الثلاثاء، أبريل 23، 2013

القضاء الشامخ 1




في كتابة الرائع (السياسة الشرعية والفقة الإسلامى) أورد الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ عبد الرحمن تاج (1896-1975م) عدة أمثلة أراد بها أن يدلل على أن القضاء صورة من صور السياسة الشرعية التى لا تكون جديرة بهذا الإسم إلا من خلال تحقيق مصالح الأمة ، وتتمشى مع أسباب نهوضها ومراحل تطورها من غير إفراط أو تفريط.
فالتفريط فيها نقص وجمود والإفراط فيها ظلم وجور.
فمن التفريط في الأخذ بالسياسة، والجمود الذي يقوم به العدل، ولا يستقر معه الأمن أن يقصر القاضي في إثبات الدعاوى على الشهادة أو إقرار المدعى عليه أو نكوله عن اليمين، فلا يأخذبالقرائن ودلالات الحال، مع أنها قد تكون أظهر دلالة على الحق، وأقوى في إقامة ميزان العدل، ولا سيما في الأوقات التى يكثر فيها الكذب والتدليس وشهادة الزور.
فإن من يرى قتيلا يتخبط في دمه، ورجلا آخر يقوم على رأسه أو يعدو يريد الهرب وفي يده سكين يقطر منه الدم، فإنه لا يكاد يشك في أنه هو القاتل، ولا سيما إذا كان معروفا من قبل بعداوته للقتيل. وعلى هذا يكون من الجمود والتهاون في تحقيق مقاصد الشريعة ألا يؤخذ بهذه القرائن والأمارات وأن يمكن ذلك المتهم صاحب السكين من الإفلات من العقوبة، اعتمادا على إنكاره وعدم قيام شهو يشهدون بالقتل عن رؤية وعيان.
وكذلك من رأى رجلا من أهل السمت والمروة عارى الرأس، وليس ذلك من عادته، وآخر يعدو أمامه، وعلى رأسه عمامة، وفي يده أخرى فإنه يكاد يجزم بأن صاحب العمامتين قد اغتصب إحداهما من صاحبه، وإذا لا يصح أن يخلى سبيله اتكالا على أنه صاحب يد، أو أنه ينكر الغصب ولم تقم عليه شهادة المعاينه.(1)  
ومن التفريط في الأخذ بالسياسة أن يعتمد على إقرار المدعى عليه أو المتهم في جريمة مع قيام القرائن والأمارات التى توجب شبهة في هذا الإقرار.
ومن هذا الباب ما ينقلة لنا " ابن القيم الجوزية" من سياسة القاضي " أبى حازم" وما كان يأتى فيها مما يعد مضرب الأمثال في سياسة القضاء.
قال ابن القيم: "قال مكرم بن أحمد: كنت في مجلس القاضى أبى حازم فتقدم رجل شيخ ومعه غلام حدث، فادعى الشيخ عليه ألف دينار دينا، فقال القاضي للغلام: ما تقول؟ قال: نعم، فقال القاضي للشيخ: ما تشاء؟ قال: حبسه. قال: لا، قال الشيخ: إن رأى القاضي أن يحبسه فهو أرجى لحصول مالى. فتفرس أبو حازم فيهما ساعة ثم قال: تلازما حتى أنظر في أمركما في مجلس آخر. فقلت له: لما أخرت حبسه؟ فقال: ويحك! إنى أعرف في أكثر الأحوال في وجوه الخصوم وجه المحق من المبطل، وقد صارت لى بذلك دراية لا تكاد تخطئ وقد وقع لى أن سماحة هذا بالإقرار عين كذبه، ولعله ينكشف لى من أمرهما ما أكون معه على بصيرة، أما رأيت قلة تعاصيهما في المناكرة، وقله اختلافهما وسكون طباعهما مع عظم المال، وما جرت عادة الأحداث بفرط التورع حتى يقر مثل هذا طوعا عجلا منشرح الصدر على هذا المال. قال: فنحن كذلك نتحدث إذ أتى الآذن يستأذل على القاضي لبعض التجار فأذن له، فلم دخل قال أصلح الله القاضى، إنى بليت بولد لي حدث يتلف كل مال يظفر به من مالى في القنان (آنيه الخمر) عند فلان، وقد نصب اليوم صاحب القنان يطالب بألف دينار حالا، وبلغنى أنه تقدم إلى القاضي ليقر فيسجنه، وأقع مع أمه فيما ينكد عيشنا إلى أن أقضى عنه، فلما سمعت بذلك بادرت إلى القاضى لأشرح له أمره فتبسم القاضى وقال لي: كيف رأيت! فقلت: هذا من فضل الله على القاضى. فقال: علىّ بالغلام والشيخ، فأرهب أبو حازم الشيخ، ووعظ الغلام فأقر، فأخذ الرجل ابنه وانصرفا.(2)
 وللحديث بقية....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قارن
(1)     تاج، عبد الرحمن، السياسة الشرعية والفقة الإسلامي، الجزء الأول، هدية مجلة الأزهر ، عدد جمادى الآخرة 1434، ص 54، 55
(2)     المصدر السابق، ص 57، 58

هناك تعليقان (2):

  1. لقد ذكرتنا هذة القصة بحال قضاتنااليوم الذين قد ذكرونى ايضا قبل ذلك بقصة قاضى اهل سدوم (قوم لوط) وهى كالتالى :-
    حيث يُروى أن سارة زوجة إبراهيم(ع) بعثت إلى سدوم رسولاً من قبلها ليستطلع لها أخبار أخيها لوط(ع) ويأتيها بها. فلما وصل الرسول إلى تلك البلاد لقيه رجل من أهلها وضربه بحجر على رأسه، فسال دمه على وجهه وثيابه، ثم أن ذلك الرجل تعلَّق برسول سارة وأخذ يطالبه بأجر على فعلته تلك، بحجة أنَّ الدم الذي سال لو بقي لأضرَّ بجسم الرسول. وبعد مشاحنات ومجادلات دعاه رسول سارة إلى القضاء وهو لايعرف ماذا ستكون النتيجة...

    وتوجها إلى قاضي سدوم فما كان منه إلا أن حكم على الرسول المضروب بأن يدفع المال للرجل المعتدي... فعمد رسول سارة إلى حجر وضرب به راس القاضي فشجّه وأسال دمه وولى هارباً وهو يقول له: "ادفع إلى ضاربي هذا مايتوجب لي عليك لقاء ضربي إياك".

    ومهما يكن من أمر صحة هذه الرواية وطرافتها سواء أكانت صحيحة أم مروية على سبيل التندّر والتهكم والمبالغة في التدليل على ظلم أهل سدوم، فإنها تبقى دليلاً على أن أهل تلك البلاد كانوا يتجاوزون الحدود في أعمالهم وتصرفاتهم.(هاه اتمنى الا يتطور بنا الحال اكثر من ذلك بالنسبه لقضاءنا الشامخ-الذى اذا سرق منهم القوى تركوه واذا سرق منهم الضعيف اقاموا عليه الحد .
    القصة كاملة من
    http://www.treek.ga2h.com/t167.html

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لمروركم الكريم، ولما أوردتموه من قصة تذكرنا بما يحدث الآن من مهازل في القضاء. وما من سبب وراء شروعى في كتابة حلقات عن القضاء الشامخ سوى استشعارى لعظم االقضية وخطورتها.
      جزاكم الله خيرا. تحياتى

      حذف