الإماء؟، من كان يدير شئون الدولة في هذه السنة؟، ألم يفتقده وزراؤه ومساعدوه فيسألون عنه؟، من الذي كان يقابل سفراء الدول؟ وأخيرا، ألم تتحلل جثته وقد مكثت مدة تتحلل فيها أجسام الموتى؟
كل هذه أسئلة توضح أن مسألة مكوثة ميتا فوق عصاه سنة كاملة ليست إلا أسطورة وخرافة، لا يصدقها العقل ولا يقرها الواقع، وقد يقبلها العوام ويستسيغونها إلا أن الفلاسفة والمفكرون قد يذهبون إلى فهم جديد ومعنى مختلف فيرون أن تآكل عصا سليمان ما هو إلا انهيار مملكته وضعفها بعد أن نخر فيها الفساد وأصابها سهم الإهمال فأرداها.
وعلى كل فقد اعترف الكاتب أن النص القرآني يحمل من الأسرار ما خفي عن السابقين ومازال يحمل الكثير من الأسرار والمعاني التي لا نستطيع الوصول إليها، وربما تستطيع الأجيال القادمة كشف أسرارها، فهو كنز مليء بأسرار يكشف جيل تلو آخر ما تمكنه ثقافته من كشفها، ولن ينضب معينها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وبعد،
فكتاب مفهوم الأسطورة في القرآن وإن كان عنوانه صادما إلا أنه جدير بالقراءة لما فيه من فكر وعلم وتجديد.