خرجت من مطعم الحوت بشعور مختلف عن الشعور الذي دخلت به،
شعور من فقد نقوده، فقبل دخولي المطعم كنت أملك عشرة دنانير، الآن وقد تبخرت، فلم
يعد يمكنني أن أشتري شيئا آكله، ولم يعد بوسعي حتى الجلوس على مقهى! لقد انكسرت!
سرت في طريقي مكتئبا حزينا، وما أخرجني من هذا الشعور سوى ورقة
معلقة على حائط، ورقة استوقفتني لبضع دقائق، كي أفك طلاسمها، كانت عبارة عن طلب
مدرسة لغة انجليزية استبدال مكانها بمكان آخر في معهد آخر، وكانت الورقة مكتوبة
كالتالي:
" مناقلة
أستاذة لغة إنقليزية بمعهد حمام سوسة 2 ترغب في مناقلة مع
أستاذ أو أستاذة من معهد الذكور بسوسة أو معهد الفتيات بسوسة."
لفت انتباهي في هذه الورقة أمران: الأمر الأول وهو العنوان
الذي توسط أعلى الطلب: مناقلة؟ كلمة ثقيلة، لا نستخدمها في مصر وبحثت عن مرادفها
في لهجتنا فرأيت (مبادلة أو بدل). والأمر الثاني وهو طريقة كتابة اللغة
الإنجليزية، فهم يستبدلون الجيم بالقاف.
تركت الورقة بعد أن احتفظت بصورة لها على هاتفي ثم واصلت
السير صوب وسط المدينة، وإذا بقدماي تقودانني حيث سور قديم، تبينت بعد قليل وقت
أنه سور لقلعة أثرية كبيرة، وقف أمامها عدد كبير من الميكروباصات، جميعها باللون
الأصفر وتحمل كل واحدة منها لوحة مكتوب عليها اسم المحطات التى تنطلق منها و التى
تعود إليها. في هذا المكان أحسست أنني في القاهرة، لا سيما وأن صوت المنشاوي وعبد
الباسط كانا يصدحان في المكان فأضفا عليه هدوءً وسكينة، على الرغم من حركة الناس التى
بدأت تزداد شيئا فشيئا.
سرت مع السور لنهايته، ورأيتنى أقف في ميدان كبير شممت فيه
رائحة البحر، ثم نظرت عن يميني فإذا بي أرى مبنى البنك المركزي بسوسة، اقتربت منه
على أمل أن أغير عملتي المنتهية الصلاحية بعملة جديدة سارية الصلاحية، إلا إن
الوقت كان لايزال مبكرا، فلم تكن قد دقت السابعة بعد، لذا وليت وجهي شطر البحر حتى
وصلت إلى كورنيش بوجعفر، وأول ما لفت انتبهاي في الكورنيش هو صخرة كبيرة تلتطم بها
أمواج البحر، رسم عليها شعار فريق النجم الساحلي وتشتهر بـ "نجمة بو
جعفر" عندها يلتقي الأحبه، فيجعلونها في كثير من الأحيان خلفيه لصورهم. كان
الكورنيش خاليا من المارة، وكذلك شاطئ البحر، أما مياهه فكان بها بضعة رجال ونساء
يسبحون، كما كان هناك أيضا بعض الصيادين الهواه، وودت لو كانت معي سنارة لأصطاد
بها، فأنا أهوى الصيد كثيرا.
الفنادق المطلة على الكورنيش معظمها مغلق، إما للترميم،
وإما لخلوها من السياح، وصدق الدكتور جنيج حينما قال: "سوسة مدينة
منكوبة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق