الاثنين، نوفمبر 30، 2015

تونس الخضراء 24


وقد يجمع الله الشتيتين بعدما *** يظنان كل الظن ألا تلاقيا
وجاء غسان، وجاءت معه ذكريات شهر كامل مر عليه ثلاثة أعوام وآلالف الكيلو مترات. لم تتغير يا غسان، نفس الابتسامة الهادئة، ونفس الوجه الصبوح! ما أروع اللقاء بعد طول فراق!
هل تذكر يا غسان يوم التقينا في برلين؟ أو أيام غدونا ورواحنا إلى البرلمان الألماني؟ لابد وأنك تذكر يوم أن علمتني أغنية تونسية شهيرة مطلعها "يا سواق يا ترياس زيد السرعة فى الفيتاس"؟ أو لعلك لم تنس صلاتنا على سجادتك البلاستيكية الخفيفة التى كنت تحملها دوما في جيبك؟ ما أروع تلك الأيام ياغسان، وما أروع تلك الصحبة!
 نعم أذكر، قالها غسان مبتمسا وهو يجذبني من يدي ويعبر بي الطريق بعيدا عن كورنيش بوجعفر حتى وصلنا إلى مقهى يعرفه.
-         ماذا تشرب؟ سأل غسان.
-         شاي، وياحبذا لو كان مغليا! أجبت.
لم أستطعم طعم الشاي التونسي، وتعجبت كثيرا بل تساءلت: لماذ يقدمونه باردا؟ ولماذا هو أخضر؟ ألا يوجد هنا الشاي الأسود؟ ولم أشأ أن أضيع الوقت في التفكير؛ فمعي من هو أهم، كيف حالك ياغسان؟
مر الوقت سريعاً، أكثر من ساعتين، تحدثنا خلالهما في كل شئ، لا، لم يكن كل شئ؛ فحديث الأصدقاء لا ينتهي، لذا تواعدنا أن نكمل الحديث في اليوم التالي وفي مكان آخر.
أصر غسان أن يوصلني إلى الفندق، ومشينا من طريق مواز لطريق الكورنيش، طريق امتلأت جوانبه بمقاهٍ وملاهٍ ليلية فاحت منها رائحة الخمور، وعلت فيها أصوات ضحكات خليعة لفتيات ليل، وزادت فيها دقات الطبول، وارتفعت فيها الموسيقى الصاخبة، ووقف على أبوابها بودي جاردات بعضلات مفتولة يرمقوننا. قال غسان متأسفا: تجنب المشي في هذه الأماكن بمفردك ليلا يا عزيزي!

لا أدري لماذا تذكرت ما حكاه لي أحد الأصدقاء من أمر فتيات الليل، ربما لأنني رأيت ما حكاه لى وقد تحقق أمام عيني على الطبيعة، أو ربما لأنني ظننته يبالغ في الأمر؟! لا، واضح أنه لم يكن يبالغ، فقد حكى لي أن شابا عرض عليه أن يأتيه بفتاة ليل مقابل مائة دينار، بل ظل يراوده حتى نزل بالسعر إلى خمسة عشر ديناراً! ساعتها لعنَّا الفقر والجهل و الإرهاب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق