الثلاثاء، سبتمبر 06، 2016

محمد يسري يكتب: ملخص كتاب "فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء" للشيخ محمد الغزالي



إن لكتب الإمام الغزالي سحرها الخاص، ولغتها السهلة العميقة تجعل من الكتاب حكاية رائعة، مليئة بالعلم النافع المفيد، وأنا لا أرى عالما في عصرنا الحالي يضاهي الغزالي في سعة صدره وهدوءه وغزارة علمه، ناهيك عن حلاوة منطقه وجمال أسلوبه، ولعل هذا هو ما جعلني ألخص الكتاب الثالث له وعنوانه (فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء)، ولعل هذا الكتاب صغير الحجيم قليل في صفحاته إلا إنه يحمل بداخله كلاما أغلى من ماء الذهب، فما أروع عاطفة الغزالي وهو يتحدث عن محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم، وجميعنا يعلم الغزالي الأديب، الفلسفي، إلا إنك عندما تقرأ هذا الكتاب  تحديدا تشعر بتأثر الغزالي بالصوفية، ولا عجب فإنه الغزالي الذي وصف في عصره (بالفلسفي المتصوف)، هو الذي قال عن نفسه في خاتمة هذا الكتاب أنه عندما يشرع في الكلام عن الرسول محمد يتحدث على غير عادته، فيعتمد على العاطفة، عاطفة الحب التي تتحرك في قلبه نحو النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
يعتبر هذا الكتاب من أواخر ما كتب الشيخ الغزالي رحمه الله حتى إنَّهُ يقول فيه أيضا أنه بعدما كتب فقه السيرة في شبابه ظن أنه أتى بشيء طائل في الإبانة عن عظمة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلا أنه في آخر حياته قد كلفته (إدارة الشؤون الدينية القطرية) أن يسطر هذه الصحف فاستجاب، ولقد سمعته في تسجيل صوتي يقول متحدثا عن هذا الكتاب أنه قد شرع في كتابة أول أسطر منه وهو في طريقه إلي مدينة رسول الله (صلي الله عليه وسلم).
ملخص الكتاب:
إن (فن الذكر والدعاء عن خاتم الأنبياء) هو كتاب لا يخطر ببال أحدكم أنه مجرد نصائح عن الذكر وفضل الذكر والإستغفار مما اعتدنا سماعه وقراءته في عصرنا كلا! بل ما يحتويه أعمق بكثير من هذا، نعم أعمق لدرجة أنني شعرت بقشعريرة في جسدي حبا وخضوعا وخشية. القلب الغافل سيصحو من سباته مسبحا خاشعا لله الخالق سبحانه مصليا مسلما على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وأنا فقط سأذكر بعض التعبيرات التي عبر بها الشيخ في هذا الكتاب حتى أشوق قارئ الملخص لقراءة الكتاب كاملا، وسيجد بإذن الله فيه الكثير والكثير أكثر مما ذكرت، وسيثني عليه بأفضل مما فعلت. يذكر الشيخ في مقدمة الكتاب أن الخلائق أجمعين لابد وأن يكونوا على معرفة صحيحة بخالقهم جل وعلا، وأن يعترفوا بحقوق الخالق سبحانه اعترافا كاملا، وهذا الوعي بحقوق الله لا يرتبط بالعلم أكثر ما يرتبط بتدريس هذا العلم ونشره وتصحيحه للبشرية، وهذا ما كان عليه الأنبياء ومن سار على نهجهم. ثم يذكر الشيخ أنه قد شغف بسير الأنبياء كثيرا وحاول أن يقتبس منهم في حياته شعاعا يستضئ به، فموسى عليه السلام بعدما عرف الله حقا وهو في أشد حاجته إليه يناجي خالقه بقوله (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير )، وعيسي عليه السلام وهو يدافع عن نفسه في مسائلة دقيقة ومواجهة بينه وبين الله يقول (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم)، وإبراهيم عليه السلام وهو بمكة يسلم ابنه للقدر المرهوب ويسأل الله جل علا (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم)، غير أنك تنبهر وتتوه منك نفسك وأنت بيدي النبي الخاتم محمد بن عبد الله وهو يدعو ويدعو وتكاد تشعر بأنك أمام فن من فنون الدعاء والمناجاة ذاهب في الطول والعرض لم يؤثر مثله عن المصطفين الأخيار على امتداد الأدهار، ثم ينقلنا الكاتب إلى عنوان آخر ويسأل كيف عرفنا محمد بالله؟! وأنا أضع بجانب هذا السؤال تساؤلا آخر وهو كيف عرف محمد ربه؟!
  كان من الناس من لا يعرف الله، فأنار محمد بصيرته وأرشده إلي خالقه وبارئه، وكان منهم من يعرف ربه مع تشوهات في معرفته وعقيدته فهداه محمد إلى التوحيد الخالص الخالي من أي شرك، أنظر إلي كلماته وتعبيراته التي علمها لأصحابه ولأمته من بعده في كيفية الإعتراف بالخالق جل وعلا والخضوع له، عندما تردد بكلمات عاطفة الاعجاب عندك بالخالق ترى أن الكلمات المعبرة تتقاصر ثم تحتبس ثم تنظر إلى محمد بن عبدالله وهو يقول عندما يركع لله (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي لك) ثم يسجد ويقول (اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق فيه سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين)، في هذه المناجاة ترى الألوهية الكاملة والعبودية الكاملة ثم تعجز عن أن تقول شيئا أفضل من هذا الكلام.
 إن المسلم الأول – وهو ترتيب النبي محمد بين النبيين والصدقين – له فن في الذكر والشكر والإنابة والدعاء والمناجاة لم يحفظ مثله لبشر – عليه الصلاة والسلام. ثم ينتقل الشيخ إلى علاقة محمد بربه – ولذالك وضع عنوانا في هذا الباب أسماه "كيف عرف محمد ربه؟!" ويصفها أنها علاقة كلها محبة وشوق فكانت مناجاته -صلي الله عليه وسلم- مناجاة الحبيب المشتاق لحبيبه، لقد كان عامر القلب بربه عميق الإحساس بعظمته، استمع إليه وهو يناجيه ويقول (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك علي الخلق أحييني ما علمت الحياة خير لي وتوفني ما علمت الوفاة شر لي). العالم من أزله إلى أبده لا يعرف إنسانا استغرق في حبه لخالقه عن طريق التأمل العالي في مخلوقاته وفي عظمته كمحمد، لقد كان يمشي على الأرض وقلبه في السماء مع حبيبه سبحانه وتعالى. أنظر إلى قوة العاطفة ودفقها في هذه المناجاة الحارة، كان يقول دبر كل صلاة (اللهم ربنا ورب كل شئ أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شئ أنا شهيد أن محمد عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة، اللهم ربنا ورب كل شئ اجعلني مخلصا لك وأهلي في كل ساعة من الدنيا والآخرة ، ياذا الجلال والإكرام، أسمع واستجب، الله أكبر نور السموات والأرض، الله أكبر وحسبي الله ونعم الوكيل، الله أكبر الله أكبر).
 إن ألفاظ اللغة حين تعجز عن ملاحقة هذا الجيشان المناسب في كل دعوة، تجعل الرسول المنيب المتعبد يلجأ إلي التكرار في العبارة الواحدة لينفس عن ما استكن في صدره من روعة ومحبة وإجلال. ثم يستعرض الشيخ عنوانا جانبيا رائعا يبين فيه كيف كان يوم الخاتم صلي الله عليه وسلم) – أربع وعشرون ساعة من حياة عريضة.  تأمل يوم واحد من حياة نبي الإسلام، عندما يستيقظ من نومه قبل الفجر بقليل وظلمة الليل لاتزال مخيمة على كل شئ يردد مناجيا قائلا ( الحمد لله الذي رد إلي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره). وفي الصباح يبدأ العبد الشكور بذكر حبيبه ويقول (اللهم عالم االغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شئ ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه ...)، ثم على مدار الأربع والعشرين ساعة يقف فيهم خمس مرات للصلاة أمام الخالق سبحانه ويحث أمته على ذلك ويقول (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة)، وكان عند خروجه إلى الصلاة يقول: (اللهم أجعل في قبري نورا وفي لساني نورا وفي سمعي نورا وأجعل في بصري نورا وأجعل من خلفي نورا ومن أمامي نورا، اللهم أعطني نورا) وعندما يدخل المسجد يقول ( أعوذ بالله العظيم ووجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم أفتح لي أبواب رحمتك)، أي حياة هذه! كان يومه كله، وحياته كلها، وأحوالها كلها مناجاة لله الخالق جل وعلا. إن محمدا بن عبد الله ليس كاهنا يقول للمذنبين تعالوا إلي معترفين أغفر لكم، وأخفف عنكم ! كلا! كلا ! إنه يقول أدعوا الله معي، أدعوا الله لأنفسكم، استغفروا لما اقترفتم، أنا وأنتم ومن في السموات أصفارا إن لم يشأ  هو أن يجعلنا شيئا. إنه يجير ولا يجار عليه ويحكم لا معقب لحكمه.
وفي هذا المجال جملة ليست بالقليل من الأدعية التي كان يدعوا بها، ويرغب المؤمنين أن يتقربوا إلي ربهم بها.
وختاما أقول: قرأت هذا الكتاب من مدة طويلة، قرأته ليلا في هدوء الظلام، وكنت حقا أشعر بنفسي تعيش مع أدعية ومناجاة الرسول صلي الله عليه وسلم، سأظل أوصي دائما بقرائة هذا الكتاب؛ فعلى الرغم من صغر حجمة إلا إنه يحتاج وقتا طويلا لتدبره.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق