الاثنين، نوفمبر 02، 2015

تونس الخضراء 10


أسعار المأكولات بدت لي خرافية وغير منطقية، فكسكروت التن بألفين، وهو نفس سعر الحوت المشوي؟ سألت الرجل وما الحوت المشوي؟ فأراني سمكة صغيرة أشبه بسمك السردين! سألته: وهل هذه بألفين؟ أجاب نعم ألفي مليم أي دينارين للحوت الواحد.
-         أوَ تطلقون على السردين حوتا، فماذ تطلقون على الحوت الكبير إذن؟
-         نطلق عليه حوتا كبيرا.
أراد الرجل أن يبين لي أن تسميتهم للسمك الصغير بالحوت قد وردت في القرآن الكريم واستشهد بقوله تعالى في سورة الكهف: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) )
ومن جانبي فقد ذكّرته بقوله تعالى: (فالتقمه الحوت وهو مليم) الآية 142 سورة الصافات، وأخبرته بأن لفظة الحوت قد وردت في القرآن الكريم خمس مرات في أربع سور[1]،  ثم امتد بنا الحديث بعد ذلك وتشعب، حتى رأيت الرجل يفتح درج خزينته كي يرينى العملة التونسية، حينها أخرجت له من جيبي عشرة دنانير ورقية سألته أن يفكها، وما كاد الرجل يرى العشرة دنانير حتى تغيير لون وجهه، ودون أن يستأذن مد يده فاختطف العشرة دنانير من بين يدي متسائلا: من أين حصلت عليها؟ أجبته: من صرافة في مصر؟ قال: هذه الورقة لم تعد متداولة، لقد ألغيت منذ بضعة أشهر!
أصابتني صدمة، أفقدتني التفكير في كل شئ، إلا شيئا واحدا انتبه تفكيري إليه وتوقف. عشرة أوراق أخر من نفس النوع، نوع هذه العشرة دنانير الورقية الملغية، يا إلهي لقد تركتهن جميعا في الفندق؟ لقد خدعت؟!
رأى الرجل صدمتي، فحاول أن يساعدني، قال أمامك حل واحد ووحيد، عليك أن تذهب إلى البنك المركزي ومعك جواز سفرك، وهناك، هناك فقط سوف تستبدل هذه العملة بالعملة الجديدة.
البنك المركزي؟! وأين البنك المركزي؟ أجاب الرجل: هنا في سوسة.
عرفت بعد ذلك أن للبنك المركزي التونسي اثني عشر فرعا تكاد تغطي خريطة تونس: تونس العاصمة، بنزرت، سوسة، صفاقس، نابل، قابس، قفصة، القصرين، القيروان، مدنين، جندوبة، المنستير.
وقبل أن أودع الرجل كان لا يزال سؤالا يلح عليّ، ولم أجد بدا من أن أسأله، قلت له: هلا أخبرتي بالسر وراء إلغاء هذه العملة؟ أجاب بلا تردد: لأنها تحمل شعارات تعود إلى حقبة بن علي!
وبعد أن ابتعدت عدة خطوات عن المطعم تذكرت شيئا مهما اضطرني للعودة إليه، قلت للرجل: ماذا لو أبدلتني العشرة دنانير الورقية بثمان معدنية؟!




[1] سورة الأعراف الآية 163، سورة الكهف الآيتين 61 و 63، سورة الصافات الآية 142، سورة القلم الآية 48

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق