الاثنين، يناير 16، 2012

في ذكرى الثورة 4


كانت الأمور هادئة على طول المسافة من قريتي إلى مشارف القاهرة. إلا أنها اختلفت كثيرا علي الطريق الدائري   فإطارات السيارات المحروقة مع الحجارة الملقاة على جانب الطريق أنبأت بأن الليلة الماضية كانت ليلة ليلاء... واستأذن صاحبي للنزول لأن كمينه قد اقترب. ولما نزل من السيارة رأيته ينظر إلى مكان عمله (الكمين) والذي كان قد أحرق تماما....
وقد لا حظت خلو الطريق بأكمله من أي من العساكر أو الضباط، وحتى الأكشاك الصغيرة التي كانت تظل أفراد الأمن قد تم تدميرها بالكامل. وكان السؤال وما يزال من الفاعل؟؟؟

دخلت مكتبي فوجدت المكاتب الأخرى خاوية على غير العادة.. فلم يكن سواي واثنان آخران، وانصب الحديث بدوره عما حدث بالأمس.. وكان الإنترنت ما يزال مقطوعا، وبدون انترنت لا أسطيع أن أعمل. فأنا أستقبل الحجوزات من خلاله.. إلا أن الشركة التي ترسل إلينا الحجوزات من الخارج قد فطنت إلى هذا الأمر، وبدأت بإرسال ما لديها عن طريق الفاكس. وقد كانت المفاجأة المتوقعة.. كل ما أرسل إلي من حجوزات يوم الخميس الماضي وقضيت وقتا طويلا أرسله إلى الفنادق قد تم إلغائه... ألاف الحجوزات وألاف  السائحين... وتوقفت السياحة.

 لم يطب لي المقام في العمل كثيرا، فكآبة الأحداث حاصرتني وإرهاق السفر أعياني، فانصرفت قبل الموعد بساعتين. ووقفت نصف الساعة حتى استوقفت سيارة أجرة تأخذني إلى شقتي في اكتوبر، والتي لا تبعد سوى نصف الساعة من محل عملي.. وعلى مشارف المدينة وجدت الدبابات قد قطعت الطريق وأخذ الجنود بزيهم الذي لم أعتد رؤيته يطلبون منا أن نبرز لهم إثبات الشخصية.. ونظرت من النافذة فوجدت أفرادا منهم قد استوقفوا ثلاثة شبان وأمروهم بوضع أيديهم فوق رؤسهم فبدا لي الأمر مزعجا..


كانت المحال قد أغلقت أبوابها والشوارع قد خلت من الناس، فاستسلمت لواقعي وقررت أن أكتفي بالموجود من الطعام إن كان قد بقي منه شئ..
وككل أيام الشتاء كان هذا اليوم قصيرا باردا، وحمل معه ليلة لم أرى في طولها من قبل. فما أن حل الظلام حتى استشعر الناس رعبا هم من صنعوه، وخرج الشباب إلى الشوارع ليثبتوا لأنفسهم رجولة، وخرج الرجال حتى يختبروا رجولتهم وصار كل صوت ولو كان  خفيضا يدعوا للذعر ويبث الخوف.. وكانوا هم من يرعبون أنفسهم بأنفسهم و يتخيلون الأحداث تارة ويفتعلوها تارةأخرى.. وخرجت أصوات من ميكرفونات المساجد تطمئن الناس وتخبرهم بأن لجانا شعبية قد شكلت وستقوم بالخدمة. فاطمأن الناس بعض الشئ..
ولكوني أسكن بالقرب من منطقة المصانع، والتي كانت هدفا حيويا قد قام الجيش بتأمينه جيدا فكنت أسمع طلقات الدبابات حينما تقذف وكأنها خرجت من جانب منزلنا الذي  كان يرتجف وكأن زلزالا قد حدث. ولقد خلى المنزل الذي أسكنه من ساكنية سوى ثلاث شقق كانت شقتي إحداهن. وفي نوبات الرعب كنت أهرع إلى شباك المطبخ كي ألتمس شيئا أو أرى أحدا.. وتعرفت على جار لي كان قد انتقل إلى الشقة المقابلة لي وأعطيته رقم تليفوني وأعطاني هو الأخر رقم تليفونة تحسبا لطارئ وتجنبا لمكروه.. وغفوت.. ثم انتفضت على أثر خبط على الباب ودق للجرس فهرولت إلى شباك المطبخ، فوجدت زوجة جارى واقفة بدلا من زوجها فقلت لها ما الأمر فقالت انهم سمعوا بقدوم اللصوص من الناحية الخلفية فانزل لتذهب معهم.. قلت لها لا بل سأبقي هنا لأحميكم فربما يأتون من الأعلى! ودخلت لأنام...
وفي صباح اليوم التالي (الأحد) وفي طريقي إلى العمل كانت هناك عشرات من نقاط التفتيش.. شباب وأطفال قد أغلقو الشوارع بالأخشاب والطوب وإطارات السيارات، وقد حملوا في أيديهم سكاكين وسيوف. وعند كل نقطة تفتيش لا بد وأن نقف وأن نخرج بطاقاتنا الشخصية وإلا....
http://muhamadshehata.blogspot.com/2012/01/4.html

والله المستعان 
محمد شحاتة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق