وبلهفة الملتاع وبشوق العاشق تسابقنا حتى وصلنا إلى مطعم
"مصطفى كباب" لتستمتع أنوفنا برائحة الشواء الذكية التى تنبعث من
الشاورمة التى تغازلها النيران، وطلب كل واحد منا ساندوتشا كبير الحجم أكلناه
فامتلات به بطوننا، وتغير مزاج خالد للأفضل، وشعرت برغبة شديدة في النوم، ولكن كيف
وأين؟! وجائتنى فكرة عبقرية، فسأركب الترام وأنام فيه!
وذهبت لأقرب محطة للترام، وما أن توقف حتى رميت بنفسي
على أقرب كرسي من الباب، وأغمضت عيني لأستيقظ على صوت هاتفي يعلمنى بأن عبد الرحيم
يريد محادثتي، ووجدتنى وحدي وقد توقف الترام، فنزلت منه وركبت ما تلاه عائدا به
حيث كنت، وفي طريق العودة رأيتهم وقد انضم إليهم كل من أحمد وعبد الله وأريج فنزلت
لأخبرهم بأن عبد الرحيم سينتطرنا أمام برج برلين.
استهوتنى كثيرا فكرة التجول بالترام، ولم لا وقد أعطيت
لي تذكرة تصلح لجميع وسائل النقل العامة في برلين، أستخدمها متى شئت!
وعند البرج التقينا بعبد الرحيم ثم بأطفال - لم يتجاوزوا
سن العاشرة - استأذنوا أن يلتقطوا معنا صورة، معللين ذلك بأنه يعد جزءا من نشاط
أمرهم به معلمهم ليختبر مدى قدرتهم التفاعلية مع الآخرين، لا سيما الأجانب منهم!
وأعجبنى هذا النشاط كثيرا، وتمنيت أن لو يحدث مثله في بلدي، حتى نجد أمامنا أجيالا
تجيد التفاعل مع الآخرين.
ورأت المجموعة أن نذهب سويا إلى مبنى تجاري كبير، فهم
بحاجة إلى التسوق، ولم تكن لدي تلك الرغبة في التسوق، لأنه بلاشك سيحتاج منى إلى
مزيد من المشي الذي سيؤدي بي حتما إلى التعب والإرهاق، وفضلت تكرار تجربة الترام،
ولتكن وجهتي هذه المرة إلى جهة مختلفة!
وأخذت أبحث عن ترام مختلفة وجهته، ولما وجدته ركبت فيه
من دون أن أنام، ثم أخذت أتأمل البيوت على جانبي الطريق، مستمتعا بألوانها الهادئة
المتناسقة، وكأن فنانا واحدا هو من قام برسمها ، أو أن مجموعة من الفنانيين وصل
بينهم حد التفاهم أقصاه ليجتمعوا فيرسموا تلك اللوحات المتجانسة! وأخذت أطرد كل
فكرة تريد منى أن أعقد مقارنة بين ما أراه وبين ما تركته في بلدي!
ولما وصل بي الترام محطته الأخيرة سمعت سائقه ينادي:-
"المحطة الأخيرة، الرجاء مغادرة القطار" ثم عاد مستخدما اللغة
الإنجليزية ليكرر ما قال ويؤكده. ولم أرى سببا مقنعا يجعلنى أغادرعربة القطار،
فسيعود حتما وسأعود معه، ولا حاجة إذن لصعودي ونزولى، وبقيت في مكاني. وما هي إلا
ثوان معدودات حتى رأيت السائق بوجه صارم وعينان جاحظتان يصعد إلى العربة التى أجلس
فيها، ولم تتجاوزقدماه فتحة الباب حتى ارتفع صوته موجها كلامه نحوي قائلا: "
مساء الخير" ومن دون أن ينتظر ردي على تحيته بادرني بسؤاله: " هل تفهم
اللغة الألمانية؟" ولم ينتظر كذلك حتى يسمع إجابتى وواصل أسئلته: " هل
تفهم الانجليزية؟" فأجبته مسرعا على أمل أن يسمع مني إجابتى :نعم، أعرف
الألمانية، وكذلك الإنجليزية. فقال: إذن عندما تسمعنى أنادي " المحطة
الأخيرة، الرجاء مغادرة القطار" فهذا يعنى أن عليك مغادرة القطار فورا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق