الخميس، ديسمبر 10، 2015

تونس الخضراء 28


في قاعة المصاحف رأينا نسخا قديمة للقرآن الكريم، منها ما هو مكتوب على الرق ومنها ما هو مكتوب على الجلود، منها ما خط بخط واضح، ومنها ما وجدت صعوبة في قراءته. وأفضل ما رأت عيني في هذه القاعة كان المصحف الأزرق، وقد أخبرنا المرشد أن كتابة هذا المصحف تعود إلى القرن الرابع الهجري، وهو مكتوب بالخط الكوفي المذهب على ورق أزرق نادر، وقد تم العثور عليه في مكتبة الجامع الأعظم بالقيروان!
كم أشتاق لزيارة الجامع الأعظم، جامع عقبة بن نافع، هانت، قلت لنفسي، فنحن على بعد كيلومترات قليلة منه. سألت غسان: كم بقي على صلاة الجمعة؟!
-         لا أدري! أجاب غسان، ثم التفت إلى المرشد يسأله:
-         صلاة الجمعة في الجامع الكبير الأولى أم الثانية؟
-         الثانية. أجاب المرشد.
-         ما معنى الصلاة الأولى وماذا تكون الصلاة الثانية؟ تساءلت!
-         سأشرح لك لاحقا. أجاب غسان.
كانت قاعة المصاحف هي آخر زياراتنا في هذا المتحف الإسلامي الرائع، بعدها حرصنا أن نلتقط لأنفسنا عدة صور في جنبات المتحف، علّها تسجل لحظات من النادر تكرارها، ثم خرجنا فركبنا السيارة، ولوحنا بأيدينا إلى عمال المتحف والمرشد، شكرا لكم!
ما أن خرجنا من البوابة الخارجية للمتحف حتى توقف غسان، قال: هيا لنلتقط لأنفسنا صورة أمام هذه البوابة، فما أجملها! تحمست للفكرة ونزلت معه، أصر غسان أن يلتقط هذه الصورة بكاميرته، ضبط الكاميرا على عشر ثوان، بدأ العد التنازلي، عشرة، تسعة، ثمانية، سبعة.  وفجأة، توقفت بجوارنا سيارة للشرطة، خرج منها رجلان بزي ملكي، اقتربا منا، كانت تعلو وجوههما صرامة، تحدث أحدهما إلينا بحزم: هوياتكما الشخصية!
لم ينطق أحد منا بشئ، أخرجت جواز سفري، وأخرج غسان بطاقته. نظر الضابط إلىّ متسائلا: مصرى؟! لم ينتظر مني جوابا، وأخرج هاتفا لاسلكيا ليتحدث فيه. سمعته يملى على الطرف الآخر رقم جواز السفر، ثم رقم بطاقة غسان، سألني عن إسمي واسم أبى، وسأل غسان عن وظيفته، ثم أمر غسان أن يفتح حقيبة السيارة، أملى على الطرف الآخر رقم السيارة، سأل غسان لماذا تحمل في سيارتك هذه الأدوات الحديدية، أجابه: للظروف الطارئة.
لا أنكر أنني كنت متوترا، ولا أنكر أنني توقعت الأسوأ، ففي تلك اللحظات تخيلت كل شئ إلا شيئا واحدا وهو أن يمر هذا الموقف بسلام، توقعت أننا سنذهب إلى قسم البوليس، لماذ؟ لا أدري! توقعت أن يلفق لنا تهمة. ما هي؟ لا أدري! توقعت أن يتم ترحيلي قبل أن أرى الجامع الكبير بالقيروان؟ لا، لا أريد هذه! رحماك بنا يا ألله!
مد الضابط يده إلي بجواز سفري قائلا: هنا ممنوع التصوير. أومأت برأسي، بينما سأل غسان: لماذا؟ أو ليس هذا متحف؟
-         بلى، ولكن أنظر خلفه، هناك ثكنة عسكرية للجيش. أجاب الضابط، ثم أشار إلى زميلة أن يركب السيارة.

تنفست الصعداء، إلا أن دقات قلبي كاد يسمعها من بالمتحف، وبسرعة فتحت باب السيارة وارتميت على مقعدي، هيا بنا يا غسان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق