دخلنا حلبة المصارعة في قصر الجَم، فشعرت برهبة كبيرة وألم؛ فكم من دماء أسيلت على أرض
هذا المكان، وكم من أرواح أزهقت، وكم من قهقهات وضحكات ودموع! تجولنا في الحلبة
حتى وصلنا عند باب يقودنا أسفلها حيث رواقان يصلهما الضوء من الفتحة الوسطى للحلبة،
إضافة إلى فتحتان من جانبي الحلبة كانت تستخدم لرفع الوحوش من أسود ونمور،
والمصارعين من أسرى الحرب، هكذا أخبرنا أحد حراس المكان وأضاف: كان المصارعون
والوحوش يأسرون في غرف تحت الحلبة ليتم إطلاقهم في الأعياد والمناسبات الضخمة،
التي تشهد إقبالا جماهريا ضخما من الشعب والنبلاء، الذين يجلسون في المدارج
لمشاهدة مصارعات الوحوش ومعارك المصارعين من أسرى الحروب وسباقات العربات.
-
وماذا عن هذا الممر المغلق؟سأل أحدنا
-
هذا الممر المغلق كان عبارة عن طريق بطول أربعين كيلو متراً تحت
الأرض يصل هذه الحلبة بمدينة المهدية وقت الحرب؟! أجاب الحارس.
-
أربعون كيلو متر؟ تعجبت!
لست أدرى إذا ما كانت هذه
المعلومة صحيحة أم أنها من تأليف حارس المكان، فبحكم عملي السابق في السياحة أعرف
أن ثمة مبالغات وأساطير تحكى من العاملين في السياحة لإثارة السائحين وجذب
انتباههم، وعلى كل فلا شك عندي في أن هذا المعلم الضخم قد شهد عدة معارك، ويقال
أنه أثناء الفتح الإسلامي لإفريقية أوائل القرن الثامن الميلادي احتمت به الملكة
البربرية "ضميا" الملقبة بالكاهنة مع جيشها لمدة أربع سنوات، إثر
هزيمتها في المعركة الثانية أمام القائد حسان ابن النعمان. وفي سنة 1695 تم هدم
الجانب الغربي لهذا الأثر بأمر من باي تونس بعد أن اتخذه السكان حصنا لهم في
ثورتهم ضد حكم الباي وقتذاك.
في الكلوسويوم أو في القصر
كما يسمونه هنا وبالتحديد في حلبته، و بالتحديد أكثر على مدرجاته، ووسط أحجاره،
وممراته، التقطنا صورا كثيرة، جماعية و فردية، صورا حملت معها جزءا من الماضي
البعيد، جزءا يحتاج إلى تأمل، ولو كان الأمر بيدي لجلست فيه وقتا أكبر، فقد كنا
على موعد آخر لرؤية شئ جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق