لن أنسى ذلك اليوم الذي دخل علينا فيه أستاذ الفقة، وكنا في الأسبوع الأول من الدراسة وقد انتقلنا من المدرسة الإبتدائية لنلتحق بالصف الأول الإعدادي في المعهد الأزهري. وطلب منا المدرس أن يسجل كل منا اسمه في مذهب من المذاهب الأربعة ( المالكي- الحنفي- الشافعي- الحنبلي) ليقوم بدراسته والتعمق فيه.. ولن أنسى أيضا تلك الحيرة الكبيرة التي انتابتني- حيث أن ذلك كان أول تحديد للمصير- وأذكر أنني لم أدع أحدا من أساتذتي ومعارفي إلا وقد استشرته! وأخيرا استقر بي الرأي علي المذهب الحنفي، بعدما علمت أنه أسهلهم. هكذا قيل لي. واختار الأخرون مذاهبهم وبدأ كل منا يستذكر دروسه ويتعمق في دينه وكنا نتناقش فيما بيننا عارضين ما تشابه من مسائل فقهيه وما اختلف فيها.. وكان لا ينكر أحدنا على الأخر... بل كنا وقت الفسحة نذهب لنصلي الظهر خلف مدرس الفقة مطبقين ما تعلمناة من مسائل في الوضوء وفي الصلاة. فأذكر أنني كنت أقف واضعا يدي تحت السرة ويقف عن يمني زميلي واضعا يديه فوق السره طبقا لمذهب الشافعي، ويقف عن يساري زميل لي واضعا يديه على السرة مطبقا مذهب الإمام أحمد بن حنبل. أما الأستاذ وكان مالكيا فقد ترك يداه مفرودتان.... ولم يكن ينكر أحد منا على الأخر..
هكذا تعلمنا فن الإختلاف... وفن احترام رأي الأخر... تعلمنا أن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب... تعلمنا الوسطيه في كل شئ...
وأعتقد أن ابتعاد مجتمعنا عن هذه الثقافه أدي بنا إلى ظهور تلك التيارات أحادية الفكر وأحادية النظرة... ومن هنا بدأ الصراع..
وأذكر أيضا أنني قرأت مقالا منذ عامين كتبه مهندس سويسري اسمه "ساشا" كان يعيش في أرض اللواء؛ وهي منطقة عشوائية مكتظة بالسكان. هذا المهندس جاء ليستكمل مشروعاً بدأه فى مناطق أخرى من العالم، لدراسة أنماط وتقاليد البناء غير الرسمى، الذى نسميه «العشوائيات»، والتعرف على الجوانب المعمارية والإنسانية للمساكن التى يبنيها الأهالى دون تخطيط رسمى أو ترخيص حكومى.فماذا كتب في تقريره؟!
كتب هكذا:-
«لاحظت أن معظم مساكن (أرض اللواء) مغلقة من 3 اتجاهات وليس لها إلا واجهة واحدة مطلة على الشارع، وهذا فى رأيي يحدد الكثير من السمات وطبائع البشر، فمثلاً صار من الطبيعى ألا يعرف سكان هذه المساكن إلا وجهة نظر واحدة فى الحياة، لأنهم يتعودون على النظر والحركة فى مسارات ضيقة ومحددة سلفاً، كما أن (الفيو) الذى يطلون عليه لا يشجع على التأمل لأنه مغلق ويخفى الأفق وأى فضاءات مفتوحة»
إنني أحمد الله أن وفق والدي كي يلحقني بالتعليم الأزهري... وأحمد الله أن وفقني فيه... وأفتخر دوما بذلك...
والله المستعان
محمد شحاتة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق