السبت، نوفمبر 10، 2012

الربيع العربي في برلين 30


جاءت منة جاد ومعها كل من لمياء وأريج وأصروا أن أنزل إليهم بما اشتريت من هدايا حملتها معى من مصر كي نقررماذا نفعل بها، ووسط ذلك الإصرار نزلت حاملا معى كل ما اشتريت وتاركا عبد الرحيم وحده مع الدجاجة!

تحت إضائة خافته لمصباح يتدلى من عمود في الشارع بدوت وكأنى أحد الباعة الجائلين يعرض بضاعته على الرصيف، فأخرجت البرديات المائة ثم الميداليات العشرة والأقلام الإثنى عشر والكتب والسى ديهات ثم الطبقين النحاسيين المنقوش على أحدهما صورة لحتشبسوت وعلى الآخر صورة لتوت عنخ آمون!

لم تترد الفتيات في إبداء إعجابهن بما اشتريت، وعلى الفور أخرجت لمياء من حقيبتها المائة جنيه (سهم كل فرد منا للمشاركة في تكلفة هذه الهدايا) وناولتها لي. وأعجبت أريج كثيرا بإحدى الميداليات وأرادت أن تستأثر بها لنفسها، فأبيت ذلك معللا بأننى لست من أقرر هذا، فما أنا سوى حامل وحارس لهذه الأمانة، فرأيتها وقد غضبت ثم قالت: (خلاص مش دافعة معاكم، ومش عاوزه حاجة).

سقطت الدنيا فوق رأسى، واختفى ضوء المصباح من أمام عيني، وانفجرت مشاهد الزحام الشديد في شوارع القاهرة في ذلك اليوم الشديد الحر تتوالى خلف عينى، وتذكرت يوم أن اختلق كل واحد عذرا فلم يأت كي يحمل عنى أو حتى يشاركنى رأيي، وقبلت تحمل تلك الأمانة راضيا ومتفهما ثم جاهلا بعواقبها وغير عابئ بما جاء من تحذير إلاهي لمن يقدم على حملها وتذكرت قوله تعالى :- ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) فما أجهلنى!

مقصودنا من هذه الهدايا كان أن نحمل حضارتنا إلى الآخرين على قدر ما نستطيعه من إمكانيات، منطلقين من شعور لدينا بثقل حضارتنا العريقة التى نريد أن نحملها بأياد بيضاء للغرب حتى لا نكون اليد السفلى التى تتلقي دوما من دون رد. مقصودنا من هذه الهدايا كان أن نعطي قبل أن نأخذ، وأن نشارك بدلا من أن نكتفي بطأطأة الرؤوس! لقد أردنا أن نُؤْثِر على أن أنفسنا بدلا من أن نستأثر لها ، ويبدو أن ذلك المقصود وتلك الإرادة لم تصل للبعض، فكان منا جاد ومنا من هو غير جاد!

وانتبهت على صوت ينادي من بلكونة في الطابق الثالث ( إنتو بتعملوا إيه؟) وكان الصوت لرامز، فطلبت منه أن ينزل كي يحمل معى الهدايا حتى نعيدها سيرتها الأولى! وكان عبد الرحيم قد انتهى من طهى الدجاجة على الطريقة المغربية ، فانقضضنا عليها نمزقها بأيدينا وسكاكينا وما هي سوى دقائق معدودات حتى صارت الدجاجة المسكينة بقايا من عظام ألقيناها في صندوق القمامة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق