السبت، أكتوبر 13، 2012

الربيع العربي في برلين 4

4-


عاودت الاتصال برامز فأخبرني بأنهم يفترشون الأرض وأنهم قد بعثوا بأحدهم ليشري لهم طعاما وشرابا، وأنهم سمعوا أن المضيفين الجويويين قد عاودوا الإضراب، وأنه من الممكن ألا نسافر نحن أيضا! استرها معانا يارب!

في هذه اللحظات تمنيت لو كنت مع رامز فعلى الأقل سيأتيه طعام وشراب، أما نحن فمحبوسون ولا طعام ولا شراب ولا حمام ولا أخبار...  وصار هرج ومرج وأصبحنا (كالمعلقة) فلا مخرج ولا مدخل... ومر وقت ولا أدري أمَّر بطيئا أم  سريعا..المهم أنه مرّ. واتصلت برامز فأخبرني بأن الوضع كما هو، وأن الناس يشتاطون غضبا؛ فلم يأت إليهم مسؤلا واحدا يخبرهم بما يحدث، ولا يدرون ماذا يفعلون...

شئ صعب وسخيف أن تخرج من بيتك وقد جهزت كل شئ، ثم تفاجئ بإضراب ينسف لك كل ما خططت ويدمر لك ما دبرت. وشئ أصعب وأسخف ألا تجد أحدا يقدم لك اعتذارا أو حتى يشرح لك الموقف... وكأن ثورة لم تقم.

لا أدري من هو الجاني في هذا الإضراب ولكني أعرف جيدا من هم المجني عليهم ، وأعلم كذلك أننا في موقف لا نحسد عليه، وأننا ضحايا، وأنه ليس لنا في الأمر ناقة ولا جمل... افرجها يارب.

 وسمعت المنادي ينادي... " أيها السيدات والسادة: النداء الأخير على الرحلة رقم ... المتجهة إلى .... برجاء التوجه إلى بوابة الخروج".  سمعت هذا النداء أكثر من مرة، وفي كل مرة تمنيت أن أسمع النداء الأول على رحلتنا....  فقط النداء الأول.

واصلنا الأحاديث بعضها ببعض، وتنقلنا في الموضوعات حتى شعرنا بالتعب من كثرة الكلام، فسادت فترة من الصمت قطعها صوت رجل من رجالات الأمن ينادي على المسافرين المتجهين إلى برلين أن استعدوا وتقدموا... لم نصدق ما سمعناه  فنظر بعضنا إلى بعض، ثم انتفضنا فجأة واتجهنا صوب البوابة... ومن دون أن أشعر وجدتني أسأل زملائي واحدا تلو الآخر هل نسيتم شيئا جواز سفركم، حقائبكم، هواتفكم المحمولة؟! فنظروا إلى مندهشين ولسان حالهم يقول: "إيه ياعم هو انت ولي أمرنا"... ربما خشيت أن ننسى شيئا من جراء الشعور بالانفراج، ففي غمرة السعادة لا يدرى الإنسان ماذا يفعل،  أو ربما – وهذا هو الغالب- قد غلبتني وظيفتي السابقة كمندوب سياحة وقد كنت فيها كثير التأكيد على السائحين ألا ينسوا شيئا...

وركبنا الأتوبيس أخيرا.. وفي طريقنا للطائرة أجريت اتصالي الأخير برامز كي أخبره بالمستجد من الأمر، وتأكد لى وله أننا سنسافر من دونه... لقد صدقت يارامز في عدم تفاؤولك!!
أردت أن نأخذ (أحمد وأنا) صورة بجوار الطائرة كي نتذكرها ونتذكر ما حدث لنا قبلها، فرفض رجل الأمن بقوله " ممنوع يا باشا" ولم أسأله عن السبب  فحرارة الشمس وضيق الوقت وعدم مناسبة الموقف منعوني من السؤال. ولما صعدنا درجات سلم الطائرة استأذنت المضيفة فسمحت لنا...
 

أحمد مسعد
 

جلست على مقعدي بجوار النافذة ثم نظرت في الساعة فإذا بها الثانية والنصف بعد الظهر، وهو الموعد الذي كان من المقرر أن نصل فيه إلى برلين.. لقد تأخرنا أكثر من أربعة ساعات... مفيش مشكلة أهم حاجة إننا نسافر.

نظرت من النافذة فإذا بي أرى حقائبنا ما تزال خارج الطائرة، ورأيت شابا وحيدا، نحيفا، نحيلا، هزيلا، يتصبب عرقا ولا يدري ماذا يفعل أمام هذا الجبل من الحقائب... انتظرت أن يأتي آخرون ليساعدوه فلم يحدث.. مر أكثر من نصف ساعة على جلوسنا في الطائرة وما يزال كثير من الحقائب تحت أشعة الشمس الحارقة.... لك الله يا حامل الحقائب، فكم أود أن أنزل وأساعدك... وطال بنا الانتظار..

بدأ المضيفون في توزيع بعض الجرائد على المسافرين، فأخذت جريدة الأخبار وبدأت أتصفحها وكان عنوانها الرئيس يقول: " انتهى الإضراب ،وانتظمت الطائرات، وانفرجت الأزمة" فقلت لا تعليق! ثم سمعت أحدهم يتحدث مع إحدى المضيفات ويستفهم منها عن سبب التأخير- ويبدو أنه لم يلحظ ما رأيته من أمر حامل الحقائب- فأجابته المضيفة بقولها:- " والله يا فندم احنا جاهزين من بدري ومستنين تحميل الشنط. المشكلة كلها إن مفيش عمال كفاية يحملوا الشنط." ثم استطردت بقولها " والله هو عامل واحد على الطيارة ودا ظلم كبير، ولو قولنا لهم إننا ممكن نساعده يرفضوا ومايرضوش  ينزلونا من الطيارة ، إحنا كمان نفسنا نخلص قبلكم ، إحنا كمان ورانا بيت وولاد!!"

انتظروني ....
محمد شحاتة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق