الاثنين، يناير 07، 2013

الربيع العربي في برلين 87



وشاهدت كيف خرج العشرات من أهالي المدينة رافعين أيديهم مستسلمين أمام جنود الاحتلال، ساعتها كنت في قمة نقمتي، ولكن ما باليد حيلة وما عساي أن أفعل! ورفضت مبدأ الاستسلام رفضا قاطعا، فقررت الهرب، على الرغم من يقينى بخطورة ذلك، فلو اكتشف الجنود أمرى وأمسكوا بي فحتما ستكون نهايتى!

وبصوت واحد سألناه جميعا أن يواصل حكايته، فأشار إلينا بيده أن اصبروا، ثم نظر إلى الأرض، وهز رأسه، وأخذ يقول: "وبصعوبة بالغة نحجت في الهرب خارج المدينة، فلجأت إلى المزارع الكثيرة الموجودة على أطرافها، وفي القرى المجاورة لها، وظللت أنتقل من مكان لآخر هاربا من مصيرى، وذاهبا إلى قدرى. وسرت طويلا حتى تمزق حذائي، واتسخت ملابس، وطالت لحيتى، ولم يكن معي نقودا أشترى بها حذاء جديدا يقى قدماى من الجروح التى أصابتهما، ودارت بي الدنيا دورتها، فلجأت إلى مقهى أحتسى عنده الشاي، ومر أمام عينى شريط الأحداث على مدار أسبوع كامل، فأخذت ألعن حظي العاثر، الذي لم يكتفي بضياع فرصة سفري إلى كوريا الجنوبية، والتى كان من المفترض أن تكون بالأمس، بل أصر على ضياعي أنا نفسي، وضياع بلدتى، وأخذت أفكر في أخى المصاب. ترى ماذا حدث له!"

 كان علاء يتحدث والدمع يكاد يذرف من عينيه، وكنا متأثرين كذلك بما يقول، وكنا أيضا نتعجله في سماع نهاية القصة، فكنا نلاحقة بقولنا هيه وبعدين، وكان دائما ما يرد علينا بقوله اصبروا، ثم واصل حكايته حتى قال:" وصرت أقارن بين الواقع الذي أنا فيه: حيث جلوسى على مقهى بسيط، بملابس يملؤها الغبار والتراب، وحذاء ممزق، وجسد منهك، وهارب من جنود الاحتلال، وبين ما كان يجب أن يكون: حيث مدينة "بوزان" الجميلة الواقعة على البحر الأصفر، وذلك الفندق ذو الأربعة نجوم، والمؤتمر الذي سيحضره العلماء والمفكرون وكذلك المتطوعون من جميع أنحاء العالم! وحمدت الله راضيا بما حدث، وكنت على يقين من أن الله لن يخذلنى وأنه يدخر لي الأفضل. وما أن انهيت من شرب الشاي، وهممت أن أتخذ طريقا لا أعرف نهايته، وقعت عيناي على ذلك التلفاز الصغير المعلق على إحدى حوائط المقهى، وقرأت خبرا على الشريط الذي يمر أسفل الشاشة جعلني أتسمر في مكاني، ثم من دون أن أدري وجدتنى أصرخ بصوت عال انتبه إليه جميع الحاضرون: الحمد لله، الحمد الله يارب!"

 كان الخبر يقول : "تحطم الطائرة الصينية المتجهة الى مدينة "بوزان" ومصرع جميع ركابها"، ثم عرض التلفاز صورا لتلك الطائرة وقد تحطمت!  وظللت أحمد الله على أن نجاني، فقد كان من المفترض أن أكون على متنها، وبالرغم من كل ما حدث لى فقد عاد الأمل إلى من جديد، وأدركت ساعتها  أن الموت أبدا لا يرتبط بمكان ولا بزمان، وأدركت كذلك بأن موعد عودتى إلى بيتى وأهلى قد حان!"

" وحين دخلت المدينة أصابنى الذهول من حجم الخراب والدمار؛ فنابلس الغناء، المليئة جوانبها بالحدائق الخضراء، والتي أطلق عليها ابن بطوطة دمشق الصغرى! ما هذا؟ دمار في كل مكان، وغبار الهدم يزكم الأنفاس، ورأيت الناس منهمكون في محاولة منهم لإزالة ما خلفته أيادي العدوان، وكأنهم في سباق مع الزمن، وكأنه الصراع بين الحياة والموت، وأسرعت نحو بيتي، فعرفت أن أخي قد زال عنه الخطر، ووجدتهم وقد اعتقلوا شقيقي الآخر!"

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق