كانت لدينا أفكارا عدة، تداخلت مع آراء كثيرة ، تشعبت عنها حوارات
وجدالات تخللها شد وجذب وقهقهات بصوت عال. وكنت غير راض عن هذا التواجد في الشارع
في هذه الساعة المتأخرة من الليل، وكذلك كنت خائفا لا سيما وأنني طالما سمعت كثيرا
عن أن الألمان لا يطيقون سماع الصوت المرتفع وخصوصا إذا جن عليهم الليل، وأن القوانين في معظم المدن الألمانية
تحظر الاستحمام أو سحب سيفون الحمام بعد الساعة العاشرة ليلاً خشية إزعاج الجيران، فما بالنا وقد تخطينا كل الحدود! وانتظرت قدوم البوليس في أي وقت!
وفي وسط ذلك الضوضاء الملفت للنظر والمزعج للسمع، حتى أن كل من مر
علينا لا يمكنه أن يمر من دون أن يلقي بنظراته علينا مستفهما أو مستغربا أو منزعجا،
في وسط ذلك الضوضاء والشد والجذب والضحك والقهقة جاءت منى، فاكتملت بها المجموعة
ولم يتبقى سوى رامز..
قال أحدنا:- ياجماعة تذكروا أننا سنمثل مصر غدا، وينبغي علينا أن نكون
على قدر المسئولية وأن نقدم شيئا جادا يعكس حضارتنا.
فانخفض الصوت رويدا رويدا سوى من بعض إجابات ترد عليه: "صحيح
والله عندك حق".
كانت هناك اقتراحات عدة مابين أن نكتفي بأداء أغنية لأم كلثوم نشترك
فيها جميعا، أو بتقديم مسرحية قصيرة عن تاريخ مصر عبر العصور، أو بعرض فيلم تسجيلي
قصير عن مصر، أو بعرض مجموعة من الصور عن أشهر الأثار والمعالم السياحية في مصر ومن
ثم نقوم بالتعقيب عليها بالشرح والتوضيح، أو أو .
واقترحت "هبة"
اقتراحا قالته بصوتها الهادئ أجبر الجميع على الانصات:- " لدي فكرة لا تحتاج
منا مجهودا كبيرا ولا تحتاج كثيرا من كلام، فقط تحتاج إلى التركييز"
فرد الجميع في صوت واحد: (
وماهي؟)
قالت هبة: "الفكرة ببساطة هي أن نقوم بتقديم خمسة مشاهد صامتة عن
أكثر الأشياء شهرة في مصر؛ فمثلا نقدم مشهدا عن مصر الفرعونية ، ومشهدا آخر عن
المقاهي المصرية، وهكذا"
واستغرب بعضا منا الفكرة في البداية، وكنت من المتحمسين لها لسببين:
أولهما أنني أريد أن أنتهي من هذا الموقف الليلي الشارعي في أسرع وقت وأقرب فرصة؛
فمازلت أخشى قدوم البوليس. وثانيهما أن الفكرة بسيطة جدا (فهي مثال للسهل الممتنع)
ويستطيع الجميع أدائها بسهولة ويسر، فقط كما قالت هبة نحتاج إلى التركيز..
ولما رأت هبة أن معظمنا قد قبل بالفكرة، وأن البعض قد بدأ يتحمس لها
قامت بدور المخرج، فبدأت في ترتيبنا في صف واحد، وتوزيع الأدوار علينا؛ فهذا يقوم
بتقليد وقفة الفراعنه من تقديم القدم اليسرى قليلا ووضع اليدين متقاطعتين على الصدر،
والآخر يقوم بتقليد مشيتهم والثالث يقوم بتقلد هيئتهم وهكذا..
وجلست سارة أمامنا تراقبنا وتصوب لنا...وبدأنا في تنفيذ المشهد الأول فتعالت
الصيحات وامتزجت بالضحكات والقهقهات، وتخللتها تعليقات وتصويبات. وانتبهنا فجأة
على صوت حريمي صارخ لا ندري من أي الجهات يأتينا. كان الصوت يتوعدنا ويتهددنا ولا
أدري إن كان قد خلى من السب والقذف أم أنه احتواهما كذلك، وساد الصمت المكان،
وزاغت بنا الأبصار وبدأنا نتكلم في همس.
وعاودنا تكرار المشهد، ورويدا رويدا تكررت معه نفس الأصوات العالية الممزوجة بالضحكات والصيحات،
وجاء رامز فشرحنا له ما اتفقنا عليه فرفض الاشتراك معنا، وفي وسط انشغالنا بأداء
المشهد إذا بقنفذ أسود كبير يمر من أمامنا، فانتبهت له إحدى الفتيات؛ فصرخت صرخة كبيرة
ظننت معها أن البوليس قد جاء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق