في مثل هذه الأيام من العام الفائت استيقظ العالم على خبر هروب بن علي من تونس وذهابه الي جدة ومن ثم انتصار الثورة التونسية. وكان هذا الخبر على الرغم من فرحتنا به إلا أنه قد سبب لنا مرارة شديده لكون تونس وهي الدولة الصغيرة من حيث المساحة والعدد والموارد مقارنة بمصر. هذه الدولة التي كنا نعتقد أن أهلها يعيشون في نعيم خالص وحرية لا نهائية يقوم شبابها بثورة ونحن الذين تُبدد إراداتهم وتُزور أصواتهم وتخرس ألسنتهم لا حراك ولا فراك...كان الأفق مظلما والأمل معدوما. كان الأفق مظلما لكون التوريث بات قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، وكان الأمل معدوما لكون الإحباط قد أصاب قلوب وعقول الصغار قبل الكبار..
في مثل هذه الأيام من العام الفائت وبعد هروب بن علي وظهور تلك الدعوات بالتظاهر في عيد الشرطة الذي لم أكن أعرف متي هو،وبينما كنت في الميكروباص عائدا إلى بيتي وقد انتهي عملي، جاء جلوسي بجوار شاب في العشرينات كان يتحدث في تليفونه المحمول محذرا من يحادثه أو يحادثها من النزول في هذا اليوم وأن يقوم هو أو هي بتحذير من يعرف. وقد استخدم هذا الشاب عبارة ( اليوم دا ها يكون مدعكة) وعلمت من حواره بعد ذلك أنه يعمل أمين شرطة.. والحق يقال أنني أحسست ساعتها أنه يبالغ كثيرا فيما يقول وكنت على يقين تام بأن هذا اليوم سيكون مثل بقية الأيام فقد كانت كل القرائن والدلائل تدعم يقيني هذا؛ فكم هي الإحتجاجات وكم هي المظاهرات وكم هي الاعتصامات ولا شئ .. وكم هم من حرقوا أنفسهم ومن انتحروا ومن قتلوا ولم يتحرك أحد...
في مثل هذه الأيام من العام الفائت وأثناء ظهور دعوات التظاهر في عيد الشرطة كانت هناك أزمات في أنبوبة الغاز، وأزمات في الخبز المدعوم. وكان هناك ارتفاع أسعار رهيب في معظم السلع وعلي رأسها الطماطم؛ حتى أن سعر كيلو الطماطم كان قد ارتفع عن سعر كيلو التفاح... ولم يحدث شئ..
في مثل هذه الأيام من العام الفائت وبعد الارتفاع الجنوني في الأسعار كنا نمني أنفسنا بزيادة في الرواتب حتى يمكننا اللحاق بقطار الأسعار الذى قد غادر محطته و لا يريد أن يتوقف.. وكنا نعد العدة للدخول في البيات الشتوي كي نأكل ونشرب وننام دون التفكير في المستقبل أو الحديث في السياسة.
في مثل هذه الأيام من العام الفائت وقبل الدخول في البيات الشتوي كانت الحوارات تدور في أغلبها عن ماتشات الكورة ومن الفائز ومن المهزوم ولم يكن للحس السياسي أي وجود..
وفي مثل هذه الأيام من العام الفائت كان قد أرسل صديق لي رسالة إلى دار الإفتاء يستفتيهم في أمر المظاهرات القادمة وعن مدى مشروعية النزول فيها من عدمه؟ وجاءه الرد بأن عليه الذهاب بنفسه إلى دار الإفتاء كي يأخذ فتواه!!!
وللذكرى بقية
والله المستعان
محمد شحاتة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق