وأعطيت الكلمة بعد ذلك لأهل المغرب ليخرج عبد
الرحيم متحفزا، وينظر إليه الحضور مترقبين لما سيقوله؛ فسؤال الأقليات العرقية في المغرب العربي يثير حساسيات مستفزة-
هكذا أخبرنى عبد الرحيم في إحدى حواراتي معه، وتأكدت من كلامه هذا في حوارات أخرى.
والحق يقال بأن الكثيرين يرفضون مجرد مناقشة هذه القضية، علمًا بأن تسمية
"المغرب العربي" لا يستسيغها جانب من أبناء المنطقة، ويفضلون عليها
تسمية "المغرب الكبير"، بل ويعتبر كثيرون - ومنهم سناء المغربية - أن
إثارة هذا الموضوع في هذه المرحلة التي يمر بها العالم الإسلامي أمر غير مرغوب به.
وأننا اليوم في أمس الحاجة إلى التماسك بدلا من التفرقة التي نعاني منها. كما أن
مسألة الانتماء العرقي لا يمكن بالضرورة أن تفرق أقواماً يجمع بينهم الدين، مذكرين
بقوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبًا
وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
ولم
أكن أعرف شيئا عن قضية الأمازيغ من قبل، ولكن بفضل شرح عبد الرحيم لهذه القضية
بدأت أعرف عنها الكثير وعرفت أيضا أن عبد الرحيم من أنصار "المغرب الكبير" بدلا من "المغرب
العربي". والأمر ليس بالسهل ولا بالهين، كما أنه يصعب الحديث في المنطقة
المغاربية عن وجود أقلية عرقية، رغم أن بعض المتعصبين للأمازيغية (تسمى خطأ
البربرية) يعتبرون العرب أقلية عرقية، في حين يعتقد العروبيون أن الأمازيغ أقلية.
ويرى
كثير من الباحثين في أن القضية الأمازيغية لم تكن في يوم من الأيام مطروحة في هذه
المنطقة، بدليل أن الأمازيغيين ظلوا يتكلمون لغتهم على امتداد القرون، ويتعايشون
مع العرب، وحين الحديث عن أمازيغ وعرب، فإن ذلك يكون تمييزا اجتماعيا، أكثر منه
تمييزًا عنصريًا أو عرقيًا.
بل
ويرى البعض أن الحديث عن الهوية المغاربية يعني الحديث عن كافة مكوناتها الإفريقية
والعربية والأمازيغية والأندلسية، مؤكدين أن الإسلام ليس مجرد مكون من مكونات
الهوية، بل هو أسمى من ذلك، إنه عقيدة جامعة تلتقي عندها كل هذه المكونات، أو
هو بمثابة أساس عقدي لهذه الهوية، خاصة وأن الإسلام لم يفرض نفسه بحد السيف على
الأمازيغيين، وإنما هم الذين تبنوه ونشروه، ومعظم الدول التي تعاقبت على حكم
المغرب كانت أمازيغية، ويكفي أن نذكر أن طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين وابن تومرت أنهم
أمازيغيون، ساهموا في حماية الإسلام في الأندلس وفي نشره في عدة دول إفريقية، وكذلك
في نجدة الخلافة الإسلامية في المشرق. وهناك أرآء أخرى ترى أن الأمازيغية تتعارض مع الإسلام، وترى أن
المغرب أمازيغي!
وأنهى عبد الرحيم كلمته، وخلفته سمية كي تزيد
الأمر توضيحا، وأراد سفيان أن يوضح الأمر أكثر أو لعله أراد أن يعطي رأيه، وبدا
الأمر نزاعا وبدت قضية الأقليات في المغرب أكثر تعقيدا.
بعدها
خرج أندرية اللبناني ليتحدث إلينا عن الأقليات في لبنان، فخط بقلمه عدة خطوط شكلت منحنيات
أشبه بالرسم البياني ثم استهل حديثه بقوله: " أحدثكم عن الأقليات باعتبارى
أحد هذه الأقليات فأنا الوحيد اللبناني ضمن هذه المجموعة!" وضحك الجميع
وانجذبوا لما سيذكره أندريه فقال:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق