الأحد، نوفمبر 01، 2015

تونس الخضراء 9

بعد سفر يوم طويل، استيقظت فيه قبل الفجر، وقطعت فيه آلاف الكيلومترات برا وجوا بوسائل نقل مختلفة بالإضافة إلى حضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ثم تناول العشاء، كل هذا جلعني أعتذر عن الخروج مع الزملاء للسهر على إحدى مقاهي سوسة، واضطرني لأرتمي فوق  السرير.
 استيقظت على صوت المؤذن ينادي لصلاة الفجر، توضأت ونزلت أتتبع صوته حتى وصلت إلى مسجد صغير من طابقين، فاجئني العدد الكبير للمصلين، وفاجئني أكثر أن معظم المصليين من الشباب. لاحظت اختلافا بين صلاتنا في مصر والصلاة في تونس؛ فالإمام يقرأ القرآن برواية قالون عن نافع، ويصمت صمتا طويلا بعد أن ينتهي من القراءة قبل الركوع، حتى أنني ظننته قد نسي ويحتاج لمن يذكره، ولاحظت كذلك أنه يسلم بتسليمة واحدة بقوله "السلام عليكم" !
عند باب الخروج سألت أحد الشباب عن الطريق إلى وسط المدينة، تحدث إلي بلهجة تونسية بها كلمات لم أفهمها مثل: لواج، هز، فِسا فِسا، طول طول! عرفت بعد ذلك أنه يقصد: اركب (هز) مكروباصا (لواج) سريعا (فسا فسا) على طول (طول طول)!
قلت له لا أريد أن أركب سيارة، أريد أن أمشي، فأشار إلى الطريق!
أشياء كثيرة لفتت انتباهي على طول الطريق أهمها اللافتات، وقد لا حظت- كما كان الحال كذلك عند زيارتي للمغرب العام الماضي- أن هذه اللافتات مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، ولاحظت كذلك أن اللغة العربية ما هي إلا ترجمة حرفية لما كتب بالفرنسية، وأن هذه الترجمة قد تكون في بعد الحالات غير مفهومة لي كمصري؛ فلافته تشير إلى "ممر مرتفع" احترت في فهم المقصود منها، وتبين لي بعد فترة أنها تعني "مطب صناعي"، أو (بوليس راقد) في اللغة التونسية الدارجة، أما لافتة "مأوى بأجر" فلم أستطع فهم مقصودها إلا بعد أن فسرها لي صديق تونسي، وعرفت منه أنها تعني "جراج أو ساحة انتظار للسيارات"، أما لافتة "أولوية مطلقة للمترجلين" فلو كانت موجودة عندنا في مصر لكتبت "الأولوية للمشاة"، وضحكت لرؤية لافتة مكتوب عليها "افسح المجال" ولا أدري من يفسح لمن؟ ولفت انتباهي كذلك أنهم يطلقون كلمة "نهج" على الشارع الجانبي، وإذا كان الشارع ضيقا مسدودا أطلقوا عليه اسم "زنقة".

أما عن أسماء الأطعمة التى تباع في المحلات فحدث ولا حرج، أسماء تحتاج إلى قواميس لشرحها، فقد استوقفتني لافتة على مطعم واجهته زجاجية تشير إلى ثلاثة أصناف من الطعام: الصنف الأول "حوت مشوي"، والصنف الثاني "بريك"، والصنف الثالث "أكلة شعبية". أما بالنسبة للصنف الأول "الحوت المشوي" فقلت لنفسي: مستحيل أن يكون بداخل هذا المطعم الصغير "حوتا" إلا أن يكون مقطعا ويباع بالقطعة، وعليه فكان ينبغي على صاحب المطعم أن يكتب "قطعة حوت مشوي"، أما أن يكتب "حوت مشوي"، فهذا محال. وأما عن الصنف الثاني فلم أفهمه، وكذلك لم أفهم ما تحتوية الأكلة الشعبية من مكونات. ويبدو أن صاحب المطعم أدرك حيرتي فخرج إلى يدعوني للدخول، وعندما دخلت المطعم زادت حيرتي أكثر وأكثر، فبدل أن يشرح لى الرجل أصنافه بلغة مفهومة وبسيطة، شرحها بلهجته التونسية، الأمر الذي ضاعف التعقيد، ولما رآني الرجل لم أفهم شيئا مما قاله أشار إلى لافته معلقة على الحائط بها مزيد من أنواع الأطعمة وأمام كل نوع سعره: وكانت القائمة كالتالي:
كسكروت تن 2000
صحن تونسي   4500
لبلابي          2000
دوزة تن               2000
عظم           300
يا إلهي!  ما معنى كسكروت، وما معنى تن؟ وما هي مكونات الصحن التونسي أم أنه يقدم فارغا؟ وما هو اللبلابي، وهل يؤكل العظم؟!

كل هذه الأسماء كانت عبارة عن ألغاز لم تحل إلا عن طريق المشاهدة، فقد أراني الرجل أن كسكروت تعني ساندوتش، وتن تعني تونه أي أنه ساندوش تونة، وعلمت بعد ذلك أن الصحن التونسي يتكون من أشياء كثيرة لم أتبينها، واللبلابي سأحكي عنه فيما بعد، أما العظم فهو البيض!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق