الأحد، يناير 20، 2013

باسم يوسف أمل مصر



 
في إحدى مناقشاتى التى جرت مع أحد نواب البرلمان الألماني حول الشأن المصرى، تطرق بنا الحديث ذات مرة حول المظاهرات التى نسميها في مصر بالمليونيات من طرف الإسلاميين، وكيف أنهم أي الإسلاميون يتظاهرون، فالمظاهرات عنده، وكذلك عند الكثير من الأوروبيين لا تعنى سوى العلمانية والمدنية. وقد حاولت كثيرا توصيل فكرة أن الإسلاميين أيضا مدنيون، فهم  ليسوا مقدسين ولا معصومين، وهم أيضا يصيبون ويخطئون، ورئيسهم يصدر القرارات ويرجع عنها، ونوابهم يرتكبون الفواحش ما ظهر منها وما بطن، شأنهم في ذلك شأن جميع البشر، فلا غضاضة إذا من أنهم يتظاهرون، ولا غضاضة كذلك من أن يتعامل معهم معارضيهم بأنهم غير معصومين، فيتناولونهم بالنقد، ويعارضون قراراتهم، ويسخرون من أحاديثهم، ويستهزءون من مؤيديهم، ويتندرون على قنواتهم، وينتقدون مشايخهم. وهذه هي الديموقراطية والمدنية، ومن لا يقبل بهذا، فهو لا يقبل بآليات الديمقراطية وأدواتها.
وهكذا يفعل باسم يوسف في برنامجه، يقدم لمصر وجها جديدا، يخدم فيه النظام الجديد، ويساعده على الانتشار الخارجي، وكسب المزيد من الثقة الدولية في النظام الإخواني السياسي القائم، مما يؤدي إلى التخلى رويد رويدا عن فكرة أن الإسلاميون هم الخطر القادم!

وأراك تتسائل الآن كيف أن برنامج باسم يوسف الذي يسخر في كل حلقاته من الإسلاميين ومن الرئيس الذي جاء منهم أن يقوم  بخدمة النظام الإخواني الحالى، وأنه يساعده كذلك على كسب ثقة الأطراف الدولية؟! والجواب كالتالي:-

 أتذكر معي: قبل إقرار الدستور ببضعة أيام ذكرت وسائل الإعلام المختلفة أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي يعلقون مساعداتهم لمصر لأنهم يرون أن مصر تحيد عن الطريق الديموقراطي، والآن وبعد إقرار الدستور ترى أن  الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه ألمانيا وفرنسا وقد بعثتا ببطاقات الدعوة لمرسى كي يقوم بزيارتهما، وأنت تعرف أن ألمانيا من الدول المتحفظة كثيرا في علاقاتها الخارجية، فكيف يكون ذلك لولا أن رأت سفاراتهما أن مصر بدأت السير نحو الطريق الديمقراطي المنشود، فتركت من يسخر ليسخر، ومن يتندر ليتندر، ومن يهاجم ليهاجم، ومن يتجمهر ليتجمهر.
أتذكر معى كذلك أن البنك الدولى كان قد بدأ في وضع الكثير من العراقيل في وجه الحكومة المصرية، ثم ماذا حدث في الآونة الأخيرة، إزيحت كل العراقين وبدأ البنك في تنفيذ ما اتفق عليه، كذلك بدأت المساعدات تتدفق من كل حدب وصوب؛ فالبنك الإسلامي للتنمية يقدم لمصر أكثر من ثلاثمائة مليون دولار، والاتحاد الأوروبي يدعم مصر بخمسة مليارات يورو. وكل ذلك وغيره ما كان ليحدث لولا ما شاهدته تلك الدول ومنظماتها من وجود المساحة المطلوبة للديموقراطية التى تتمثل في النقد والسخرية والتندر.

هذا على المستوى الخارجي أما على المستوى الداخلي فما الذي أحدثه برنامج باسم يوسف؟

لقد ألقى باسم يوسف بحجره في الماء الراكد فتحرك، ليجعل كل طرف من الأطراف المتصارعة والموجودة على الساحة يعيد النظر في رؤية نفسه وهي تهتز، فيحاول جاهدا في إعادتها لوضعها الأول، أو تطويرها أو تثبيتها، ومن لم يستطع فهو الخاسر، وسيخرج حتما من السباق.

على المستوى الداخلي أيضا صار هناك حراكا إبداعيا- هكذا أراه- ويراه غيري تلاسنا- فكل طرف من الأطراف يخشى على نفسه من الوقوع فريسة النقض والسخرية، فيحاول إما بالتزام الصمت أو بالبعد عن مواطن الشبهات، أو بالهجوم الاستباقي الذي لا يخلو حتما من إضافات إبداعية تثرى الحياة الثقافية، وتضيف إليها، فهذا يقوم بنقد باسم يوسف، وذاك يحلل ما يقوله، وثالث يؤلف قصيدة مؤيدة أو معارضة، ورابع يضحك، وخامس يفكر، وسادس يتابع.

على المستوى الداخلى كذلك أعاد باسم يوسف الأضواء للإعلام المصري فانجذب إليه العرب وكذلك المصريون، بعدما انصرفوا إلى المسلسلات التركية، في ظل انحصار الإبداع المصري في الآونه الأخيرة؛ فالاحصائيات تشير على أن برنامجة يشاهد من قبل أكثر من ثلاثين مليون عربي، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن الإعلام المصري ربما بمزيد من تلك البرامج والمسلسلات الإبداعية التى تأتى بأفكار جديدة، سيعيد الريادة المصرية إلى عهدها السابق.
قد يظن أولئك المتشددون الذين يخشون على هيبتهم وعلى شعبيتهم أن برنامج باسم يوسف جاء ليهدد هذه الهيبة، وينقص من تلك الشعبية، وبالتالي فهم يحاربونه ويريدونه ألا يستمر، وأنا أقول لهم إن هذا البرنامج منافعه لكم أنتم أكبر بكثير من مضاره عليكم، فلا تقاوموه بل قوّموه، فلقد أنفق النظام السابق أموالا طائلة في تشوية صورتكم أيها الإسلاميون، فما أفلام ومسرحيات عادل إمام (الإرهابي، الإرهاب والكباب، الواد سيد الشغال) عنكم ببعيد، وما استطاع مسلسل "الجماعة" الذي عرض قبل الثورة بأيام بالنيل من الإخوان، بل على العكس فقد حصل الإخوان على البرلمانين، والرئاسة بعد عرض هذا المسلسل!
إن باسم يوسف هو أمل مصر، في تسليط أضواء العالم عليها، وهو أمل مصر في تحريك المياه الراكده، وهو أمل مصر في السير على طريق الديموقراطية، وهو أمل مصر في التغيير الحقيقي المنشود!

هناك تعليق واحد: