أنقذني غسان من العجوز وإلحاحه. كيف؟ لا
أدري، فقط رأيته يميل على أذن العجوز يحدثه، قال له كلمات لم أسمعها، ثم نهض فحياه
مودعا، وفعلت مثل ما فعل. عند الباب كان في انتظارنا الشاب ذو الملابس البسيطة،
ولكن هذه المرة كان يستند على دراجته الهوائية، أشار له عامل المتحف بتلويحة من
يديه فهم منها أننا لم نشتري شيئا. مثل هذه الأمور أعرفها تماما، فقد عملت لسنوات
عدة في السياحة. ما أتعس العاملين في هذا المجال وما أشقاهم!
-
هل تودان زيارة المسجد ذو الثلاثة أبواب؟
سأل الشاب.
-
نعم سنزوره، شكرا لك. أجاب غسان.
-
سأساعدكما في الوصول إليه، هيا من هنا.
أمر الشاب.
-
لا داعي، فأنا أعرف الطريق جيدا. أجاب
غسان.
لم يسمع الشاب جواب غسان، أو ربما سمعه
وقام بتجاهله، ورأيته ينطلق أمامنا في زهو، يمسك الدراجة بيده اليمنى، ويطوح يده
اليسرى كلما انحرف بنا الطريق، أو كلما أراد أن يقول لنا شئ. كنا نريد أن نسير في
هدوء، نريد أن نستمتع بالمدينة، نستمتع بالبيوت البيضاء، بالحواري المتعرجة،
بالأزقة الضيقة، بكل شبر في القيروان؛ فما أحلاها هي القيروان.
توقف الشاب أمام واجهة ذات ثلاث أبواب
لمسجد قديم مغلق، ركن دراجته على حائط مقابل للمسجد، اقترب منا وأشار: هذا هو مسجد
الثلاثة أبواب، وبدلا من أن يتركنا نرى المسجد ونتأمل أبوابه الثلاثة، طلب منا أن
ندخل خلفه أحد المتاجر التى تصنع وتبيع السجاد. لم يمهلنا التفكير، أو حتى الرد
عليه، سبقنا ودخل المحل ونادى علينا: تفضلا.
ياإلهي، لم نأتي هنا لنشتري. أردنا أن
نعتذر للشاب عدم رغبتنا في الدخول لولا أن قامت صاحبة المتجر من خلف ماكينة
الخياطة ونادت علينا: تفضلا.
اصطنعتُ ابتسامة لأحيي بها السيدة، أثنيتُ
على صنيعها، كانت تريد أن تريني كل ما غزلته يداها، قالت: سأبيعك بأرخص الأسعار،
خذ لك واحدة!
ما أصعب هذه المواقف، وما أثقلها على قلبي!
كم أتمنى أن أكون غنيا، فقط لأشتري كل ما يبيعه هؤلاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق