الأحد، أغسطس 05، 2012

من يومياتي في ألمانيا ( برلين 10)



أخذت أتجول في المتحف المكون من طابقين مملوئين بالتماثيل المصرية ، أشهرها على الإطلاق هو التمثال النصفي للملكة نفرتيتي، ثم تمثال نصفي آخر للملكة حتشبسوت يبلغ ارتفاعة 16 سنتيمتر فقط. علمت بعد ذلك أنه ربما يكون هذا التمثال مقلدا وأنه لو صح هذا الخبر فسيكون هذا التمثال هو  أحد أغلى المقتنيات المقلدة التي اشتراها المتحف على الإطلاق ، حيث إن المتحف دفع في هذا التمثال مليون مارك (510 آلاف يورو أو نحو 715 ألف دولار)  وكان ذلك في عام 1986 للبريطاني روبين سيمس... "أحسن"

بدأ موظفوا المتحف ينادون على الزائرين بأن يتفضلوا بالخروج من المتحف؛ نظرا لانتهاء الوقت المخصص للزيارة. واستجبت للنداء مضطرا، ولم يكن لي أن أعطي ظهري للتماثيل المصرية وأنا خارج من المتحف، لذا فقد خرجت بظهري مودعا منحوتات أجدادي....

خرجت من المتحف بشعور المنتصر المظفر، بعد أن تحققت أمنيتي بزيارة ستة متاحف في يوم واحد .. يا له من إعجاز... قابلتني نسمة هواء باردة جعلتي أبسط ذراعي لها مستسلما في محاولة للطيران، إلا أن جسدي لم يهيئ لذلك بعد، صحيح أنني لم أتناول أي طعام منذ الصباح  الباكر ولكن نشوة الإنتصار جعلت الغدد الجلوكوزية تفرز إفرازاتها الفيتامينية وتمدني بالطاقة... " أي كلام في أي كلام ربما من جراء حالة الهستريا التي أصابتني"

ألقيت بجسدي على أول مقعد وجدته في طريقي، ثم أخذت أتأمل في المارة تاركا لعيني النظر في من جاء ومن راح من دون أن أدرك أي شئ، أو أن أتذكر تلك الوجوة تمر، كان الغرض فقط هو الراحة والاسترخاء. مر من أمامي أتوبيسا شاهدت من نافذته رجلا يرتدي جلبابا أبيضا وعلى رأسة طاقية بيضاء وبجوارة سيدة ترتدي حجابا لست متذكرا لونه، وقد أجلست طفلها على قدميها. انتبهت فورا وتذكرت أن اليوم هو الجمعة وأنني لم أصلي صلاة الجمعة بعد... ياربي... ثم تذكرت أني مسافر وأنه لا جمعة لمسافر فهدأت ثم بدأت أفكر ماذا سأفعل...

بدأت أرتب من أولوياتي فقلت لنفسي :- أنا في احتياج لتناول طعام الغداء، ثم في احتياج لمسجد كي أصلي فيه الظهر والعصر، وبعد ذلك أحتاج إلى مكان  كي أبيت فيه هذه الليلة....

نهضت من جلستي، وبدأت في البحث عن مكان أشتري منه ما يسد رمقي ويذهب جوعتي.. ويبدو أن الجوع يأتي عند ذكر الطعام، فقد أحسست بنوبة جوع لم أشعر بها من قبل، وأخذت مصاريني تأكل في معدتي وهبت العصافير تطير في بطني وأخذت أهرول.... دخلت متجرا كبيرا اسمه بُلُس " بالألمانية PLUS" اشتريت منه خبز وجبن وعصائر وتفاحتين وأصبعين من الموز ثم خرجت أبحث عن مكان أجلس فيه لآكل. تجولت كثيرا أو قليلا لا أدري، كل ما أتذكره أنني بمجرد رؤيتي لشاطئ قناة صغيرة ذهبت من فوري صوب حافته، وجلست... أخرجت من حقيبتي الجبن والخبز ثم صنعت منهما سندوتشا بدأت في اتهامه على الفور، وبينما أنا منهمك في التهام سندوتشي إذا بمركب سياحي صغير يمر من أمامي وقد بدأ الراكبون يلوحون بأيديهم تجاهي فرفعت يدي وبها السندوتش كي أرد لهم التحية ثم نهضت صائحا" اتفضلوا"....

أنهيت طعامي ثم هممت أبحث عن مسجد لأصلي فرائضا قد فاتتني، وأشكر الله على نعم قد أغرقتني وبدأت أنتقي من أسأل من المارة ومن أظن أنه ربما يعلم شئيا عن المساجد.. دلني أحدهم عن مسجد قريب فذهبت إليه فوجدته مغلق ولما قرأت اللافتة الموجودة على بابه علمت أنه مسجد للأتراك.. لا لا، لا أريد أن أصلي في مسجد تركي فتجربتي مع المساجد التركية تجربة لا أحب تكرارها فصلاتهم ربما تختلف عن صلواتنا أو هي كذلك وتذكرت أنني ذهبت ذات مرة لصلاة الجمعة في مسجد تركي فلم أستوعب ما فعلوه فقد صعد الخطيب المنبر مرتين تحدث في الأولي بالتركية ثم نزل وصلي ثم صعد وتحدث بعد ذلك بالعربية ثم نزل وصلينا جماعة ... ولم أفهم شيئا... ثم إنني لما صليت العشاء  بجاري التركي في جوتنجن لم تعجبه صلاتي وفضل أن يصلي هو بمفرده...أبحث عن مسجد للمصريين فهل سأجد؟؟ وهل من حقي أن أشترط، أو أن أنتقي ؟!!

تركت لقدماي العنان كي تنطلق، فلربما تقوداني لهدفي أو تتعثرا في مرادي، وبينما كنت في طريقي فإذا بقطرات المطر تتنزل على رأسي، فاختبأت منها تحت بلكونة بارزة لإحدى البنايات حتى تنتهي، ولما انتهت بدأت أشعر بالبرد، فأسرعت الخطى لعلي أقضي على هذا الشعور. وبدأ الظلام يحل رويدا رويدا وأضيئت مصابيح الشوارع، وبدأت أفكر... ترى لو لم أعثر على مسجد لأصلي فيه فأين سأنام؟!.. كان لدي أمل كبير أن أصلي في أحد المساجد ثم أنزوي في زاويته وأنام للصباح الباكر، ثم أرحل إلى هامبورج، هكذا كنت أفكر. ولكن بدأ الأمل يتلاشي شيئا فشيئا لا سيما بعد أن حل الظلام.. قلت لنفسي يبدو أن الشارع سيكون سريري وأن هذه السماء الدامعة ستكون غطائي... وواصلت السير حزينا...

توقفت أمام سيدة تجلس على مقعد لمحطة الأتوبيس فسألتها هل تعرف أي مسجد في المنطقة؟ فلما رفعت رأسها وجدت الدمع يفيض من عينيها، ومن دون أن أشعر أخرجت لها منديلا ثم أعطيته إياها فلما أخذته مني ضحكت، وضحكت معها ثم انصرفت من دون أن أسأل.. تساءلت في نفسي ترى ما الذي يبكي هذه السيدة؟ فردت علي نفسي قائلة: وما شأنك أنت؟ دعك في حالك فإن حالك يبكي،،، ثم تذكرت قول الله تعالي " كلا إن معي ربي سيهدين"

قمت بترديد الآية الكريمة عدة مرات وكلما أعدت تلاوتها ازددت تحفيزا ويقينا بأن الله لن يتركني، ثم تذكرت قول الشاعر:-

ضاقت ولما استحكمت حلقاتها       فرجت وكنت أظنها لا تفرج

يارب يا مفرج الكروب فرج ما أنا فيه ...  وفي وسط الإضاءة الخافتة التي كنت أسير فيها، وبالقرب من محطة للمترو، رأيت رجلا أسودا يسير في الجانب الأخر من الطريق فعبرت الطريق إليه، ثم سألته بالألمانية هل تعرف مسجدا قريبا من هنا؟ رد الرجل على بالانجليزية ما معناه: أنه لا يستطيع التحدث بالألمانية، فأعدت عليه السؤال مرة أخرى بالإنجليزية، فرد علي بالعربية، فعرفت أنه عربي.... سررت كثيرا...عرف من لهجتي أنني مصري، وعرفت منه أنه سعودي .. قال لي إنه يعرف مسجدا للعرب يبعد خمس محطات عن هذا المكان، ويوجد في حي اسمه تيرجارتن " بالألمانية Tiergarten" في شارع " Tirmstrasse" وأخبرني بأنه على أن أستقل المترو فورا كي أصل إليه سريعا، وأنه لم يعد أمامي سوى نصف الساعة على صلاة العشاء وبعدها سيغلق المسجد. شكرت الرجل كثيرا وصعدت درجات المحطة العالية، وبدأت أسأل الناس عن أي الجهات التي أركب منها القطار المتجه نحو تيرمشتراسه.. قال لي من سألته: لا يوجد شئ اسمه تيرمشتراسه. قلت لهم إنه في منطقة  تيرجارتن!! ولما أخرجت لهم الورقة التي دونت عليها العنوان قال لي أحدهم: لا إنه ليس تيرمشتراسه انه تورمشتراسة .. ياسلااااااااااااااام
ونلتقي غدا
محمد شحاتة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق