الخميس، يناير 31، 2013

الربيع العربي في برلين 107


 
الأربعاء 19 سبتمبر

استجابة لرغبة السيدة كارين جوته، في أن نتواجد مبكرين قبل التاسعة والنصف من صباح اليوم حتى نتمكن من الحديث مع وسائل الإعلام المختلفة التى ستتواجد قبل بدء فعاليات هذا اليوم، وهو اليوم الذي ذكر في البرنامج تحت عنوان "يوم الإعلام"؛ ففي بدايته سنلتقي بأساتذة للإعلام وصحافيين، ومراسلين، وإذاعيين، وفي منتصفه سنذهب لحضور المؤتمر الصحفي للحكومة، وفي نهايته سنقوم بزيارة لمقر تليفزيون الدويتش فيله. واستجابة لتلك الرغبة حرصنا (منى حجازي،ومنة جاد، وعبد الرحيم، وأندريه، وأنا) على أن نكون أول الحاضرين. وحرصت كذلك على أن أرتدي أفضل ا عندي، فهذه الفرصة ربما لا تتكرر مرة أخرى، وعلىّ أن أحسن استغلالها، فمن يدرى لعل الحظ يفتح لي بابا ظل طوال الوقت مغلقا، أو لعلي أجد فرصتى التى تبحث عنى!

ووجدنا أنفسنا أول الواصلين في قاعة اجتماعات مستديرة، بدت أكبر من تلك القاعات التى اجتمعنا فيها سابقا، فبها مائدة كبيرة بيضاوية، تدور حول مائدة أصغر منها، وكراسي كثيرة اصطفت بجوار الحائط خلف المائدتين، وبالقاعة بلكونة علوية فيما يبدوا أنها للصحافيين والإعلاميين. وما أن وضعت حقيبتى على أحد مقاعد المائدة الكبيرة حتى رأيت سيدة تحمل في يدها ميكروفونا مكتوب عليه "راديو الدويتش فيلة" فرحبت بها وعرفتها بنفسى وتعرفت كذلك على منى حجازي، ثم استأذنتنا في أن تجري معنا حوارا، وبدأت بمنى التى عرفت نفسها بأنها مصرية تعيش في الأسكندرية وتعمل في مكتبتها، ثم سألتها السيدة عما إذا كانت قد شاركت في مظاهرات التحرير أيام الثورة أم لا؟ فأجابت منى بأنها لم تذهب إلى التحرير في ذلك الوقت، ولكنها كانت مؤيدة وداعمة لتلك التظاهرات، ثم استدارت السيدة نحوي وسألتنى عما إذا كنت أعيش في الأسكندرية كذلك؟ فأجبتها بأنني أسكن بالقرب من القاهرة، بعد ذلك سألتنى عن انطباعي عن برلين وما تعلمته فيها منذ وصولى وحتى الآن. وقلت لها بأن مدة إقامتى في برلين لم تتجاوزالعشرة أيام بعد، إلا أننى تعلمت أشياءا كثيرة أهمها تلك التى تتعلق بالبرلمان الألماني، وكيفية العمل فيه، وذكرت لها رأيي في أن الديمقراطية عملية صعبة ومعقدة، وتحتاج إلى مال، وجهد، ووقت. وأن الدكتاتورية لا شك أنها أسهل منها بكثير، وأنه ليس بالسهولة أن نقوم بتطبيق هذه الديمقراطية في بلادنا، فأعوام كثيرة مضت مورست علينا فيها الدكتاتورية حتى كدنا نعشقها!! ونظرت خلفي فإذا بالقاعة وقد امتلأت بالحضور، وأخذ كل واحد مكانه، واستأذنت لأجلس حيث حقيبتي، وعند الباب التقيت برجل بدت عليه الملامح المصرية، ليلقي على السلام ويعرف نفسه بأنه "مازن حسن" مراسل الأهرام في برلين، ثم أعطاني الكارت التعريفي الخاص به، واستأذن مني فقد حان موعد بداية اللقاء.

الربيع العربي في برلين 106


وحتى لو كان إصرار رامز على عدم حضور الفيلم سببه الجوع الذي أحل به، فالقائمون على البرنامج لم ينسوا هذا الأمر كذلك، فقدموا لنا بوفيها مفتوحا رصت عليه كثير من الفاكهة والمشروبات وبعض من المخبوزات الخفيفة، حتى أننا لم نكتفي بما أكلناه منها، بل بلغ بنا حد السفالة أن نحمل في حقائبنا ما استطعنا حمله من عصائر وفاكهة.  واستطعنا أخيرا إثناء رامز عن اعتذاره فبقي معنا على غير اختيار.

 وقبل أن يبدأ الفيلم تقابلنا مع السيدة "شينكل برج" فأعطت كل واحد منا المائتي يورو المتبقية لنا من مصروفات. ثم أطفئت أنوار المسرح إيذانا ببدء عرض الفيلم، والذي كان عنوانه " حياة الآخرين" وهو فيلم ألماني يعود انتاجه إلى العام 2006، وقد حصل هذا الفيلم على جائزة الأوسكار بعد انتاجه بعام واحد، كما حصل أيضا على عدة جوائز ألمانية، وأما عن أحداثه فتدور في مجملها عن فترة ما قبل سقوط سور برلين، حيث كانت تعيش ألمانيا الشرقية نظاما اشتراكيا سيئا تحكم الدولة فيه قبضتها على كل شئ، وفي ظل هذه الظروف بدأ بعض المفكرين الناقدين للاشتراكية بالدفاع عن أفكارهم سرا عن طريق المنشورات أو المسرحيات المتضمنة للمفاهيم المعادية للاشتراكية بصورة بها كثير من التلميح. حتى أن بعضهم كان يسافرهاربا إلى ألمانيا الغربية تزمرا من النظام وقسوته. وفي المقابل كانت حكومة ألمانيا الشرقية تستجوب المفكرين وتخضعهم لعمليات تجسس كاملة.
وكحل وسط اخترنا أن نجلس في مؤخرة القاعة بالقرب من باب الخروج، حتى إذا ما وجدنا أن الفيلم ممل أمكننا الانصراف عنه من دون أن يشعر بنا أحد، وصدق المثل القائل "الزن على الودان أمر من السحر"، فقد عاود رامز محاولاته لنا أن نترك الفيلم لنعود إلى مساكننا، ولم تقف إغواءاته عندنا، بل تعدتها إلى ليلى أرمانيوس وزميلتها. وكدنا ننتصر على إغواءاته لولا أن وقعت حقيبتى لتتدحرج منها حبات الفاكهة، لتواصل تدحرجها حتى اقتربت من شاشة العرض، فأنفجر الجالسون بجوارى ضاحكون، لنخرج مسرعين من المسرح حتى لا ينتبه إلينا أحد!
 
 

مرسي وغزوة برلين!


لا شك عندى عزيزى القارئ من أنك تعرف تمام المعرفة بأن زيارة مرسي لبرلين كانت تمتلك جميع مقومات التأجيل، فأحداث العنف التى سبقتها في مدن كثيرة في مصر وخصوصا مدن القناة، والاحتقان السياسي الذي تمر به البلاد هذه الأيام، والهياج الإعلامي الذي صور للعالم بأن مرسى يكره اليهود وأن الاخوان هم العدو الأول والأوحد للغرب وخصوصا الأوروبيين منهم، ومن قبل ذلك ومن بعده أنهم هم العدو الأساسي لنهضة مصر، وأنهم أبدا لا يعرفون الديموقراطية ولا يريدونها، كل ذلك وغيره كان جديرا بعدم إتمام هذه الزيارة.

لا شك عندي كذلك من أن الجميع وعلى رأسهم وسائل الإعلام الغير حيادية أصابتها الحيرة الشديدة في معرفة إذا ما كانت هذه الزيارة ستكتب لها أن تتم، أم أن مصيرها سيكون التأجيل أو الإلغاء، وأحسبهم تمنوا لها الإلغاء. الأمر الذي أربك معه أيضا كثير من أعضاء الجالية المصرية والعربية في برلين، وخاصة من الأقباط المصريين، وكذلك منظمات يسارية ألمانية وأخرى للدفاع عن حقوق الإنسان، التى كانت تُعدّ صفوفها للتظاهر ضد قبول ألمانيا لهذه الزيارة، إلا أن اضطراب مواعيد الزيارة وتغيير برنامجها عدة مرات، إضافة إلى سوء الأحول الجوية أدّي إلى الاكتفاء بالتظاهر الشكلى في مدن ألمانية مختلفة وعلى رأسها التى حدثت في برلين بالقرب من مبنى البرلمان الألماني ومقر الحكم.

ولو سمحت لى عزيزي القارئ أن أعرض رؤيتى لهذه الزيارة التى وصفتها في عنوان هذا المقال بأنها غزوة فسأقول: إننى أرى أن إصرار مرسي على زيارة ألمانيا في هذا التوقيت الكئيب هو ذكاء سياسي وحنكة سياسية، وفهم لطبيعة الدول وأهميتها، أقول هذا على الرغم من اختلافي مع مرسي في كثير من سياسته، وأرى أن إلغاء زيارته لفرنسا ذكاءً سياسيا وشجاعة لا مثيل لها، ولم ولن يتحدث عن ذلك أولئك المتعصبون الأعمياء.

نعم إصراره على إتمام زيارة برلين ذكاء سياسي، وأيضا إلغائه لزيارة باريس شجاعة سياسية، فزيارة مرسي لألمانيا ليست كما صورتها الصحف الألمانية والمصرية من أنها كانت زيارة تسولية استجدائية. كلا، فلو كان الأمر كذلك لكان الأولى منه أن يستجدي من دول الخليج وعلى رأسها السعودية، ولكان كرر زيارته للصين و تركيا أو حتى لذهب إلى البرازيل. وألمانيا لا تعطي أموالا بهذه السهولة التى يتصورها أولئك السذج من الناس، فلتنظر إلى اليونان العضو في الاتحاد الأوروبي، والذي يمر بأزمة اقتصادية احتار في  حلها حاملى أعلى الشهادات وأذكى العقول، وشيبتها ألمانيا حتى تعطيها أموالا.

ألمانيا بلد ديموقراطي يفهم الديموقراطية فهما- إن صح التعبير- سليما، وتطبقها؛ فهي تعطي أموالا لأحد إلا بعد أن يمر هذا الأمر على البرلمان الألماني، وبعد أن تقتله الصحف الألمانية والخبراء الألمان بحثا ثم بعد ذلك يصوت عليه البرلمان بالإيجاب!

 لذا فزيارة مرسي لألمانيا كانت زيارة أقرب للسياسية منها للاقتصادية، لاسيما وأنه قد سبق هذه الزيارة زيارات كثيرة لكبار الاخوان وعلى رأسهم الكتاتني.( قابت منهم عددا في زيارتى للبرلمان الألماني في شهر سبتمر من العام الماضي)، وزيارة مرسي لألمانيا تعنى اعتراف ألمانيا بالاخوان، وتعنى أيضا اعتراف أوروبا بالحكم في مصر، فألمانيا- كأكبر دول الاتحاد الأوربي- دولة متحفظة كثيرا في علاقتها الخارجية. وتتردد كثيرا في عقد صداقات أو قبول زيارات من هنا أو هناك من دون دراسة ومن دون تفحيص. ولولا أن ألمانيا قد رأت من خلال مخابراتها وكذلك سفارتها في مصر من أن قبضة الحكم قد بدأ الاخوان إحكامها لما سمحت بهذه الزيارة، وانظر لما قاله وزير خارجيتها بالأمس، حينما وصف التعاون الحالي مع مصر بأنه مهم جدا لأن مصر بيدها حلولا كثيرة لمسائل هامة ومعقدة، وأنه يجب مساعدة مصر في هذه الظروف، وشدد على أنه لن تنجح التحولات في المنطقة إلا إذا نجحت في مصر.

 أما عن إلغاء زيارته لفرنسا فهي أشد وطئا من قبول زيارة ألمانيا، ولا أقل من أن يوصف هذا القرار بأنه قرار شجاع، فما كان لمبارك أن يقدم على مثل هذا القرار إطلاقا. ثم ألم يكن لك يا عزيزي القارئ أن تتسأل مثلى أليست فرنسا أيضا دولة غنية يمكننا أن نتسول منها كذلك؟!

أرى أن إلغاء مرسي لزيارة فرنسا جاء ردا على تدخل فرنسا السافر في مالى ومهاجمة الاسلاميين هنا، ولو ذهب مرسى لباريس في هذا الوقت لقوبل بهجوم عنيف من مؤيده وكذلك من معارضية.

والله المستعان

محمد شحاتة

الأربعاء، يناير 30، 2013

الربيع العربي في برلين 105



وقبل أن نودع هذا المبنى بقى لي أن أذكر شيئا ربما ليس من الأهمية بمكان أن يذكر هنا، ولكنه أعجبنى وأعجب الكثيرون مثلى فلا داعى أن أغفله: إنه ذلك الأسانسير العجيب الذي لا يتوقف أبدا عن الصعود والنزول، ومن يريد أن يصعد به فعليه أن يقفز فيه بسرعة، وعليه أيضا أن يفعل ذلك إذا أراد النزول، فهو أسانسير من دون باب، وأيضا من دون أرقام للضغط عليها، ورأيته بسيطا وعمليا، ويساعد على ممارسة الرياضة... شاهدنا هذا الأسانسير من قبل عندما زرنا مقر وزارة الخارجية الألمانية، ولما شاهدته اليوم قررت أن أستخدمه فصعدت فيه ونزلت منه عدة مرات!

وخرجنا من الأرشيف لنجد أنفسنا أمام ممر فسيح قطعناه إلى نهايته حتى وصلنا إلى الأتوبيس فركبناه لنذهب به حيث جامعة "هومبولدت"، وبينما فضلت هبة المصرية ومعها كل من مها الأردنية، وأروى التونسية أن يذهبن لمشاهدة متحف يضم محتويات الاشتازي، اعتذر كل من رامز وعبد الله من السيدة كارين جوته فهما لا يرغبان في مشاهدة الفيلم الذي سيعرض في مسرح الجامعة في السابعة والنصف مساء، معللين ذلك بأنهما قد شاهداه من قبل. وحاول رامز التأثير علينا "أحمد مسعد، وأنا" كي نعتذر أيضا عن حضور الفيلم، إلا أننا وجدنا في هذا الاعتذار إحراجا للسيدة كارين جوته، وتقليلا من شأن اختيارها؛ صحيح أنه كما قال رامز، كان ينبغى على معدّي البرنامج أن يشركونا في اختيار الأفلام التى سنشاهدها، حتى لا نجد أنفسنا مجبرين على مشاهدة ما لا نريد، وحتى نضمن أن تخلو هذه الأفلام من المشاهد الجنسية، لا سيما وأن معنا في المجموعة فتيات. ولم أجد فيما ذكره رامز من مبررات كفيل بأن أترك مشاهدة الفيلم، فهم لم يستشيروننا فيما مضى من لقاءات ومحاضرات و زيارات، فكيف لهم أن يشركونا في اختيار هذا الفيلم. وأما بخصوص المشاهد الجنسية؛ فأنا على قناعة تامة بضرورة وجود الرقابة الذاتية، التى بها يغض الإنسان طرفه إذا ما رأى مشهدا غير مقبولا.
وحتى لو كان إصرار رامز على عدم حضور الفيلم سببه الجوع الذي أحل به، فالقائمون على البرنامج لم ينسوا هذا الأمر كذلك، فقدموا لنا بوفيها مفتوحا رصت عليه كثير من الفاكهة والمشروبات وبعض من المخبوزات الخفيفة، حتى أننا لم نكتفي بما أكلناه منها، بل بلغ بنا حد السفالة أن نحمل في حقائبنا ما استطعنا حمله من عصائر وفاكهة.  واستطعنا أخيرا إثناء رامز عن اعتذاره فبقي معنا على غير اختيار، وقبل أن يبدأ الفيلم تقابلنا مع السيدة "شينكل برج" فأعطت كل واحد منا المائتي يورو المتبقية لنا من مصروفات. ثم أطفئت أنوار المسرح إيذانا ببدء عرض الفيلم...

الثلاثاء، يناير 29، 2013

الدكتور مرسي ومرتبه!



"هل قبض مرسي مرتبه هذا الشهر؟" بهذا السؤال استقبلني صاحبي الذي لم ينل قسطا ذا قيمة من التعليم الحكومي، وعلى الرغم من ذلك فهو لديه رأي ورؤية، وقد أصر صاحبي هذا وأخوه الأصغر منه وكذلك أمهما أن يقفوا ثلاثتهم في وجه الأب ليحذروه من انتخاب شفيق؛ فهم يرون فيه إعادة لإنتاج النظام القديم، الذي لم يستطع توفير مسكن مناسب له ولأسرته، أو توفير دواء لازم لأمه، ولم يستطع كذلك توفير وظيفة ملائمة له ولأخيه، مما اضطرهما  للسفر خارج البلاد عامين كاملين ليعودا صفر اليدين!

أكيد مرسي قبض مرتبه هذا الشهر، والأشهر السته الماضية، وأكيد مرسي قبض البدلات كذلك! كان هذا هو جوابي على سؤاله، وكان جوابي هذا بداية لحوار طويل، طال معه السير لأكثر من ساعتين قطعنا فيهما حوالي عشرة كيلو مترات وسط الأراضي الزراعية (سابقا).

-        إذن مرسى أخذ حقه!

-        نعم!

-        ولماذا لم يعطى الناس حقوقها؟

-        التركه ثقيلة!

-        وأيضا مرتبه كبير!

-        هل عليه أن ينفق مرتبه على البلد؟

-        لا، بل عليه أن ينفق من وقته وجهده على إخراج البلد مما فيه!

-        هو يفعل.

-        هل رأيت أي ثمرة لما فعل؟

-        طبعا، فلم يعد هناك حكما عسكريا، وقد تم إقرار الدستور، ثم إننا ننتظر الآن انتخابات برلمانية.

-        بمناسبة الدستور، ألا توجد به مادة تربط المرتب بالإنتاج؟!

-        أجل!

-        إذن هل ستطبق هذه المادة على الرئيس!

-        تقصد أن الرئيس لابد وأن ينتج حتى يتقاضي مرتبه!

-        وإذا طبقت هذه المادة، فهل تظن أن يتقاضي الرئيس مرتبا؟!

حقيقة لقد صدمنى هذا السؤال، وسرت أفكر فيه طويلا، فماذا لو لم ينجز الرئيس شيئا يذكر طوال الشهر، فما مصير مرتبه؟ ومن الذي سيحدد إذا ما كان الرئيس يستحق أن يتقاضى المرتب أم لا؟ وهل هذا الكلام ينطبق أيضا على المساعدين والمستشارين ورئيس الحكومة وأعضائها؟! وقطع تفكيري سؤاله التالى:

-        ما الذي فعله مرسي في موضوع الزبالة، أو في موضوع البناء على الأراضي الزراعية؟

-        موضوع الزبالة موضوع معقد ومتشعب. فالزبالة تحتاج إلى أيدي عاملة، ومعدات خفيفة وثقيلة، وأماكن لتجميعها، ثم آلات لتدويرها. وإذا توفرت كل هذه العوامل، فلا بد وأن يتوفر آخر وأهم عامل وهو الجاز أو البنزين لتحريك هذه المعدات الثقيلة. وكلاهما غير متوفر كما ترى، لذا فلم ولن تجد نظافة. وموضوع البناء على الأراضي الزراعية هو مثل موضوع الزبالة أيضا، فهو يحتاج إلى معدات لإزالة هذه التعديات، والمعدات تحتاج إلى بنزين وجاز وهكذا!

-        أنت تبرر!

-        لا، هذه هي الحقيقة التى لا تقولها الحكومة، ولا يجرؤ أن يقولها الرئيس، ثم هل تعرف ما هو الأخطر من ذلك؟

-        ماذا؟

-        الأخطر من ذلك هو موضوع الأمن، فالنقص الحاد في الدوريات المتحركة على الطرق الرئيسية والسريعة سببه قلة البنزين والجاز، فنصيب سيارة الشرطة اليومي من البنزين لا يتعدي الإثني عشر لترا، وعلى ضباط الشرطة ومعاونيهم مراعاة هذا القدر من البنزين عند ملاحقة المجرمين! فهل يعقل أن يطارد الضباط المجرمين وهم على يقين بأن بنزين سيارتهم لن يكفي؟!

-        وهل يعقل أيضا أن يتقاضي الرئيس وحكومته رواتبهم وسيارات الشرطة ليس بها بنزين يكفي؟!

-        أنت تحمل الرئيس والحكومة ما لا يحتملون، فمشكلة البنزين ليست من صنع الرئيس وحكومته، بل هي نتاج أعوام مظلمه، ونتاج دعم لا يصل لمستحقيه، ونتاج فساد متغلغل في المجتمع.

-        ومن عليه أن يقضى على هذا الفساد أليس الرئيس وحكومته؟

-        نعم، ولكن كل هذا يحتاج لوقت!

-        إذن على الرئيس ألا يتقاضى راتبه قبل أن يقضى على الفساد.

ورأيت أن كلام صاحبي به كثير من المنطقية، فماذا لو اشترطنا على الوزراء ورئيسهم، وكذلك رئيس الدولة ألا يتقاضوا راتبا قبل أن يحققوا أهدافا، وقبل أن يبرزوا أفعالا؟ ماذا لو اشترطنا عليهم أن يدفعوا بمقدار رواتبهم للدولة إذا أخفقوا في حل المشكلات وتحقيق الأهداف؟!

سيدي الرئيس، لتعلم أنك تحكم شعبا يفكر، شعبا لم يعد يرضى بأقل مما يحلم به، شعبا سئم الذل وسئم الخداع، شعبا يقظ، شعبا يحاسب! ولا تنتظر شكرا من أحد!

والله المستعان

محمد شحاتة

الربيع العربي في برلين 104


وانشغلت عن السيد "يان" وعن حديثه عندما اقترب منى ذلك الرجل الطويل الذي يحمل في إحدى يديه ميكروفونا مكتوب عليه "راديو ألمانيا" ويحمل في يده الأخرى مسجلا صغيرا، ثم مال على ليقول: هل تسمح لي أن أجرى معك تسجيلا؟ ومن دون أن أتردد رحبت بالحديث معه، ثم طلبت منه أن ينتظرني للحظات، وذهبت لأحمد مسعد فرجوته أن يأتى ليسجل لي هذا الحوار بكاميرته، ثم تنحينا جانبا فابتعدنا قليلا عن المجموعة، ووقفت أمام الميكروفون لأستقبل من الرجل أسئلته.

في البداية سألنى أن أُعرف نفسى، ثم سألنى بعد ذلك سؤالا توقعته: هل تظن أن الحكومة المصرية سوف تقوم بتحويل مبنى أمن الدولة إلى متحف مثلما فعلت ألمانيا؟

-        لا أظن!

-        ولماذا؟

-        صحيح أن جهاز أمن الدولة عندنا قد تم حله بعد الثورة، وصحيح كذلك أن رئيس هذا الجهاز وكبار مسئوليه مسجونون حاليا، إلا أن الضباط الذين عملوا فيه في السابق هم أنفسهم الذين يديرونه الآن، وأن ما تغير فيه لا يتعدى تغيير في الإسم، من كونه أمن الدولة سابقا، إلى الأمن الوطنى حاليا.

-        هل ترى أن ما فعلته ألمانيا من تحويل هذا المبنى إلى متحف شيء جيد؟

-        إنه ليس شيئا جيدا فحسب؛ بل هو شئ رائع، وكم أتمنى لو نستطيع أن نفعل مثل هذا الأمر في مصر، على الأقل حتى أتمكن من رؤية ملفي، وما قد كتبوه عنى!
وضحك الرجل، ثم استأذن ليتحدث مع أحمد، وسمعت السيد "يان" ينادي كي ننزل معه إلى الأرشيف. ونزلنا عدة طوابق حتى وصلنا فيما يبدو إلى طابق تحت الأرض، ولما فتح الباب وقعت أعيننا على آلاف من الملفات التى لا حصر لها، والتى قد رصت في إحكام شديد داخل دواليب حديدية مرقمة بأرقام تسلسلية، وحذرنا العاملون في الأرشيف من أن نلتقط صورا لهذه الملفات، فبها من الأسرار ما لا ينبغي أن يطلع عليها أحد، ولكن كيف لنا ذلك، ونحن العرب يقتلنا الفضول، ويمزقنا حب الاستطلاع، ولا نستجيب بسهولة لأية تحذيرات، فامتدت أيادي البعض لتفتح الملفات ولتلتقط لها صورا، وسمعت صوتا اهتزت له أرجاء المكان ليندد ويهدد: ممنوع التصوير!
 

الثلاثاء، يناير 22، 2013

الربيع العربي في برلين 103




وأمام باب المبنى القديم ذو اللون الأحمر الباهت استقبلنا السيد "رونالد يان" فرحب بنا ثم قال: اسمحوا لي أن أسطحبكم في هذه الجولة الصغيرة لأعود بكم قليلا حيث الذكريات الأليمة التى عاشها مواطنو ألمانيا الشرقية! ثم قال: تعلمون جميعا أن ألمانيا الشرقية كانت إحدى دول الكتلة الشرقية تحت السيطرة السياسية والعسكرية للاتحاد السوفيتي عن طريق قوات الاحتلال وحلف وارسو. وأحسست أن السيد "يان" أخذ يردد معلومات حفظها من قبل وقام بترديدها على غيرنا مئات المرات، حيث واصل بقوله " في حين كانت تدعى ألمانيا الشرقية دوما أنها دولة ديمقراطية، وكانت هذه الادعاءات كلها محض كذب ومحض وافتراء؛ فالسلطة السياسية كانت تدار من قبل قياديين في المكتب السياسي لحزب الوحدة الاشتراكي الألماني، ولضمان الحفاظ على استمرارية هذه السياسة فقد أنشأوا لذلك جهازا سموه بـ "اشتازي" وهو جهاز سري هائل الحجم، سيطر على كل جوانب الحياة في المجتمع الالماني حينذاك، في مقابل توفير الاحتياجات الأساسية للسكان وبأسعار منخفضة من قبل الدولة! وقد وُصف هذا الجهاز بأنه من أقوى أجهزة المخابرات في العالم التى ارتبط اسمها بالقمع والتنكيل، وعلى مدى عمره الذي امتد إلى تسع وثلاثين عاما، أدار هذا الجهاز رجالا نزعت من قلوبهم الرحمة ومن أفئدتهم الشفقة، فقاموا ببناء السجون التي بلغ عددها سبعة عشر سجنا، اعتقل فيها المئات، ومورس فيها أشكالا متنوعة وأساليبا مختلفة من التعذيب والتنكيل

وهنا قاطعه أحدنا ليسأل:  كم عدد الذين عملوا في هذا الجهاز حتى يكون بهذا الحجم؟
وأجاب الرجل بقوله: " لقد عمل في جهاز اشتازي حوالي خمسة وتسعين ألف شخص، بصفة رسمية، وهناك حوالي175 ألف متعاون، أي أنه كان لكل مائتي شخص مراقب!
وواصل الرجل شرحه بقوله: وعند انهيار جدار برلين في نوفمبر89 أدرك العاملون في شتازي أن نهايتهم قد اقتربت، لذا بدأو في إتلاف الأرشيف وفرم محتوياته. وفي منصف شهر يناير من العام الذي تلاه قام المئات من الشباب الألماني باقتحام  المقر الرئيسى لجهازشتازي، وأغلقوا كل الغرف والخزانات ودواليب الملفات المختلفة بالورق والشمع الأحمر في عمل منظم استغرق منهم وقتا طويلا، ثم عمدوا بعد ذلك إلى تحويل المبنى إلى متحف للزائرين يشاهدون فيه مجانا تاريخ الشرطة السرية والنظام الشرقي. وبعد أن كان ذلك المبنى الذي كان يحتله البوليس السري مشبوها ومخيفا أضحى اليوم المتحف شاهدا حيا على تلك الحقبة. وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين عاما على سقوط ألمانيا الشرقية، وحل جهاز مخابراتها السرى، فمازال هناك اهتماما كبيرا من جانب الألمان وغيرهم لمعرفة الأسرار والخفايا التى مازال البحث عنها جاريا حتى الآن، وقد زار هذا المبنى وأرشيفه الذي سوف نطلعكم عليه بعد قليل أكثر من مائة ألف شخص حتى الآن!

لهم دور... ولكن!




قال لي وهو يركن سيارته الحديثة  التى لم يمض على شرائها سوى أشهر معدودات: إلى متى سنظل نعيش في هذه السلبية؟
-         أي سلبية؟ حاسب ها تخبط في الرصيف!
وأوقف الموتور ثم خرج من السيارة، وسلم على وهو يقول:
-    منذ قليل جاءني شاب، وأخبرني بأنه  سوف يقوم بعمل جراج في هذا المكان الخالي – وأشار بيده ناحية المكان الفسيح الذي يقع خلف المسجد الكبير-  ولو أردت فسنقوم بعمل التخفيض اللازم!
-         وماذا قلت له؟
-         سألته هل لديك ترخيص؟
-         وطبعا ليس معه أي ترخيص!
-    ليست المشكلة في التراخيص، البلد كلها بدون تراخيص، المشكلة أننا لو سكتنا على هذا الموضوع فسنجد أنفسنا محاطيين بكل أنواع العشوائية والبلطجة، ألم تر ذلك الرجل الذي يجمع البلاسيتيكيات والكارتون ويخزنها خلف عمارتنا، ولو أننا وقفنا له بادئ الأمر ما استطاع فعل ذلك.
-         أستأذنك؛ فالإمام قد  أوشك على الانتهاء من صلاة العشاء.
وهرولت مسرعا فلحقت الإمام في ركعته الأخيرة، وبعد أن سلم رأيته وقد أخذ الميكروفون فاستفتح ثم  قال:-
"بالأمس جائتني مجموعة من الشباب يريدون أن يستغلوا المكان الخالي خلف المسجد لعمل جراج للسيارات، فرفضت وقلت لهم إن هذا المكان "مال عام" ولا يجوز لأحد أن يستغله من دون ترخيص من الدولة، فأخذوا يفاوضونني، وبدأو يساومونني، وهموا يجادلوني حتى قلت لهم، أما عن ما يقع خلف المسجد مباشرة فلا سلطان لكم عليه، وما عدا ذلك فأنتم أحرار مع السكان المجاورون للمكان. وهئنذا أعلمكم جميعا أننا لو لم نقف يدا واحدة في وجه هؤلاء الشباب، لنصدهم عن استغلال المال العام ونوقفهم عند حدهم فستنضم هذه المنطقة إلى قائمة العشوائيات التى لم يعد لها عد ولا حصر. ثم خفض الشيخ من حدة صوته وهدأ من انفعاله ليقول: ولكن علينا أن نتحلى بالحكمة والموعظة الحسنة وتلى قول الله  تعالى :- (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

ولم يكد الشيخ أن ينتهي من كلمته حتى وقف أبو أدهم ليصيح: " إلى متى سنظل ساكتين، ألم تشاهدوا ما فعلوه في المناطق المجاورة، لقد أصبحت مثل الملاجئ وأسوأ من العشوائيات، وأنا ذاهب إليهم الآن وبإمكاني وحدي أن أثنيهم عما يفعلون" وتعالت الأصوات داخل المسجد، وهمّ الناس بالخروج خلف أبو أدهم، ولحقت بهم.

كانت عتمة العشاء وسكون الليل قد تجلا على المكان الخالي الفسيح، ورأيت شعلة من النار بجوار قوائم خشبية منصوبة حديثا على أطراف المكان وقد التف الناس من  حولها وتعالت الأصوات.
-         لن نسمح أبدا بجراج في هذا المكان.
-         من أنتم؟
-         نحن سكان المنطقة.
-         وأنا أيضا من سكان المنطقة.
-         هل معك تصريح؟
-         لا، ولكن هناك العشرات من الجراجات من دون تصاريح.
-         لا يخصنا ذلك، ولن نسمح للبلطجية باحتلال المنطقة.
-         لست بلطجي.
-         لا بل أنت بلطجي، من يتعدى على المال العام فهو بلطجي.
-         اتصلوا بالبوليس يا جماعة!
-         ريحوا أنفسكم، مفيش حد ها يجي، هو فيه شرطة في البلد من أساسه!

واختلطت الأصوات، وتعالت الهتافات، وتدخل الجميع، فاشتبكت الأيادي، وخرج النسوة في البلكونات، ثم تبعتهم رجالهم. وانسحبت، فطرقت باب جاري الذي استوقفني قبل الصلاة لأخبرة بما يحدث، ولأعلمه أن الدنيا ما تزال بخير، وأن هناك من هم إيجابيون يقفون في وجة الظلم والعدوان، وأخبرته بأن ذلك ما كان ليحدث لولا تدخل شيخ المسجد. ونظرنا فرأينا أن القوائم الخشبية قد أزيلت وأن الناس قد انفضوا.

هذه قصة حقيقية، أرى أن بطلها الوحيد هو إمام المسجد، فلولاه ما انتفض الناس ليصدو العدوان، ولولاه ما انصرف أولئك المغتصبون عن اغتصابهم، ورحم الله شيخنا الغزالي حينما قال: " إن تكوين الدعاة يعني تكوين الأمة، وأثر الرجل العبقري فيمن حوله كأثر المطر في الأرض، وأثر الشعاع في المكان المتألق، والأمم العظيمة ليست إلا صناعة حسنة لنفر من الأناس المتفوقين".

أقول: إن للدعاة والأئمة والمشيايخ دورا مهما ليس فقط في مجال الدعوة والوعظ والإرشاد، بل إن دورهم يتعدى ذلك بكثير، فهم يقفون ضد الظلم، ويعملون على إنهاء العدوان، وهم قادرون على إحداث التغيير.
نعم... إن للدعاة في المساجد ورجال الدين في الكنائس دورهم وعليهم تفعيله، وعلينا أيضا أن نعطيهم حقهم ولا نبخثه منهم، فمن منا لم يحفظ القرآن على يد واحد من هؤلاء، ومن منا لم يتعرف على دينه وتاريخه من أولئك الدعاة....... ولكن!
 في المقابل عليهم أن يعرفوا ذلك تماما ويفهموه، ويكونوا قدوة لغيرهم، وأن يكونوا دعاة سلام لا دعاة حرب، ودعاة اتفاق لا دعاة اختلاف، وأن يبتعدوا عما ينفر الناس منهم، وصدق الله عندما وصف نبية عليه أفضل السلام بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) صدق الله العظيم