وفي
حوالي الثامنة والنصف انطلق بنا الأتوبيس نحو الشمال، ليقترب بنا أكثر فأكثر من
الحدود التى تفصل جمهورية ألمانيا الاتحادية عن المملكة الدانماركية، وبالتحديد
إلى مدينة قديمة كانت تابعة للحكم الدانماركي: إنها مدينة فلنسبورغ التى يسكنها حوالى
88 ألف نسمة ويعيش فيها أقليلة دانماركية لا بأس بها!
وليس
من السهل بمكان وصف ما رأيت على جانبي الطريق من جمال في الطبيعة، وتناسق في ألوان
البيوت، وتنظيم في الشوراع، ونظافة في الطرقات. وليس من السهل كذلك التصديق بأن ما
يراه المرء هنا هو من صنع البشر، وأخذت أفكر في الجنة ونعيمها، وأخذت أتساءل: إذا
كانت هذه الجنة هي من صنع البشر فماذا عن صنع الله؟! ثم صرت أردد قول الشاعر:
إلهى شاقنى هذا الوجود *** فذي
الدنيا فما بال الخلود
وأخذت
أفكر كذلك فيمن يعيشون في هذه البيوت مستمتعين بهذه الطبيعة الساحرة، وبدأت أحسدهم
على ماهم فيه، فلو قدر لهم دخول جنة الآخرة؛ فقد نالهم الحظ مرتين. وإن لم يقدر
لهم دخولها فقد دخلوها في الدنيا. أما أنا فلا سبيل أمامي من دخول جنة الآخرة!
والحق
يقال أن الطبيعة وجمالها، والنظام ودقته، والنظافة وروعتها، والبيوت وتناسقها لم
تكن وحدها من شغل تفكيري في هذه المسافة القصيرة من زانكلمارك إلى فلنسبورج؛ بل إن
خلو الشوارع من البشر، وندرة المارين بها، أثار كذلك في نفسى أسئلة كثيرة. أين
البشر، أين الناس الذين يعيشون في هذه المدينة، ألا يخرجون؟ إن كل شي هنا بنظام
ويسير حسب جدول زمنى محدد، تحدده الحكومة للمواطنين، ويحدده المواطنون لأنفسهم.
أريد أن أبقى هنا!
وانتبهت من هذا كله عندما توقف بنا الأتوبيس
أمام مدرسة دانماركية تسمى (مدرسة دبورج الثانوية ) وهي مدرسة قديمة بنيت سنة
1920، وفيها يتم تعليم اللغة الألمانية والدانماركية كلغة أم، ثم يدرس فيها بقية
المواد باللغة الدانماركية. وقد وصل عدد التلاميذ فيها إلى حوالى خمسمائة تلميذ.
وفي
صالة كبيرة استقبلنا فيها السيد جينز كريستيانزين الأمين العام للمنظمة الثقافية
الدانماركية في فلنسبورج، فرحب بنا كثيرا ثم وقف يحكي قصة الأقلية الدانماركية
في ألمانيا فأخذ يقول:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق