الثلاثاء، ديسمبر 29، 2015

تونس الخضراء 36


عزيزي القارئ سامحني إن لم أستطع أن أنقل لك بدقة مشاعري وأنا في طريقي إلى الجامع الكبير لصلاة الجمعة. اعذرني إن لم تساعدني الكلمات في وصف المكان، اغفر لي اضطرابي وشرودي، تجاوز عن تقصيري في نقل هذا الموقف تفصيليا كما اعتدت مني، فقد كنت في حال غير الحال، ولك أن تتخيل معي مسجدا بهذا القدم وبهذا التاريخ، رجالاً ونساءً يتوافدون إليه بزيهم التقليدي، الأبيض للرجال والأسود للنساء، ولا تنسى الأطفال ببراءتهم، أصواتا تتلوا القرآن الكريم تأتيك عبر مكبرات صوت، وفي الأفق البعيد كان الحمام يسبح محلقا مستمتعا في سلام.
طالت بي هذه الحال حتى وجدتني أجلس أمام منبر الجامع الكبير، لم يكن قد صعد عليه الإمام بعد، كل شئ كان مهيئا لقدومه. شعور بالرهبة، بالراحة، بالخشوع، أو كلهم مجتمعون لا أدري، لم يطل المقام حتى قدم الإمام، كان يتكؤ على عصاه، صعد المنبر وهو ممسك بها، عرفت فيما بعد أن هذا تقليد يتبعه أئمة المغرب العربي، فهم على مذهب الإمام مالك.
 كان الإمام شيخا كبيرا، يرتدي حلة بيضاء وعمامة حمراء. جلس الإمام على المنبر فرفع المؤذن الأذان، و على غير عادة المؤذنين قام بتريدد بعض الأحاديث النبوية فور أن انتهى من أذانه، ثم قال: أنصتوووووا يرحمكم الله.
وقف الإمام على منبره ممسكا بعصاه، ثم استفتح خطبته بقوله: " الحمد لله المقيت بالأيام والأعوام، المسيَّر للأفلاك بنسق وانتظام، المدَّبر لحياة العباد باقتدار وإحكام، نحمده سبحانه ونسأله أن يبارك لنا فيما نستقبل من جديد العام"

فهمت من فوري أن الخطبة ستدور حول ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان، وكانت خطبة موجزة، لم تستغرق سوى عشرين دقيقة، بعدها نزل الإمام فصلى بنا ركعتي الجمعة، ثم سلم تسليمة واحده، وسريعا صدح المصلون بالتسبيح والتهليل والتكبير بصوت مرتفع وفي جماعة، انتابتني قشعريرة، استمر سريانها في جسدي حتى بعد أن توقف التكبير. بعده قام الإمام فصلى ركعتي السنة وتبعه المصلون، وبعد أن فرغ الجميع من صلاتهم رأيت المؤذن وقد أخذ الميكروفون وذهب به إلى غرفة جانبية كل حوائطها من خشب الأربيسك وتبعه الإمام. دقائق معدودة وسمعنا صوت الإمام يرج المكان: أبشروا، شابة فرنسية تعلن إسلامها. قولي يا بنتي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. وسمعت الفتاة تردد كلمات الإمام بلكنتها الأجنبية التي تنطق الحاء هاء. عندها هاج الجمع وماج مرددين: الله أكبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق