شكى نفر من أهل
الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب فقـالوا إنًه لا يحسن يصلى. فقال سعد : أمّـا أنا، فإنّي كنت أصلي بهـم صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لا أخْرم عنها ، أركــد في
الأوليين، وأحذف في الأخرين. قال
عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، ثم
بعث رجالآ يسألون عنه في
مجــالس الكوفـة، فكانوا لا يأتون مجلسآ إلا أثنو عليه خيــرآ، حتى أتوا مسجدآ من
مساجدهـم، فسألوا
رجلا يقال له "أبو سعدة" .فقال: اللًهم إذا سألتمونا عنه، فإنّه كان لا يعـدل في القضية، ولا يقسم
بالسوية، ولا يسير بالسرية. فقال سعـد: اللّهم إن كان كذابآ، فأعم بصره، وأطل فقره، وعرضه
للفتن ( وكان سعد مستجاب الدعوة ببركة دعوة رسول الله صلى
الله عليه وسلم له).
ومضت السنون وروى أحدهم أنه رأى أبو سعدة يتعرض
للإمـاء في السكك والطرقات وهو شيخ قد بلغ
من العمر عتيآ، فقيل له:
كيف أنت يا أبو سعدة؟ فقال: كبير
فقير مفتون، أصابتني دعوة سعد.
**************
وهكذا تم عزل سعد
بأمر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضوخا لرغبة نفر من أهل الكوفة، ونزولا على
مطلبهم! ثم عٌيين بعده عمار بن ياسر، فشكى أهل الكوفة عمار بن ياسر إلى عمر بن
الخطاب، وقالوا في عمار بن ياسرأنه ليس خبيرًا بشئون الولاية، ولا يدري علام
استعمله عمر، وطلبوا من عمر بتعيين أبو موسى الأشعري الذي
كان آنذاك واليا على البصرة ليصبح واليا على الكوفة أيضا، فنزل عمر بن الخطاب
لطلبهم، وعزل عمار بن ياسر درءا للفتنة، وعين بدلا منه أبا موسى الأشعري رضي الله
عنهم جميعا!
ولم يمض عام حتى
اشتكى أهل الكوفة من أبى موسى الأشعري وطالبوا أمير المؤمين عمر بتغيره فاستجاب
لهم وبعث عليهم بالمغيرة بن شعبة! وهكذا ظل أهل الكوفة لا يرضون بحاكم، كلما أتاهم
أمير شكوه، وانقلبوا عليه، وغدروا به، وعصوه، وحدث ذلك أيضا في زمن عثمان بن عفان حيث
شكى له أهل البصرة أبا موسى الأشعري فعزله عثمان، وعين مكانه عبد الله بن عامر.
وظل حال أهل الكوفة على هذا المنوال، كلما أتاهم
حاكم تمردوا عليه واخترعوا له عيبا، ومن ثم خلعوه، حتى ابتلاهم الله بالحجاج بن
يوسف الثقفى، فلما قدم عليهم خطب فيهم قائلا: يا أهل العراق! إني لا أعرف قدر
اجتماعكم إلا اجتمعتم، قال رجل: نعم- أصلحك الله- فسكت
هنيهة لا يتكلم، فقالوا: ما يمنعه من الكلام إلا العي والحصر، فقام فحدر لثامه، وقال: يا أهل العراق! أنا الحجاج بن
يوسف بن الحكم بن أبي
عقيل بن مسعود.
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا *** متى أضع العمامة تعرفوني
أما و الله فإني
لأحمل الشر بثقله، و أحذوه بنعله، و أجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني
لصاحبها، والله لكأني
أنظر إلى الدماء بين العمائم
واللحى. ثم قال: والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد
الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً،
وأشدها مكساً، فوجهني إليكم، ورماكم بي.
يا أهل العراق، يا أهل النفاق،
والشقاق، ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن العي، وأيم الله لألحونكم
لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة
ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل،
إني والله لا أحلق إلا فريت،
ولا أعد إلا وفيت، إياي وهذه الزرافات، وقال وما يقول، وكان
وما يكون، وما أنتم وذاك؟.
يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان،
فكفرتم بأنعم الله،
فأتاها وعيد القرى من ربها،
فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا،
وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف،
ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين
صعبكم، ويقيم له أودكم،
وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من
البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت
الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم
لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه
مني، لئن تخلف منكم
بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه.
ولينهبن ماله. اقرأ كتاب أمير
المؤمنين يا غلام:
فقال القارئ: بسم
الله الرحمن الرحيم، من عبد
الله عبد الملك أمير المؤمنين
إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني
أحمد إليكم الله، فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر: "أسكت يا
غلام"، فسكت، فقال:"
يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق
ومساوئ الأخلاق. يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون
السلام؟ هذا أدب ابن أبيه؟ والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه، ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم
في جسده وفي نفسه
شغلاً، اقرأ كتاب أمير المؤمنين
يا غلام"، فقال:
بسم الله الرحمن
الرحيم فلما بلغ إلى موضع السلام
صاحوا وعلى أمير المؤمنين
السلام ورحمة الله وبركاته، فأنهاه ودخل قصر الإمارة ."
من لم يرض بسعد حاكما
ابتلاه الله بالحجاج! وكما قال الشاعر:-
من لم يطق سعداً يسوس بلاده ساس البلاد مكانه الحجــــاج
نشر الفساد وراح يقتل شعبـه وتتابعت في ظلمه الأمــــــواج
هو لا يفرق بين قـــوم أيـــدوا أو عارضوا سعداً...ولا يحتاج
يا من أبيتم حكم سعدٍ فاحذروا لله بين عبـــادة استــــــــدراج(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأبيات للشاعر : على عبد السميع