الخميس، نوفمبر 26، 2015

تونس الخضراء 22


طريق عودتنا من المهدية كان على خلاف طريق الذهاب، طريقا زراعيا تزينه أشجار التين الشوكي المثمرة، في هذا الطريق كانت أشجار التين الشوكي تحتل مساحات أكبر، حتى رأيتها تغطي على أشجار الزيتون، قيل لي أن محافظة القصرين تحتل المرتبة الأولى من حيث مساحة زراعته، ومن حيث الإنتاج كذلك. وقيل لي: في فصل الصيف من كل عام تنتشر صناديق التين الشوكي لتباع للمارة. وعندما سألت صديقي التونسي غسان عن كيفية جمع هذه الثمرة الشائكة قال لي: عند الصباح الباكر وعندما يكون الجو هادئا تبدأ عمليات قطف “الهندي” من “الضلف” أي أوراق التين الشوكي باعتماد ما يسمى “الكماشة” (عود طويل يتفرع إلى ثلاثة أفرع في نهايته ليقطف الثمرة) وهي تختلف من شخص إلى آخر، وغالبا ما تكون من أغصان شجرة الدفلى وأحيانا تصنع من الحديد. بعد القطف يوضع “الهندي” على الأرض يتم مسحه للتخفيف من الشعيرات الشوكية العالقة بالثمرة ويفرش الصندوق ببعض النباتات لحماية الثمرة، ثم ينقل للبيع إما على قوارع الطريق أو في بعض المدن القريبة من مناطق إنتاجه. وينادي عليه البائعون بقولهم: "هندي تالة يا وكَّالة" أي (هندي تالة يا أيها الآكلون) أو بقولهم "هاو سلطان الغلة" أي (هذا سلطان الغلال).
من لي بثمرة تين هندي الآن؟
تركنا التين الهندي وشأنه، والزيتون وحاله، ثم مررنا بعدة قرى، بعضها مكتظ بالسكان، وبعضها خال منها، حتى رأيتنا نتوقف أمام سور طويل لمبنى مرتفع يحمل لافتة مكتوب عليها ( كلية الحقوق والعلوم السياسية)، تذكرت أن موعد لقاءنا بالدكتور رضا جنيح وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية قد حان، وقد يكون من الممل هنا أن أتحدث عن تفاصيل هذه الزيارة، إذ أنها لم تعد كونها زيارة روتينية جافة، من نوع تلك الزيارات التي يتعرف فيها الباحثون على بعضهم البعض، ثم لا يجدون سوى ممرات الجامعة و مكتبتها أماكن تستحق الزيارة.
 ولو سُمح لي بالحديث عن مشاعري الداخلية وما خرجت به من هذه الزيارة لأفضت وأبحت، فقد كان بطل هذه الزيارة بلا منازع هو الدكتور سامح اسماعيل، فبسببه فُتحت لنا الأبواب الموصدة، ولأجله انتقلنا إلى القاعة المغلقة، ورأيته يُحمل من على الأرض حملا، ويمشي في مقدمة الجمع.

لقد حُرم الرجل من ساقين تحملانه، فسخرنا الله له لنحمله عند كل درج، وضاق باب مكتب العميد أمام عجلته، فانفتحت لأجله قاعة الاجتماعات، واشرأبت أعناق الأساتذة فخرا وزهوا فانحنت أمامه تلك الهامات لتسلم عليه. وإن في ذلك لعبرة لأولي الألباب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق