الثلاثاء، يونيو 11، 2013

الربيع العربي في برلين 159





ونودي لاستراحة مدتها عشر دقائق، وأسرعت الخطى نحو البوفيه فطلبت فنجانا من القهوة، فقدمه لى شاب في العشرينات من العمر بقوله باللغة العربية " تفضل"، قلت له هل أنت عربي؟ فأجاب: أنا تونسى!
ودار بيننا حديث قصيرعرفت منه أنه يدرس في جامعة دوسلدورف، وأنه بجانب الدراسة يقوم بالعمل  في بوفيه الشركة التى تقوم بتنظيم المؤتمرات، واحترمت فيه ثقته بنفسه، وأجبت فيه تواضعه، وأعجبتنى كثيرا ابتسامته الملئية بالأمل الممزوج بالتفاؤل!
وطلبت فنجانا آخر من القهوة، ثم عدت إلى اشتيفان وكان يتحدث في هاتفه، فاقتربت من هننج وخرجنا سويا إلى البلكونة، وبدى لى المعرض كبيرا جدا، فلم تستطع عيناي أن تأتيان على نهايته أو بدايته، قال لى هننج: "أنت تعرف أن ألمانيا هي بلد السيارات الأول عالميا بلا منازع، فمنذ أواخر القرن التاسع عشر حينما فتح كارل- فريدريش بنز وجوتليب دايملر الباب لإنتاج السيارات وحتى هذه اللحظة  ظهرت مئات الاختراعات والابتكارات في مجال السيارات. وأصبحت ألمانيا قبلة للمستوردين، وبدأت ألمانيا في إقامة المعارض لهذا الغرض. فأقامت معرضين أحدهما في فرانكفورت والآخر هنا في هانوفر، وكلا المعرضان متخصصان في مسألة النقل والتنقل. وفيهما يطلع المهتمون والزوار من شتى أنحاء العالم على أحدث الاتجاهات والاختراعات في مجال السيارات، ويتسابقون في إلقاء النظرة الأولى على آخر مبتكرات منتجي السيارات العالميين!"
وأنهى اشتيفان مكالمته ثم عدنا حيث أماكننا فحضرنا ثلاثة لقاءات أخرى انحصر الحديث فيها عن التكنولوجيا الخضراء والمنتجات الصديقة للبيئة، والموفرة للطاقة، ثم قمنا بعد ذلك فخرجنا من القاعة لنلتقي برجل اصطحبنا داخل المعرض.
 وذهب بنا الرجل في البداية إلى معرض شركة "بوش" فاستقبلنا الموظفون فيها بحفاوة بالغة، وأخذ مصورالشركة يلتقط لاشتيفان الصور من كل اتجاه، وبطبيعة الحال كنت حريصا على أن أظهر معه فيها. وكان الكرم والحفاوة مبالغ فيهما كثيرا حتى أحسست بأننى مهم! ودعونا على غداء عمل خفيف معه مشروب سريع وأخذ موظفو الشركة يتحدثون مع اشتيفان عن كيفية دعم الشركة في البرلمان الألماني، وغير ذلك من الأمور التى لم أهتم كثيرا بسماعها؛ فقد كانت أضواء المعرض تشدنى نحوه شدا وتجذبنى جذبا، ثم انطلقنا بعد ذلك إلى معرض آخر أفخم وأضخم قامت به شركة السيارات الأولى في العالم "مرسيديس"، وما أدراك ما مرسيدس تلك الشركة التى سىجلت العديد من براءات الاختراع؛ فهي أول من ابتكرت نظام الكوابح المانعة للتعليق ABS ، وهي أول من أتى بفكرة الوسائد الهوائية، وأول من اكتشف نظام الأضواء المتحركة مع عجلة القيادة لتقليل المفاجآت عند المنعطفات، ونظام الأمن ما قبل الحادث، وهي التى ابتكرت فكرة الزجاج المتحطم للخارج وغيرها من أنظمة السلامة والأمان المتعددة. وفي معرض مرسيدس شاهدت أتوبيسات السياحة وماكينات النظافة العملاقة والجرارات الزراعية الكبيرة!
وذهبنا بعد ذلك إلى شركة أخرى تسمي"إي"، ثم إلى شركة "مان" فجلسنا فيها قليلا وأخذ اشتيفان يتحدث مع مندوب الشركة، وأمسكت بتذكرة القطار أقرأ فيها، وصعقت عندما وقعت عيناي على ثمنها "مائة وسبع عشرة يورو"، يا إلهى! إنه مبلغ كبير جدا، قمت بضربه في ثمانية "سعر صرف اليورو مقابل الجنيه المصرى" فجاء حاصل الضرب تسعمائة وست وثلاثون جنيها" ماذا لو طلب مني اشتيفان أن أدفعها؟! أعتقد أنه لن يفعل، فهو من قدم إلى الدعوة! ثم أخرجت تذكرة دخول المعرض ورأيت أن سعرها تسعة عشرة يورو، فما أكرمك يا اشتيفان!
كان المعرض كخلية نحل، لا يكف الناس فيه عن الحركة، وكانت فيه أنشطة كثيرة ومختلفة اجتذبت إليها مجموعات كبيرة من الزائرين، فالشاشات الكبيرة التى تعرض أفلاما، والمسابقات التى يفوز الناس فيها بجوائز قيمة، إلى جانب حفلات الغناء والرقص أضفت على المكان حيوية جعلته أشبه بالمهرجانات والأعياد. ولم يكن أمامنا وقت للاستمتاع بتلك الأنشطة، ولا حتى للوقوف أمامها، فموعد قطار العودة إلى برلين قد حان وقته، فأسرعنا الخطى خارجين من المعرض كما دخلناه مسرعين!
وفي محطة المعرض وصلتني رسالة من "ليلى أرمانيوس" تدعوني فيها مع أحمد ورامز على عشاء مصرى صميم في مساء الغد، وبدلا من أن أرد على الرسالة برسالة مماثلة قررت أن اتصل بها، وشكرتها على الدعوة الكريمة ثم حددنا الموعد. وجاء القطار فركبناه إلى محطة هانوفر الرئيسية، وكانت مذدحمة ازدحاما كبيرا، وتأخر القطار لعشر دقائق عن موعده، وتنبأ اشتيفان بأن هذا القطار سيأتى بلا شك ممتلأ، ولن نجد لأنفسنا مكانا نجلس فيه، وبما أنه يحمل معه بطاقة تسمح له بركوب الدرجة الأولى فقد تركنا لنذهب إلى عربات الدرجة الثانية على أمل أن نجد لنا مقعدا خاليا. وودعته على أمل اللقاء غدا في البرلمان الألماني. ثم جاء الأمر كما توقع  فلم نجد مقعدا واحدا خاليا، لنذهب مسرعين إلى عربة المطعم فجلسنا هناك وطلب كل واحد منا فنجانا من القهوة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق