رميت بنفسى فوق السرير، حتى أني لم تعد لدي طاقة كي أبدل
بها ملابسى، ولا حتى أن أسحب بها ستارة النافذة كى تحجب عن عينى ضوء النهار الذي
ما يزال يملأ غرفتى، ولم أدر بشئ، فذهبت في نوم عميق خلى من الأحلام والكوابيس،
حتى استيقظت على صوت هاتفى، فكان عبد الله الأردنى يسألنى ماذا سأفعل في المساء؟
فقلت له أي مساء؟ فأخبرني بأن الساعة لم تتعد العاشرة بعد! وخرجت فإذا بي
أرى أحمد، ورامز، وعبد الرحيم، وسفيان، وعلاء الفلسطيني يجلسون في الصالة!
جلست معهم حتى جاء عبد الله، فغنى لنا بصوته الشجي
بعض الأغاني المصرية التى أشعلت في صدورنا شوقا وحنينا إلى الوطن. ما معنى الشوق
وما معنى الحنين؟! وهل حقا نريد أن نعود إلى مصر؟!
قال علاء الفلسطينى سأحكى لكم قصة اقتحام مدينة
نابلس، فهل ترغبون في سماع القصة؟ ووافقنا على الرغم من أن معظمنا يعرف مأساة الفلسطينيين
ومعاناتهم، وقام أحدنا بإغلاق التلفاز، واعتدل الآخرون في جلستهم، استعدادا للإنصات، واحتراما لما سيقوله علاء الذي أخذ نفسا عميقا وبدأ يقول:
"كان صيف العام 2002 وكنت قد أشرفت على
إعداد حقيبة سفرى متوجها بعد أيام قليلة إلى مدينة صغيرة في كوريا الجنوبية تسمى "بوزان"،
وتقع على البحر الأصفر، حيث سيعقد فيها مؤتمرا للعمل التطوعي
العالمي، وقد قمت بحجز مبدئي على متن الخطوط الجوية الصينية، التى تنظم رحلات مباشرة
الى "بوزان"، وكنت سعيدا جدا بعد أن اكتملت جميع ترتيباتي بوصول تذكرة
السفر إلى يدي، وبينما نحن نائمون في ليلة هادئة ساكنة، إذا بالأرض تهتز من تحتى،
فحسبتها هزة أرضية، فخرجت مهرولا إلى الشرفة كي أشاهد ما حدث، ويا لهول ما رأيت، مئات الدبابات الاسرائيلية على قمم الجبال المحيطة بنابلس تنزل مسرعة إلى
المدينة، ومنذرة بهجوم شرس، في ليلة ليلاء. وماهي سوى لحظات حتى اقتحمت الدبابات شوارعنا
وبيوتنا، وبعد مقاومة فلسطينية بائسة استشهد فيها العشرات، رأينا قوات الاحتلال وقد
دخلت حتى غرف نومنا! "
وتوقف علاء عن الكلام فجأة، فكأنما تذكر شيئا، إلا أن نبرة صوته تغيرت عندما قال: " كان الإسرائيليون يطلقون الرصاص على كل شئ يتحرك،
حتى أن كثيرا من القطط والكلاب لم تنج من بطشهم. وأصيب أخى ذو الأربعة عشر خريفا في رقبته، واحتجنا
إلي سيارة أسعاف كي تنقذه فمنعوها عنا. كان الوضع خطيرا جدا، وكنت بين نارين؛ نار أخي
الذي ينزف الدم من رقبته، وهو بحاجة ماسة إلى إسعاف طبي تمنعه عنا قوات الاحتلال
بدم بارد، ونار مقاومة ذلك الاحتلال الغاشم حتى يعود من حيث أتى! وبعد كر وفر
ومحاولات من هنا وهناك، اجتمع الكثير من الأهالي مع بعض من المتطوعين الأوروبيين
الذين جاءوا تضامنا معنا أمام الأسلحة الإسرائيلية بعد أن تركنا العرب بمفردنا. ونجحنا
أخيرا في نقل أخى إلى سيارة إسعاف لم تسلم هي أيضا من قناصة جيش الاحتلال، كما أصيب
جار لنا في ساقه، وأخذ الجنود يطلبون من الأهالي تسليم كل الذكور من سن 16 حتى سن
45، وشاهدت كيف خرج العشرات من أهالي المدينة رافعين أيديهم مستسلمين أمام جنود
الاحتلال، ساعتها كنت في قمة نقمتي، ولكن ما باليد حيلة وما عساي أن أفعل! ورفضت مبدأ
الاستسلام رفضا قاطعا، فقررت الهرب، على الرغم من يقنيى بخطورة ذلك فلو اكتشف
الجنود أمرى وأمسكوا بي فحتما ستكون نهايتى! "
رفقا سيأتي يوم يطمعون من صبرنا صبارا
ردحذف