عتبة العنوان في رواية لماذا.. ! –
لزروال نور اليقين-
العنوان جزء لا
يتجزأ من النص الأدبي و يمثل بعدا من أبعاد القراءة عند المتلقي، باعتبار أن
العنوان يعطي توقعا أوليا لمضمون العمل الأدبي، لهذا " عدت العنونة هاجسا
مُلِّحا للناص، أي صاحب النص وهو يقدم نصه
للقارئ، نظرا للدور الخطير الذي يمارسه العنوان في العملية الإبداعية إبداعا،
والغواية المثيرة التي يثيرها حول النص تلقيا"[1]
ليصبح العنوان إبداع ثاني يلي عملية إبداع النص الأدبي، يستفز المتلقي ويثير فيه
رغبة الولوج إلى متن العمل الأدبي.
اختيار العناوين عملية لا تخلو من القصد، فهي ليست
اعتباطية بل يلجأ إليها الكاتب مدفوعا بمرجعياته المكونة لشخصيته، وهذا ما يجعل
العنوان " مفتاحا منتجا ذو دلالة، ليس على مستوى البناء الخارجي للعمل فقط بل
يمتد حتى البنية العميقة، ويدفع السلطة الثلاثية
( المبدع- النص- المتلقي) إلى إعادة إنتاج تتيح لعوامل النص الانفتاح على
أكثر من قراءة " [2]
ليغدو العنوان دالا لغويا يعين المتلقي على تعيين النص وتحديد مضمونه، ويمكن
الدارس من الفهم والتأويل الصحيح للعمل الأدبي.
والعنونة فن وإبداع وصناعة وهو لا يقل أهمية عن النص نفسه،
بوصفه المدخل أو العتبة التي يجري التفاوض عليها لكشف مخبوءات النص الذي يتقدمه
ذلك العنوان، ليكشف بوابة الدخول إلى عالم النص لأنه العتبة الأولى التي ترتبط
بالنص.
يمكن تحديد وظائف العنوان باعتباره العتبة الأولى التي
تصادف المتلقي، في أربع وظائف " وظيفة تعيينيه لأنه يعطي الكتاب اسما يميزه
بين الكتب، ووظيفة وصفية تتعلق بمضمون الكتاب أو بنوعه أو بهما معا أو ترتبط
بالمضمون ارتباطا غامضا، ووظيفة تضمينية أو ذات قيمة تضمينية تتصل بالوظيفة
الوصفية وتتعلق بالطريقة أو الأسلوب الذي يعين العنوان به الكتاب، ووظيفة إغرائية
تتصل بالوظيفة التضمينية وتسعى إلى إغراء القارئ باقتناء الكتاب أو بقراءته "
[3]
ذلك أن العنوان هو العتبة الأهم[4] في
العمل الأدبي وهو همزة وصل بين المتلقي والعمل الأدبي.
من
أجل تسهيل فهم ودراسة مكونات العنوان الأساسية " ذهب دارسو العنوان لتقسيمها
إلى ثلاث مستويات:
- الأول: مكونات العنوان من حيث التركيب
- الثاني: مكوناته من حيث الحذف
- الثالث: مكوناته من حيث الدلالة "[5]
وهذه
المستويات تسهم في تفكيك شفرات عنوان النص، لأنه إشارة سيميائية كبرى تختزل مضمون
العمل الأدبي، وتوحي كذلك بقصد المؤلف ومرجعياته.
تنصب جل الدراسات
التي تتناول العنوان كمادة للدراسة على
دراسة " قيمته ( الصوتية والدلالية والتصويرية )، وعلى علاقته بالقارئ ( ماذا
يعني له، بم يذكره، كيف يتلقاه، كيف يتصرف به تلفظا واختصارا )، وعلاقاته بالعمل
الأدبي وبعناوين الأعمال الأدبية الأخرى للمؤلف نفسه أو النوع الأدبي نفسه " [6]
لوجود علاقة فاعلية بين العنوان ومتن العمل الأدبي، يدخل ضمنها في علاقة ترابطية
مع المتن، وتسعى هذه العلاقة إلى أن تكوِّن جزءا من علاقات " سيموطيقية تقوم
بوظيفة الاحتواء لمدلول النص "[7]
ليمثل العنوان أعلى درجات الاختزال لوحدات العمل الأدبي
وعنوان الرواية
قيد الدراسة كالتالي
" لماذا.. !|"
ونقف على مستواه
التركيبي فالعنوان يقوم على جملة استفهامية حذف منها المستفهم عنه، وأُبقيَ على
المستفهم عنه نكرة، فتصبح النكرة مفتوحة الدلالة، ويبقى المستفهم عنه مجهول أي ما
الحدث أو الشيء الذي سُئل عنه في العنوان؟ .
أما في معناها اللغوي فتعني كلمة ( لماذا ): كلمة
مركّبة من لام الجرّ التي يُراد بها التّعليل و (ما ) الاستفهاميّة والموصول الاسمي ( ذا )
وهذا
ما يعكس مضمون الرواية الذي تستفهم عن سبب
أو أسباب وقوع الأحداث المتتابعة التي تحدث للشخصية البطلة "هدى"، وكذا عن
الانحلال والتمزق الذي يعيشه الوسط
الاجتماعي الذي تجري فيه أحداث الرواية، أما عن حذف المستفهم عنه فتقديره في الرواية
حتى أنه في غلاف الرواية وُضعَت نقاط حذف وعلامة تعجب بدل علامة استفهام، وربما
المحذوف في العنوان يعرف بعد قراءة الرواية، ولعل الغاية من هذا الحذف هو إستفزاز
القارئ للبحث عن المستفهم عنه داخل متن الرواية.
وفي
الرواية تكررت مفردة العنوان عدة مرات كالتالي:
1-
لماذا: 11 مرة
2-
في ما معنى لماذا ( لِمَ): 5 مرات
وما يلاحظ أن عنوان الرواية أخذ بعدا إيحائيا لمضمونها
إذ تكررت مفرداته في المتن، وكذلك نجد
عنوان الرواية يتجلى كما هو في متن الرواية، أي الاستفهام عن المجهول مثل النماذج
التالية:
-كان يحاول احتضاني بينما انتفضت صارخة بأعلى صوتي بعدما
دفعته بكل قوتي إلى الطريق
لماذا؟[8]
والكاتبة تستمر في التلميح عن المستفهم عنه،
والإبقاء عنه مجهولا مع تتابع الأحداث وتأزمها، ليظل القارئ مشدودا نحو معرفة
المستفهم عنه، وحتى الصفحة 76 من الرواية تلمح الكاتبة لدلالة العنوان حين تقول
على لسان الشخصية البطلة هدى:
لماذا؟
لماذا؟
لماذا؟
يحدث لي كل هذا[9]
إن المعنى الدلالي السياقي
للاستفهام هو التعبير عن حالة القلق و" لا ريب أن القلق يتشكل في أكناف
الواقعية الإنسانية، بل هو جزء من هذه الواقعية، ووجه لها، وهذا يعني -من ناحية-
أن في الهوية الإنسانية استعدادا كينونيا للشعور به، ويعني من ناحية أخرى، أنه
لابد من مكونات تجعله بهذه الكيفية دون ذلك وأهم مكوناته، الشعور بالمسؤولية،
والشعور بالإحباط، والشعور بالنقص والعجز، والشعور بعدم التكيف مع الواقع "[10] وهذا
ما يتجلى لنا في شخصية البطلة هدى القلقة دوما والمحبطة والعاجزة الرافضة للواقع
وما تعيشه من آلام.
والمتلقي
عند قراءته للعنوان سيقف موقف الحائر إذ ليس من المألوف أداة استفهام بدون جملة
استفهام، ولا علامة تعجب في جملة استفهامية،وهذا الانزياح والعدول يعد إبداعا
يُغري القارئ للعنوان فيتوقع أن تحمل الرواية إبداعا أكبر مما هو في العنوان.
والعنوان
أدى وظيفة إغرائية إلى جانب وظيفته التعيينية ،وتبرز إغرائيته من خلال غموضه
وتشَّكُلِه من جملة حذفت أركانها واستبدلت علامات الترقيم فيها.
مما سبق نخلص إلى أن العنوان في رواية " لماذا.. !" شكل
عتبة مهمة من العتبات النصية الملازمة للرواية، من خلال تحديده لمضمون الرواية،
وإغراء المتلقي في الولوج إلى عالمها، وكذا من خلال اقتباس مفرداته من مضمون الرواية،
وهنا يكمن قصد اختيار العنوان بدقة.
صفحة الكاتبة على الفيسبوك: Zeroual Nour El
صفحة صاحب المقال: محمد صديق بوهند
[1]
- ينظر : خالد
حسن حسين: في نظرية العنوان، مغامرة تأويلية لشؤون العنوان، دار التكوين للتأليف
والترجمة، دمشق، ط1، 2007م، ص 15
[2]
-
محمد لطفي اليوسفي: لحظة المكاشفة الشعرية والإطالة على مدار الركب، الدار
التونسية للنشر، تونس، ط1، 1992م، ص 18
[4]
-
قد تتغير الكثير من العتبات النصية في الطبعات مثل لوحة الغلاف، أو دار انشر، لكن
العنوان يملك أقوى ثبات ممكن من بين العتبات الأخرى وهنا تكمن أهميته
[5]
-
فرج عبد الحسيب محمد مالكي: عتبة العنوان في الرواية الفلسطينية، أطروحة ماجستير،
جا نابلس، فلسطين، 2003م، ص 36
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق