الثلاثاء، يناير 22، 2013

لهم دور... ولكن!




قال لي وهو يركن سيارته الحديثة  التى لم يمض على شرائها سوى أشهر معدودات: إلى متى سنظل نعيش في هذه السلبية؟
-         أي سلبية؟ حاسب ها تخبط في الرصيف!
وأوقف الموتور ثم خرج من السيارة، وسلم على وهو يقول:
-    منذ قليل جاءني شاب، وأخبرني بأنه  سوف يقوم بعمل جراج في هذا المكان الخالي – وأشار بيده ناحية المكان الفسيح الذي يقع خلف المسجد الكبير-  ولو أردت فسنقوم بعمل التخفيض اللازم!
-         وماذا قلت له؟
-         سألته هل لديك ترخيص؟
-         وطبعا ليس معه أي ترخيص!
-    ليست المشكلة في التراخيص، البلد كلها بدون تراخيص، المشكلة أننا لو سكتنا على هذا الموضوع فسنجد أنفسنا محاطيين بكل أنواع العشوائية والبلطجة، ألم تر ذلك الرجل الذي يجمع البلاسيتيكيات والكارتون ويخزنها خلف عمارتنا، ولو أننا وقفنا له بادئ الأمر ما استطاع فعل ذلك.
-         أستأذنك؛ فالإمام قد  أوشك على الانتهاء من صلاة العشاء.
وهرولت مسرعا فلحقت الإمام في ركعته الأخيرة، وبعد أن سلم رأيته وقد أخذ الميكروفون فاستفتح ثم  قال:-
"بالأمس جائتني مجموعة من الشباب يريدون أن يستغلوا المكان الخالي خلف المسجد لعمل جراج للسيارات، فرفضت وقلت لهم إن هذا المكان "مال عام" ولا يجوز لأحد أن يستغله من دون ترخيص من الدولة، فأخذوا يفاوضونني، وبدأو يساومونني، وهموا يجادلوني حتى قلت لهم، أما عن ما يقع خلف المسجد مباشرة فلا سلطان لكم عليه، وما عدا ذلك فأنتم أحرار مع السكان المجاورون للمكان. وهئنذا أعلمكم جميعا أننا لو لم نقف يدا واحدة في وجه هؤلاء الشباب، لنصدهم عن استغلال المال العام ونوقفهم عند حدهم فستنضم هذه المنطقة إلى قائمة العشوائيات التى لم يعد لها عد ولا حصر. ثم خفض الشيخ من حدة صوته وهدأ من انفعاله ليقول: ولكن علينا أن نتحلى بالحكمة والموعظة الحسنة وتلى قول الله  تعالى :- (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

ولم يكد الشيخ أن ينتهي من كلمته حتى وقف أبو أدهم ليصيح: " إلى متى سنظل ساكتين، ألم تشاهدوا ما فعلوه في المناطق المجاورة، لقد أصبحت مثل الملاجئ وأسوأ من العشوائيات، وأنا ذاهب إليهم الآن وبإمكاني وحدي أن أثنيهم عما يفعلون" وتعالت الأصوات داخل المسجد، وهمّ الناس بالخروج خلف أبو أدهم، ولحقت بهم.

كانت عتمة العشاء وسكون الليل قد تجلا على المكان الخالي الفسيح، ورأيت شعلة من النار بجوار قوائم خشبية منصوبة حديثا على أطراف المكان وقد التف الناس من  حولها وتعالت الأصوات.
-         لن نسمح أبدا بجراج في هذا المكان.
-         من أنتم؟
-         نحن سكان المنطقة.
-         وأنا أيضا من سكان المنطقة.
-         هل معك تصريح؟
-         لا، ولكن هناك العشرات من الجراجات من دون تصاريح.
-         لا يخصنا ذلك، ولن نسمح للبلطجية باحتلال المنطقة.
-         لست بلطجي.
-         لا بل أنت بلطجي، من يتعدى على المال العام فهو بلطجي.
-         اتصلوا بالبوليس يا جماعة!
-         ريحوا أنفسكم، مفيش حد ها يجي، هو فيه شرطة في البلد من أساسه!

واختلطت الأصوات، وتعالت الهتافات، وتدخل الجميع، فاشتبكت الأيادي، وخرج النسوة في البلكونات، ثم تبعتهم رجالهم. وانسحبت، فطرقت باب جاري الذي استوقفني قبل الصلاة لأخبرة بما يحدث، ولأعلمه أن الدنيا ما تزال بخير، وأن هناك من هم إيجابيون يقفون في وجة الظلم والعدوان، وأخبرته بأن ذلك ما كان ليحدث لولا تدخل شيخ المسجد. ونظرنا فرأينا أن القوائم الخشبية قد أزيلت وأن الناس قد انفضوا.

هذه قصة حقيقية، أرى أن بطلها الوحيد هو إمام المسجد، فلولاه ما انتفض الناس ليصدو العدوان، ولولاه ما انصرف أولئك المغتصبون عن اغتصابهم، ورحم الله شيخنا الغزالي حينما قال: " إن تكوين الدعاة يعني تكوين الأمة، وأثر الرجل العبقري فيمن حوله كأثر المطر في الأرض، وأثر الشعاع في المكان المتألق، والأمم العظيمة ليست إلا صناعة حسنة لنفر من الأناس المتفوقين".

أقول: إن للدعاة والأئمة والمشيايخ دورا مهما ليس فقط في مجال الدعوة والوعظ والإرشاد، بل إن دورهم يتعدى ذلك بكثير، فهم يقفون ضد الظلم، ويعملون على إنهاء العدوان، وهم قادرون على إحداث التغيير.
نعم... إن للدعاة في المساجد ورجال الدين في الكنائس دورهم وعليهم تفعيله، وعلينا أيضا أن نعطيهم حقهم ولا نبخثه منهم، فمن منا لم يحفظ القرآن على يد واحد من هؤلاء، ومن منا لم يتعرف على دينه وتاريخه من أولئك الدعاة....... ولكن!
 في المقابل عليهم أن يعرفوا ذلك تماما ويفهموه، ويكونوا قدوة لغيرهم، وأن يكونوا دعاة سلام لا دعاة حرب، ودعاة اتفاق لا دعاة اختلاف، وأن يبتعدوا عما ينفر الناس منهم، وصدق الله عندما وصف نبية عليه أفضل السلام بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) صدق الله العظيم










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق