الأحد، أكتوبر 14، 2012

الربيع العربي في برلين 5

5-

جلسنا نحن الأربعة (منى ومنة وأحمد وأنا) في أماكن متفرقة، فجلست منى ومنة في مقدمة الطائرة، وجلست في المنتصف تقريبا، وجلس أحمد بين المقدمة والمنتصف. وجدت عن يساري شابا ألمانيا فارع الطول، وقد ترك لشعر رأسه العنان فضفره ضفيرة طويلة. تعرفت عليه فإذا به يعمل مدرسا في الجامعة الألمانية لمادة "الفنون" الرسم. أخبرني بأنه على مدار العامين الكاملين له في القاهرة لم يجد ما يعكر صفو رحلته وإقامته إلا اليوم، فقلت له: "إذا على أن أستبشر خيرا فلقد كانت بداية رحلتك يسيرة فتعسرت في نهايتها، أما رحلتي فتعسرها في البداية يعني - وأرجوا هذا- تيسيرا في النهاية".

سألته عن حال الجامعة الألمانية وعن حال طلابها فأجابني بقوله: " الجامعة الألمانية توفر كل الإمكانيات التعليمية وغير التعليمية للطلاب؛ إلا أن الطلاب كسالى ولا يأتى منهم إلا القليل" أخبرته بأن الحال عندنا في جامعة الأزهر يختلف اختلافا كليلا وشكليلا؛ فالجامعة لا توفر حتى الحد الأدنى من الإمكانيات التعليمية ناهيك عن غير التعليمية؛ فعدد المقاعد بالكاد يكفي عدد الطلاب ولا يوجد نظام ولا نظافة ولا وسائط ولا وسائل متطورة وعلى الرغم من كل ذلك تجد معظم الطلاب يواظبون على الحضور.
 

وانطلقت بنا الطائرة ومع انطلاقها سمعنا دعاء السفر "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى, اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطوي عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفه في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل." وبسماع هذا الدعاء وترديده اطمأن قلبي وانشرح صدري واستبشرت خيرا ثم أسندت رأسى على المقعد وأخذت نفسا عميقا ثم نظرت من النافذة.

ارتفعت بنا الطائرة رويدا رويدا وكلما ارتفعت بنا كلما اتسعت دائرة رؤيتي وصغرت في عيني تلك المباني العملاقة، ثم تلاشت أمامي الحدود وأحسست بأنني فوق الجميع!

تذكرت من فوري دعاء السفر وتذكرت أننا بدأناه بقولنا الله أكبر، الله أكبر فانتبهت، ألا يعني هذا شيئا؟! بلى ، فالله أكبر وهو فوق الجميع.

بدت لي القاهرة ومحيطها أشبه ببقعة حبر سوداء افترشت ورقة صفراء قطعها على استحياء خط أزرق داكن، ثم علتها تجمعات سكنية وسط الأرض الخضراء المنبسطة. فأين إذا ذلك الزحام الخانق؟! ما أجملك أيتها الدلتا وما أروعك! فقط من الفضاء. وهنا تذكرت مقولة عادل إمام في فيلم طيور الظلام: " البلد دي اللي يشوفها من فوق ما يشوفهاش من تحت".
 
محمد شحاتة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق