الاثنين، نوفمبر 06، 2017

رجاء حمدان تكتب: ملخص رواية لأني أحبك لغيوم ميسو




أولا نبذة عن الكاتب:
غيوم ميسو كاتب فرنسي من مواليد 1974، سافر إلى أمريكا في سن السابعة عشرة وله مؤلفات ذات شهرة عالمية منها هذه الرواية.

ثانيا ملخص الرواية:
مساء عيد الميلاد في قلب مانهاتن .. صعدت الموسيقية نيكول إلى الخشبة تحت دوي التصفيقات, كانت امرأة شابة في الثلاثينيات وبمظهر أنيق    ورزين, كانت مشهورة وبارعة فقد تلقت تكريمات لا تحصى على خشبة المسارح العالمية, ولكن قبل خمس سنوات نزلت عليها مصيبة دمرت حياتها وأثارت ضجة في وسط الصحافة والتلفزيون. وعلى مسافة تقل عن الخمسمائة متر من هنا انتصب رجل بمشقة على قارعة الطريق, وهذا الرجل هو الإس دي اف ( إختصارٌ يقصد به متشرد ), كان نحيلاً واهناً, لم يكن إلا في الخامسة والثلاثين مع أن مظهره يوحي أنه في الخمسين , في ما مضى كان لديه عمل وامرأة وطفل ومنزل أما اليوم فلم يعد سوى طيف تائه .

آخر نقرة قوس من نيكول أحنت بعدها رأسها وتلقت باقات الورود ثم تركت المكان هي ومساعدها إيريك لينزلا إلى السيارة, وفجأة جاء رجل من قُطاع الطريق لينتزع نقودهما, خضع إيريك له وناوله الساعة   والهاتف المحمول ثم وقف الرجل وسدد ضربة بالسكين لنيكول التي كانت  مندهشة وشبه منومة مغناطيسياً لحظتها .. أمر غريب يقال أننا في لحظات الموت نرى اللحظات المهمة من وجودنا ولكن نيكول لم تر إلا مشهداً واحداً : شاطيء ممتد مقفر إلا من اثنين يلوحان ناحيتها بفرح, الأول الرجل الذي أحبته منذ الأزل ولم تدر كيف تحتفظ به, والثاني إبنتها التي لم تحسن حمايتها, وحينها جاء رجل وحاول حمايتها فتلقى الطعنة بدلاً عنها بجسده النحيل ثم ارتمى على الأرض. جثت نيكول على الأرض على برودة الثلج لترى الرجل الإس دي اف الذي ساعدها, إنحنت باتجاهه ثم قالت لإيريك : إنه مارك زوجي !!.

إمتد مارك هاثواي على كنب الصالون بينما قامت الجارة الطبيبة سوزان مارك بفحصه, وأوضحت لنيكول أن جرحه بسيط ولكن حالته العامة غير جيدة, نظرت نيكول إلى مارك فوجدت إنه لم يعد ذلك الرجل الذي تزوجته, وحدها الشهادات والتكريمات التي تغطي الجدار تشهد أن مارك كان ذات يوم عالمُ نفسٍ عظيم  ومشهور, فقد كان نيكول ومارك يوماً من أشهر الثنائيات في نيويورك. كان كل شيء جميل إلى عصر يوم الأحد من آذار حين اختفت إبنتهما الصغيرة ليلى ذات الخمس سنوات في إحدى مركز اورونج التجاري, وآخر مرة شوهدت فيها كانت تحدِّق في الألعاب أمام واجهة ديزني ستور, وكانت حاضنتها الأستراليه قد تركتها لبضع دقائق لتشتري بنطالاً من إحدى المحال, لم تفض الإستفادة من أشرطة فيديو المراقبة إلى شيء لأن المكان كان يغص بالناس, وهكذا مرت الأشهر والسنوات ولكن ليلى لم تظهر. وبالنسبة لمارك فإن حياته توقفت في ذلك اليوم, فبعد ثلاث سنوات قرر أن يترك بيته دون أن يترك أي خبر لا لزوجته ولا لصديقه كونور, ولم تعرف نيكول بعدها طعم السعادة عدا عن  شعورها بالذنب الذي كان يتضاعف يوماً بعد يوم. إستفاق مارك وتبادل مع نيكول الحديث حيث قالت نيكول : أنت عالم نفس يا مارك, لقد ساعدت الناس على تجاوز مصائبهم .. لقد ماتت ليلى يا مارك, مضت خمس سنوات دون أدنى دليل وإذا تم العثور على شيء فسيكون جثمانها, غضب مارك ثم قال : إخرسي, لا أريد تجاوز هذا الألم, إنه الشيء الوحيد الذي يبقيني على قيد الحياة, أريد أن أستعيد إبنتي ثم خرج من البيت وسط صراخ نيكول : إنني بحاجة إليك !. حاولت نيكول الإتصال بكونور حينها ولكنه لم يستجب لاتصالاتها !.
الدكتور كونور ماك كوي كان قد أسس عيادته الأولى بالإشتراك مع صديق طفولته مارك, حيث كانا قد ترعرعا في حي بائس من أحياء شيكاغو ولكنهما حققا نجاحاً باهراً ما كان له  إلا أن يستمر لولا المأساة التي أصابت مارك, حينها مد كونور يد العون لمارك ولكن تلك المساعدة لم تكن كافية فكان مارك قد حطمه الغم. خرج كونور من عيادته واستلقى في سيارته إلى أن أخرجه رنين هاتفه من شروده, ورأى إسم نيكول هاثواي على الشاشة .. نيكول ؟, لم يعودا يتحادثان قط منذ أن كانت تخرج مع ذلك المحامي إيريك المغفل, وراح يهيأ نفسه للرد إلى أن جاءت لصة فتحت باب الراكب في سيارته واستولت على الحقيبة الجلدية التي فيها الملفات السرية التي تحتوي على أوراقه الخاصة وعلى الأسرار الأكثر شخصية لزبائنه. أخذ يركض ورائها إلى أن التقطها, كانت فتاة في الخامسة عشر من عمرها تدعى إيفي راحكونور, أخذ يتفحص وجهها فقد كانت ترتجف من البرد وخلف جفونها المحاطة بالكحل هناك عينان براقتان لصبية مذعورة, كان كونور يتملكه شيء غريب إزاء تلك الفتاة, كانت تذكّره بشخص ما بينما كانت إيفي تحدق بريبة ناحيته, لقد علمَتها الحياة أن ترتاب الرجال حتى مع وجود ذلك الشيء المطمئن الذي يفوح من ذلك الرجل, وبعد ربع ساعة كانت إيفي تجلس في إحدى المطاعم تلتهم وجبتها بشهيةِ من لم يتناول وجبته منذ يومين بينما كان كونور يجلس خارجاً يطالعها, لاحظ أنها تضع لصقات على رسغيها وهناك آثار حزوز ذاتية على باطن ذراعيها, تقاطعت نظراتهما وفهم كونور أن هذه الفتاة تذكره بنفسه, كان يحس أنهما يتقاسمان الوجع نفسه, ذهب إليها وعرض عليها مئة دولار مقابل أن تجاوب على سؤال فوافقت فقال كونور : ما حاجتك للنقود ؟ فقالت بجسارة : لكي أبتاع لنفسي بندقية !, تجمد كونور واجتازت صورة السلاح الناري ذهنه فجأة متبوعة بانفجار وعويل, ذكرى مدفونة منذ وقت طويل حينها أخرج من جيبه ورقة أخرى وقال : لماذا أنت بحاجة لبندقية ؟, فقالت : لأنني أريد أن أقتل رجلاً !, أخرج كونور قطعة ورقية ثالثة وقال : لماذا  تريدين قتل رجل ؟, قالت : كي أثأر لنفسي !, إنبثقت في رأس كونور ثلاث كلمات من الماضي (ثأر لا يعرف الصفح), ثم خرجت إيفي تاركة كونور في حيرة .... كان كونور يكرس حياته ليسرَّ أرواح الآخرين بينما كان نفسه رجلاً غامضاً وخفياً, كل مغامراته الغرامية بقيت دون منظر مستقبلي . رن هاتفه المنزلي, إنها نيكول بالتأكيد فلقد نسي أن يتصل بها, رفع السماعة لم تكن نيكول كان صوت امرأة شابة وقد تغير كلياً بفعل الخوف وكانت تتهم نفسها بقتل شخص ما ؟ !.
بعد ثلاثة أشهر .. منحنياً وغير مبال بما يحيط به تقدم مارك إلى زاوية الغرفة ووصل جهازه إلى المقبس الكهربائي فوصلته رسالة صوتية : مارك هذا أنا نيكول, ينبغي أن أخبرك بشيء, كنت على حق لقد وجدوها, إنها على قيد الحياة يا مارك, ليلى على قيد الحياه !!!! .. موجة كاوية عبرت جسده وصعقته حالياً, كان هو الذي يبكي ... غادر مارك مكانه     وركض إلى حد انقطاع نفسه واستقل المترو إلى بروكلين, وفجأة وسط الغموض الذي يكتنف دماغه إنبثق شيء ما, التاريخ إنه 24 آذار 2007   وقد تم العثور عليها في الأمس !, فقد كانت ليلى قد اختفت في 23 آذار 2002 مضى على ذلك خمس سنوات يوماً بعد يوم !. وصل مارك إلى بيته وكانت واقفة أمامه عربة البوليس, دخل إلى البيت فقال مارشال الشرطي المتكفل بقضية ليلى : غير متيقنين 100 % فتحاليل ال DNA  تحت الإعداد ثم ضغط مارشال على زر الحاسوب فظهر وجه طفلة حينها صرخ مارك دون تردد : إنها ليلى إنها ابنتنا, فقال مارشال : طفلة في الثانية عشر عُثر عليها بالأمس في أحد أروقة جاليري اورونج التجاري, عمرها ومحياها والسمات الوراثية جعلنا نعتقد أنها ابنتكما, لقد وجدناها في الساعة نفسها والمكان نفسه الذي اختفت فيه  مع فارق خمس سنوات !!, ولكن ليلى لم تتلفظ بأدنى كلمة ..
خرج بعدها مارك ليقص شعره ويشتري ملابس ليذهب فيها لإبنته, ورجع إلى المنزل ونادى على نيكول ولكن لا أحد يرد, إنتزع الكرت البريدي وقرأ بضع كلمات مكتوبة على عجل : حبيبي مارك لا تقلق بشأني, لا أستطيع الذهاب إلى لوس أنجلوس ولكن أكثر ما يهمني أن أكون معك ومع ابنتنا مجدداً لكن ذلك مستحيل الآن , في قادم الأيام ستفهم ذلك, مهما يكن ما سيحدث بعد ذلك فاعلم أنني أحببتك على الدوام وسأظل أحبك !!!!.
وصل إلى المستشفى مارك هاثواي وفرانك مارشال الذي أبدى استغرابه الكبير لعدم قدوم أم الطفلة لرؤيتها ثم قال : سأدع ليلى تعود معك إلى نيويورك بشرط أن تخضع ابنتك يومياً للمعاينة من قبل طبيب نفسي تابع للمكتب, وبمجرد أن تتكلم فنحن من سيأخذ أقوالها, قال مارك بعد أن قبض على ياقة العميل الفيدرالي : الطبيب النفسي هو أنا ولن ترى إبنتي شخصاً آخراً غيري ! .. وصل مارك إلى الباب فشاهد هالة من الشعر المعقوص الذي يبرز من بيجامة وردية واسعة ومن ثم طفلة صغيرة وبجانبها ممرضة, إنها هي !! لقد كبرت , لم تأت الطفلة بأي حركة, لم يقرأ في عينيها ذعراً ولا خوفاً ولا ألماً بل على العكس هاهي ترسم ابتسامة وتفلت يد الممرضة وتركض باتجاه مارك وترتمي في أحضانه .
أخذ مارك ليلى ليعودا إلى منزلهم, ولم تكن ليلى قد نطقت بأدنى كلمة ومع ذلك كانت تبدو كحورية وسعيدة برؤيته, وقد نامت في التاكسي بينما كان يستمع مارك إلى الموسيقى الجميلة, تفحّص مارك غلاف القرص في التاكسي فكانت عازفة كمان بثياب قليلة وكانت الصورة توحي بكائن ثنائي الرأس شهواني ومثير للقلق ومكتوب عليها : نيكول تعزف لباخ !, حينها استيقظت ليلى ووصلوا إلى المطار فتقدم منهم صحافي إسمه ميكائيل فيليبس ليأخذ تصريحات من ابنته فردعه مارك فقال الصحافي : أنت مصاب بلعنة مقدسة يا هاثواي وإنك حتى لا تعي ذلك, لدي معلومات تجيز لي التواصل معك, أنت لا تعرف الحقيقة لا عن امرأتك ولا عن ابنتك !.

إيفي .. كانت إيفي آخر النازلين من العربة, دلفت إلى قاعة المغادرة فبعد ساعات ستكون في نيويورك بعد العائق المؤسف وغير المتوقع الذي أجبرها على الذهاب إلى لوس انجلوس, وكان بإمكانها من الآن أن تصل إلى الرجل الذي تطارده وكان لديها عنوانه, ستقتله وبعد ذلك ربما صار الألم أقل قسوة .
أليسون .. شابة في السادسة والعشرين بشعر قصير وجينز ضيق, كان جسدها يرتعد بالكامل وكان عليها أن تعثر على جرعة الكوكائين لتسترد هدوئها وتنطلق إلى نيويورك.
إيفي, أليسون, ومارك .... ثلاثتهم في المسرح الصغير, كان بينهم شيء مشترك فثلاثتهم ساخطين وعلى وشك الإنفجار, لديهم ماض مؤلم ويحسّوا بأنهم ضحايا ومذنبين ولكنهم خلال دقائق سيعتلون الطائرة ذاتها ومن ثم ستتغير حياتهم !.
خلع مارك معطفه واجتاز البوابة الأمنية ولحقته ليلى التي أثار عبورها جرس إنذار نظام الحماية, فمرر الحارس جهازه على ليلى فكان الجهاز يضطرب حالما يمر بعنق ليلى مما يعني وجود كيان معدني مزروع تحت بشرة ليلى, تم استدعاء ليلى ومارك إلى غرفةٍ للتحقيق تخللها اتصال من السيد مارشال, حينها اعتذرت السيدة التي كانت تقوم بالتحقيق وأعادت لهم جوازات السفر, ذهبا بعدها لتناول بعض الطعام ثم غادرا, بينما جلست إيفي على نفس الطاولة بعد مغادرتهما لترتشف ما تبقى من عصير البرتقال والجريب فروت, ولاحظت إيفي صحيفة بجانبها فطالعت عنوان الصحيفة فكان : إنتحار الملياردير ريتشارد هاريسون, وفي آخر الخبر .. تعقّل وتقشّف السيد ريتشارد يتعارضان مع ابنته الوحيدة أليسون التي دأبت الصحافة الشعبية على تغطية مغامراتها .
كان مارك وابنته يجلسان في مقعدين متجاورين وكانت تجلس إلى جانب ليلى فتاة في الخامسة عشر بشعر متسخ ومنسول, أخذ مارك يتحدث إلى ليلى بينما كانت ترسم ابتسامة على وجهها, وأخرج لها رواية هاري بوتر فأخذتها وجلست تقرأ بعينيها, إنها حقاً تقرأ!!, من علّمها القراءة ؟؟؟.

أخذ مارك يتلوى على مقعده, كانت يداه ترتعشان وقطرات العرق تتلألأ على جبينه, كان يعرف سبب هذا التوعك (الفطام الكحولي) فلم يكن قد تناول قطرة من الكحول منذ ست وثلاثين ساعة. رفعت ليلى عينيها عن الكتاب كأن شيئاً ما يقول إن ابنته لم تكن غافلة عن حالته الصحية حينها سألت إيفي : هل أنت بخير سيدي ؟, فقال بخير وتعرّف عليها , شيء ما في مارك أوحى لها بالثقة, دفء في النظرة ذكّرها بالطبيب الذي التقته قبل ثلاثة أشهر ثم قالت : هل هي الحاجة إلى الكحول ؟ أمي كانت حالتها مثل حالتك قبل أن تموت, إشتدت آلام مارك فترك ليلى مع إيفي خمس دقائق وذهب ليغسل وجهه بينما بدأت الهلوسات تسيطر عليه, يرى أشياءاً غير موجودة بينما أخذت إيفي دور الأخت الكبرى وعينها على ليلى لا تفارقها, حينها رفعت ليلى عينها وكانت قد مضت عشر دقائق على مغادرة مارك, فتحت فمها وحدثت المعجزة : أخبريني كيف ماتت أمك ؟ وجّهت ليلى السؤال إلى المراهقة .
تذكرت إيفي ... في ضاحية من ضواحي لاس فيغاس ثمة شاحنة وفيها طاولة تجلس عليها إيفي  وكانت في الثالثة عشر من عمرها, راحت تقرأ الكتب بينما جاءت كارمينا تناديها بينما كانت أمها تيريزا هابير متمددة في المستوى الأدنى من السرير, وكانت في الرابعة والثلاثين من عمرها ومع ذلك تبدو وكأنها في سن يزيد عن عمرها بعشرين عاماً بسبب الإلتهاب الكبدي والذي تطور إلى تليف ثم إلى سرطان, إنطلقت إيفي والتي تعمل مع كارمينا في فريق النظافة في فندق أواسيس, كانت تعمل يومياً مقابل بضعة دولارات ومع ذلك كانت إيفي تحب الكتب كثيراً وبالأخص الروايات والشعر, وهكذا صار الأدب حديقتها السرية وجواز سفرها إلى كل مكان, وسيلة غير متوقعة للخروج من الدونية التي ألقت بها الحياة فيها. في أحد الأيام تسلمت إيفي أجرتها وأخرجت من حقيبتها كتاباً (البقاء على قيد الحياة) كانت قد عثرت عليه في الليلة الفائتة إلى جانب سرير إحدى غرف الفندق, وكانت دراسة مكتوبة بقلم عالم نفس عصبي من نيويورك يدعى كونور ماك كوي, بدا لها الكتاب وكأنه مكتوب من أجلها, أنهت إيفي الكتاب ثم كتبت قائمة من أمانيها التي تتمنى تحقيقها, كان في بدايتها (أن تتلقى أمي كبداً جديداً وأن تشفى), وفي نهاية القائمة (أن يغرم بي شخص ما ذات يوم) .
صعد مارك السلم الضخم ووصل إلى المقصورة العلوية إستراحة البار  وطلب كاساً من الويسكي, نظر حوله وكانت شابة غير هيّابة تتخذ لنفسها مكاناً إلى جواره بانتظار أن تطلب مشروبها, كانت أليسون وقد أثارت فضوله فحدق فيها بتمعن : شعر أشقر ذابل, رشيقة , مظهر بنت لافتة, وعندما انحنت لتلتقط حقيبتها لاحظ وجود وشم على خاصرتها, رمز بوذي هو دولاب القوانين, حينها تبادلا الحديث وتعرفا على بعضهما, ثم حملق فيها مارك وأحس أنها بحاجة إلى شخص تبوح له بما يدور في خلدها فقال : أخبريني يا أليسون بما فاتني منذ خمس سنوات ؟.
أنهت أليسون قصتها وخفضت عينيها وشعرت ببعض الضيق لكونها باحت بالكثير عن حياتها الخاصة لشخص مجهول تماماً, وكان مارك قد أصغى إليها باهتمام, كان يراودها شعور بالحماية, نظر مارك إلى الفتاة بتركيز  وقال : لأي سبب تسعين إلى معاقبة نفسك ؟, أدارت أليسون عينيها وانقبض شيء ما فيها, العَرَض المرضي الذي وضع مارك أصبعه عليه تماماً.  فتحت أليسون فمها ولثانية اعتقدت أنها على وشك أن تعترف له بسرها وتخفف من الألم الذي يقرضها منذ سنوات, لكن الكلمات بقيت محتجزة في بلعومها والدموع أطلت من عينيها, في الوقت ذاته أعلنت المضيفة أن الطائرة تجتاز منطقة مطبات هوائية وعلى الجميع الإلتزام بمقاعدهم, حينها انفصل كل من مارك وأليسون على أمل أن يلتقيا عما قريب.
قَلِقاً عاد مارك إلى مقعده, كيف له أن يترك ابنته دون اهتمام خلال ما يربو على النصف ساعة ؟, توقف على بعد أمتار وكانت ليلى لا تزال في مقعدها ترسم, وعندما رأى رسوماتها أحس بارتياح حقيقي, كانت رسوماً بألوان زاهية حيوية, فاقتنع أن تلوينات ليلى لم تكن من عمل طفل عانى صدمة عنيفة, حينها قلّب في الرسومات فرأى شكلاً هندسياً يتكرر على كل الأوراق وكان يمثل رمز دولاب القانون, قانون المصير البشري هذا الرمز الذي رآه منذ قليل على خاصرة أليسون !, حينها قال مارك : لماذا رسمت هذا يا حبيبتي ؟, أجابت الطفلة بهدوء : لا أعرف !!!, أصاب الذهول مارك فقد أجابته ليلى للتو, أحس مارك بأنه يعود إلى الحياة من جديد بعد أن طلبت منه ابنته البوظة وصارت ثرثارة فجأة, وكان عليه أن يستفيد من ذلك فسألها : هل تودين أن تحكي لي ما الذي حدث لك  يا حبيبتي ؟, قالت : ليس أمامك إلا أن توجه سؤالك لماما, كنت أراها غالباً والآن أريد أن أنام !!!.
تردّى مارك حينها في هاوية الحيرة ولكن مارك ظل يرفض تصديق أن نيكول استطاعت من قريب أو من بعيد أن تتورط في اختطاف ابنتها, تأمل مارك ليلى بحنان, ورثت ليلى ملامح نيكول ونظرة مارك كما يقول الناس, ومع ذلك كان مارك يدرك أن الأمر غير صحيح لمبرر وجيه وبسيط وهو أن ليلى لم تكن إبنته البيولوجيه !!, فعندما تعرف مارك إلى نيكول كانت في بداية حملها وكانت خارجة من علاقة مع رئيس الأوركسترا الفرنسي دانيال غريفين, ولكن مارك أحب ليلى كثيراً واعتنى بها كما لو أنها ابنته الخاصة, ولم يتحدثا إلى أحد بذلك فكان غريفين قد مات بأزمة قلبية ومع الوقت انتهى السر بأن تحلل إلى أن تلاشى بالكامل, وذلك لأن الحب هو ما ينسج العلاقات العائلية وليس الدم.
وبينما كانت إيفي تجلس بجانب النافذة لم تفتها نتفة من المحادثة بين مارك وابنته رغماً عنها, شكرها مارك وسألها إن كانت ابنته قد حكت شيئاً أثناء غيابه فقالت إيفي: إنها سألت عن موت أمها, فأراد مارك أن يعرف قصة إيفي أيضاً ؟, قالت إيفي مكملة بقية القصة عن والدتها: كان الوقت يقارب منتصف الليل وكان جرس الهاتف المحمول يرن, كانت مكالمة من المستشفى, ولقد أعلن لها الدكتور كرايج دافيس خبر توفير عضو من أجلها ويجب المجيء في الحال, وبالفعل انطلقنا إلى المستشفى وذهبتْ أمي إلى غرفة العمليات, مرت ساعة ولم يكن يفترض إلا أن ينتظرا سوى مدة قصيرة قبل بدء العملية, وأخيراً عاد الطبيب وقال : لدينا نتائج التحليل, لقد شربتِ الكحول مؤخراً وهذا يُبطل الإتفاق , حينها قالت الأم تيريزا مشدوهة: لم أشرب شيئاً يا دكتور وأقسمتْ على ذلك, وبعدها نادى الطبيب الشخص التالي الذي على القائمة وكان الكلام الأخير الذي وجهته لأمي : إنني أكرهك, وبعد ذلك ماتت ..
كان هناك امرأة تراقب إيفي وهي تتابع من بعيد مراسم جنازة أمها, وعندما وصلت إيفي على مقربة منها قالت لها: إسمي ميرديث دوليون وكنت أنا من قتل أمك قبل عام, فقد أظهرت الفحوصات إصابتي بسرطان الكبد, وكانت فصيلة دمي نادرة مثل فصيلة دم أمك, وكانت هي العائق أمام شفائي كما أخبرنا الطبيب دافيس, حيث قال الطبيب إنه إذا كنا على استعداد للقيام بمسعى مالي فسيتدبر الأمر لزحلقة أمك من برنامج المستقبلين, لقد فهمت إيفي أخيراً أنهم تلاعبوا بتحليلات الدم الخاصة بإمها, أكملت مريديث : إنني أريد أن أقول إنني لم أفعل ذلك من أجل أطفالي ولكني فعلت ذلك لأنني كنت خائفة من الموت, وذلك كل شيء  حيث تضعنا الحياة أحياناً في أوضاع صعبة لا نستطيع أن نتخلص منها إلا بالتخلي عن القيم التي ندافع عنها, وقد عرفت إيفي لاحقاً أن الطبيب قد غادر إلى نيويوك بعد وفاة أمها وقررت أنها ستقوم بما تراه مناسباً لتقتل الطبيب كرايج دافيس.
توقفت إيفي عن الكلام ثم تحججت في الذهاب إلى الحمام بينما رفع مارك هاتفه فوجد عدة مكالمات فائتة من رقم مجهول, فأعاد الإتصال فكانت نيكول, حينها فتحت ليلى عينيها فقال مارك : أتريدين أن تحكي مع ماما ؟ فقالت ليلى : لا وبلهجة قاطعة, إنبهر مارك فقالت نيكول : مارك يجب أن أنهي الإتصال, أعرف ما حدث لليلى أنا آسفة, حينها جاء صوت من الخلفية: (هذا يكفي), سأل مارك : من هذا يا نيكول ؟ من بجوارك, حينها جاء الصوت مرة أخرى: (أغلقي السماعة أو ستفسدين كل شيء), فقالت نيكول : أحبك وأغلقت الهاتف !. عاد في باله الصحفي الذي صرفه في المطار ومن ثم ابنته وبدا له أنهما كانا يحذرانه بالتناوب من نيكول, لم يعد يعرف ما العمل ؟.
إنحنت إيفي على مرحاض الحمام كي تتقيأ وجبة الإفطار الضئيلة, كانت وعكاتها الصحية تتكاثر, دوار وآلام في الرأس وطنين في الآذان, نهضت ومسحت وجهها وحينها أحست بحكة أجبرتها على أن تخمش نفسها, حينها طوت كمها فتراءت لها علامة بنفسجية خلف كتفها الأيسر فاستدارت لترى الشكل الغريب الموشوم لترى رمز دولاب القانون !!. أغلقت إيفي باب الحمام وقد أفزعها ما عاشته للتو, الوشم الذي على كتفها يشبه العلامة اللعينة التي صنعتها الطفلة الصغيرة الجالسة إلى جوارها ؟, إجتازت الطريق ووقعت حقيبتها فالتقطها مارك والتقط كتاب كونور الذي كان قد وقع منها فأخبر إيفي أنه صديقه فسألته : هل كل ما يرويه في كتابه حقيقي؟, فقال : كل شيء حقيقي, فقالت : ولكن ليس كل الحقيقة, هناك أشياء هامة لم يستطع كونور حكايتها. أغرق مارك نظراته في إيفي, كان يعرف أنه بوسعه أن يثق بها إنها منا أكد له ذلك صوته الداخلي فقال: لم يحكِ كل الحقيقة لأنه لم يذهب إلى السجن !.
تذكر مارك ... حي غرينوود في الطرف الجنوبي من شيكاغو, حيٌّ مليء بمشاهد الخراب, إنها بغداد تحت القذائف في قلب أمريكا, كان مارك الصغير يعيش مع أبيه الذي يعمل حارساً لمدرسة عامة, وكانت أمه قد هجرتهما لأنها لم تكن سعيدة, وتعرّف على كونور في نفس الحي حيث كان تلميذاً غريباً ومتوحداً وبملامح فوق أرضية وأصبحا صديقين, وبينما كان مارك يتسم بروح المبادرة والمثابرة والتعاطف فقد كان الأكثر هشاشة, وبالمقابل كان كونور هادئاً متأملاً ولكن أيضاً شديد التكتم ومعذباً بالبحث عن المطلق, إكتشفا سوية أن الحياة ليست سوى ألم أو وحشة وأن      العلاقات الإنسانية فيها تتشكل دون قوة, كانا يحلمان بالحصول على منحة للإلتحاق بإحدى كليات داون تاون, وكانت علاماتهما عالية ولكن ليس بالقدر الكافي لغض الطرف عن السمعة السيئة لمدرستهما, ويلزمهما الكثير من النقود, والنشاط الوحيد للحصول على بعضٍ منها هو الإتجار بالمخدرات, ولكن كونور كان له رأي مخالف فقال : إذا تخلينا عن قيمنا نكون قد تخلينا عن كل شيء , سنكون محظوظين لا أعرف كيف لكنني أقسم لك أننا سنخلص أنفسنا من هذا الوضع.
في أحد الأيام تعرض كونور لحريق من قبل أثنين من تجار المخدرات في المنطقة بينما كان يجلس بين سلات القمامة يدرس, كان في الخامسة عشرة من العمر ويريد فقط أن ينجز واجباته المدرسية, تحول كونور على أثر الحروق لمومياء مزخرفة بالحقن والشرائح الخشبية, وعندما رأى حروق جسده تلوّى أكثر, لقد صار وحشاً. كانت الطبيبة لورينا هي من اعتنت بكونور خلال فترة علاجه, وطمأن مارك كونور وقال له: إنها منا.
منذ حادث الإعتداء عليه لم يأت رجال الشرطة إلا مرة واحدة, وقد أعطاهم كونور الأسماء والعناوين ولكن لم يتبع ذلك أي شيء, فلا زال التاجران يتسكعان داخل الحي ليلاً نهاراً, وبدأت تتبرعم في ذهن كونور فكرة الثأر الذي لا يعرف الصفح !, كان كونور ليخفف عن نفسه يرسم الوجه نفسه دائماً, وجه يمنحه السكينة, وجه أنثوي ينبثق من حيث لا يعلم إمرأة لم يعرفها ...
لم تكن هناك وسيلة لخنق الألم الذي يحس به كونور سوى الإنتقام الذي لا يعرف الصفح, ولم يستغرق الأمر طويلاً فقد جمع المعلومات عنهما وصار الوقت لأن تنقلب الأدوار, الضحية أصبح جلاداً والجلاد أصبح ضحية, رش عليهما البنزين ثم أشعل عود ثقاب وبدأت النيران بالسريان, وأخذ صندوقاً مليئاً بالنقود كان بحوزتهما وهرب, وكان مارك ينتظره في الأسفل وهربا سوية .
لم يصدق مارك أنه قد باح بهذا القدر من أسراره لدرجة أنسته خيانة نيكول, بينما كانت إيفي قد أصغت لقصة مارك بافتتان ووجدت في قصة كونور صدى لقصتها الخاصة, فعندما كان كونور شاباً وجب عليه أن يواجه نفس الأسئلة التي تطرحها اليوم على نفسها : كيف نتخلص من الألم؟, وهل يمثل الثأر أفضل رد على الفظاعة ؟.
إنتابت مارك رغبة في الوصول إلى الرقم الذي اتصلت منه نيكول, إنطلق إلى رجل يتصفح أسعار البورصة على الإنترنت, تظاهر مارك أنه يترنح أمام الرجل وأسقط على نحو واعٍ عصير الفاكهة على قميص وبنطال الرجل, حينها صرخ الرجل وقام بإيداع حاسوبه في خزينة الأمتعة واتجه إلى الحمام بينما اتجه مارك ليسرق الحاسوب, وعلى الفور وضع رقم الهاتف على إحدى البرامج واستلم النتيجة الغريبة : كونور ماك كوي مركز تايم ورنر نيويورك .. !!!!, إذاً كان الصوت الذي يعطي نيكول الأوامر هو صوت كونور صوت أعز أصدقائه, ولكن ماذا كانت تعمل امرأته عنده بالضبط ؟, حينها قرر أن يفتح الهوتميل الخاص بنيكول ولكنه لا يعرف كلمة السر, وبعد عدة محاولات نجح في ذلك, كانت أغلب الرسائل عادية إلا رسالة غريبة من مصدر مجهول وكانت عبارة عن فيلم مسجل بواسطة كاميرا مراقبة, وعندما ظهر وجه ليلى على الشاشة تجمد الدم في عروقه وتوقف العالم عن الحركة حوله, كان الفيلم قد صور في اليوم الذي اختفت فيه ابنته, حينها اندهش مارك لأن البوليس أكد له أنه لا وجود لصورة التقطت لإبنته عن طريق كاميرات المراقبة, وهذا دليل أن رجال الشرطة كانوا يعرفون أشياءاً لم يقولوها قط , عاد إلى الكمبيوتر, توقف الفيديو, حينها تنازعه الغضب والغيظ وكان وقتها الرجل صاحب الكمبيوتر قد انتزع الجهاز من يديه وأراد أن يشتكي عليه.
إستيقظت ليلى وطلبت المثلجات فقام كل من ليلى وإيفي ومارك لتناولها, كان مارك للمرة الأولى يرى إيفي مع ابتسامة ولقد أدخل ذلك البهجة إلى نفسه, شعر بالحسرة لأنها لم تروِ نهاية قصتها لكن شيئاً ما كان يقول له أنه سيعرف المزيد عنها قبل الهبوط في نيويورك, فما من لا شك فيه أن هذه الرحلة كانت عظيمة وثرية بالحكايات ومفعمة بالإندهاشات الرائعة .
بعدما هرب  كونور ومارك إلى مانهاتن كان مارك يوجه دفة الأمور, فعثر على شقة صغيرة ليست بعيدة عن الحرم الجامعي, ثم وضع كل طاقته كي يأتي على آخر العوائق الإدارية لتسجيلهما في الكلية, فلم يواجها أي عوائق مادية  بفضل النقود التي حصل عليها  كونور لدى بائعي  المخدرات, كانا يدركان بالضبط ما يريدا عمله وهو الحصول على الدكتوراة لكي يفتتحا ذات يوم عيادتهما الخاصة. كان كونور يسترد عافيته تدريجياً ولكنه مع الفتيات كان على الدوام لديه ذلك الإنطباع بأنه يغشهن في السلعة, فبسبب تلك الحروق المغطية لجسده الداخلي فإنه كان يتعجل ليكون هو الذي يهجر عوضاً أن يكون هو من يُهجر, ومع ذلك فقد كان الرجلان تاجرا المخدرات لا يفارقان كوابيسه, وشعر بالأسف الشديد لقتله إياهما لأنه أصبح مثلهما .
نظر مارك لإيفي وقال : ليس عليك أن تعملي مثل كونور, ليس عليك أن تفسدي حياتك فيما تسعين للإنتقام, أستطيع أن أفهم ألمك, لقد تعرضتْ أمك لعمل إجرامي ومن الطبيعي أن تمتلئي بالغضب ولكن حوِّليه إلى قوة إيجابية, لو قتلتي ذلك الطبيب لن يعيد ذلك أمك ولن يعود شيء كما كان من قبل, عليك أن تصفحي وهذا لا يعني أن تنسي أو أن تغفري له فعلته, أتعرفين يا إيفي إن الشخص الحقيقي الذي تسعين لقتله هو أنت نفسك لأنك وضعت كلام أمك موضع شك، حينها استسلمتْ إيفي ودفنت رأسها في كتف مارك من دون أن تكون قد توقعت ذلك, كان قد حرر فيها شيئاً مطموراً في الأعماق السحيقة . ثم ذهبت إيفي إلى الحمام مع ليلى بينما لمح مارك أليسون وذهب إليها, فمنذ حدّة محادثتهما السابقة كانت تتمنى أن يعود فكان هذا الرجل الذي لم يكن وجهه غريباً عليها يمتاز بجاذبية غريبة لا تقارن بالسحر والفتنة, قال مارك : طرحتُ عليكِ سؤالاً هذا الصباح لكنك لم تردي عليّ , لماذا تسعين لمعاقبة نفسك ؟, في البدء بقيت أليسون صامتة ثم أحست نفسها منجذبة نحو حاجة لا تقاوم إلى الإفضاء بكل شيء, بالطبع كان بوسع النتائج أن تكون مرعبة, السجن الخزي يكون عند النظر بتمعن للأمر, فقد صارت حياتها منذ سنوات سجناً ثم قالت  : لقتلي صبياً صغيراً !.
كانت أليسون قد دعست طفلاً صغيراً أثناء أيام طيشها بينما تكفّل أبوها ريتشارد في دفنه حتى لا تنتشر الفضيحة, في اليوم الأول لم يحدث شيء وليس أكثر من ذلك في اليوم الثاني والثالث والرابع .. بعد أسبوع إعتَبر ريتشارد أنهم لن يصلوا إليهما أبداً وأن ابنته تخلصت من الورطة ... لكن كيف يسع المرء أن يمحو فِعلاً كهذا من ذاكرته ويتوهم أنه لم يحدث ؟.  زلزت قصة أليسون مارك وأرعبته فقال : ليس ثمة ما لا يغتفر عبثاً, ستتكبدين كل آلام العالم لكن ذلك لن يعيد الطفل إلى الحياة, حياتك لم تنتهِ, بإمكانك أن تجلبي المساعدة لأطفال آخرين, لا تبقي سجينة لماضيكي, ربما كان الألم لا يُجدي أبداً إلا أنه يفتح الطريق إلى شيء آخر, بعدها قام مارك ناسياً محفظته على الطاولة وحين لمحتها أليسون كان مارك قد غادر المكان, قاومت إغراء فتحها ووضعتها في جيبها وتعهدت بإرجاعها إليه في ما بعد على سبيل الوعد برؤيته مرة ثانية .
في اللحظة ذاتها في مانهاتن ألقى كونور نظرة ثانية على ساعته بعد أقل من ساعة, كان عليه أن يقابل مارك وهي اللحظة التي كان ينتظرها في مزيج من نفاذ الصبر والخشية, وعلى بعد أمتار منه تجلس نيكول تسأله : كيف ستكون ردة فعل مارك حين يعرف الحقيقة ؟, هو أيضاً كان قد طرح السؤال على نفسه هل ستصمد الصداقة التي كانت تربطه بمارك أمام ما يوشك أن يحدث ؟, ولكي يقنع نفسه بذلك تذكّر ليلة عيد الميلاد المفزعة, تلك الليلة حيث ثلاثة كائنات بلا هدف آلت إليه .
ليلة عيد الميلاد ... كان الثلج يتلألأ تحت مصابيح سوهو, بعدما ركن كونور سيارته صعد إلى شقته, إستشعر فراغاً كبيراً في داخله, أغلق كونور عينيه حيث كانت صورة إيفي مستمرة في التأرجح في أعماقه, حينها رن هاتفه فمن المؤكد أن المتصل نيكول ولكنه كان صوت فتاة هلعة تقول : أبي هو من دلني عليك, قال لي أنك الوحيد الذي يسعه مساعدتي, لقد قتلت شخصاً أنا أليسون هاريسون !, قال كونور : أين أنت الآن, أجابت: أسفل شقتك تماماً. بعد ساعة كانت أليسون نائمة على الكنبة, كان كونور يعرف من تكون فقد سبق وأن رأى صورتها في الصحف والمجلات, فإسمها دائماً كان مرادفاً للفضيحة والصحافة الشعبية, وخلال ساعة تقريباً روت أليسون قصتها المرعبة : حادث في السيارة الذي كلف الصبي الصغير حياته, الجثة الذي قام والدها بإخفائها, تكلمت عن الكبت واستحالة العيش ودوامة التدمير الذاتي ومحاولات الإنتحار, باحت أليسون في نهاية قصتها : الطفل الذي قتلته يظهر كل ليلة في أحلامي !, حينها انتابت كونور قشعريرة وهو يستمع إلى المرأة الشابة وكأنه يصغي إلى نفسه. في نفس الليلة أتاه اتصال آخر من الشرطة يقول : إثنين من رجالنا قبضوا على فتاة في عمارة إسمها إيفي هاربر وقالت إنها مريضتك, فكذّب كونور وقال : نعم إنها مريضتي, وأحس الطبيب بنوع من النشاط لمجرد التفكير أنه عثر على إيفي مجدداً, حينها كانت أليسون تصرخ إبتعد يا جيرمي!, كانت تحلم فأيقظها كونور فقالت : إسم الطفل الذي قتلته جيرمي, كان مدوناً على سلسلته التي وجدتها في سيارتي ثم أخرجت السلسلة لتريها للطبيب.
راح الطبيب يلبس معطفه ليأخذ إيفي وغادر الشقة ليستطيع أن يعبر عن ألمه, كان يعرف من يكون جيرمي !!!!!, أخذ كونور إيفي من مركز الشرطة واصطحبها إلى عيادته وبعدها جاءه الإتصال الثالث في الليلة ذاتها وكانت نيكول وقالت : عليك أن تساعدني, أحدثك بخصوص مارك, كان يعيش في الشارع, إنه منهك القوى ولديه مشاكل صحية عديدة إذا لم نقم بشيء سيموت !, عاش كونور للتو ليلة غريبة خلالها آلت اليه ثلاثة كائنات جريحة وهي أليسون وإيفي ومارك, أحس أنه يرزح تحت مسؤولية ثقيلة, هل سيكون قادراً على مساعدتهم وكيف ؟.
تابعت الطائرة هبوطها بينما قالت ليلى : لقد رأيتك عندما كنت في الظلام في النفق نفق المترو .. إستغرق مارك لحظة طويلة ليفهم أن ليلى تعرف أنه كان يمضي حياته في أنابيب المجاري وأنفاق مانهاتن, عامان دفن خلالهما نفسه حياً في عالم المهمشين ثم أكملت : لقد شعرت بالحزن لأنني رأيتك, لقد كنتُ في الأعلى !! وصوبت أصبعها نحو السقف !, حينها قال مارك : لماذا لم ترضِ أن تتحدثي إلى ماما ؟, قالت : لأنها كانت تعرف ذلك في حينه .. كانت تعرف أنني ميتة !!!!!!.
في اللحظة ذاتها في المقصورة العليا كانت أليسون تضم بيدها المحفظة, دفعها الفضول لفتحها فكان هناك صورة لمارك وزوجته, حملقت أليسون في نيكول فوجدتها جميلة جداً وأنيقة, وبينما كانت تتأهب لإغلاق المحفظة لاحظت صورة أخرى ملتصقة خلف صورة الزوجين, كانت صورة شخصية لفتاة في حوالي الخمس سنوات بهيئة صبي متأنث في يدها سلسلة فضية نقش عليها إسم جيرمي !!!, لقد فهمت أليسون أنها صدمت إبنة مارك وبسبب خوفها وهلعها هُييء لها أنه صبي, ولعلها علمت في ما بعد أن السلسلة تنتمي إلى ابن عم ليلى الذي كان قد قدمها هدية لها عندما كبر معصمه ولم يعد يتسع لها, حينها نهضت أليسون وهرولت إلى المقصورة الرئيسية . أكملت ليلى كلامها لمارك : أنا منذ البداية متوفية منذ ارتطمت بي السيارة, كنت قد خرجت من المحل كي أتسلى فضعت بسبب العاصفة فكان من المسلّي المشي تحت المطر, نعم لقد مت ولكن يجب عليك ألا تحزن, حينها صرخ مارك في محاولة أخيرة : كلااااا !!.

إستدار الطبيب فرأى أليسون تريد أن تخبره بما عرفت, إستدار مارك وأليسون نحو مقعد ليلى, البنت الصغيرة لم تعد هناك !! لكن ذلك ليس كل شيء, المضيفات والستمائة راكب تلاشوا, كانت الطائرة في الهواء خاوية ولم يكن قد تبقى سوى ثلاثة أشخاص : مارك, إيفي, واليسون !!, لا يوجد حتى طيار أو مساعد له, كانت الطيارة تتحرك منقادة لقوة غير مرئية, إقترب مارك وأليسون وإيفي من بعضهما, تلامست أيديهم وأكتافهم وكانوا خائفين, حاول كل دماغ منهما أن يجد تفسيراً عقلانياً لما هم بصدد عيشه, أهو الحلم أم هلاوس كوكائين أم أنهم يتهيأون للموت ؟, قبل تحطم الطائرة ببضعة ثوان همست أليسون لمارك : أنا آسفة ! بينما استدار مارك نحو إيفي وقال لها : لا تخافي !, إرتطمت الطائرة بسطح الماء بعنف ثم تعالت صرخة مبتورة ثم بعض الأزرق يليه بعض الأسود وبعد ؟؟ و بعد ...

ثلاثة أجساد مارك وأليسون وإيفي, ثلاثة أجساد ممددة جنباً إلى جنب في رواق المستشفى, ثلاثة رؤوس غُطيت بخوذة مزودة بأقطاب كهربائية موصولة بجهاز كمبيوتر, وكان كونور ونيكول ينتظران استيقاظهما .. لم تكن ثمة طائرة ولا رحلة ولا حادثة تحطم إطلاقاً, إلتقاء مارك وأليسون   وإيفي كان سيناريو من سيناريوهات العلاج الجماعي المؤسَّس على التنويم المغناطيسي بهدف معالجتهم جميعاً, معالجة الثلاثة أشخاص الذين أتوا طالبين مساعدته في ليلة عيد الميلاد الشهيرة !, لم يكن كونور ولا نيكول اللذان حاولا أن يعلنا لمارك أن ليلى قد ماتت, فمن شأن مكاشفته بذلك أن تحوله نحو الإنتحار أو الجنون, فكانت تلك الخطة التي وضعها الدكتور كونور ليجتذب إيفي نحو التخلي عن انتقامها وجعل أليسون تتقبل إثم قتل ليلى !.

بدأ المنوَّمُون الثلاثة بالإستيقاظ, تقدم كونور نحو مارك ووضع يده على كتفه مطمْئِناً إياه, ثم استيقظت بعده أليسون ثم إيفي, تم إضاءة ضوء الحجرة تدريجياً فتراءى لعيون الجميع الدكتور كونور, وكان مُطرّزاً على جيب سترته رمز العيادة وهو رمز دولاب القانون !, هل أفلح كونور في رهانه ؟, لطالما فتنه التنويم المغناطيسي, حيث في حالة التنويم المغناطيسي يقوم الطبيب ومريضه بالولوج إلى خزائن اللاوعي وإلى الذكريات المنسية ويعيش الأحلام كما لو كانت واقعية, كان على إيفي وأليسون ومارك مواجهة شياطينهم ومخاوفهم الأكثر عمقاً, وهكذا لعب التنويم المغناطيسي بإعطائهم إيحاءات للحداد والقبول والصفح, واستخدم كمسرِّعٍ للعلاج متيحاً لأرواحهم أن تحرز في بضعة ساعات التطورات التي كانت تتطلب سنوات من العلاج التقليدي !, بعدها غادر المرضى الثلاثة العيادة وتبعهم كونور وراح يراقبهم من بعيد لأنه ليس بوسع المرء أن يتوقع نتائج هذا النوع من العلاج, فالنتائج ليست مضمونة, حينها ابتعدت أليسون مشيرة إلى سيارة التاكسي ومودعة الطبيب النفسي بإشارة من يدها, بينما ابتعدت نيكول نحو سيارتها, وجلس مارك بجانب كونور يقول : لو رأيت كم كان وجهها حقيقياً, كانت واقعية جداً وحية جداً !!, شكراً لسماحك لي بالتحدث إليها مرة أخرى, كان أمراً مهماً بالنسبة لي !, ثم اقتربت نيكول لتسأل مارك : أين تريد أن تذهب ؟ فقال دون تردد : إلى بيتنا !.
كانت الشمس قد اختفت تدريجياً وكانت إيفي تجلس بالقرب من سياج أحواض السفن, فجلس كونور إلى جانبها وسألها عن حالها فقالت بخير, كان عليه أن يتأكد أن إيفي لن تنتقل إلى التنفيذ لقتل ذلك الطبيب, وبعد ترددٍ أخيرٍ إقترب من إيفي أكثر وأخرج من جيب معطفه مسدساً ذو مقبض حديدي .. لم تكترث إيفي لرؤية المسدس ثم قال : لقد عثرت على كرايج دافيس, إنه يعيش في شارع القديس جون الديفين, أعرف رقم شقته وبوابة المدخل ومواعيد دوامه, لو تطلبين مني القيام بذلك فأنا على استعداد أن أذهب لقتله, إذا أردت أن تثأري لنفسك فإن ذلك سينتهي هذا المساء .. مرت دقيقة قبل أن تلحق إيفي بكونور ومن دون كلمة إنتزعت المسدس من يديه وبمزيج من النفور والإفتتان نظرت إلى السلاح وألقته بكل قواها في المياه الباردة !.
لم يعد مارك قط إلى عمله في عيادة كونور, فبعد شهرين من جلسة العلاج حصل على وظيفة طبيب شوارع نفساني يعالج المتشردين بكل ما أوتي من علم, وفي ذات صباح علم مارك من الراديو بخبر وفاه أليسون هاريسون بحادث سقوط هيليكوبتر في الأمازون, واستُغرق عدة أشهر لتحديد مكان حطام الطائرة ولكنهم لم يعثروا قط على جسد الطيار أو على جثة الوريثة الثرية, وبعدها بأشهر تلقى مارك بطاقة عليها إشارة دولاب القوانين دون توقيع, ولكنه فهم على الفور أنها من أليسون تقول : غالباً ما أفكر فيك لعلك كنت على صواب, من واقع القول أن بوسع المرء أن يبدأ حياته من جديد ولا يكتفي بمواصلتها, فقط الأمل هو ما أتشبث به من الآن فصاعداً ... ثم سلسلة أرقام عرف من خلالها أنه المكان الذي دُفنت فيه ليلى حسب موقع ال جي بي إس. وانطلقا سريعاً هو ونيكول ليقولا للصغيرة وداعاً, ثم استولت عليهما الحياة مجدداً فرزقا بطفل أول ثم بثان بعد ثلاث سنوات !. ومرت السنون, وبعد عشر سنوات حدثت مصادفة غريبة إذ إلتقت عيني مارك بامرأة وتأكد أنها أليسون هاريسون, فيزيائياً كان قد طرأ عليها تحول غريب, لم يكن يشعر بأي مرارة نحوها وتمنى أن تكون قد وجدت السكينة. خمن حينها مارك أن أليسون قد بدأت حياتها تحت هوية أخرى برفقة كابتن الطائرة الذي ساعدها في اختلاق موتها, وأنها سعيدة في نهاية المطاف !. من جانبها تعرّفت أليسون إليه ومع أنهما لم يتبادلا سوى نظرة طويلة فقد رأى كل منهما في نظرة الآخر إنعكاس لكل ما قاساه .
خرجت إيفي جرياً من المستشفى وناولت التاكسي عنوان المطعم, كانت قد مضت عشر سنوات منذ لقائها بكونور, وصارت المراهقة إمرأه جميلة في الخامسة والعشرين, حصلت على شهادتها الجامعية في الطب, أرادت إيفي أن تشكر كونور على كل ما فعله من أجلها فهو من دفع تكاليف دراستها واستقبلها في أحضان العائلة التي يشكلها مع مارك ونيكول, ومن ثم كان لديها اعتراف يجب أن تبوح به, شيء ما كان يثقل قلبها منذ وقت طويل. فتشت إيفي في ملفات كونور القديمة في المستشفى ووجدت رسوماته القديمة وصورة وجه المرأة التي كان يرسمها, لقد كان وجهها, وهذا أعطاها الشجاعة للإعتراف بحبها لكونور.
وصل كونور مبكراً إلى المطعم وأخذ يتذكر كل ما مر به وأنه قد حصل على لقب أفضل دكتور في أمريكا قبل عامين, أما على المستوى العائلي فكان مارك هو الشخص الوحيد الذي تجرأ فباح له بالسر الذي يعذبه ويتصارع معه منذ قرابة العامين. لم تكفّ إيفي خلال كل تلك السنوات عن مباغتته محاولة دونما توقف أن تنال إعجابه. من جانبه ولوقت طويل إتّسمت علاقتهما بتواطؤ قوي ثم ابتعد عنها حينما تأكد له أنه واقع في غرامها, لقد أحب كل شيء فيها, حينما يكون معها يحس باستيقاظِ ما كان يفتش عنه في أعماقه وهو الأمل والرغبة في الإنفتاح والثقة بالمستقبل, هو الآن في الخامسة والأربعين من عمره, تذكر ذلك ثم ترك المكان وذهب إلى حي طفولته, تحدى خوفه وتذكر كل ماضيه, وحينما خرج كانت إيفي بانتظاره قرب السيارة, عثرت عليه في أعماق نفسها, بثقة تقدمت تجاهه, كانت تعرف أن كل شيء سيسير على ما يرام من الآن فصاعداً لأنه هنا, حيث نتحاب لا يخيم الليل أبداً .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق