في هذه الأثناء خطر ببالى أن أطرح سؤالا آخر،
فقد شغلتنى كثيرا تلك الطاقية التى يرتديها، فقمت برفع يدي للمرة الثانية لأسأله:
هل تسمح لك السلطات الألمانية بأن تلقى محاضراتك في المدارس والجامعات وأنت ترتدي
هذه الطاقية التى بلا شك في أنها رمز ديني؟
أجاب الرجل بشئ من
الدبلوماسية محاولا إظهار أنه ليس هناك ما يمنعه من دخول المصالح الحكومية ولا ما
يمعنه من أن يحاضر في الجامعات والمدارس. ثم ذكر أن هذه القبعة أو الطاقية
اليهودية والتى يسمونها "الكبة" جزء من الدين اليهودي، ولا يمكنه أن
يتنازل عنها.
وللعلم فإن الكبة
اليهودية عبارة عن قبعة صغيرة أو إن شئت فقل هي غطاء رأس أو غطاء جمجمة ضئيل وصغير
ودائرى الشكل، يتم ارتداؤها فى كل الأوقات كسنة أوعادة تراثية لدى الرجال اليهود
المحافظين والمتزمتين والمتدينين، وأحيانا يرتديها الرجال والنساء على السواء. ويرتبط
ارتداؤها باحترام وتوقير الله. ولا يتم ارتداءها خلال النوم أو دخول الحمام. ويرتدي اليهود الكبة لعدة أسباب منها: إدراك أن الله فوق البشرية، والقبول بوصايا
التوراة البالغ عددها 613 وصية، وحتى يتعارف اليهود على بعضهم البعض، وإظهار سلطة
وسيادة جميع اليهود. وفي كثير من الأحيان يرتدي بعض اليهود غطائين للرأس: كبة و فوقها قبعة.
ويوصف ارتداء الكبة بأنه تكريم وإجلال لله، ويتم
تشجيع الصبيان والأولاد على ارتداء الكبة من سن صغيرة كى ينشأوا وقد تعودوا وانغرست
فيهم هذه العادة. وفي الآونة الأخيرة انتشر ارتداء الكبة من قبل اليهود غير
المتدينين أى "العلمانيين" و كذلك من غير اليهود كعلامة للاحترام والتبجيل
عندما يحضرون شعائرا وعبادات دينية يهودية، وأيضا فى الأماكن التاريخية اليهودية
مثل متحف الهولوكست وحائط المبكى!
والطريف هو أن الأمر
تطور أكثر فأكثر حتى أصبحت الكبة تصنع بألوان الفرق الرياضية التى يشجعها مرتديها
وخصوصا مشجعي كرة القدم! حتى أنه فى الولايات المتحدة الأمريكية بدأوا يرسمون
شخصيات من الرسوم المتحركة من أمثال ميكي
ماوس وتوم وجيري على كبة الأطفال! مما اضطر بعض المدارس اليهودية أن تعمل على حظر على
ارتداء تلك الكبات المرسوم عليها رسومات لا تتسق مع القيم اليهودية التراثية!
وبعيدا عن الكبة
اليهودية وبالنظر في الأمر بعين مجردة نجد أيضا أن عندنا في الإسلام شيئا مشابها
لهذا الأمر؛ فالطاقية الشبيكة تشبه كثيرا الكبة اليهودية، وعندنا أيضا العمامة،
وقديما كان الطربوش. وكثيرا ما يرتدي الرجال الطاقية البيضاء وهم ذاهبون إلى
المسجد إظهارا للتدين. أما في المسيحية الكاثوليكية الرومانية فتوجد قبعة تشبه
الكبة وتسمى "زوكيتو" ومعناها يقطينية أو قبعة صغيرة، ويرتديها
أعضاء الإكليروس. وتختلف ألوانها تبعا لمنصب ورتبة مرتديها؛ فالبابا يرتدى كاب
أبيض، والكرادله يرتدون اللون الأحمر، والأساقفة والأقل منهم يرتدون اللون القرمزي،
أما الكهنة فيرتدون اللون الأسود!
وبينما أخذ الرجل اليهودي يرد على أسئلة
الزملاء أخذ تفكيري يغوص في الطاقية أكثر وأبعد، فأخذت أفكر في جنود الجيش والشرطة
لماذا يرتدون على رؤوسهم طاقية موحدة ويلبسون زيا موحدا، بل ويحلقون شعورهم
وذقونهم بطول واحد وموحد؟ والجواب يكمن في السيطرة، وإن كانت هناك أسبابا أخرى لا
داعي لذكرها، إلا أن أهمها هو السيطرة؛ ففى وقت من الأوقات سوف يُطلب منهم أن
يذهبوا للحرب وربما إلى الموت بدون تفكير، لذلك يجب نزع الشعور الفردى منهم تماما!
وهكذا فعل هتلر عندما حول الشباب الألمانى صغير السن إلى روبوت، فألبسهم قمصان بلون
واحد، وحلق شعورهم بشكل واحد، ودربهم على تحية واحدة (هايل هتلر)، حتى يتحول الشاب
منهم إلى مجرد إنسان آلى وإلى آلة قتل منظمة عند صدور الأوامر بذلك.
وهنا جاء في ذهني ما
يلى: ألم يكن الله قادرا على أن يخلقنا جميعا متشابيهن، أو أن يخلقنا وعلى رؤسنا
الطواقي الجاهزة المتشابة أو حتى المختلفة؟! إلا أنه سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين
في كل شئ، في الشكل، والجسم، والنوع، واللون، واللغة، والذكاء، والنشاط، والمشاعر،
حتى أن بصمة الأصابع مختلفة وحدقة الأعين لا تتكرر! أليس في الأمر حكمة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق