الخميس، أكتوبر 11، 2012

الربيع العربي في برلين 2

 2-
 
واقتربنا من الكاونتر وكلما اقتربنا كلما ازددت قلقا وتوترا فأين المرأة ؟! هل سآخذ معي الحقيبة أم سأتركها ! الشك يزداد والهواجس تتكاثر...
وجدتها...يااااه سبحان الله لقد كدت أن أجن، واقتربت مع الهواجس أن أترك الحقيبة! ولولا أني قد رأيت المرأة جالسة على كرسي متحرك بين كتل الناس المتراصة  لكنت قد غيرت رأيي ... وعلمت بعد ذلك بأن سبب اختفاء السيدة سريعا هوعدم قدرتها على تحمل الوقوف... "إن بعض الظن إثم"
السيدة أمل الفلسطينية
وبثقة عالية، وبعد أن أخذت نفسا عميقا قمت بتقديم حقيبتها على حقيبتي وذهبت لأسلم على رامز.. عفوا يا حامل الحقائب ليس معى نقودا أعطيها إياك..
قلت لرامز لا تقلق يا عزيزي فلقد أكد لي الموظف بأن الجميع سيسافرون وأن الطائرة لن تقلع إلا والجميع فيها... لم يقتنع رامز بما أقول ثم قال: ياعزيزي إن كل المؤشرات تدل على أنني لن ألحق بكم؛ فأمامي طابور طويل، ثم إن إمورا كثيرة  سيئة قد حدثت لي بالأمس واليوم،  فنظارتي قد كسرت، وتأخري كان بسبب تأكيدي للتذكرة عند مكتب مصر للطيران.. أردت أن أهون عنه فغيرت الموضوع وقلت له: ألا تعلم يا رامز أني قد أخذت حقيبة لسيدة لا أعرفها، وأخشى أن يكون فيها شيئا ممنوعا فيحدث لي ما لا يحمد عقباه؟ نظر رامز إلى مندهشا وقال متعجبا: ما الذي تقول؟! هل جننت لتأخذ من أحد حقيبة وأنت لا تعرفه! وتدخل صاحبة بيشوي الذي يعمل في المطار وجاء ليساعده في إنهاء عملية السفر بقوله :" عفوا ولكن هذه مغامرة ومخاطرة" ورأيت نظرات الواقفين تحيطني وأحسست أنهم يريدون أن يشتركوا في الحديث!...

 انتهينا من تسليم حقائبنا وأخذنا ورقة تسمى البوردنج  توجهنا بها نحو بوابة الجوازات لنحصل على ختم الخروج. وقفنا في الطابور-ولم يكن طويلا- ولما حان دوري وقمت بتسليم جواز سفري للموظفة سألتني: أين استمارة البيانات؟ تذكرت من فوري تلك الاستمارة الزرقاء التى يجب على المسافرين المصريين من أمثالي ملؤها، وأما الأجانب فاستماراتهم غالبا ما تكون حمراء.. قلت للموظفة وكانت ترتدي ملكي – في السابق كانوا ضباطا رجالا يتسمون بالجدية والحزم- قلت لها ليست معي هذه الاستمارة، فأعطتني واحدة، ثم قالت " خد لك جنب واملاااها"...
رقم الجواز، والإسم، والسن، والعنوان، وتاريخ الإصدار، والمرافقون وبيانات أخرى.. قمت بكتابتهم من غير اقتناع؛ فما هذا العبث الذي نحن فيه؟ هذا المطار الذي يسمونه جديدا قد تكلف بناؤه أكثر من 550 مليون جنية مصري تم صرفهم على حوائط فقط  من دون تطوير للعقول ومن دون استخدام الوسائل العصرية الحديثة ؟!!
 "أعتقد اعتقادا جازما حازما أنه لا يوجد في أي مطار في العالم مثل هذه الاجراءات الروتينية الورقية التى عفى عليها الزمن .. يا سادة هناك اختراع قديم يسمي الاسكانر، من الممكن بسهولة أن يوضع هذا الجهاز أمام الموظف فيأخذ به صورة لكل جواز سفر بدلا من هذه الأوراق التى تكلف على الدولة ملايين الجنيهات سنويا، وتهدر من أوقات الناس وطاقاتهم"!!
عبرنا الحواجز الأمنية وختمنا جواز السفر بختم الخروج ثم اتبعنا اللافتات التى تشير إلى صالة الانتظار الأخيرة وكانت في الطابق الأرضي... البشر كثيرون ومن جنسيات مختلفة أغلبهم بالطبع مصريون...
 وقفنا  في طابور طويل في ممر ضيق به إضاءة خافته، وشممت روائح عفنة وبدأت أتصبب عرقا وكأنه يوم الحشر...
 وصلنا إلى بوابة التفتيش النهائية ولم يكن التفتيش هذه المرة مبالغ فيه مثل مرات سفري السابقة، ربما من كثرة الناس أو ربما حدث هذا بعد الثورة لا أدري.. فبالمقارنة لما سبق رأيت بيد بعض المسافرين زجاجات مياه وعصائر على خلاف التعليمات المعروفة..
دخلنا الصالة المستطيلة فلم نجد فيها مكانا نجلس فيه، فالصالة مكتظة عن آخرها.. أدرت بصري يمنة ويسرة أبحث عن "منّه ومني"- زميلتان في المنحة" واللتان سبقتا في الدخول فلم أجدهما.. تقدمت قليلا ومن خلفي "أحمد مسعد"  فوجدت المرأة الفلسطينية تجلس على مقعدها المتحرك فاقتربت منها، فابتسمت لي ... ألقيت عليها التحية، فردت واستكملت بكلام لم أسمعه، انحنيت مقتربا منها ثم قلت لها " كدا تسيبي شنطتك وتمشي؟!" ابتسمت لي ولم ترد، ففهمت أنها لم تسمع كلامي جيدا؛ فأنى لها أن تسمعني في وسط هذه الضوضاء الصارخة... رفعت رأسي فإذا بي أجد "منّة ومنى" تجلسان بجوار السيدة الفلسطينية ومن أمامهما جلست السيدة أم الطفل العفريت "عمر".. سلمت عليهم جميعا ورأيت "أحمد" قد رأى صديقا له فذهب ليسلم عليه...

سألتني السيدة الفلسطينية  " أمل" : هل هذه هي المرة الأولى التي ستسافرا فيها إلى برلين؟ قلت لها  بالنسبة لى فلا، فقد كنت في برلين منذ تسع سنوات. إلا أنها هي المرة الأولى لأحمد. فسكتت برهة ثم قالت: وأين ستذهبون في برلين؟ قلت لها ثوان فسأخرج لك الورقة المكتوب فيها العنوان... ونظرت إلى "منة" فسألتها عن العنوان فذكرته لنا، وهنا أخرجت السيدة "أمل" خريطة لبرلين، وبدأت تبحث فيها عن شارعنا، ثم قالت: بإمكانكم أن تأتيا معي لأوصلكم، فستأتيني سيارة وتاخذني إلى محل إقامتي. قلت لها: عفوا سيدتي فنحن أربعة وقمت بتقديمها للفتاتين. رحبت السيدة أمل بهما ثم سكتت قليلا وقالت: " مفيش مشكلة أنا سوف أتصل بهم وأخبرهم بأن يحضروا سيارة كبيرة وألا يحضرو الأطفال معهم" ... شكرتها كثيرا وأحسست أن الله يكافؤني على صنعتي.

انتظروني..
محمد شحاتة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق