الخميس، أغسطس 09، 2012

من يومياتي في ألمانيا (برلين الأخيرة)





خرجنا من المسجد - حسان وماجد وأنا- متجهين نحو مطعم مصري لنأكل عشوة مصرية، هكذا أخبرني ماجد. عرفت بعد ذلك أن حسان من لبنان جاء مع والديه اللذان يعملان في برلين وأن ماجد سوري و يدرس في جامعة برلين. دخلنا المطعم المصري وطلب ماجد نصف فرخة لكل واحد منا، وما أن شممت رائحة الشواء حتى أخذني الحنين... وحشتيني يا مصر.

تحدثنا كثيرا في مواضيع شتى عن مصر تارة، وعن جامعة الأزهر تارة أخرى، ثم عن لبنان وعن سوريا. أخبرني ماجد ونحن نصحبه إلى محطة القطار لنودعه، أنه سيعود إلى سوريا في العام المقبل؛ لأنه قد خطب فتاة سورية وسيدخل بها، وسألني هل سأحضر الزفاف إذا ما أرسل لي دعوة فقلت له طبعا؛ فهذا شرف لي...

ودعنا ماجد، وواصلنا السير حتى وصلنا مسجد دار الحكمة، وهناك قلت لحسان : هل تقرأ معي سورة الكهف؛ فاليوم يوم الجمعة وأنا معتاد على قراءتها ولا أريد أن أنام من دون أن أقرأها. وافقني حسان فقلت له إن عدد آيات هذه السورة مائة وعشر آيات فليقرأ كل واحد منا عشر آيات خلف الآخر حتى ننتهي.
ولما انتهينا قام حسان وأحضر مرتبتين وبطانيتين، أعطاني مرتبة وبطانية وأخذ مثلهما ثم ارتمينا عليهما لننام.

سألني حسان لماذا أنت مواظب على قراءة سورة الكهف كل يوم؟ قلت له لا ليس كل يوم؛ بل كل أسبوع وبالتحديد يوم الجمعة ثم قلت له  لقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :-  
 " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين الجمعتين"

ثم وجدتها فرصة للدردشة فقلت له هل تعلم سبب نزول هذه السورة؟ فقال وهو يتثائب: لا، فقلت له سأحكي لك:-
" إن قريشا قد بعثت برجلين أحدهما يدعى النضر بن الحارث والآخر هو عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، كي يستخبرا منهم عما إذا كان محمد صادق في دعوته أم لا  فلما ذهبو إلى اليهود قالوا لهم: سلوه عن ثلاثة أشياء، فإن أخبركم بهن، فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل، فالرجل يكذب وعليكم أن تفعلوا ما تروه:  سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنهم قد كان لهم شأن عجيب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هي؟ فإن أخبركم بذلك، فهو نبي فاتبعوه، وإلا فهو كاذب، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن كذا وكذا، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم غدا عما سألتم عنه ولم يقل إن شاء الله ، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبريل عليه الصلاة والسلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة، وقد أصبحنا فيها ولا يخبرنا بشيء عما سألناه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم غياب الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف أي ذو القرنين."

التفتُ إلى حسان فوجدته قد ذهب في نوم عميق، فدفست وجهي تحت غطائي ثم استسلمت للنوم.

السبت 6 سبتمبر 2003

صوت لموسيقى هادئة مصحوب بصوت صاحبي حسان ينبهاني للاستيقاظ لصلاة الفجر، انتبهت، فاعتدلت ثم نهضت، ثم ذهبت للوضوء وأنا مثقل تعبان لا أستطيع تحريك قدمي ولا رفع يدي، وكنت أشبه ما يكون بالرجل الآلى الذى أوشكت بطاريته على النفاذ...صلينا الفجر سويا ولا أدري ماذا قلت لحسان أو ماذا قال حسان لي ، كل ما أتذكره أني شاهدته يمسك بمصحف ويقرأ منه ثم طلبت منه أن يوقظني في السابعة والنصف.

وضعت رأسي على الوسادة ثم فوجئت بحسان يوقظني قائلا: هيا استيقظ فالساعة أصبحت السابعة والنصف! لم أصدقه و نظرت في ساعتي فوجدتها فعلا أصحبت السابعة والنصف ...يااااه بهذه السرعة ، أريد أن أنااااااااااااام

قمت فغسلت وجهي ووجدته قد أعد لنا طعام الإفطار وفوجئت بطبق الفول يزين المائدة، فقلت له مستفهما:- فوووول؟ لم أكن أتخيل أبدا أن أحدا يأكل الفول سوى المصريين، فلقد مكثت أكثر من شهر في جوتنجن ولم أشتم رائحة الفول ولم أعثر عليه لا في مطعم ولا في متجر. أجابني حسان: نعم فول، ولكنه فول معبأ. وتلك الكلمة كانت مفاجأة أخرى لي. فول ومعبأ... طب وفين القدرة؟! وازاي؟! و و و!؟ أسئلة كثيرة راودتني وما أنهى مراودتها سوى إحضاره للعلبة التى كان بداخلها الفول، وياليته ما أحضرها!! رأيت مكتوب عليها صنع في فلسطين!!!

تناولنا الإفطار ثم أحضر لي عصير برتقال كان لذيذا ثم قال لي تعالى لأريك المركز الإسلامي قلت له: هل هذا مركز إسلامي أم أنه مجرد مسجد؟! دخلنا غرفة بها عده مقاعد خشبية قال لي إنها غرفة تحفيظ القرآن للأطفال ثم غرفة أخرى للدروس الإسلامية للكبار، ورأيت إعلانا بأن الأستاذ عمرو خالد والدكتور عمر عبد الكافي سيحلان ضيفيين على هذا المزكز بعد يومين!!

سألت حسان عن موعد تحرك القطار المتجه إلى هامبورج، فأخبرني أن هناك قطارا يتحرك في الساعة التاسعة والنصف فقلت له: جميل يمكننا أن تجول قليلا في المنطقة المجاورة ثم نركب المترو ونذهب إلى المحطة الرئيسية.
خرجنا سويا ولم يكن هناك من المارة ما يخبر بوجود بشر، فقد كنا نحن فقط من يسير، كان الجو ندى والنسيم أكثر من رائع، بدد معه رغبتي في النوم وأنعشني.

مررنا بمكتب للبريد فقلت لحسان إنني قد وعدت زميلتي أوولا من بولندا أن أرسل إليها ببطاقة بريدية من برلين، فدخلنا واشتريت البطاقة وعليها طابع البريد ثم أرسلتها إليها تحقيقا لوعد قد قطعته على نفسي..

ويبدوا أن الله أراد أن يكافئني لهذا الصنيع فبمجرد أن خرجنا من مكتب البريد إذا بي ألمح لافتة كبيرة من الورق المقوى مكتوب عليها "أوكازيون لمدة يوم واحد فقط، ثمن  القطعة بـ 2 يورو". قلت لحسان قطعة ماذا؟ قال تعالى لنرى! دخلنا محلا كبيرا به ملابس بأنواع شتى – قمصان، بناطيل، جواكت، ومعاطف- سألنا البائعة هل السعرالموجود على لوحة الإعلان بالخارج صحيح؟ فأجابت بنعم. ولم أصدق نفسى!! اشتريت جاكت ومعطفان وبنطلونين وذهبت لأدفع الحساب فأصر حسان على أن يدفع لي!!!

خجلت كثيرا من فعلته هذه ، ورجوته كثيرا أن يأخذ مني ثمن ما اشتريت؛ إلا أنه رفض رفضا قاطعا، وأصر أن يوصلني إلى محطة المترو، وفيها أصر على أن يدفع ثمن التذكرة إلى المحطة الرئيسية التى سأستقل منها قطار هامبورج.

كثير ما فعله معى حسان، ومن قبله ماجد، ومن قبلهما فريدريش، وقليل ما فعلته من شكر لهم...

.......... هامبورج  

محمد شحاتة


هناك تعليقان (2):

  1. إيه؟ ها تقضيها كده كتير وللا إيه؟

    ردحذف
  2. اسلوبك بديع ياريت تكمل اليوميات الألمانية ظريفة ومثيرة جداً

    ردحذف