الأحد، فبراير 24، 2013

الربيع العربي في برلين 126







وبقدر ذهولى واندهاشي من معرفة هننج لكل هذه المعلومات وتواريخها، بقدر ما كنت مذهولا أكثر لدى معرفتى بأن الدول الأوربية قد بدأت في استخدام القطارات التى تسير تحت الأرض منذ زمن بعيد، ذلك الزمن الذي كانت تعد فيه الخيل والبغال والحمير وسائل النقل والمواصلات الأساسية عند العرب. إنهم بحق يسبقوننا بمئات السنين الضوئية، ومن الصعب اللحاق بركابهم!
وقبل أن أستأذن من هننج لأعود إلى مقعدي في مقدمة الأتوبيس سألته عن المسافة من برلين إلى مدينة زانكل مارك وعن أي  الطرق سنسلك؟ ورأيته قد أخذ مني الورقة والقلم ثم بدأ يرسم لي الطريق وهو يقول: المسافة من  مدينة برلين التى تقع في الشمال الشرق لألمانيا إلى مدينة زانكل مارك التى تقع في الشمال الغربي حوالي 434 كيلو متر، أي حوالى أربع ساعات ونصف بالأتوبيس ( والحق يقال أنه حدد الزمن بدقة فقال: أربع ساعات واثنين وثلاثين دقيقة) ثم واصل بقوله: "هذا إذا كان السائق سيقطع الطريق السريع الذي سيمر عبر هامبورج وأراه قد بدأ يقطعه بالفعل".
وعدت حيث مقعدى بجوار أحمد مسعد الذي راح يغط في نوم عميق، مثله في ذلك مثل معظم الزملاء الذين أنهكتهم زيارات هذا اليوم، بداية من زيارة كاتدرائية برلين إلى زيارة المعبد اليهودي وصولا إلى زيارة المسجد التركي. وكان مشهد النوم هذا مشهدا رائعا، فأخذت كاميرتي وبدأت ألتقط للنائمين صورا تصلح للتندر في أوقات السمر. وانتبهت فإذا بنا نسير فوق كوبري كبير تمر من تحتة سفن عملاقة، وبالقرب منه ميناء ضخم تقف فيه سفن كثيرة محملة بحاويات ليس لها عدد، إنه ميناء هامبورج، لقد صدق هننج فنحن الآن قد وصلنا إلى هامبورج ولم يتبقى سوى ساعتين كي نصل إلى زانكل مارك.
وليس بعيدا عن هامبورج توقف بنا السائق كي نستريح قليلا وليدخل الحمام من أراد أن يدخل، وليصل العصر من أراد أن يصلى. ثم عدنا مرة أخرى إلى الأتوبيس فانطلقنا فرحين ومستبشرين باقتراب وصولنا إلى زانكل مارك، ولم نكن قد ابتعدنا كثيرا عن الاستراحة حتى صاح خالد اليمني قائلا: علاء ، علاء الفلسطيني ليس معنا، ونادى كل منا على علاء، واقتربت السيدة كارين جوته من السائق تخبره بما حدث وتطلب منه أن يتوقف، ورأيت كيف أن السائق لم يتمالك أعصابه فصرخ فيها قائلا: " هذا ليس ممكنا، فلا يمكننا العودة، الطريق سريع، ولا يمكننا العودة، وأقرب مخرج منه يحتاج للسير ساعة كاملة". وانحرف السائق ليدخل في شارع جانبي تبين له بعد قليل أنه شارع غير مكتمل، فبه إصلاحات كثيرة اضطرته للعودة، ورأيت السائق يشتاط غضبا، ورأيته قد أخرج من جيبة علبة السجائر فأشعل سيجارة تلو الأخرى، ثم أخذ ينفث دخانة بطريقة عصيبة، أفقدته التركيز. ولم تفلح معه محاولات التهدئة التى قامت بها السيدة كارين جوته، فتركته والتفتت إلينا.
كان الجو متوترا، تعالت فيه أصوات العرب فاختلطت بعضها ببعض، والتزم الألمان الصمت، ونادى عبدالله الأردني في الجميع أن يلتزمو الصمت كذلك حتى نفكر فيما يمكننا فعله، واستجاب الزملاء لنداءه وحاول البعض الاتصال بعلاء، فما من مجيب، وتبين لنا أنه قد ترك تليفونه المحمول في الأتوبيس، ولم يعد أمامنا من حل سوى أن نعود إليه، ولن يكون ذلك قبل إيجاد طريقة للاتصال به، فلا يمكن أبدا أن نعود إليه لنجده قد غادر المحطة! وتلعبكت الأمور، وهام السائق على وجهه لا يدرى إلى أين المسير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق