وبينما أخذت أتجول بمفردي في جنبات الكنيسة
العملاقة، أخذت الأسئلة الكثيرة تتجول هي الأخرى في رأسى، فأنا لا أعرف كثيرا عن الكنائس
ولا عما يؤدى فيها من طقوس، وبدأت أتساءل ماهذا المكان المجوف في مقدمة الكنيسة
والذي يشبه إلى حد ما محراب المسجد، وما دلالة هذه الصور التى علقت على حوائط هذا
المحراب، وأسئلة كثيرة أخرى أردت أن يجيبنى عنها أحد زملاء المنحة الأربعة مسيحي
الديانة وهم (مها الأردنية، رامز المصري، كمال الفلسطينى، أندريه اللبناني) ولم
أجد أمامي سوى أندريه اللبناني كي أطرح عليه تلك الأسئلة، فأخذ يجيبنى عليها بشئ من
التفصيل حيث قال:- هذا المحراب يسمى في الكنيسة بالهيكل أو قدس الأقداس، وهو يرتفع
قليلا عن صحن الكاتدرائية لأنه أعظم مكان فيها، وأيضا حتى تستطيع الأبصار أن تتطلع
إليه وما يتم به من صلوات، ويكون غالبا على شكل مربع وإن استطال فيستطيل عرضيا.
ولما سألته عن الفرق بين الكاتدرائية والكنيسة أجاب بقوله: الكنيسة هي مكان اجتماع
المؤمنين للصلاة، وقد توجد عدة كنائس في الإيبارشية الواحدة، أما الكاتدرائية فهي
الكنيسة الرئيسية في الإيبارشية وهي مقر كرسي الأسقف أو المطران؛ فكلمة كاتدرائية
كلمة يونانية قديمة تعنى المكان الموجود به الكرسي.
ولما مررنا من أمام الشموع الموضوعة بجوار
قدس الأقداس استوقفنى أندريه كي يشعل شمعه، فلما أشعلها سألته ماذا يعنى لك إشعال شمعة
في الكنيسة، وهل هو طقس، أم أنه من قبيل العادة؟
وهنا صمت أندريه لبرهة ثم قال: الشمعة بالمعنى
العام لا تحمل أكثر مما تحتمل، فهي وسيلة إنارة بدائية. لا تضيء بذاتها بل بحاجة
لمن يوقدها، وهي تذوب أمام النار التي تلتهمها. ولكنها أثناء ذلك تنشر النور لكل
من هم حولها. ومن هذا التامل البسيط كانت الشمعة لأوائل المسيحيين رمزاً للمؤمن
المتعبّد الواقف في حضرة الله ، يستنير لا من نفسه بل من نور خالقه، ولا يحتفظ
بهذا النور لنفسه بل ينشر نور الرب لكل من هم حوله فينير عتمتهم كما ينير عتمته هو أيضاً حتى
الرمق الأخير. إذاً هي مجرد رمز للكيفية
التي ينبغي أن تكون عليها حياتنا مصدر للنور يضيئ لمن هم حولنا. وإشعال
الشموع قد يكون أيضا لحثنا على إنكار
الذات، إذ كما يخضع الزيت والشمع لإرادتنا، فينبغي لنفوسنا أن تحترق بشعلة
المحبة في كل آلامنا خاضعين لمشيئة الرب.
ثم إن هذا الاشعال قد يأتى لتعليمنا أنه كما أن الشمعة لا تشتعل من دون أن تشعلها أيادينا، كذلك قلوبنا، أي أنوارنا الداخلية، لا تضيء بدون نور النعمة الإلهية المقدس، حتى ولو كان مليئاً بالفضائل التي هي في مطلق الأحوال مادة قابلة للاشتعال لكن النار التي توقدها لا تأتي إلاّ من الله.
ثم إن هذا الاشعال قد يأتى لتعليمنا أنه كما أن الشمعة لا تشتعل من دون أن تشعلها أيادينا، كذلك قلوبنا، أي أنوارنا الداخلية، لا تضيء بدون نور النعمة الإلهية المقدس، حتى ولو كان مليئاً بالفضائل التي هي في مطلق الأحوال مادة قابلة للاشتعال لكن النار التي توقدها لا تأتي إلاّ من الله.
وقد
يكون أيضا كتضحية صغيرة للرب الذي أسلم نفسه كليّاً كضحية من أجلنا، وكإشارة صغيرة
إلى امتناننا الكبير ومحبتنا المشعّة للذي منه نسأل الحياة والصحة والخلاص وكل ما
يمكن أن تمنحه المحبة الإلهية غير المتناهية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق