وتركت أندرية بعد أن رأيت بعضا من الزملاء
وقد انحرفوا ناحية اليمين لينزلو على سلالم تقودهم تحت الأرض، وهناك وجدت مجموعة
كبيرة من التوابيت المصنوعة من الرخام الأبيض المكتوب على كل واحد منها اسم القسيس
المدفون بداخله، وعرفت أنها مقبرة للبابوات والقساوسة الذين تولوا مناصبا روحية في
هذه الكاتدرائية، ولم يسعفنى الوقت كي أتعرف على كل التوابيت وأقرأ المكتوب عليها،
فصوت ليلى أرمانيوس أخذ ينادينا هيا فلقد تأخرنا... واقتربت منى سناء المغربية لتقول:
طُلب منى اليوم أن أتحدث اليوم أمام كاميرا البوندستاج عن موضوع الحجاب، فما الذي
ينبغي على قوله، وما الذي ينبغى على أن أتجنبه؟
ولا أكتم سرا حينما أقول بأن هذا السؤال -على
الرغم من معرفتى المسبقة للرد عليه- فاجأني كثيرا، وترددت للحظات كي أجيب سناء
عليه، فأنا أعرف أن سناء يمكنها الرد عليه بسهولة، فهى فتاة ترتدى الحجاب وتلتزم
بالتعاليم الإسلامية، وطبيعى أنها قد سئلت عن الحجاب كثيرا، وطبيعى أيضا أنها قد
أعدت بدلا من الجواب الواحد أجوبة عديدة استعدادا لهذا الأمر، وأعرف كذلك أنها ما
طرحت علىّ هذا السؤال إلا لكي تتثبت من أمرها، وتزداد ثقة في نفسها، ولهذا حاولت
جاهدا أن أزيد من ثقتها بنفسها، وبقدرتها على الرد، مع قليل من المعلومات
الإضافية.
وخرجنا متجهين نحو المعبد اليهودي الذي لا يبعد
كثيرا عن كاتدرائية برلين، ولذا فضلنا أن نذهب على أقدامنا بدلا من أن نركب
الأتوبيس، وكانت الساعة قد تعدت الحادية عشرة بقليل، مما استحال على الشمس أن تقبع
في مكانها من دون أن ترسل بدفئها وضوءها إلى شوارع برلين النظيفة الجميلة، ومما
شجعنا كذلك على ألا نترك تلك اللحظات الرائعة تمر علينا من دون أن نخلدها بصورة
جماعية تذكرنا بتلك الأوقات يوم أن يعز علينا اللقاء، ويوم أن تفرقنا الأيام فتبخل علينا
ولو باجتماع!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق