هذه القيروان كبر وهلل وترنم بمطرب الإنشاد
إنما أنت في بلاد قريش إنما أنت في حمى الأمجاد
إنما أنت في بلاد بني الأغلب أهل
الرشاد والإرشاد
يوم كان الزمان عبدا وكنا سادة الكون خيرة الأفراد[1]
اقتربنا من سور المدينة القديمة فهبت
رائحة من عبق التاريخ، رائحة أعرفها جيدا، أشمها كلما اقتربت من فسطاط عمرو بن
العاص أو مررت بقاهرة المعز، ما أزكاها من رائحة! ورأيت المآذن ترتفع في شموخ
وجلال، مآذن كثيرة، متفاوتة الارتفاع والحجم، متشابهة الشكل والتصميم، مستطيلة
وليست دائرية، ويسمونها صومعة.
توقفنا بجوار سور المدينة القديم، خطونا
خطوات قليلة حتى باب الجلادين وهو أشهر أبواب المدينة، أمامه وقف الباعة الجائلون
يعرضون بضائعهم، معظمها أدوات فخارية بألوان اختلط فيها الأبيض بالأزرق بالأحمر،
أحب هذه الألوان كثيرا، وأحبها في الفن الإسلامي أكثر.
خلف باب الجلادين رأيت شارعا يشبة شارعي
الموسكي والأزهر بالقاهرة، شارع طويل رصت على جانبيه دكاكين قديمة ومقاهي، كانت
الدكاكين خالية من الزبائن، أما المقاهي فكانت عامرة. أشار غسان على مقهى يحمل لافتة مكتوب عليها
"مقهى عراك"، قال: في نهاية الزيارة سنجلس هنا لنحتسي القهوة، فهذا
المقهي هو أقدم مقاهي المدينة.
واصلنا السير فمررنا بمحلات تبيع أنواعا
مختلفة من الحلويات، لفت انتاهي لافتة صغيرة تحمل كلمة "مقروض"، ما هذا
المقروض يا غسان؟ تساءلت.
-
المقروض هو نوع من الحلوى تشتهر به مدينة
القيروان، هل تريد أن تجربها؟ سأل غسان.
-
لا، ليس الآن. أجبت
أكملنا السير وفجأة تفرع بنا الشارع إلى
فرعين، اختار غسان أن يدخل أيسرهما -نسبة إلى اليسار وليس إلى اليسر- كان غسان يعرف الطريق جيدا، وكانت الأمطار تريد
أن تعوق حركتنا، فاحتمينا منها بمظلة أعادت إلينا ذكريات جميلة.
-
أوَ ما تزال تحتفظ بهذه المظلة يا غسان؟
تساءلت.
رد غسان على سؤالي بسؤال:
-
هل تذكر هذه المظلة؟
-
نعم أذكرها وأحتفظ بها كذلك، بل وما زلت
أحتفظ بالأقلام، والحقيبة، والترمس الحديدي المكتوب عليه اسم البرلمان الألماني. فسريعا
تمضي هي الحياة، ولا يبقى لنا منها سوى تلك الذكريات يا غسان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق