السبت، نوفمبر 21، 2015

تونس الخضراء 19

إلى المهدية...

بعد الجم كانت المهدية، وما أدراك ما المهدية، سألت السائق عن رأيه في المهدية، فابتسم وأخذ نفسا عميقا كأنما أراد أن يستجمع قواه استعدادا لقول شئ مهم، وبدوري اعتدلت في جلستي وانتظرت أن أسمع منه حديثا شيقا عن المدينة وتاريخها وأفضل معالمها، إلا أنه لم ينطق سوى بجملة واحدة مكونة من أربع كلمات، قال: "المهدية جميلة برشا برشا"
كدت أقول له المقولة الشهيرة لقاضي مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" "نورت المحكمة"، ذلك عندما سأل القاضي عادل إمام عن ماهية عمل القتيلة، أجاب إمام: إنها تعمل راقصة .. ووو .. فسأله القاضي عما إذا كان لديه إضافة أخرى، فقال: أريد أن أضيف (علاوة على أنها راقصة كانت ترقص!!) فما كان من القاضي إلا أن علق تعليقته الظريفة المعبرة ذات المغزى : يا عيـــــني .. نورت المحكمة! لم يضف السائق لي كذلك شيئا يذكر، فقوله "المهدية جميلة برشا برشا" شئ مفروغ منه، وكنت أود لو يحكي لي عن أفضل ما فيها، أو لعله ذكر لي شيئا عن تاريخها أو موقعها الجغرافي أو حتى الصناعات التي تشتهر بها.
ولم يمض طويل وقت حتى رأيت كل شئ بنفسي على الطبيعة، بدءا من "باب الفتوح" ويسمونه "باب زويلة" أو "سقيف الحكلة"، مرورا بجامع "المهدية الكبير" وهو أول مسجد بني في المهدية، وصولا إلى "البرج الكبير".
وحيث أن محرك السيارة قد توقف عند الثانية عشرة وخمس دقائق وعشرين ثانية بالقرب من وسط المدينة العتيقة، مدينة المهدية[1]، فقد اتفقنا جميعا على أن نعود إلى نفس المكان بعد ساعتين ونصف، ترى هل هذا وقت كاف لرؤية المدينة الساحرة؟
بالطبع لم يكن وقتا كافيا، لا سيما وقد أضعنا أكثر من ثلثه في التسوق، حتى وجدتنا نسرع (الدكتور سامح اسماعيل وأنا) نحو القلعة القديمة أو كما يطلقون عليها برج المهدية الكبير أو البرج التركي، فصعدنا منحدرا كبيرا أرهقنا صعوده، حتى وصلنا بابها الخشبي الكبير، عنده عرفنا أن القلعة يعود بناؤها إلى زمن الأتراك الذين شيدوها على أنقاض قصر القائم بأمر الله الذي تولى الحكم بين سنتي 934 و945 م.



[1] تم تـأسيس المدينة على يد الفاطميين وجعلوهـا عـاصمة للخلافة سنة 308هـ./920م، حيث اتخذهـا الخليفة الأول عبيد الله الفـاطمي عـاصمة له بسبب موقعهـا الجغرافي المميز؛ فهي تطل على البحر المتوسط من ثلاث جهـات، جعلت من المدينة حصنـا منيعـا قادرا على التصدي للغزوات الخـارجية وجعلهـا مركزا تجـاريا هـامـا بالحوض المتوسط.
وبعد خروج المعز لدين الله الخليفة الفـاطمي إلى مصر سنة 360هـ./970م، وتـأسيس مدينة القـاهرة حكم الصنهـاجيون إفريقية ولكنهم تـألبوا فيمـا بعد على الفـاطميين، فانتقم هؤلاء منهم وأرسلوا إليهم القبـائل الهلالية التي ساهمت في نشر قدر كبير من الفوضى، ومنذ ذلك التـاريخ توالت الحملات ضد المدينة من الأساطيل الأوروبية وخاصة الإسبانية حيث تراوحت حال المدينة بين السقوط والاسترداد، وقد انتهى كل ذلك بتدميرها وحرقهـا من طرف الإسبان في سنة 1555م. وبذلك فقدت المدينة أهميتها كعـاصمة إلى أن قامت العناصر التركية بإعادة إعمارها حيث أعطتهـا طابعـا جديدا تحولت بموجبه إلى مدينة نـشطة يتعـايش فيهـا المسلمون والمسيحيون واليهود ويرتكز اقتصـادها على قطـاعات متعدّدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق