الأربعاء، أكتوبر 18، 2017

فيصل موساوي يكتب: بين القصة القصيرة والرواية 2



بعد هذه التعريفات الموجزة نصل إلى النقطة الأهم في هذا البحث، ألا وهي المقارنة بين تقنيات هذين الجنسين الأدبيين.
        بين القصة القصيرة والرواية:
        القصة القصيرة والرواية جنسان ينتميان إلى فن واحد وهو فن القص، وهذه أولى نقاط التشابه بينهما، وهناك من النقاد لا يفرقون بينهما، بل يعدونهما نوعا أدبيا واحدا، وذلك لتقارب منهجيهما وتشابه تقنياتهما، ولأنهما يعبران عن طبقة اجتماعية واحدة هي الطبقة المتوسطة[1]، فكلا منهما له بداية ووسط ونهاية، وله فكرة وحبكة* وشخوص وحدث ومكان وزمن، إلا أني سأحاول الوقوف على العلامات الفارقة بين الجنسين، وهي: الطول، الرؤية، الشخصيات، الأحداث، الزمن والمكان، البناء، اللغة، الأسلوب.

1-    الرؤية:  يقصد بالرؤية "الفكرة"، التي نمثلها بالبذرة التي لم تنبت بعد، فعندما تكبر هذه البذرة «تصبح فكرة لعالم يتشكل بصورة ضبابية، يتخذ له ملمحا من هنا وملمحا من هناك، هذا بالنسبة للرواية»[2] أما بالنسبة للقصة القصيرة فالبذرة «رؤية صغيرة، تمثل فكرة محددة تقف على رأس نقطة، موقف بسيط يستوقف الكاتب، يحس أن له فيه رأيا، وأن له مغزى يستحق أن يفكر فيه ويتأمله»[3] وبهذا تكون الرؤية سابقة للعمل الأدبي.

2-    الطول: منذ الوهلة الأولى يتبادر إلى أذهاننا أن الرواية أطول من القصة القصيرة وأن عامل الطول من أهم الفوارق بين الجنسين، فقد توهم "ألان بو" أنه استطاع حسم مسألة طول القصة القصيرة فقد حدها بأنها «ما نستطيع أن نقرأه في جلسة واحدة، لكن القدرة على القراءة تختلف من شخص إلى آخر، فقد يقرأ شخص رواية في جلسة واحدة، وقد لا يكمل شخص قراءة قصة قصيرة في جلسة واحدة»[4] ومن جانب آخر يرى  "فرانك أوكونور" أن الفرق بين القصة القصيرة والرواية ليس فرقا في الطول، هذا يعني أنه قد توجد رواية طولها ست صفحات، وقصة قصيرة طولها مائة صفحة! فيبقى الطول فرقا أوليا وليس جوهريا[5].

3-     الشخصيات: يتم تصوير الأشخاص في الأعمال السردية وعرضها واضحة في عدة أبعاد كالبعد الجسدي والنفسي والاجتماعي[6]، «والشخصيات في القصة القصيرة تكون عادة محدودة، على حين تكون في الرواية متعددة»[7] فالرواية تتناول حياة جماعة ما في أزمنة مختلفة وكما ذكرنا فإنها تكون طويلة مما يقتضي تعدد الشخصيات التي يكون للكاتب المساحة الكافية لوصفها، فـ«هناك إمكانية أوسع وقدرة أكثر لنمو وعي الشخصيات وتطورها في العمل الروائي وحده، أما في العمل القصصي... فإن هذه الحرية في النمو والتطور غير موجودة في عمل ونشاط الشخصية»[8] مما يحَتِّم على القاصِّ القصد في الوصف.

4-     الأحداث: إن الرواية بإهابها الفضفاض تقتضي تعدد الأحداث، وتواليها في صورة تركيبية أي متسلسلة، بينما القصة القصيرة لا تحتمل غير حدث واحد[9] والحدث هو «مجموعة الأفعال والوقائع مرتبة ترتيبا سببيا مدروسا بالنسبة للكاتب»[10] فلا عشوائية فيها.

5-     الزمن والمكان: مما لا شك فيه أن الزمان والمكان عنصران أساسيان لكل عمل سردي، ولا يختلف اثنان في أن زمن القصة يختلف تماما عن زمن الرواية، فزمن هذه الأخيرة متنوع بين الماضي والمستقبل، في حين أن ولع كتاب القصة القصيرة يتمثل بالزمن الحاضر[11].
 كما «أن الرواية تتناول أحد قطاعات مجتمع ما، وقد تستوعب الحياة في أكثر من شريحة أو قطاع، لترصد ما يجري لها وفيها، عبر فترة زمنية طويلة نسبيا قد تكون شهرا أو سنة أو عدة سنوات»[12] أو حتى قرنا من الزمن. وتختلف تقنيات السرد فقد يذكر الكاتب أحداثا جرت في المستقبل ثم يعود ليسرد أحداثا في الماضي، وهكذا... «أما القصة القصيرة الحديثة، فقد تصور موقفا يستغرق دقائق أو ساعة وربما ساعات أو يوما كاملا»[13] فالزمن فيها لا يمتد.
أما عن المكان فإنه يعتبر «عنصرا مهما تجري الأحداث ضمنه ويعيش الشخوص فيه»[14] فبما أن الأحداث تتعدد في الرواية تتعدد الأماكن كذلك، مما يستدعي التنقل بين المواضيع المختلفة، واستعمال الوصف لرسم صورة كل مكان على حدة[15]، بينما القصة القصيرة لا تحتمل إلا مكانا واحدا، وذلك راجع لــ«طبيعة زمانها وشخصياتها وحدثها الوحيد البسيط»[16].

6-     البناء: لكل عمل سردي بناء ويقصد به "الشكل" أو "المعمار الفني"، ومن الواضح أن المعمار الفني في الرواية يختلف عن القصة، وذلك راجع لحجم الرواية وطولها واتساع عالمها، في حين أن بناء القصة القصيرة يبدأ مع أول كلمة، ومنها ينطلق الكاتب في إبراز فكرته، وهذا ما يجعل البداية فيها ذات أهمية كبرى على عكس الرواية التي تعتبر البداية فيها مجرد جزء من البناء لا أهمية خاصة لها[17].

7-     اللغة: تعتبر اللغة من أهم الفروق بين هذين الجنسين، ذلك أن وظيفتها الأساسية تتوزع «في النص القصصي منذ الجملة الأولى وحتى الجملة الأخيرة»[18]، ولابد للكاتب حتى يتبوأ مكانا لائقا بين مجتمع كتاب هذا الفن أن يكون متمكنا من لغته قادرا على استخدامها في اللحظة المناسبة والمكان المناسب[19]، فللروائي الفرصة في الإسهاب في استخدام اللغة وذلك عن طريق سرد الأحداث المختلفة ووصف الأمكنة والولوج إلى نفسيات الشخوص، وله الحق في أخذ ما شاء من الصفحات للقيام بذلك، أما القاص (كاتب القصة القصيرة) فليس له من الحرية ما للروائي، فجنسه الأدبي «نص مكثف إلى أقصى درجة... وليس ثم مجال لاستعراض قدرة الكاتب اللغوية، اللهم إلا فيما يخص القدرة البارعة في اختيار أدق الكلمات التي لا بديل عنها»[20].

8-     الأسلوب: الأسلوب هو الذي يميز كل كاتب عن غيره من الكتاب، فالروائيون يختلفون في أساليبهم، والقصاص يختلفون في أساليبهم، فما بالك بالاختلاف بين أسلوب الروائي والقاص! فكاتب القصة القصيرة يدفعه ضيق الزمان والمكان إلى «الاعتماد في الأسلوب على التركيز والتكثيف والإيحاء. فلا مجال هنا للتفاصيل والأوصاف الطويلة والجمل الإنشائية»[21] أما الروائي فإنه يستخدم أساليبا وتقنيات متنوعة من أجل الوصف وسرد الأحداث فهو يسردها عن طريق راوٍ خارجي أو على لسان البطل أو يترك الحرية لكل شخصية في سرد المواقف من وجهة نظرها، ويساعده في هذا كما ذكرنا المجال الواسع والمفتوح للرواية.[22]
خاتمة
في نهاية هذا المقال نخلص إلى مجموعة نتائج نلخصها فيما يلي:
1.   الرواية والقصة القصيرة جنسان ينتميان لفن القص.
2.   الرواية والقصة القصيرة فنان نثريان سرديان.
3.   الرواية تتناول قطاعا طوليا من الحياة في حين أن القصة القصيرة تتناول قطاعا عرضيا.
4.   تتوغل الرواية في أبعاد الزمن، بينما تتوغل القصة في أبعاد النفس (نفس القارئ).
5.   الطول بين الجنسين هو فرق أولي وليس جوهريا.
6.   لغة القصة القصيرة وبناؤها يعتمدان على التكثيف والإيحاء، في حين أن الرواية يتيح لها إهابها الفضفاض حرية الإسهاب والإطناب في السرد والوصف.
7.   إيقاع الرواية هادئ وإيقاع القصة القصيرة سريع لأن بناءها يبدأ من أول كلمة.
8.   شخصيات الرواية وأحداثها تتعدد، بينما في القصة القصيرة يُعتمد على حدث أو موقف واحد تحركه شخصية واحدة.







[1]- ينظر: عبد الرحيم الكردي، البنية السردية للقصة القصيرة، مكتبة الآداب، ط3، 2005،1426، القاهرة، ص57.
*- الحبكة هي قمة تأزم المشكلة، وتسمى العقدة
الحل «===نهاية الحبكة «===الهبوط «===قمة التأزم «===بداية صعود وتوتر الأحداث «===بداية الحبكة «===الأحداث عادية «===مقدمة هادئة
المرجع: رانيه بركات الزهاورة، شادي عبد الكريم الطعامنة، القصة القصيرة-دليل عملي للطالب-، بيت الأفكار الدولية، د.ط، 2006، عمان، ص19.
[2]- فؤاد قنديل، فن كتابة القصة، ص28.
[3]- المرجع نفسه، ص28.
[4]- فؤاد قنديل، فن كتابة القصة، ص28.
[5]- ينظر: المرجع نفسه، ص28.
[6]- رانيه بركات الزهاورة، شادي عبد الكريم الطعامنة، القصة القصيرة-دليل عملي للطالب-، ص22،21.
[7]- فائق مصطفى، عبد الرضا علي، في النقد الأدبي منطلقات وتطبيقات، ص142.
[8]- صبيح جابر، مدخل في فن القصة القصيرة، جامعة التحدي- سرت، الجمهورية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، د ط، 1999، ص36.
[9]- ينظر: فؤاد قنديل، فن كتابة القصة، ص30.
[10]- رانيه بركات الزهاورة، شادي عبد الكريم الطعامنة، القصة القصيرة-دليل عملي للطالب-، ص17.
[11]- ينظر: صبيح جابر، مدخل في فن القصة القصيرة، ص42.
[12]- فؤاد قنديل، فن كتابة القصة، ص29.
[13]- المرجع نفسه، ص30.
[14]- رانيه بركات الزهاورة، شادي عبد الكريم الطعامنة، القصة القصيرة-دليل عملي للطالب-، ص20.
[15]- ينظر: فؤاد قنديل، فن كتابة القصة، ص33.
[16]- المرجع نفسه، ص33.
[17]- ينظر: المرجع نفسه، ص31.
[18]- صبيح جابر، مدخل في فن القصة القصيرة، ص38.
[19]- ينظر: المرجع نفسه، ص38.
[20]- فؤاد قنديل، فن كتابة القصة، ص33،32.
[21]- فائق مصطفى، عبد الرضا علي، في النقد الأدبي منطلقات وتطبيقات، ص142.
[22]- ينظر: فؤاد قنديل، فن كتابة القصة، 34.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق