وتظاهرت بالشجاعة، وصرت أبعث إليهم بكلمات
تشجعهم و لعلها تثبتهم أو تثبتنى، وبدا لى أن الطريق طويل، وشككت للحظات في أننا
قد أخطأنا الطريق، وقلت لنفسي ماذا لو أخطئناه بالفعل، فلقد أكدت لهم مرارا أن
قدماي تعرفه! أرجوكي لا تخزليني يا قدمي!
وصرت أردد أحد الأدعية التى وردت في مثل هذه
الأوقات العصيبة " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" وارتفع بها
صوتي فسمعها عبدالله وأخذ يرددها مثلى، ولا أعلم إذا ما قامت الفتيات بترديدها
كذلك أم أنهما اكتفيتا بما سمعاه منا. ولا أعرف كذلك إذا ما كان الذئب يسمعنا
ويرانا أم أنه انصرف وابتعد عنا، أو أنه لا يوجد ذئبا من الأساس، وأن كل ما نحن
فيه مجرد هواجس نفسية نتجت عنها تهيؤات أصابتنا بخوف ورعب. وواصلت السير مسرعا
وتبعونى بنفس السرعة، حتى بدت لنا في الأفق أنوار خافتة، فصحت فيهم: لقد وصلنا!
حقا لقد وصلنا، ولكن هل هذا هو الفندق الذي
نسكنه؟ لا، إنه ليس هو. وتوقفت لثوان، فقد أصابتنى خيبة أمل كبيرة، إلا أن عبدالله
أخذ يؤكد أنه هو الفندق وأننا نقف خلفه الآن، وتقدم بنا عبدالله فسرنا خلفه حتى
وصل بنا إلى المدخل الرئيسي! لقد كانت حقا مغامرة ليلة كادت تنتهي بنا إلى مصير
مجهول!
وأمام الباب الرئيسي للفندق وقفنا نضحك على ما
كنا فيه، معتبرين أن ما مر علينا من لحظات مثيرة لن يتكرر، ولا نريد له أيضا أن
يتكرر. وتلقيت اتصالا من السيدة أمل الفلسيطنية التى كان لى معها في مطار القاهرة
قصة وحكاية، وأخبرتني في هذه المكالمة بأنها تدعوني وكل من يريد أن يأتى من
زملائنا على الغداء في بيتها بالقرب من برلين!
بقى لى هنا أن أذكر جزءا مما كتبه عبدالله
الأردني بخصوص هذه المغامرة الليلية، فوصفه لهذه المغامرة قد يكون أفضل بكثير مما
قمت بوصفه، أو ربما يعطي توضيحا أكثر للمشهد:
"عندما وصلنا
نهاية شارع الأكاديمية وجدنا أن السير على الطريق الرئيسي لن يكون ممكنا لعدم وجود
رصيف أو مساحة كافية للمشي عليها. عدنا من حيث أتينا وما هي سوى خطوات قليلة حتى
قالت أريج "يا جماعة إية رأيكو ندخل نمشي هنا شوية" وأشارت بيدها ناحية
الغابة يمين الشارع، مع أن الظلام كان يخيم على الغابة ولم يكن معنا أية معدات
للمشي داخل الغابة. وافقنا على اقتراحها
بدافع المغامرة والفضول . كان شحاتة يقودنا وكنت أسير خلفة ومن خلفي سارت
هبة وأريج. بدت القصة مثيرة ومسلية في بدايتها فكنا نغني وندندن مسرورين. ولما
توغلنا قليلا في الغابة وأخذ الظلام يزداد لبعدنا عن أنوار الشارع قالت لي أريج
بصوت يملؤة الخوف " ياعبد الله انت شوفت اللي انا شوفته" قلت لها نعم
يبدو أنه ذئب وما ان قلت ذلك حتى قفزت كل من هبة وأريج وتشبثا بذراعي. سألتني هبة
" انتو بتشتغلوني صح؟" فقلت لها " لا يا هبة ده ذئب فعلا".
ارتعبت هبة وأريج وتمسكا أكثر بذراعي وسرنا مسرعين. بصراحة لا يمكنني أن أنكر خوفي
فنحن في وسط الغابة وليس معنا أي سلاح أو حتى الضوء الكافي لمواجهة السيد الذئب.
قال شحاتة بعفوية" ياجماعة دي مجرد تهيوءات امشو بئا" قلنا له أنا وأريج
لا يا محمد احنا شوفنا ذئب فعلا وكان داير ظهره حتى"
لم يكترث شحاته لما قلناه واقترح أن نذهب من طريق اعتقد
أنه يوصل إلى الأكاديمية. كان ارتعاد البنات وخوفهن يزداد أكثر فأكثر وخاصة هبة.
حاولت أن أهدئها فقلت لهم اذكروا الله واذكروا أعمالكم الصالحة لكي يصرف الله عنا
كل سوء وساعدني شحاتة من خلال دعاء قام بترديده. بعدما ابتعدنا قليلا وسرنا في
الطريق الذي اقترحه شحاته بحثت عن جذع شجرة من الممكن أن أستخدمها لو فكر السيد
الذئب الهجوم علينا. مالفت انتباهي هو ردة فعل هبة. فهيبتها وثقتها في نفسها وقوة
شخصيتها وغير ذلك قد اختفي تماما من عقلي عندما رأيتها تقفز وتمسك بي كالمجنونة
وتصرخ " عبد الله ، عبدالله". سألت نفسي هل هذه هبه التي أعرفها؟ ولكن
وللإنصاف فالموقف كان مخيفا وهبة فتاة بغض النظر عن الهيبة والإثارة التى تشد
انتباهي في شخصيتها. بعدما مشينا قليلا في طريق شحاتة بدأنا نرى أنوار الشارع الذي
يؤدي للأكاديمية، عندها هدأ روعنا قليلا. وصلنا الأكاديمية ووقفنا تقريبا نصف ساعة
نتحدث عن المغامرة المثيرة. كنا سعداء جدا وضحكنا. فقد كانت هذه المغامرة في رأيي
أمتع من كل المحاضرات التى حضرناها اليوم وستبقى في ذاكرتنا أبدا ما حيينا"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق