مطبات بلا نهاية
تحقيق / محمد
شحاتة
جمعني معه آخر
مقعد في المكروباص، ولم يمض كثيرا من الوقت حتى التفت إلى وسألني:
يبدوا أنك غريب،
أليس كذلك؟ قلت له: نعم، فأنا ذاهب إلى قرية تسمى "دلهموا مركز
أشمون" لأداء واجب العزاء في وفاة والد أحد أصدقائي المقربين. قال لي
:وكيف كان
الطريق؟ قلت له: الحمد لله، فقد عبرت حتى الآن مائه وثلاثة وثمانين مطبا صناعيا،
ناهيك عن المطبات الطبيعية التي لا حصر لها ولا عدد. ومررت كذلك
بأكثر من ثلاثمائة كومة قمامة، نصفها ينبعث منه الدخان، والنصف الآخر تفوح منه
جميع الروائح العفنة والكريهة، ومعظمها موجود بجوار هذه المطبات، والتي لم تكد
تنتهي من استنشاق أحدها حتى تصل إلى الأخرى في حلقات لانهاية لها ولا آخر .قال لي-
بعدما ضحك ضحكة فهمت أنها تنتمي إلى ذلك النوع من أنواع شر البلية
مايضحك-: "دعني أؤكد كلامك، فقد كرهت المرور والسفر من هذا الطريق ولكنها
دوامة أكل العيش"، ثم استطرد قائلا: "أسافر كل يوم إلى مدينة القاهرة فأنا
أعمل فراشا في إحدي الشركات وأقطع هذه المسافة ذهابا في ساعتين أما في العودة
فأقطعها في ثلاث ساعات ونصف، والسبب الرئيسي لهذا التأخير هو هذه المطبات
الصناعية" ثم واصل الحديث بقوله " ومنذ شهرين أحسست بألم شديد في ظهري فذهبت إلى
الطبيب، وأخبرني بأن عندي غدروف ولابد وأن ألزم الفراش. فسألته عن سبب ذلك فقال :
جلوسك لساعات طويله في المواصلات هو السبب، وأخبرني بأن المطبات الصناعية ربما
تكون أيضا أحد الأسباب". وهنا تدخلت امرأه في سن الأربعين أو يزيد بدا من
طريقة كلامها أنها نالت نصيبا من التعليم قائلة " حسبى الله ونعم الوكيل في اللي
اخترعوا المطبات دي، بسببها سقط حملى الأولاني" ولم تكد المرأة تكمل حديثها حتى
توقف الميكروباص فجأه وسمعنا صراخا وعويلا فنظرت من النافذه فإذا بي أرى
طفلا ملقيا على الأرض غارقا في دمائه، وقد قام أحدهم بحمله بسرعة واستقل متوسكلا
(دراجه بخاريه) ثم طار.
ووقف النسوه يولولن وجاء الرجال مزعورين، ووقف
الطريق، ثم تعالت الأصوات وألقى أهل الطفل
باللوم على السائق وأي سائق... وبرأ سائق سيارتنا السائق الذي صدم الطفل بقوله :
" يعني هو ذنبه إيه مش أهل الطفل دا هم السبب اللي سايبنه يلعب كدا في الشارع
من غير مراقبة؟"
انفض الناس،
وواصلنا السفر، ثم ذهبت إلى العزاء وفي طريق العودة جاء جلوسي بجوار السائق، وعند اقترابنا إلى مكان الحادث الذي صُدم فيه الطفل، توقف السائق فجأة، فوجدت أن
أهل الطفل الذي صدمته السيارة قاموا بعمل مطب صناعى، وهنا قال السائق ساخطا
" يعني من قلة المطبات اللي في الطريق! " فقلت له " بس الناس عندها حق فيه
حوادث كتيرة بتحصل لأنكو بتمشوا بسرعة" فأجاب:"يابيه مفيش إشارات مرور، والناس
بتعدي الطريق من غير ما تبص، وبعدين ما فيش كمان إضاءة كويسة في الشوارع
".
أنزلني السائق بجوار أحد
المطبات الصناعية حيث كان في انتظاري أحد أصدقائي بسيارته لزيارة
صديق مشترك، وبينما نحن نسير سألته عن رأيه في هذه المطبات الصناعية، فأجابني بقوله:- " والله المطبات
دي ليها فوايد زي ما ليها برده عيوب" قلت
له كيف؟ قال:- " نبتدي أولا بالعيوب ومن أهمها إن بعض المطبات الصناعية مرتفعة
بصورة مبالغ فيها مما يصعب مرور السيارات الملاكي عليها دون تعرضها
للاحتكاك، وخصوصا إذا كانت زي سيارتي هذه." قلت له هذا عن العيوب فماذا عن المميزات؟
فأجاب " لا شك من أن المطبات الصناعية تحقق الهدف الذي أنشئت من أجله وهو تخفيف
السرعة الجنونيه للسيارات تجنبا لدهس الأطفال والكبار".
وبالأمس اصطحبني
بسيارته أستاذي الدكتور توفيق برج أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة
الألمانية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، لحضور أحد المؤتمرات وفي الطريق أخبرته
بأنني أقوم بعمل تحقيق عن المطبات الصناعية في مصر فما كان منه إلا أن قال
لي:-" أولا أريد أن أصحح لك معلومة وهي أن هذه المطبات ليست مطبات بل هي مقبات فهي
عبارة عن قباب صغيرة أما المطب فهو الحفرة الصغيرة التى تقطع الشارع
عرضا" ثم قال " انت تعرف لو انت في ألمانيا وعربيتك حصلها حاجة من مطب وما كانشي فيه
لافته تشير على وجوده تتحمل البلدية كل التصليحات وتأخذ تعويض"
هذا وتعمل
محافظة المنوفية بقيادة المحافظ المستشار/ أشرف هلال على إزالة جميع المطبات
العشوائية التى أقامها الأهالي والغير مطابقة للمواصفات أو الموجوده في أماكن لا ضرورة
لوجودها، لإيجاد سيولة مرورية وعدم إعطاء فرصة لتكدس السيارات أمام المطبات
العشوائية التي تتسبب في اعطال عديدة للمركبات.
يذكر أنه من
خلال دراسات مركز البحوث الفنية بالإدارة المرورية تبين أنه من15%
الي20% من الحوادث داخل المدن تعود أسبابها الي وجود مطبات عشوائية بالاضافة الي
بعض العيوب الفنية التي من شأنها أن تكون سببا في وقوع هذه النسبة من الحوادث.
الخبراء في
هندسة الطرق والمرور يضعون رؤيتهم وتصورهم وهو ما يعبر عنه د.أسامة عقيل
أستاذ الطرق والمرور والمطارات بكلية الهندسة جامعة عين شمس، حيث يشير إلى
أنه حتى الآن لم تصدر مواصفات محددة خاصة بالمطب الصناعي في مصر، فلا توجد
مواصفات ثابتة يقرها الكود المصري، فكل هيئة تضع لنفسها مواصفات تستخدمها بحرية
مطلقة، في حين أنه من الضروري توحيد نظم تهدئة السرعة، وأن تكون هناك قواعد
متفق عليها تتبع جميعها الكود المصري للطرق؛ فعلي الرغم من أن طبيعة المكان
تتحكم في مواصفات المطب، فالمطبات الصناعية أمام محطات الرسوم على سبيل المثال
يجب أن تكون بشكل معين، بحيث تتوقف السيارة تماما في حين أن المطبات في
أماكن آخرى يكون الهدف منها تهدئة السرعة، وهي أيضا تتباين في طريق سرعته60 كيلو
مترا في الساعة، أو طريق آخر لا تتجاوز السرعة فيه 40 كيلو مترا في الساعة،
فعلي الرغم من ذلك كله إلا أن وجود مواصفات محددة أمر لا غني عنه على ألا
تقتصر عملية إقامة مطب في الحصول على موافقة المحليات فقط، فالمطلوب دراسة
كل من يتقدم بطلب إقامة مطب صناعي، بحيث يتم دراسة وبحث البدائل وإصلاح
التقاطعات إن لم يكن اللجوء إلى المطب هو الحل، لذلك فيجب إنشاء لجنة فنية وليست
إدارية في المحافظة لاعتماد طلبات إقامة المطبات الصناعية وتكون تابعة لهندسة
المرور في المحافظة؛ بحيث يتسم الأمر بالمركزية على أن يكون هناك سجل خاص بجميع
المطبات في المحافظة، ويتم الإبقاء على المطبات المرخص لها فقط، وإزالة
المطبات الأخرى غير الحاصلة علي تراخيص؛ لأن الوضع الحالي نتج عنه وجود نسبة
لا يستهان بها من المطبات العشوائية في المحافظات. ومن ناحية أخرى، فنحن نرى ـ والكلام لايزال علي
لسان د. أسامة عقيل أن إزالة جميع
المطبات يرفع درجة الخطورة على الطرق في بعض المواقع وخاصة تلك التي توجد بها
تقاطعات حرة؛ لذلك فإن الإزالة لابد أن يعقبها وضع أسس وقواعد لاستخدام مهدئات
السرعة التي تتناسب مع نوعيات التقاطعات والسرعات ومصادر الخطورة، وهناك
أمثلة عديدة لمهدئات السرعة منها علي سبيل المثال تضييق الشوارع أو وضع
انحناءات بها. وكذلك فهناك تباين في أنواع المطبات نفسها فمن الممكن أن تكون
بأحد المطبات خشونة في السطح بحيث ينتبه قائد المركبة الي دخوله الي منطقة خطرة
أو وجود دهانات في الأرض ذات الوان زاهية لأداء نفس الغرض بهدف تهدئة السرعة.
ولا يفوتني هنا
أن أذكر أنني أثناء بحثي في محرك البحث الشهير "جوجل" عن المطبات
وأنواعها، وجدت أن هناك شخصا يدعى " خالد خليفة" عبر بطريقة أقرب إلى السخرية عن
المطبات المصرية وأنواعها وذكر أكثر من خمسة عشر نوعا أهمها ما يلي:-
المطب الحاد
الخبيث:
وهو عبارة عن
مطب صغير ورفيع وارتفاعه قليل كحد الشفرة عندما تعبره ببطء يجعل السيارة ترتج
وترزع فى الأرض وواهم الذي يظنه هيّن وهو آثم خبيث قصير مكير و يصنع غالبا من
الأسفلت أو الخرسانة وهى أشد أنواعه إيذاءا وتمثيلا بجثة السيارة.
المطب
الحاد الهرمى
وهو مطب غليظ
عريض القاعدة وحاد القمة ما أن تعبره السيارة حتى يلتهم بطنها ويكاد يسحل
الأحشاء وقد تتعلق به السيارة كأنها الأرجوحة! يصنع غالبا من الطين والحجارة أو
الأسمنت والحجارة والدبش.
المطب
الجبل:
وهو مطب يتصدر
الطريق كجبل شامخ وينتشر جدا بالريف وهو مصنوع من تركيبه فريدة جهنمية عبارة عن
خليط من مخلفات الحظائر مخلوطه بالحجارة والزلط والدبش ومخلفات الهدد ويتم
بفرشه من روث البهائم ثم رص قطع الطوب والحجارة وتغطيتها بالطين وقد تصعده السيارة
بسهولة ولكنها قد تتعلق فوقه!
المطب الفخ:
وهو عباره عن
كومة من القش تعلو السطح التراب الجاف تحتها وتحته مجموعة من القذائف الزلطية
والدبشية تراه من بعيد هشا بلا معنى وعند عبوره تنطلق القذائق كالطلقات
الصاروخية الفتّاكة.
المطب الخازوق:
وهو يصنع عادة
من الطين والحجارة الصلدة وتجده منخفض من جوانبه ومرتفع للغاية من المنتصف بقمة
تكاد تكون حادة متخذا الشكل الهرمى ومن يعبره من المنتصف حدث ولا حرج.
المطب
الحديدى:
وهو مطب عيون
القط التى صنعت خصيصا للفصل بين الحارات طوليا فقمنا بوضعها عرضيا صفوف تلو الأخرى
لتربية إطارات السيارة الجامحة ودغدغة عفشتها.
المطب
الجزئى:
وهو مرتفع
أسفلتى بجانب الطريق أو بوسطه تم عمله كرقعة لحفرة أو قطع أو تآكل وأصبح جزء مرتفع
مستقل
المطب
الجهنمى:
وهو أشد أنواع
المطبات فتكا وأكثرها دهاءا لأنه فى الغالب لا يرى على الإطلاق إلا والسيارة
تتمزق فوقه ويتم عمله ككمين وينتشر فى الطرق المظلمه وفى أماكن غريبة (ليست
مداخل أو مخارج أو منطقة سكنيه ولكن فى منطقة جرداء لا يعبرها أحد(
المطب المصيدة:
وهو ليس مطب
بالمعنى المتعارف عليه ولكنه إما حفرة لسبب ما أو تفتيش مجارى منزوع الغطاء.
المطب
الكلابش:
وهو مطب حديدى
يسمح بالمرور فى اتجاه واحد وإذا عبر من الإتجاه الآخر تجد قطعة من الحديد ذات
مفصلة ترتد واقفه وتكلبش السيارة ولم ينجح فى عبوره إلا التوكتوك الملعون!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق